Pages

Sunday, April 17, 2011

الحمار الذي ورث الحكم في تونس


حكايات حنكشتيكا الساخرة
حلقة رقم 18
سعيد الغزالي- القدس

قبيل هروب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي من القصر الرئاسي إلى المملكة العربية السعوية، جرت اتصالات سرية بين مسؤولين كبار في تونس بغيرهم من زعماء العالم القلقين على الوضع، وكان من ضمن الدول التي أبدت قلقها، الولايات المتحدة الأمريكية.
وتفاجأ العالم بما جرى عندما أُعلن عن هروب الرئيس التونسي، ومن هنا، من القدس، نحاول أن نتخيل ما جرى من اتصالات سرية.
 نتخيل أن حنكشتيكا وحماره كانا في قلب الاتصالات السرية، وطُلب من حنكشتيكا أن يتوجه إلى القصر الرئاسي لمقابلة الرئيس، ونقل رسالة إليه من الإدارة الأمريكية.
قرر حنكشتيكا الدخول إلى القصر والإجتماع بـ زين العابدين، لمناقشة إلى من سيؤول الحكم بعد رحيله، ووضع الترتيبات اللازمه للإبقاء على النهج والنظام الذي أرسى قواعده الرئيس زين العابدين في تونس. ويبدو أن حنكشتيكا كانت لديه اتصالات بالمخابرات المركزية الأمريكية أو على الأقل اجرى اتصالات بمسئولين من وزارة الخارجية الأمريكية. وقد اتفق معهم على اجراءات ما بعد تنحي بن علي عن الحكم.
كان الدخولُ إلى باحة قصر الرئيس في بوسعيد مغامرة لا بد أن تنتهي بصاحبها إلى زيارة للعالم الآخر، فإذا كان الزائرُ المتسللُ حِماراً فإن فرصةَ وصوله إلى أحد الشوارع المؤدية للقصر ضئيلةٌ للغاية.
لذا قرر حنكشتيكا أن يضع على رأسه قناعا لوجه الرئيس التونسي ويدخل القصر بصحبة الحمار، ومن يجرؤ على اعتراض حمار يدخل إلى القصر بصحبة الرئيس.
 استغل حنكشتيكا فرصة وجود الرئيس في غرفة العمليات في وزارة الداخلية، وانهماكه بمتابعة أخبار قمع المظاهرات، فتسلل هو وحماره بالفعل إلىى داخل القصر دون أن يشتبه بهما أيّ من رجال الأمن، ودخلا غرفةَ مكتب الرئيس الخلفية التي يجتمع بها في المساء مع أخلص خلصائه من رجال الدولة، وانتظر الإثنان عودتَه الميمونة.
قُبَيل الحادية عشرة مساء، وبعد العشاء ومشاهدة نشرة الأخبار المتلفزة، دخل زين العابدين إلى غرفة مكتبه وبيده مجموعة من الصحف والتقارير والأوراق الأخرى.
كانت المفاجأةُ كبيرةً، وقبل أن يرتفع صوتُ الرئيس مطالِباً الحرسَ الخاصَ باخراج هذا الحيوان وصاحبه المدعي بأنه الرئيس من مكتبه، نظر إليه حنكشتيكا نظرةً مُذِلة وقال في مَسْكَنَة اعتاد زين العابدين أن يراها في عيون المحيطين به: سيدي، هل لك أن تستمع إلي قبل أن يطردني حرسك الخاص، فلديّ عرضٌ مثير للاهتمام يستفيد منه كلّ مِنّا حسب موقعه؟
وبدأ الهدوء يعود للرئيس، الذي أمضى يوما عصيبا واجه فيه كثيرا من الإحباط، بعد أن اجتاحت الثورة معظم أرجاء البلاد، كان في ورطة كبيرة لا يعرف كيف يخرج منها. جلس على مقعد مريح بعدما أغلق بابَ المكتب جيدا.
قال زين العابدين مخاطبا حنكشتيكا، دون أن يرفع نظره عن الحمار، وهو يغلي غيظا واشمئزازا من هذا المنظر: تكلم فليس لديّ وقتٌ، وقُلّ ما عندك رغم ثقتي بأنك وحمارك لا يمكن أن يكون لديهما عرضٌ يُغريني بقبوله.
حنكشتيكا: أريد الحصول على وظيفة محترمة لـ حماري، كمستشار مؤتمن على أسرار الدولة، فهو يفوق في كفاءاته وقدراته كلَ مستشاريك ومديري مكتبك السابقين والحاليين، وأنا اساعده في مهماته، وأترجم بينكما.
الرئيس: يا لكما من متخلفين وغبيين! حِمار وَحمّار. كيف استبدل رجالي الذين صنعتهم من قاع العبودية، والذين لا يساوى الواحد منهم ورقة صغيرة تخرج من مكتبي فيجلس بعدها على مقهي أصحاب المعاشات يجتر ذكريات رضائي عنه؟ إن لديّ رجالا في كل مكان من القصر، منهم رؤساء تحرير الصحف الرسمية، وسكرتير الحزب الأول الذي يحتل منصب الرجل الثاني في القصر، وإلى جانبه جميع وزرائي، وأنا أراهم أكثر طاعة وإخلاصا منك ومن حمارك، وأشدَّ قدرة على تحمل اهاناتي لهم منهما، ويبتهجون بالمذلة، وتتقوص ظهورهم وهم يسيرون خلفي طالبين الرضا ونصفَ ابتسامة وإيماءةً مني ولو كانت احتقارا.
قام حنكشتيكا بترجمة كلام الرئيس للحمار، فبدت على وجهه أمائر الغضب، ونظر الحمار إلى الرئيس وكان في نظرته تهديد رهيب.
قال حنكشتيكا، محاولا أن ينقذ الموقف : لكنهم، سيدي الرئيس، سينضمون لأول حركة احتجاج ناجحة تطيح بك، وسيبيعونك لمن يدفع أكثر، وسيبصقون على يديك ووجهك إن طلب منهم الرئيس الجديدُ ذلك. هذا من ناحية، من ناحية أخرى، فإن الحمار مرضي عنه من قبل السي أي إيه، خصوصا في ظل هذه الظروف الصعبة. وهو مع ذلك ليس أكثر من حمار لا يعرف شيئا غير ضرب الكرباج، ولن يكون تعاملك معه، بل تتعامل معه من خلالي، فكلما "أهنتني "أفش" غلي فأنهال عليه ضربا بالكرباج، ولا يجد حماري كائنا يفش غله ويصمت على الآلام، وإن جوعتني أنظر إلى حماري وأراه يسكت على خواء بطنه، فأسكت مثله، ولو مات جوعا اموت مثله.  
زين العابدين: أنا لا أنكر أن فيكما صفات تنطبق تماما على المواصفات المطلوبة لمن يخدمني، لكن المستشارين في القصر أصبحوا مركز قوة، بل إنني أكاد لا أعرف أحيانا ما يدور إلا من خلالهم، وأنا سعيد بهذا فهم يتذللون ويقومون بحمايتي، وأنا أستبد بهم وأتولى حمايتهم. إنها معادلة الطاغية والمستبد والدكتاتور والسيد على مدى التاريخ.
وهنا بدت نظرات الحزن والأسى في عينيّ حنكشتيكا، فتبادل النظر مع حماره الذي لم ينبس ببنت شفه، بل نظر إلى زين العابدين، ولأول مرة يرق قلبُ الرئيس لمن يستجديه ولو صامتا. لكن الرقة القلبية كان سببها الأوامر الموجهة  لزين العابدين من قبل المخابرات المركزية الأمريكية.  
قال الرئيس: لا، لا يمكنه أن يكون المستشار المؤتمن على أسرار الدولة، ولكن قد أتنازل للسي أي أيه ولحمارك، فهل يقبل أن يكون وزيرا للزراعة والري والثروة المائية؟
حنكشتيكا: أستشر أولا حماري.
انزوى الإثنان في ركن قصي من مكتب الرئيس. ورجعا بعد عدة لحظات.
قال حنكشتيكا: معذرة سيدي الكريم حماري لا يستطيع منافسة رجلك في الوزارة، فهو ظلك في الحكومة، وهو لسانك الذي تبطش به، وهو القادر على أن يحدد لرعيتك الأكل والشرب والسموم وقد أبقيته بجانبك لأنك تثق بك، وتريد أن تورثه الحكم بعد رحيلك، ويتعارض ذلك مع رغبة السي أي إيه
الرئيس محتارا، فهو لا يثق بحكنشتيكا ولا حماره، ولا يعرف لماذا اختارت السي أي إيه هذا الحمار لخلافته في الحكم. كان الرئيس زين العابدين يفضل رجله الثاني آملا أن يعود إلى الحكم، بعد أن يتمكن صاحبه من قمع الثورة، ولكن لا يعلم ما هي مخططات السي أي إيه. ربما، سيكون هذا الحمار أكثر عمالة وارتباطا بالسي أي إيه.
 قرر الرئيس أن يراوغ وقال: ما رأي حمارك في رئاسة مجلس إدارة شركة الطيران الوطنية، فهناك سرقة ونهب وأيضا عمولات على شراء طائرات، وحسابات مفتوحة، وأماكن مجهولة لا يعرفها ديوان المحاسبة؟
حنكشتيكا: نتشاور معا. بعد لحظات قليلة، قال حنكشتيكا: يقول حماري، سيدي الرئيس، صحيح أن منصبا كهذا لم تشترط سيادتك أي كفاءات على صاحبه، بل لو تطابقت صفاته مع صفات حماري فإن رجالك وأقاربك ومعاونيك ومستشاريك يستطيعون أن ينالوا من كعكة شركة الطيران الوطنية، فهناك ميزانية بمئات الملايين، وعمولة واحدة تكفي المرء أن يعيش ما بقي له من عمر على حرير وثير، لكن حماري يرى أن منصبا أرفع من هذا يليق به. وهذه –كما أكدت لك_ رغبة السي أي إيه، إنها تريد أن يكون الحمار الرجل الثاني في الدولة، ليخلفك بعد رحيلك.
الرئيس مصرا ومتضايقا ومتأففا: لكن الحمار لن يستطيع أن يكون الرجل الثاني ثم يخلفني بعد رحيلي، حتى لو قامت أجهزة الاستخبارات الأمريكية بوضعه عنوة في القصر.
ترجم حنكشتيكا كلام الرئيس لحماره، فأصر الأخير على موقفه وهز رأسه بعناد.
قال حنكشتيكا مترجما ما قاله الحمار: لكن هذا الاجحاف والظلم البَيّنَ والتمييزَ ليس أكثر من جهل بطبيعة الفروقات والتجانسات بيني وبين صاحب أعلى منصب في الدولة. إن الثوار على الأبواب، ويكادون يقتحمون القصر، فما يضيرك لو أصبح الحمار الرئيس القادم لتونس، فالمواصفات المطلوبة متوفره، فهو لا يقرأ، وإذا قرأ لا يفهم. وهو أقل ذكاء من معظم المحيطين بك، والرئيس القادم لا يحتاج للتفكير، فهناك من يفكرون له، ولا يكتب خطبته، وإذا صادف وأجرى حديثا تلفزيونيا فإن المونتاج قادر على تحويل خربشات الهُراء إلى عبقرية، والفراغ الفكري إلى تأمل، والسخافات إلى مزاح من القائد المتواضع.
زين العابدين صارخا بحنق: ولكنك لا تستطيع أن تكون فيلسوفا، وروائيا، وقائدا مهيبا، وعسكريا فذا، فأنا أتحدث في كل شيء، ويمكنني الخوض في أمور أجهل فيها، لكنها تتحول بقدرة قادر إلى ثورة فكرية لا يماثلها فكر آخر على وجه الأرض.
حنكشتيكا: هل تعني، سيدي الرئيس، بأن حماري لو تولى الحكم واجتمع بكبار المثقفين والاعلاميين ورجال المال والاعمال والأمن فلن يمتدحوا  عبقريته؟ ثم من ناحية أخرى، يمكنك أن تأخذ ما شئت من الذهب والثروات، فثروات البلاد هي من تعبك. ولن أعترض لا أنا ولا حماري على زوجتك الكوافيرة إذا شاءت أن تنقل معها حليها وجواهرها. وصدقني لن يجرؤ أحد على محاكمتك.  
زين العابدين وقد خف حنقه، بعد ان سمع التطمينات من حنكشتيكا وحماره، فقال وقد علت وجهه ابتسامة رقيقة : أنا لم أقل أن حمارك لا يستطيع أن يخلفني، بصفته حمار، وسيجد الجماهير تندفع إلى الشوارع رافعة صورته، وستندهش من الافتتاحية الرائعة في الصحيفة الرسمية وهي بقلم رئيس التحرير نفسه بأننا انتظرنا طويلا حاكما عادلا وقائدا محنكا و بطلا عسكريا كحمار حنكشتيكا، ونحن ينبغي أن نتمسك به من أجل مستقبل أولادنا و استقلال وطننا.


0 comments:

Post a Comment