مقالة ساخرة جدا جدا بعنوان : ثورة ودعاء.. نكات وأخطاء

حكايات حنكشتيكا الساخرة

الحلقة رقم 15

القدس

أقول إنني رغم جرم أبي معروف الذي أقصاني عن مناصبي، واحتل مكاتبي، وأراد إسكات صوتي ليعلو صوته، ومحا اسمي ليرسم اسمه، أقول أنا حنكشتيكا وما زال القول قولي، والفعل فعلي، رغم مؤامرة الإطاحة بي وقذفي من شباك قصري، لينعم به غيري من أفراد عصابة أبي معروف المعروفة المدسوسة.

أقول أنا حنكشتيكا سأعود إلى القصر وأقسم أن أعود إليه ولو بعد حين، فلا يفرح أبو معروف ولا عصابته بما فعلوا وارتكبوا، ولا يظن أن صديقه الجديد المدعو ناصر نصر نصري سيمكنه أن يمكث في القصر طويلا. فأنا لا زلت حيا أرزق، وما زال خلاني في القصر والميدان يسمعون خطابي ولا يخرجون عنه.

وقبل الخوض في الكلام الساخر الجاد أو الجاد الساخر أو الصعود إلى الحلبة، بلا صخب أو جلبة، أو الهبوط إلى الملاعب، لا ككاتب يمسك بقلم مقهور، ويكتب كلاما فيه قصور، كلاما صاغة أبناء السفلة سكان الجحور، بل كلاعب خط الهجوم في ملاعب الثورات العربية، ومنفذ لضربات الجزاء، وأحيانا كراقص في السيرك، وساحر يتقن فن خداع النظر، ويخدع اؤلئك الذين يعانون من طول أو قصر النظر، أو كلاعب في خط الدفاع أو حتى كمدرب أو متفرج متحمس لفريقه.

 أقول، قبل أن تبدأ المباراة، وهي مباراة دموية، هكذا على ألسنة الناس يشاع وفي الأثير يذاع، أنه سيسقط اللاعبون من الفريقين والمشجعون والمتفرجون ضحايا الصراع، أؤكد ذلك وأقول قبل الشروع في الموضوع، وقبل أن أسكب بعضا من كلام اليراع على الورق المصقول. 

أحب أن أروي ثلاث نكات تجعلنا نبتسم أو نضحك، وتشرح لنا طبيعة النظام السياسي السائد في العالم العربي. النكتة الأولى تتعلق بصورة الشعوب العربية كقطعان من الخرفان المستسلمة لإرادة الحاكم المستبد الذي يفعل بها ما يشاء، وهي تسير خلفة طائعة، والمقصود هو انا، انا حنكشتيكا الحاكم المستبد الذي كان أمره مطاعا .  

يسأل أحدهم زميله: هل يجوز أن نطلق على الشعوب العربية بأنها شعوب داجنة بمعنى "مستأنسة وتُربي بالبيوت"ا؟

يجيب الزميل ويقول:- لا، هي خرفان مغمية يقودها حمار، يا ترى إلى أين سيأخذها؟

والحمار والمقصود هو الحاكم العربي الذي يتصف بالصفات التالية:

1-  طول النفس ومعناها أن يقعد الحاكم في الحكم 898989 سنة.

2-  الجنون عشان يصدق قراراته التاريخية الحكيمة.

3-  الخشوع عشان يتصور في الأعياد والمناسبات الدينية.

4-  الخلفية الثقافية(أي المؤخرة) عشان يتكلم عن الإنجازات. الكرش المنتفخ أيضا إنجاز. لا تنسوا الرقبة الغليظة. ويتصف الحاكم بأن مؤخرته مصنوعة من مادة لاصقة عشان يلزقها بالكرسي وتبقى كذلك إلى يوم وفاته.

في السياق ذاته، يسأل وزير مطرود الرئيس: لماذا طردتني من الوزارة، يا سيادة الرئيس؟

يجيب سيادة الرئيس: عشان يا حبيبي التغيير سُنة الحياة.

يسأل ثانية: لماذا عزلت وزير المواصلات؟ ويحصل الوزير على نفس الإجابة.

فيقول الوزير: لماذا أنت لا تتغير ولا تستبدل برئيس آخر كما تفعل مع الوزراء؟

يجيب الرئيس: تغييركم يا حبيبي سنة ووجودي أنا فرض عليكم. 

إنقلبت الصورة تماما في السابع عشر من كانون اول العام الماضي في تونس. أثبت الشعب التونسي أنه ليس مجموعة من الخرفان يقودها حمار، بل تمرد على زين العابدين وأطاح به في ثورته الرائدة. بعد شهر ونيف،أي في الخامس والعشرين من كانون الثاني انتقلت الثورة إلى مصر، وبعد يوم واحد وصلت إلى البحرين، وفي الثاني عشر من شباط، اشتعلت نيران الإحتجاجات في اليمن، وبعدها بخمسة أيام، كانت ليبيا على موعد مع ثورتها، وخلال أقل من شهر، أي في الخامس عشر من شهر أذار، ثار الشعب السوري ضد بشار الأسد، وهناك بوادر ثورات في بلدان أخرى.

الذين تفاجأوا بوقوع الثورات العربية، لم يقرأوا أو لم يطلعوا على النكات التي تتناقلها الألسن مثيرة الضحك. فلو كانت هذه الشعوب غير إنسانية، لما حولت مآسيها إلى ضحك. وهذه السمة أي سمة الابتسام والضحك لا توجد إلا لدى الإنسان. لقد كان المواطن العربي طوال عقود الاستبداد والفساد يعبر عن احتقاره للزعيم، واستعداده لتحديه، ورفضه لتعاليه الزائف، لقد جعل من حكمه الاستبدادي مادة للضحك، وبمرارة ما بعدها مرارة، انتقد المواطن العربي "عقلية القطيع" السائدة في المجتمعات العربية. وأثار ضحكنا لأن المواطن شبه المواطنين الخاضعين الخائفين من النظام بالخرفان. وكذلك حول هذا المواطن سيادة الرئيس إلى جماد تتكون مؤخرته من مادة لاصقة. فأضحكنا هذا التشبيه.

كان المواطن العربي المهان يتكلم من العمق، من منطقة اللاشعورالتي تعشش فيها الأفكار المكبوتة، لينقد واقعا يصعب نقده بشكل مباشر وصريح.

واجه الرئيس جمال عبد الناصر سيلا من النكات اللاذعة بعد هزيمة عام 1967، وقد حاول أن يمنع الشعب من التنكيت عليه، لكنه أدرك أن ذلك أمر مستحيل، فقال في إحدى خطبة مناشدا الشعب المصري أن يتقي الله في نفسه وأن يُرشدَ النكتة بحيث لا تؤذي الشعور الوطني. لكن النكته تستخدم في التنفيس عن الإحباط بحيث تحل مكان فعل التغيير.

ونختتم هنا بدعاء أحد الزعماء العرب قبل اندلاع الثورة عليه

قال الزعيم العربي متضرعا إلى الله:

اللهم ابقني على الكرسي ما دمت حيا

وبارك لي مرقدي ومقعدي

اللهم وفقني لما فيه 99 في المائة من أصوات الناخبين

وأيدني بختم نعم من لدنهم

اللهم اقذف في قلوبهم الرعب من ختم لا لحكمي

واجعلهم جميعا من أصحاب نعم لما فيه خير في بقائي على الكرسي

ووفقني إلى ما ترضاه نفسي

فأنال منهم نعم ومن خيرات ملكي النِعم

أللهم اجعل من يعارضني يصاب بالجلطة

اللهم اغفر لمن يؤيدني إن ارتكب خطئا أو غلطة

اللهم عليك بشعبي فأفقره يا رب العالمين

اللهم عليك بالمعارضة فشتت شملها

اللهم عظم حب إسرائيل في قلبي

اللهم أنزل رحمتك على بني إسرائيل والأمريكيين من أحقاد شعبي

اللهم اجعل امريكا راضية عنا

وحبب قلبها إلينا

أللهم استغيث بك ألا تنزع عنا رداء التبعية لها

اللهم أبقنا تحت حمايتها

اللهم لا تسقط رايتها

واجعلها عالية خفاقة على ربوع بلادنا

اللهم عادي من يعاديها وحالف من يحالفها

اللهم أبعد الصومال عني

وأغثني من كوارث السودان

اللهم أكثر حنطتي ونفطي وسعودني ولا تعرقني

اللهم احرق صحف المعارضة كلها

اللهم لا تبق صحيفة لا تُمنع

ولا معارضا لا يُقمع

وثبتني على كرسي لا يُخلع

واجعل خطابي للناس قولا سديدا يُسمع

ولا تدع مواطنا من قولي لا يُخدع

اللهم ضاعف من ثروتي

اللهم لا تفتح خزائنك لغيري

اللهم احصد غيري من الزعماء المناوئين لحكمي حصد قدير مقتدر

وغلظ قلب أمريكا عليهم

واجعلهم من أعداء إسرائيل

وصب نقمة الغرب عليهم

اللهم افقر شعبنا حتى يخضع

أللهم عزز من سطوتي  عليه

اللهم اجعل ابني وريثي

اللهم أيد خطوته وانصره على من عارضه

اللهم أبعد عنه المدسوسين

وأيده بالزعران المناصرين

اللهم مرر حياة الشعب ونغص عليه وزد من بؤسه وعيشته الشقية

اللهم أرحنا في عيشتنا الهنية الراضية المرضية

اللهم وسع من بنياننا وأعلي من صروحنا

اللهم لا تجلعنا ضحية حصار غربي،

اللهم أعنا على أخذ ثأرنا من شعبنا إن عصانا ولو أخطأنا

اللهم أبعد عنا الانقلاب العسكري

اللهم نريدها فترة حكم ممتدة، مدة بعد مدة

وجنبنا مؤامرة المتآمرين والمرتدة

اللهم اجعل القصر الرئاسي دارنا إلى يوم مماتنا

اللهم اجعل ابني وريثي من بعدي

واجعل بأسه شديدا على شعبي

اللهم  اجعل حق خصومنا باطلا وباطلنا حقا

اللهم إليك أضرع يا أرحم الراحمين