الساعة السابعة من صباح يوم الثلاثاء

 

لم ينهض حنكشتيكا بعد من فراشه، ولا يزال تحت تأثير النعاس الشديد، فلم ينم سوى أربعة ساعات، واستبد به قلق شديد إثر مشاهدته لفيديو الانتفاضة الثالثة، ليلة أمس، مد يده إلى جهاز الـ "لاب توب"، وفتح صفحة جديدة في ملف جديد أسماه الانتفاضة الثالثة، وبدأ يكتب.  

أجل حنكشتيكا كتابة الحلقة الأولى من حلقاته المرتقبة عن يوميات الثورة السورية والمظاهرات ألمتأججة في درعا وحمص وبانياس ومدن سورية كثيرة، والتفت إلى ما يجري حوله في فلسطين، فالفلسطينيون الذين انتفضوا مرارا وتكرارا منذ ما بعد الحرب العالمية الأولى، يعيشون الآن أسوأ لحظات تاريخهم، فهم يواجهون احتلالا شرسا رابضا على أرضهم وصدورهم متحكما بكل شيء في حياتهم حتى هوائهم الذي يتنفسونه، وقد تسلل إلى ميادين عقولهم وساحات أحلامهم، وهم يعانون من إنقسام حاد وعميق من رأسهم إلى أخمص أقدامهم.

في هذه الفترة بالذات، هبت الثورات العربية، مانحة أملا لهم، وعليهم ألا ينتظروا أن يأتيهم النصر قريبا، فلا زالت الثورات العربية تواجه أخطارا كبيرة، ولا زالت أنظمة الاستبداد تنهش لحم الجماهير العربية، وتحاول أن تفرغ ثوراتهم من معاني النصر الحقيقي، ومن هنا، يتوجب على الفلسطينيين أن يصنعوا ثورة سلمية عارمة وشاملة جميع مشاربهم وجموعهم وأماكن تواجدهم، ثورة تكون على قلب رجل واحد وهدف واحد وهو إنهاء الاحتلال.

 استبدت الحماسة والهواجس بحنكشتيكا وهو يفكر بالقضية الفلسطينية، أُم القضايا ، فأما الحماسة، فكان مصدرها فرحته بقرب الفرج والحرية والتحرر من الإحتلال الإسرائيلي، ظنا منه أن الثورات العربية المنتصرة ستبادر إلى نجدة الفلسطينيين. كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ ها هي إسرائيل تتصرف مع هذه الثورات العربية باحتقار، وتستعرض عضلاتها العسكرية وتقصف قطاع غزة؟ وكأنها تقول للثورة المصرية، الثورة الأم لكل العرب: افعلوا ما بدا لكم، أنا هنا، سأستمر على النهج ذاته، أقصف واضرب وأحاصر، كما كنت أفعل في زمن الرئيس السابق حسني مبارك.

والفلسطينيون لا يزالون يعيشون في آتون صدماتهم وأزماتهم: صدمة الحصار وأزمة الانقسام، وخطر انسداد الأفق السياسي، وتدهور الأحوال الإقتصادية، وزعزعة القيم. ولا زال فكر الهزيمة والاستسلام المتمثل باتفاق اوسلو وأقرانه يسيطر على عقلية "القيادة الفلسطينية" التي ما فتئت تروج له وكأنه إنجاز من إنجازات الثورة.