Pages

Friday, April 15, 2011

زين العابدين: سقطتُ ولم يسقط نظامي ---- حمار تونس زخ على الأرض تحت ثقل كائنات غير مرئية


حكايات حنكشيكا الساخرة
حلقة رقم 16
زين العابدين بن علي وتونس
سعيد الغزالي

أضع الآن قناع الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، على وجهي ويقف حماري أبو صابر إلى جانبي، وكأنه نداً لي، فلم يعد هناك فرق يذكر بيني وبينه، رغم أنه حمار وأنا إنسان، وأخشى أن يتفوق عليّ، فترتفع مكانته على مكانتي، فأكون أنا الحمار بينما هو الإنسان، وسبحان من يغير الأحوال، والأيام دول، يوم لك ويوم عليك. حاولت أن أمتطيه لكنه أبى، وكاد أن يرفسني، وتمرد عليّ، فبلعت كبريائي ووقفت إلى جانبه.
قال لي: إنه لن يسمح لرئيس مخلوع أن يمتطي ظهره، وأن من يحاول أن يمتطيه، سيركله ركلة قوية في المكان الصعب.  أعلن أنه أصبح حرا. هو حر بأن يقول ما يشاء، لكن الحمير خلقت للإمتطاء، ولخدمة أصحابها، ولن يتغير شيء في هذه الدنيا. فالحمار سيكتشف بعد أيام أو أسابيع أنه مركوب.
بالفعل، لم يخب ظني أحسست أن شخصا ما أو أشخاصا غير مرئيين قد امتطوا ظهره، وقد 
الحمار يهز رأسه، وكأنه يقول: صدقوه هذه المرة.  الحمار يرزح تحت ثقل كائنات غير مرئية وتتقوس ساقاه.

استمر حنكشتيكا في إلقاء خطابه: أنا حنكشتيكا، زين العابدين بن علي، كنت رئيس تونس على سن ورمح. أتحدث معكم من منفاي، ولا هدف أجنيه من حديثي سوى قول الحقيقة، ولن ينفعني قولها، ولن تحسن من صورتي، ولا أريد منفعة لنفسي ولا أبغ أن أحسنها، لتبق كما هي صورة الرئيس الناهب الكاذب الهارب كأنذل لص وأحقر جبان، وكفاني كذبا على نفسي وعليكم.

أنا حنكشتيكا، زين العابدين بن علي، صرت للأسف الرئيس المخلوع على سن ورمحٍ أيضا، وبجدارة مذمومة من شعبي، وندمت متأخرا ولم ينفعني ندمي على ما فعلت أثناء فترة حكمي التي تجاوزت العقدين بثلاث سنوات، صرت للأسف الرئيس المحتقر وتداول شعبي بل كل شعوب العالم على الملأ جرائمي على الفيس بوك والتوتر، وكانت فضيحتي بجلاجل، ندمت متأخرا بعدما انجلت الحقيقة أمام ناظريّ وأمام الناس فرأيتها كما ترون الشمس .

برغم حزني وإحباطي إلا أنني ارى صورة قاتمة غير تلك الصورة المشرقة التي يراها الثوار. لكنني كما اعتبر نفسي ضحية مؤامرة، فإن الثوار هم أيضا ضحايا تلك المؤامرة.  ستقولون إن كلامي عن المؤامرة ذر رماد في العيون، وتقولون إنني أكذب كما كنت دائما اكذب، نعم كنت أكذب، لكنني في هذه اللحظة، وهي لحظة صدق نادرة لا أكذب فيها، أرجوكم، أن تصدقوني هذه المرة، إن لم تصدقوني، أسألوا أبا صابر. ستقولون إن أباصابر حمار، وكيف نصدق اقوال حمار صاحبه كان رئيسا يكذب في اليوم ألف مرة؟ كيف نصدق  مزاعمه، وهو الذي حكمنا وزلزلنا وشتتنا ونهب ثرواتنا، وأذل أولادنا، وقهر نساءنا؟

سأقول ما أقول، ولو أعرضتم عن قولي، أُذكركم أنني كنت دوما على خلاف مع حماري، وهذه هي المرة الأولى التي أعترف له بصواب التفكير وقوة المنطق، ولكن اعترافي جاء بعد فوات الأوان، أو بعد خراب مالطة، كما يقول المثل الشعبي.

حقيقة أنني لم أتوقع أن يحدث ما حدث، بهذه الصورة، وبتلك النتيجة الكارثية، لم تكن الثورة ضدي مفاجئة، وصادمة لي، كنت مستعدا لها، وأعددت قوات أمنية مدربة ومسلحة وقادرة على قمع المظاهرات، والتنكيل بقادتها وزجهم في السجون لسنوات طويلة، كما فعلت في قمع هبات مماثلة في السابق، لكن شيئا غريبا قد حدث، ولم أكتشفه إلا بعد أن جلست جلسة حوار صريحة مع أبي صابر.
أتبتسمون استهزاءً!  لا بأس. أوافق على أنني فقدت ملكي، وضاعت أحلامي وانكسرت، وأدركت أنني جنيت على نفسي، قبل جنايتي على شعبي.

كنت أقول لأبي صابر كلما حذرني من سياساتي وتصرفاتي: أنت حمار لا تفهم السياسة، وكان يريد منى أن أجعل الشعب حليفي، ولا أثق بالغرب، فاستهزأت بقوله، وضربت كلامه عرض الحائط، وكنت مخطئا.

أنا حنكشتيكا زين العابدين بن علي، ظننت أنني سأبقى رئيسا  على سن ورمح إلى يوم وفاتي، ظننت نفسي أقوى من كسرى وقيصر، وأشد بأسا من أعتى فراعنة مصر، بل أظلم من نيرون روما، وأشرس من جنكيزخان.

الحمار لم يتوقف عن هز رأسه إلى أعلى وإلى أسفل، وكان يحرك ذيله كمروحة، ويكاد يزخ من ثقل أشخاص غير مرئيين على ظهره. ويستمر حنكشتيكا بإلقاء خطابه، الذي يبدو أنه خطاب يختلف عن جميع خطاباته السابقة. يتحدث زين العابدين  بصوت فيه انكسار.

أنا حنكشتيكا، زين العابدين بن علي جعلت نفسي دكتاتورا قروسطيا وظننت أنني سأبقى حاكما مطلقا، لكن الأمور قد تغيرت، وحدث الطوفان، وانقلبت الأمور عليّ، وأصبحت في بضعة أسابيع،أواجه محاكمات وإدانات مطرودا ومطاردا من العدالة وملاحقا من قبل الثوار.

أدام الله عزكم. بدأ عهد جديد بدوني في بلادي التي تصرفتُ فيها كملك وتلذذت وأسرتي بخيراتها، لكنه، لن يكون عهدا ثوريا كما تتوقعون. لا تتوهموا كثيرا، ولا تأخذكم توقعاتكم إلى دائرة الآمال العريضة.

سأكون أول وأشجع دكتاتور عربي يعترف بالحقيقة المرة على الملأ. صحيح أنني ذقت مرارتها، فتسللت ليلا من قصري وهربت بالثروة التي سرقتها من شعبي كأي لص، ولكن الجماهير الثائرة ستذوق مرارتها أيضا، وأول الناس الذين سيشعرون بخيبة آمالهم هم الفلسطينيون، نعم هؤلاء المساكين الغرقى يتمسكون بكل قشة تصادفهم، ويظنونها أنها ستنقذهم من الغرق. هؤلاء سيشعرون قريبا أن الثوار سيقلبوا لهم ظهر المجن.  

اسمعوا ما أقول لكم أيها الفلسطينيون، أخاطبكم جميعا، اخاطب اؤلئك الذين كانوا في صفي، وانتهجوا نهجي، وأؤلئك الذين كانوا من أعدائي، أقول لكم: ادرسوا ما حدث لي في تونس، وتمحصوا في المواقف، وافهموا قولي ولا تتأملوا كثيرا، وعليكم أن تنظروا في أموركم مليا، ولا تتحمسوا، ولا تغرنكم الأقوال الثورية التي تسمعونها، وستصلون إلى النتائج المخيبة للآمال. 

إن نظامي الذي أنشأته وأدوات القمع التي استخدمتها كانت قادرة على إبقائي في السلطة، لكنني خُدعتُ، نعم خدعت. فالنظام في الدولة البوليسية في تونس كان راسخا، ولم يكن أبدا ورقيا، لا يصمد أمام  مظاهرات الإحتجاج السلمية، كان بإمكاني الصمود، وقمع الهبات بالقوة.

خدعت من أقرب الأشخاص إليّ الذين هم من بطانتي، أؤلئك اوهموني أنني أواجه ثورة ستأكل الأخضر واليابس، وأنها تشكل خطرا على حياتي وحياة اسرتي، ونصحوني أن أهرب إلى خارج البلاد.  صدقتهم وهربت.
خدعت من أشخاص في بطانتي كانت بأيديهم السلطة البوليسية، وكانوا يتبوأون مناصب سياسية محورية، ولكنهم كانوا مرتبطين بالخارج، وتحركوا وفق أوامر من الخارج، والخارج الذي أعنيه هو الغرب.

الأشخاص المتحكمون بالبلاد الذين ساندوني طوال الوقت تحولوا بين ليلة وضحاها إلى قادة التغيير والإصلاح. تحركوا بسرعة لإنقاذ النظام الدكتاتوري، وقرروا التضحية بي، كقربان يتقربون به إلى الثورة الشعبية ثم يمتطونها كحمار.
ينوء الحمار بثقل الأشخاص غير المرئيين على ظهره. وحنكشتيكا يكمل خطابه، ويقول: خدعت من قبل هؤلاء، الذين حاولوا أن يخدعوا الشعب، ليسلبوا ثورته ويسخروها لخدمة الثورة المضادة. إنني أكشف للشعب هذه المؤامرة الهادفة إلى إعادة صياغات جديدة  لنظامي الذي وصل درجة عالية من البشاعة.
سقطت ولم يسقط نظامي.

نعم، كان نظامي بشعا، ولم أكن أحوز على شيء أقدمه إلى شعبي، غير كلام فارغ من أي محتوى، لم أنظر إلى أبعد من أنفي، واحتقرت الشعب في القول والفعل ولم أبق على أي ود بيني وبينه، كنت أنهش شبابه وشيوخه ونساءه، كالذئب المستفرد بقطيع الخراف.

ولما هب الشعب ضدي، أدركت الذئاب الرأسمالية الكبرى أن دوري كذئب خائب وشرس وغبي قد انتهى، وعليهم أن يعتمدوا على أشخاص لا يقلون ذئبية عني، ولكنهم أنعم ملمسا، ويتصرفون كالحرباءة ويغيرون جلودهم. قدموني قربانا من أجل المحافظة على سفينة النظام الغارقة، وأنقذوها ودخلوا إلى قمرتها، واحتلوا دفة قيادتها، وتحدثوا بلغة الثوار واقتادوها إلى المصير المجهول.  

لم يتصرف هؤلاء الأشخاص في بطانتي من تلقاء أنفسهم، فأنا أعرفهم تمام المعرفة، فهم لا يمتلكون بصرا ولا بصيرة، وغير قادرين على التفكير لخمسة أيام قادمة، ولكنهم كانوا ينفذون الأوامر، والأوامر كانت تأتيهم من الغرب. هذا الغرب الذي توصل إلى استنتاجين مهمين.

التفت حنكشتيكا إلى الحمار، وقال له: اذكرهم يا حمار. هز الحمار رأسه وزخ على الأرض ونهق نهيقا عاليا. أكمل حنكشتيكا خطابه.

الإستنتاج الأول: إن النظام الدكتاتوري العربي لم يعد صالحا لخدمة مصالحه، لذلك، يجب استبداله بنظام أكثر قطرية وأقل اهتماما بقضايا الأمة المركزية مثل القضية الفلسطينية.
والثاني: إن النظام القديم القائم على وضع الأفضلية لإسرائيل لم يعد مفيدا للغرب، لذلك سترغم إسرائيل على تخفيض سقف هيمنتها، لافساح المجال لإبقاء النظام العربي الجديد تحت الهيمنة الغربية.

تخلى الغرب عني. وأصدر تعليماته إلى المقربين مني أن يعملوا على إزاحتي، خشية أن يكون البديل مولودا ثوريا يخرج عن دائرة سيطرتهم، وحلبة نفوذهم.
ولما تحقق لهم هدفهم بعزلي، وجد هؤلاء الإنتهازيون في الأحزاب السياسية الورقية التي ترعرعت في عهدي مطاياهم فركبوها ورفعوا شعارات التغيير والإصلاح، وتسلقوا على جثث الضحايا من أبناء الشعب ليجلسوا مكاني في سدة الحكم. 

انظروا ماذا فعلوا بعد  إقصائي. تجاهلوا مطالب الثوار، أبقوا على الرموز السياسية والأمنية، استخدموا الأحزاب الدينية كفزاعة لأخافة العالم من أسلمة الثورة، وأرغموا الإسلاميين على الدفاع عن أنفسهم بالقول بأنهم لا يسعون إلى السيطرة على مقاليد الأمور.

في هذه اللحظة، تهاوى الحمار على الأرض، وصدر عنه أنين فاجع.


0 comments:

Post a Comment