Pages

Monday, April 4, 2011

إنهاء الانقسام

مقالات حنكشتيكا الساخرة
حلقة رقم:2
فلسطين
الكاتب: سعيد الغزالي

بعد خروجه من المستشفى، إثر تعرضه للضرب المبرح من قبل الشرطة، لأنه وجه إهانات لها، توجه أبو معروف سائق التكسي المعروف والسجين السياسي السابق بصحبة صديقه حنكشتيكا إلى منتجع الفشخة الذي يطل على البحر الميت.
هناك جلس حنكشتيكا وصديقَه أبو معروف  يحتسيان الخمر ويتداولان معا فكرة إنهاء الانقسام، الذي جعل الشعب الفلسطيني شعبين منقسمين رغم أنهما غير قابلين للقسمة، وهدفهما هدفين مختلفين، وقيادتهما قيادتين متعاديتين لا تتفقان إلا على الإنقسام. والأدهى من كل ذلك أن الشعب المجزء في الجغرافيا والسياسة يخضع للإحتلال وسطوته.
استعرض الإثنان تحت تأثير الصهباء ما آلت إليه مسيرة النضال بعد عشرات السنوات من التضحيات وسقوط عشرات الآلاف من الشهداء ومئات الآلاف من الجرحى في والأسرى والمشردين ممن فقدوا أراضيهم وبيوتهم، تحت نير الإحتلال وخلال الحروب والانتفاضات والانقسامات. وكانت نتيجة التضحيات انقساما وتشرذما وتشتتا في ظل وجود ما يسمى زورا وبهتانا بدولتين عاجزتين كسيحتين: دولة في غزة  محاصرة وأخرى في رام الله لا حول لها ولا صول، وكلاهما تناصب الأخرى الضغينة والعداء.
خاطب حنكشتيكا صديقه أبا معروف الذي فعلت الخمر فعلها برأسه فدار ولف على نفسه، وأمسك بعضا من حصى الشاطىء السوداء ورماها تجاه البحر  وقال:"وينك يا زلمة. وين سرحت في تفكيرك"
"أنا هون. خِلصتْ القنينة؟" 
"ما تخافش في غيرها. دبرت حالي"، أجاب حنكشتيكا ليطمئن أبا معروف على أن ذخيرتهما من المشروب لم تنفذ.  
"طيب شو نعمل بها الإنقسام؟" تساءل أبو معروف.
"شو بتقصد؟" رد حنكشتيكا
"أقصد لازم نعمل إشي لإعادة اللُحمة إلى الوطن".
"إعادة اللحمة إلى الوطن، شو بتحكي؟ زي إيش؟"
"نعمل خيمة اعتصام." قال أبو معروف
"مرة واحدة خيمة اعتصام، علشان إيش؟ تساءل حنكشتيكا مستهجنا
"علشان نعمل ثورة، ثورة زي ثورات مصر وتونس واليمن والبحرين وسوريا وليبيا والحبل على الجرار، واحنا لازم يجر حبلنا زي هادي الدول. يعني كل العرب يعملوا ثورات وشعبنا لا يثور".
"طيب شو المشكلة بنعمل ثورة، ما هي الثورة صارت سهلة، منجمع الناس على الفيس بوك، نحط خيمة اعتصام في الساحة في وسط رام الله، ونهتف الشعب يريد إنهاء النظام، بيطخوا علينا، بيموت شهدا، بيطلعوا كل الناس للشوارع وهيك بتصير الثورة" قال حنكشتيكا.
"بينفعش نعمل ثورة. ونقول: "الشعب يريد اسقاط النظام". عارض أبو معروف.
" طيب شو لازم نقول؟" سأل حنكشتيكا
لازم نقول: "الشعب يريد إنهاء الانقسام".
"حلو، وبعدين؟"
"القيادات من غزة ورام الله بيقعدوا حول الطاولة المستديرة ويعلنون إنهاء الانقسام"، قال أبو معروف.
"حلو كتير، اعجبتني الطاولة المستديرة، طيب وبعدين؟" سأل حنكشتيكا.
وبعدين بنقول: الشعب يريد إسقاط النظام "
"قصدك نعمل الثورة على مرحلتين. طب ما ليش ما نعملها مرحلة واحدة من البداية. نعمل الثورة بدون ها اللحمة بين ها القيادات. ما جابنا الدور ووجع الراس إلا القيادات" قال حنكشتيكا
لو عملنا ثورة في غزة وثورة برام الله، ونفرض أننا نجحنا، راح نضل منقسمين. الثوار في غزة مش يقبلوا حكم الثوار في رام الله، والعكس صحيح". والأفضل نفض الانقسام ونسوي اللُحمة".
"طيب كيف ها اللُحمة بتصير" سأل حنكشتيكا
"بالحوار حول طاولة مستديرة" أجاب أبو معروف..
"ونفرض أن الحوار حول طاولة مستديرة ولا مستطيلة لم يسفر عن نتائج. إنت عارف أنو القيادات لها ارتباطات بجهات داخلية وخارجية. من وين ها الفهم جايبو يا شاطر. يعني بدك قيادات غزة ورام الله ينهوا الانقسام بينهم، علشان نعمل ثورة عليهم. أنت فاكرهم خالصين. مش من مصلحتهم يتوحدوا يا حبيبي".
"شو العمل، عندك طريقة تانية غير الطاولة المستديرة؟" سأله أبو معروف
"أي طلعتها من راسي هادي الطاولة المستديرة، مش عارف تفكيري تسكر"
فتح الإثنان قنينة أخرى من الخمر وشرباها دفعة واحدة .
"هلا صار راسي رايق وأجتني فكرة" قال أبو معروف.
"إحكي.
"نبيع غزة ورام الله لفرنسا ولا أمريكا  أو بريطانيا "
"أوكي بس أنا ما ببيع لبريطانيا بكفي اللي عملتو من زمان" قال حنكشتيكا مستغرقا في التفكير بهذا العرض، ورأسه متصدع منتظرا صديقه أن يكمل اقتراحه.
"اذا انباعوا بتصير دولة غزة ورام الله دولة واحدة. بعدين بنشتري كم خيمة، ولا بناخدها تبرع من الصليب الأحمر ونعتصم، ونعملها ثورها سلمية، سهلة.
"افرض إنو غزة انباعت لفرنسا، وإيطاليا اشترت رام الله. الانقسام راح يضل" قال حنكشتيكا.
بدأ أبو معروف يحك رأسه ويقول: والله في مشكلة. بلاش، مش راح نبيعهم إلا مع بعض. يعني أنت من رام الله وأنا من غزة، واحنا مع بعض نبيع رام الله وغزة لدولة واحدة. وهيك انحلت المشكلة وينتهي الانقسام"
"أنا يا حبيبي ما بدي أبيع ولا حتى ذرة تراب واحدة من ترابنا المقدس" قال حنكشتيكا وكأنه يلقي خطبة.
 أضاف: "لن تتخلى عن القدس؟"
"بخ بخ.. يا أخا العرب، أحسنت القول، ولعمرك إن قولك مثل فعلك" قال أبو معروف ساخرا
اهتز حنكشتيكا طربا... وبدأ ينشد معلقة الشاعر عمرو ابن كلثوم إلى أن وصل إلى البيت الذي يقول: إذا بلغ الفطام منا صغير       تخر له الجبابر ساجدينا
"خليك استنا أن تخر الجبابر ساجدينا، بس أنا راح أبيع".
"أذا بعت لوحدك بيضل الانقسام موجود، وأنا مش راح أبيع". قال حنكشتيكا محذرا
"خليني أسألك. لما تخرب سيارتك بتبيعها بسعر رخيص. بتبيعها خرده.  مزبوط؟"
"هادا وطن مش سيارة خردة يا حمار" قال حنكشتيكا.
"سمعنا ها الكلام من غزة ورام الله، قولي على إيش هم منقسمين. أنا نسيت ليش صار ها الانقسام، قال أبو معروف.
بدأ حنكشتيكا يفكر: "والله أنا كمان نسيت. فكرك مهم نتذكر. بتفكر كان في سبب منطقي او غير منطقي ل ها الإنقسام".
"صح، اذا اتفقنا إنوا ما في سبب منطقي أو غير منطقي. أحنا منقول راح نبيعها. نعمل إعلان البيع لأي دولة ولو حتى إسرائيل" قال أبو معروف.
"شو صار بعقلك يا ابا معروف. بتبيعها لاسرائيل"
"ببيعها ونص. يمكن لما ها القيادات بتشوف إسرائيل بدها تشتري، راح يزوقوا على دمهم ويتوحدوا"
"ليش يا حبيبي اسرائيل تشتري، والله لو عرضنا الدولتين عليها ببلاش ما اشترت. بدك إياها تشتري مشاكل. هيك الوضع احسن إشي. غزة ورام الله بيتشاحنوا ويتقاتلوا. إسرائيل بتتفرج. وبتضرب صورايخ على غزة وبتحاصرها، وبتحط رجلها على راس رئيسنا في رام الله. والمسكين بياكل بهادل، بضل ساكت. علشان هيك أنا بدي أبيع" قال أبو معروف. 
 "ما كنت إنت ابو الوطنية. حكموك اليهود مؤبد، وطلعت بالتبادل، هاي أخرتها تبيع الوطن، يا عيب الشوم" قال حنكشتيكا مؤنبا
 "طب شو أسوي؟ هاي الاعلان جاهز. اللو بدو يشتري، يشتري، أنا حر. أنا بدي ابيع. خالي شهيد، وابني جريح، وبيتي مهدوم، وأخوي أسير، أنا مفلس، مبارح في الليل ماشي في دوار أريحا، الشرطي القواد خالفني.. قال إنت سكران. اخذني للمركز، شرطة الاداب دبحوني ضرب. نزلوا فيّ ضرب بالعصي. ليش أنت سكران؟ سألوني بس أنا دبرتهم. قلتهم انتوا السكرانين وانا الصاحي. صح ولا لا".
"صح" أجاب حنكشتيكا.
"يعني لو كانوا صاحيين لاستحوا عا حالهم وباعوا حصتهم بالوطن. شو فاكرين حالهم دولة، ما هو مجندة يهودية يا حبيبي، بتقدر توقف أكبر شنب أمني فلسطيني. هذا إذا ضل شنبات لحدا. حلقوها يا خوي. المجندة على حاجز الحمرا بتدخن سيجارة، و 30 سيارة أمن فلسطيني مع جنود لابسين ملابسهم المدنية بستنوا المجندة تخلص تدخين السيجارة. والمشكلة إذا البوي فرند يعني صاحبها اتصل فيها، كلهم بيستنوا. وهاي بسموها دولة" قال أبو معروف.
أخذ أبو معروف يرتجف. وقال: هات قنينة تالته. خربت كيفي. قال لن أتنازل عن ذرة تراب من ترابها المقدس".
"خليه يخرب ها الكيف الزفت يا صاحب الافكار. كل مرة بيجي كيفك بتطلع بفن جديد، قال بدو يعمل ثورة. تعمل ثورة على إيش؟ قال حنكشتيكا
"إنت نسيت إنو شعبنا أبو الثورات والانتفاضات. من سنة 36 واحنا بنعمل ثورة ورا ثورة وانتفاضة ورا انتفاضة. وقبلها عملنا ثورة البراق في ال 29، وقبلها كمان، وبعديها كمان، وفي الخمسينات كان الثوار يضربوا، وعملنا ثورة ال 65، ويمكن عشرين فصيل ولا أكتر راح عامل ثورة لحالو، بعدين الفصيل الواحد صار أربعة شقف. وكل شقفة عملت ثورة، وبعدين كل فصيل عمل ثورة عا الفصيل الثاني" قال أبو معروف مستعرضا تاريخ الانقسامات
قال حنكشتيكا مقاطعا: دشرنا من ها الكلام. خليك في الواقع. قلت إنو الجنود الفلسطينيين كانوا في السيارات في ملابسهم المدنية. وين بزاتهم العسكرية وين أسلحتهم؟
"أنا نسيت أقولك يا حنكشتيكا، إنهم استنوا كمان الضابط اليهودي المسؤول لفحص ملابسهم وأسلحتهم. بيحسب عدد قطع السلاح وعدد مخازن الرصاص. إذا في مشط رصاص زيادة بيرجعوا"
"هيك وصلت الإمور؟" سأل حنكشتيكا
"لما مسكوني عا الدوار سكران. قلت للشرطة: انتو نسوان. لو تلبسوا تنانير أفضل، روحوا تمرجلوا على إسرائيل"
"وبعدين شو صار؟"
"صار لون جلدي زي البيتنجانة. اسبوع في السجن
"أنا متفاجأ يا أبا معروف. لو ها المعلومات صحيحة أنا بدي أبيع متلك"
"إن شاء الله اقتنعت".
"والله أقنعتني يا أبا معروف".
"يعني أنا بدي ابيع حصتي في الوطن. أديش بتسوى فكرك؟ يعني خالي الشهيد خلف عشر ولاد. عيلتو كبيرة. من يطعمها؟ أبني طلع من المدرسة، راح يضرب حجار. إجتلو رصاصة بعينو. راحت عينو. الاسبوع الماضي، رحت عا الوكالة، أعطوني كيس طحين مسوس. قلت للمرة: شو نسوي بالطحين المسوس. قالت: منقيم السوس منو، وناكلو. يعني علشان الطحين ببلاش، لازم يكون مسوس. اليوم، رحت عا الوكالة... قالو ارجع بعدين،وين أروح؟ يعني فكرت أنو اخد شقفة سلاح، واروح أطخ".
"تطخ مين يا أبا معروف؟" سأل حنكشتيكا
"أي واحد. وزير ولا وكيل وزارة ولا واحد يهودي. بعدين فكرت. شو راح استفيد. إذا طخيت راح  أنطخ. قلت ببيع ها الدولة".
"يعني مش بس قلقان عا الانقسام؟"
"والله مزبوط، ولا احنا تعابنين"قال أبو معروف.
"وأنا متلك، حماري زهق مني، جوعتو وهرب مني. وانا بدونه حياتي عدم. وين بدك تنشر الاعلان، يا أبا معروف؟" 
 "مش عارف".
 "لما نبيع ها الوطن، شو راح نشتري، يا أبا معروف".
قنينة. إنت أبو الفهم. قنينة.
 بدأ حنكشتيكا وصديقه أبو معروف يرقصان، ويتمايلان وهما يشفطان من القنينتين.




0 comments:

Post a Comment