Pages

Thursday, April 7, 2011

الخطاب الأخير للرئيس اليمني

الخميس 7-4-2011
حكايات حنكشتيكا الساخرة
حلقة رقم: 9 
اليمن

منذ 23 عاما كان النظام في تونس....
كذلك كان النظام في مصر منذ 32 عاما ...
ومنذ 33 عاما كان النظام في اليمن...
كذلك كان  النظام في ليبيا منذ 42 عاما...
ومنذ هزيمة عام 1967، التي سميت نكسة، كانت الأنظمة في بقية الأمصار العربية، تمارس الاستبداد والتجهيل، وترتكب الحماقات والتضليل، وتستولى على ثروات البلاد حتى أصبح من الصعب أن نميز بين ما هو  للحاكم وما هو للدولة.
المشهد السياسي الحالي وما يجري فيه من احتجاج وارتجاج، وصعود وهبوط في وتيرة الأحداث، هو نتاج تراكم تاريخي طويل من القمع والمقاومة، ومخاض عسير من القهر والضيم، وما يحدث حاليا هو قطف ثمار هذه الحركة الجماهيرية التي تمت تحت السطح لتزلزل ما تراكم فوقها من قبح.
اندفعت جماهير تيار العمق الذي يشكل الغالبية العظمي من الشعب العربي في هذه الأقطار إلى الشوارع متمردة على سنوات طويلة من الخوف والتجويع، متحدية البطش والترويع الذي مارسته الاجهزة الامنية والرقابية والإعلامية المضللة التي تمتلكها الانظمة العربية، واندلعت موجات الاحتجاجات واجتاحت المظاهرات عددا من الدول في العالم العربي التي جاءت كنتيجة حتمية لتراكم تاريخي لقمع الأنظمة العربية لشعوبها، وتعاملت تلك الأنظمة معها باستخفاف، وعلى مطالب الجماهير حاولت الإلتفاف، ولم تتردد في إشاعة الفوضى واليأس وتجاهل عقول الناس، بالبطش، وترويج السخافة وإشاعة الإسفاف.
قالت الشعوب إن القوة وحدها ليست كافية لحماية الانظمة ولن تستطيع ان تمد أجالها رغم الاوراق البائسة التي تحاول اللعب بها ومنها:- التهديد بالحروب الطائفية والإحن القبلية والفتن الأهلية، واستخدام القوة العسكرية والبلطجية، والاستنجاد بالأعداء، والتخويف بالقاعدة والتطرف.
في هذه الأثناء القاتمة من أجواء الفوضى العارمة، والأزمات المتفاقمة، توجه أبو معروف الرجل الصريح بصحبة حمار حنكشتيكا الفصيح إلى وادي عبقر، للبحث والتمحيص في اسس حضارة الحمير التي زعم من زعم أنها بلغت شأوا لا بأس فيه في الرقي الحضاري في قديم الزمان. ولعلهما أي الصريح والفصيح كانا في مهمة سرية مرتبطة بمجريات الأحداث.
ومهما يكن من أمرهما، استغل حنكشتيكا -الذي لم يكن على وفاق مع موقفهما تجاه الثورات الشعبية- غيابهما ليشغل نفسه في كتابة الخطاب الأخير للرئيس اليمني علي عبدالله صالح، قبل أن يُجبر على الرحيل والتنحي عن منصبه الجليل.
وهو الأمر الذي كان يتوقع حدوثه في أي لحظة، فإن لم يحدث أي إن لم يرحل الرئيس، نضطر أن ننتظر، لكن الأخبار تؤكد أنه سيرحل، واحتياطا نهض حنكشتيكا الذي كان يؤيد على مضض رحيل الرئيس الذي يصر على البقاء رئيسا إلى يوم مماته، ويخلفه بعد الممات ابنه، وهكذا تستمر الرئاسة في نسله إلى يوم يبعثون.
 بيد أن نفس حنكشتيكا قد ذهبت شعاعا، خشية أن يذهب صالح بنظامه بلا رجعة، ويسقط الرأس والنظام معا، وبلا عويل على ذهابه أو أحزان، يستقران في جحيم النسيان. وكانت المظاهرات الأسبوعية منذ خمس سنوات تخرج من أقصى الجنوب في اليمن إلى أقصاه في الشمال للمناداة برفع الظلم إلى أن نهض اليمن شماله وجنوبه ثائرا متمردا على النظام لتنفيذ المهمة العاجلة الان وهي إسقاط النظام وبسقوطه سيذهب الاستبداد عن الشمال ويزول الاحتلال عن الجنوب.
أبدى الخائف الوجل حنكشتيكا استعدادا لسفك دمه في سبيل ديمومة النظام، ولو كان بلا رأس، ومن باب الحرص على بقائه لمصلحة ذات وزن واحترام، امتشق حنكشتيكا قلمه من غمده، وخط من بنات أفكاره عبارات الخطاب.
ولمن فاتته متابعة أحداث اليمن الجسام، ليعلم أن البلد السعيد قد شهدت مؤخرا انتفاضة واسعة للشعب اليمني للمطالبة برحيل الرئيس وأركان نظامه في الوقت الذي تمسك فيه الرئيس بالبقاء في منصبه حتى انتهاء فترة ولايته عام 2013.
وأخيرا، رحل الرئيس الخسيس بعدما عذب الشعب كثيرا، وقهره قهرا شديدا وسفك دمه، وربما وقع ذلك الحدث الكبير بعد حرب أهلية أو فتنة طائفية أكلت الأخضر واليابس من أبناء وبنات الشعب اليمني الصابر على الألم والظلم، وقبل رحيله بوقت قصير،استل صالح نص خطابه الأخير الذي خبأه في أدراجه، وبدأ كلامه بعد البسملة، والترحم على أرواح الشهداء، وتقديم العزاء لعائلاتهم متمنيا الشفاء للجرحى في المعمعان- وتحديدا في ساحة التغيير في صنعاء والحرية في تعز- وهو لم يفعل ذلك أي الترحم على ارواح الضحايا حتى هذه اللحظة، لكنه قبل الرحيل والوداع، أبى أن يتصرف كالرعاع بل تصرف في خداع شائن، وكذب لا ينطلي حتى على إنسان جاهل، تصرف كجنتلمان أو بلغة العرب كالنشامى في وقت الخطر، آملا أن يقبض الثمن فيغفر له الشعب الطيب ما تقدم من جرمه وما تأخر، ويبقيه حيا يرزق، ولا يجرجرة ككلب أجرب أو مجرم حرب أو سارق شعب في المحاكم، محتفظا بما سرقه من بلايين الشعب لنفسه، منها ما دقق وحقق فيها ومنها ما لم يحقق ويدقق فيها.
 أقسم صالح يمينا مغلظة بأن الإمارة ستبقى إمارة، وخاطب أنصاره،مناشدا جموعهم الهدارة ومستغيثا بسيوفهم البتارة، وقال: أما بعد، سأكشف لكم الأسرار الخفية في الأمصار العربية، اقسم يا إخوان انني لن أرحل بسلام، تركت فيكم من الأزلام، ممن هم على شاكلتي أبناء حرام، أشد حرصا مني على التشبث بالسلطة والنظام، وتركت خلفي من أفاضل شيوخ قبيلتي الكرام من هو أكثر عمالة وارتباطا بالغرب وإسرائيل، وفعلت فعل شيخ نظامنا العربي المبارك حسني مبارك وزين العابدين فتانا الهمام، وزوجاتهما والأقارب من أهل الفخفخة وسكان القصور الشامخات، الرائعات، اللامعات كالرخام.
اطمئنوا، يا إخوان. ليمت بغيظهم هؤلاء الثوار الحالمين المتوهمين بأنهم سيرون يمنا جديدا، أكثر سعادة من اليمن السعيد في الزمن السعيد، اقسم بالله العظيم بأن الذي يحلمون به أن يكون، لن يكون، فالطغاة من أمثالي في مؤسسات نظامنا العربي كامنون ، وفي سراديبه الأمنية ومخابراته السرية يختبئون، ومخاتيره ورجال قبائله، وأصحاب "بزنسه"، سيخرجون من جحورهم ويتحدثون بلغة الثوار وسينتصرون ويحكمون.
اطمئنوا،يا إخوان، لدينا من القوة والمنعة على البقاء متشبثين بكراسينا حتى بعد مماتنا، وحتى بعد أن يفصل الديان في أمرنا، فلا تفرفشوا أيها المحللون ولا تمعنوا في الكلام والتخطيط، فلو أنكم تجيدون العوم والغوص إلى أعماق المحيط، لرأيتم ماذا يجري تحت السطح، فالطغمة التي تسمونها ملعونة لا زالت تحكم وتتحكم بأرض تونس الخضراء، ولا زال العسكر والضباط يُحكمون القبضة على الفسطاط. سيبقى انصارنا في مناصبهم ومراكزهم ومواقعهم أشداء على الثوار لا يردعهم رادع، ولا يخيفهم وازع، فانظروا ماذا فعل الدحلان من أرض فلسطين بالثوار الفئران في ثغور ليبيا، لينقذ العقيد الشديد فأمد جنده بالعتاد من إسرائيل، ليهزم فرسان عبد الجليل. وانظروا ماذا فعله أهل الحمية والنخوة العربية سدنة النظام السابق في تونس، الذين أصبحوا بقدرة قادر حماة للثورة ورعاة لمبادئها.
اطمئنوا يا إخوان، هذا خطابي الأخير، ولكنني وإن غبت عن الساحة، سيأتي من بعدي غيري، ويكمل مسيرتي، وقد يكون مثلي في البطش والشدة أو أشد شراسة وظلما ولا يعرف للحق إسما.

0 comments:

Post a Comment