Pages

Thursday, June 30, 2011

مقالة من المغرب: التجربة


ستطرح يوم الجمعة القادم التعديلات الدستورية للإستفتاء الشعبي في المغرب, بعد احتجاجات ومطالبات بتطبيق الملكية الدستورية في المغرب, للحد من صلاحيات الملك المطلقة, وقد تبين للناشطين في حركة عشرين فبراير, ان التعديلات المقترحة لا ترقى إلى المطالب الشعبية.

وهذه مقالة ننشرها للناشط الشاب الطاطاوي العاطل عن العمل والمناضل في حركة عشرين فبراير رشيد البلغيتي- منقولة من طاطا بريس...

“التجربة” هو عنوان لفيلم يحكي قصة فريق علمي أراد أن يجري تجربة على السلوك الانساني. إختار البروفيسور المسؤول عن التجربة عددا من المتطوعين فقرر تقسيمهم الى فريقين، فريق يلعب دور مساجين وفريق يلعب دور حراس السجن في فضاء يشبه باقي السجون.
كانت القاعدة واضحة وهي أن يخضع المساجين لسلطة السجّان. هذا الأخير مطالب بعدم ممارسة العنف على أي أحد من نزلاء السجن/التجربة. اشتعال مصباح أحمر معلق في إحدى الزوايا هو إيذان بنهاية التجربة لأن سلوكا عنيفا وغير مبرر قد مورس في تجربة علمية الهدف منها إيجاد وسائل للإخضاع بعيدة عن المس بالسلامة البدنية للمتطوعين/المساجين.
مرت الأيام وتملك هوس السلطة رؤوس الحراس، ماحيا المسافة بين التجربة والواقع. مورس العنف تلوى العنف في حق المساجين دون أن يشتعل المصباح الأحمر إلى أن أزهقت روح أحد المشاركين الذي لم يكن يبتغي من مشاركته في هذه المغامرة العلمية سوى بعض الدولارات لحل مشاكل معيشية أتقلت كاهله.
لماذا كل هذا الحكي عن فيلم سينمائي؟ وما علاقة الفيلم بالعنوان المذكور أعلاه؟ إليكم الأسباب:
يوم قررت حركة عشرين فبراير التمسك بالشارع كوسيلة من وسائل النضال الديمقراطي السلمي قصد تحقيق مطالبها، نفد صبر السلطة على أعلى مستوياتها فقررت إعطاء تعليماتها إلى أجهزتها الأمنية بتعنيف شباب الحركة وتكسير عظامهم وسبهم والطعن في أعراضهم وابتداع كل الوسائل القادرة على المس بكرامتهم.
كسرت الأنوف وهشمت الرؤوس وصال وجال ضباط الأمن على أجساد المتظاهرين أمام عدسات كاميرات وكالات الأنباء والقنوات الدولية. تجاوز العنف الأمني حدود العقل في “موقعة الموطور” بحي سباتة بمدينة الدار البيضاء، لكن مصباح السلطات المغربية الأحمر لم يشتعل. استمر المغاربة في التظاهر تحت راية عشرين فبراير واستمر رجال الأمن في إظهار “حنة اليد” والتنافس في الإساءة البدنية واللفظية لشباب ما فتئ يرفع شعارا واضحا لا لبس فيه “سلمية سلمية، غايتنا الحرية”.
يوم الخميس 2 يونيو، جاء الخبر الفاجعة. لقد توفي كمال العماري عضو الحركة “المسفيوي” متأثرا بجرحه الغائر الناتج عن ضربات رجال الأمن اللذين فهموا – وإن بطريقة غير مباشرة- أن لا حرمة للإنسان متى قرر الخروج مع حركة احتجاجية أزعجت “صحاب الحال” من كثرة تكرارها لشعاراتها حول الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
وضعت المنظمات الحقوقية الدولية ومعها الاتحاد الأوروبي اليد على زر المصباح الأحمر، وأفهمت الدولة المغربية أن العنف تجاوز حدود المسموح به. خفت قبضة الأمن الفولاذية وظن بعض الناس أن المغرب أعقل من أن يستبدل مداد القصور بدماء المتظاهرين ليخط به مسودة دستور قيل عنه أنه سيعمل على “ترسيخ دولة الحق والمؤسسات وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية وضمان ممارستها”.
جاء مشروع الوثيقة الدستورية مخيبا لإنتظارات من صاح يوما في شوارع المملكة بأن الشعب يريد دستورا جديد. خرجت حركة عشرين فبراير لتعلن اختلافاها مع جاء في نص مسودة الدستور. لم يعتدي الأمن على المتظاهرين لكنه إنتدب من يعتدي على المحتجين بالنيابة، في صورة جديدة من صور التدبير المفوض التي تجاوزت النقل والماء والكهرباء ووصلت الى مجال الممارسة الأمنية.
قليل من المال وكثير من التغليط وعلم وطني وصورة للملك، ذاك هو زاد من جاء أو جيء به إلى مظاهرات حركة عشرين فبراير ليردد على مسامع الحاضرين “الشعب يقول نعم للدستور”. تجاوز مساندي الدستور حدود الشعارات لينتقلوا الى مرحلة رمي شباب الحركة بالبيض الفاسد، وتجاوزا مرحلة البيض ليضربوا ويحملوا شباب الحركة بالنواصي والأقدام.
سالت دماء حركة عشرين فبراير على أرصفة الوطن، ولطخت بالحمرة أيادي المدافعين الجدد عن الدستور. صرخوا في وجه الجميع “طلقونا عليهم والله تانقتلوهم” ووقفت السلطة ورجالتها على مرمى حجر تلعب دور المتفرج أحيانا والمبارك أحيانا والموجه أحايين أخرى.
إذا بلغكم خبر مقتل أحد المتظاهرين السلميين على يد بلطجي، فأعلموا أن السلطات هي من أهدرت دم حركة عشرين فبراير يوم تركت “مول الشاقور” حرا طليقا قبل أن تؤطر مسيرات مفتعلة لأناس مسلحين بكومة من العصي وقاموس من التخوين وغير قليل من الأحقاد.




إرهاصات التغيير لها مظهر عنيف


سعيد الغزالي – القدس المحتلة
يخيل إلينا أن ما كتبناه عن الثورات العربية, والمجتمعات الديمقراطية المدنية التي يتعايش فيها المؤمن بالله, والملحد, السلفي والتقدمي, الليبرالي والمتشدد، تحت مظلة التسامح وقبول الآخر, وفي إطار دولة القانون، التي تكفل للجميع حرية التعبير, يكاد يكون ضربا من ضروب الوهم، أم ان الذي يجري من عنف وتوتر سياسي واجتماعي وأيدولوجي هو إرهاصات التغيير, ومخاضها الصعب.
وكي لا أكون متشائما, فإنني أميل إلى الاعتقاد بالأمر الثاني, لذلك يجب أن نتوقع حدوث المزيد من التوتر الاجتماعي, بل والعنف أيضا, إلى أن ندرب أنفسنا على قبول فكر الآخر, ولو كان صادما لنا.
فلا يمكننا أن نتوقع انتماء جميع الناس إلى فكر محدد, ولا يمكن فرض فكر معين على مجموعة من الناس بالقوة والعنف. كل مواطن يحق له أن يكون إسلاميا, أو علمانيا. والمطلوب أن يحترم الجميع قيم التسامح وقبول الآخر, بدونها لا يمكن للديمقراطية أن تنجح، ولا يمكن للمجتمعات أن تتقدم.
ما دفعني إلى كتابة هذه الكلمات، هو مهاجمة نحو 60 سلفيا تونسيا قاعة عرض سينمائي في تونس العاصمة،مما خلف أضرارا مادية وجرحى, وهم يهتفون: "الشعب يريد تجريم الإلحاد", للحيلولة دون عرض فيلم "لا ربي لا سيدي" للمخرجة التونسية نادية الفاني. اتهم السلفيون الفيلم بأنه يشكك في وجود الله ويدعو إلى الإلحاد.
حدث ذلك في تونس, المجتمع الأكثر تسامحا في نسيجه والذي يعتبر ركيزة من ركائز الإبداع وحرية الفكر, إحدى أيقونات ثورة 14 يناير كانون الثاني التونسية ومقاصدها النبيلة, بعد الإطاحة بحكم الدكتاتور بن علي.
أليس الأجدر بالسلفيين, أن يعترضوا على الفيلم, بأساليب ديمقراطية, فيكتبوا عنه, ويفندوا ما جاء فيه, ويقارعوا الحجة بالحجة, بل ويمكنهم دعوة الناس إلى مقاطعته, ولكن استخدام العنف, يضر بقضية التسامح وقبول الآخر.



Wednesday, June 29, 2011

فضيحة الكازينو في الأردن


ما يهمني عندما استمعت لمعركة التراشق الكلامي في مجلس النواب الأردني بشان  فضيحة الكازينو في الأردن, هو تورط محمد رشيد, المدعو أيضا خالد سلام, الكردي الأصل البريطاني الجنسية, الذي عمل مستشارا ماليا للرئيس ياسر عرفات حتى وفاته, فيها.

فهذا الرجل يتصرف بأموال الشعب الفلسطيني, ويعيث في الأرض فسادا, ومن المستغرب, أن يجد وزراء ورؤساء حكومات في الأردن, كشركاء له في استثمار مشروع الكازينو في البحر الميت.

أليس الأجدر بالمسؤولين الاردنيين, أن لا يتعاملوا مع هذه الحثالة, التي أفسدت وما تزال تنشر الفساد في بلدان أخرى؟
أليس الأجدر بهم أن يطردوه ويحاكموه. لكنهم تعاملوا معه, وخوزقهم, كما خوزق قبلهم الشعب الفلسطيني؟

لماذا تجد أمثال هؤلاء الأوساخ بلدانا عربية ملاذا آمنا؟ والجواب واضح, هناك اوساخ وحثالات في الأردن, وفي معظم الأقطار العربية, لديهم استعداد ليكونوا شركاء لـ محمد رشيد.

وعادت مؤخرا فضيحة الكازينو إلى بؤرة الاهتمام العام في الأردن, منذرة بحدوث المزيد من الإهتزازات، للحكومة الحالية كالحكومتين السابقتين. والفضيحة صار عمرها أربع سنوات، ولا تزال مفاعيلها جارية إلى الآن.  

حكومة معروف البخيت أبرمت الإتفاقية مع محمد رشيد ثم ألغتها، وحكومة نادر الذهبي فاوضته, وحكومة سمير الرفاعي اتفقت معه على التعويض. وانفجرت الفضيحة من جديد في وجه حكومة معروف البخيت الثانية. 

القضية ما زالت تثير أسئلة لا إجابة عليها سوى الفساد.
ماهو سر وضع شرط جزائي في عهد حكومة البخيت السابقة, فلا احد يفهم كيف قبلت الحكومة هذا الشرط الجزائي, الذي تم توريثه لحكومة الذهبي لاحقاً؟

هناك من يقول ان كل القصة خلفها اسرار لاتروى, وان ضغطاً مورس من اجل مرور الاتفاقية, فمن هو الذي مارس الضغط, اذا صحت هذه المعلومة, ثم ما سر التفاصيل المخفية في كل هذا الملف, ولماذا قبلت حكومته الاولى توقيع اتفاقية وفقا للقانون البريطاني؟ ولماذا قبلت شرطاً جزائياً مرعباً؟؟والاسئلة كثيرة ولايمكن الادعاء بمعرفة الجواب من احد.

هل استفاد احد حقا من الاتفاقية ، دون ان يعلم رئيس الحكومة ذلك, ومن هو؟وهل ستؤدي التحقيقات الى كشف تفاصيل خطيرة؟

الاسئلة تتداعى ايضاً, اذ كيف سيتم التحقيق في مكافحة الفساد في هذا الملف ، هل سيتم استدعاء وزراء سابقين واعيان ورؤساء حكومات, وهل سيدلي البخيت بمعلومات او بشهادة معينة, وهي اسئلة فنية تتعلق بتفاصيل الملف من اوله الى اخره.

اذا كانت الاحالة لمكافحة الفساد لهدف سياسي واحد محدد هو القول للناس ان لا فساد خلف الملف, وهو هدف سياسي, فسيكون الامر مفهوماً ومقدراً, لتبرئة البخيت, تحديداً ، من ظلم السياسيين وغمزاتهم ، ولربما يسعى البخيت الى كشف المستور الذي لايمسه في القصة.

كان بالإمكان أن ترفض الحكومة الاردنية الأولى المشروع, وهو في مهده, مما أثار تساؤلات مشروعة عن دوافع قبولها, وليس هذا فحسب, بل موافقتها أيضا على توقيع اتفاقيه تعرض الحكومة الاردنية لإجراءات عقابية, وفق القانون الإنجليزي.

 إنها كارثة يلفها غموض, إذ لم تكشف حتى هذه اللحظة جميع تفاصيلها, ولكنها هزت أركان مجلس النواب الأردني الذي صوت أعضاؤه الإثنين الماضي على قرار إدانة رئيس الحكومة معروف البخيت دون أن يحوز على نصاب ثلثي الأعضاء لإسقاطه, بينما وجهت تهمة التورط بالفساد إلى وزير السياحة اسامة الدباس, الذي يظهر أنه سيتحول إلى كبش فداء.

بدأت خيوط قصة الكازينو تنسج في الظلام في منزل احد رجال الأعمال في شهر أيار سنة 2007, حسب ما أوردته صحيفة كل العرب, حيث اجتمعت شخصية مدنية متنفذه في الدولة لم يكشف النقاب عن اسمها بثلاثة رجال أعمال تربطهم علاقة عمل بصاحب الصفقات المريبة, محمد رشيد.  
واتفق الأربعة على إنشاء كازينو في منطقة البحر الميت, والحصول على موافقة حكومة معروف البخيت على ذلك. وهذا ما تم فعلا. وتقدم رشيد البريطاني الجنسية, الكردي الأصل, بطلب السماح له باستثمار في الاردن حيث قدم مسودة اتفاقية ودراسة جدوى لمشروع إنشاء كازينو في البحر الميت, فقام وزير السياحة في حينها اسامة الدباس بعرض المشروع على رئيس الوزراء أنذاك معروف البخيت, فطلب البخيت عرض الموضوع على مجلس الوزراء المصغر لدراسة الجدوى الإقتصادية وإبداء الرأي.  وافق المجلس في حينها عليه, باستثناء وزير الأوقاف السابق عبدالفتاح صلاح وشريف الزعبي وعبدالإله الخطيب.
وقالت المصادر أن البخيت أبدى معارضة خشية أن يستغل الموضوع في الانتخابات النيابية لعام 2007, من قبل التيار الإسلامي,  ويؤثر على نتائجها. فسارع إلى الطلب من دباس التراجع عن الإتفاقية وإلغائها.
وقد قيل في ذلك الوقت, كما قيل في الكازينو الفلسطيني, أن الأردنيين لن يسمح لهم ارتياد الكازينو.  

خسر الاردن عشرات الملايين من الدولارات, نظير التفكير الإعتباطي, أو بدقة أكبر فساد المسؤولين, الذين يقال أنهم قبضوا من رشيد وأزملامه.  


شائعة لم تثبت صحتها


الثورة إذا كانت خبرا صحيحا في بر مصر فإنها في رفح شائعة
في شهر ديسمبر الماضي تلقيت رسالة من قارئ فلسطيني قال فيها إنه عالق أمام معبر رفح منذ ثلاثة أشهر، وإنه في السنة الجديدة يحلم بأمرين، أولهما: أن يجتاز المعبر لكي يعالج عينيه في القاهرة، وثانيهما: أن يعامل على المعبر بمثل ما يعامل به الإسرائيليون في طابا. لم أفاجأ بالرسالة التي خلفت عندي شعورا اختلط فيه الحزن بالخزي، لكنني قلت وقتذاك إن الذي يشترك في حصار غزة وتجويع الفلسطينيين لا يستكثر عليه إذلالهم. وحين صرح الدكتور نبيل العربي أول وزير خارجية لمصر بعد الثورة بأن معبر رفح سيفتح وأن علاقات مصر بمحيطها وجيرانها ستشهد نقلة جديدة تعبر عن قيمة مصر واعتزازها بكرامتها، استحضرت على الفور رسالة صاحبنا العالق عند المعبر وقلت إن الله حقق له ما تمناه.
لأن لحظات الفرح في الأفق الفلسطيني شحيحة ونادرة، فإن سحابات الحزن ما لبثت أن ظهرت في ذات الأفق مرة أخرى، حين اكتشفوا أن الكلام المتفائل عن فتح المعبر لم يتم تنزيله على الأرض بالصورة المرجوة، صحيح أنه فتح بغير تشدد في القيود لعدة أيام لم تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، إلا أن النظام المتبع سرعان ما عاد إلى سيرته القديمة. آية ذلك أنني تلقيت خلال الشهرين الأخيرين عدة رسائل من فلسطينيي غزة شكت من ثلاثة أمور، الأول: استمرار التعامل مع غزة باعتبارها قضية أمنية، لا هي سياسية ولا إنسانية، الثاني: التمسك بالقوائم الأمنية التي تمنع نحو 60٪ من شبان القطاع من دخول مصر. الثالث: تقليص عدد الذين يسمح لهم بالعبور يوميا، بحيث لا يزيدون على 400 شخص، في حين أن متوسط الراغبين في العبور اليومي يدور حول ألف شخص تقريبا، وكانت نتيجة ذلك أن أعدادا أصبحت ترحل للمستقبل باستمرار، مما ترتب عليه إغلاق قوائم العابرين حتى يوم 22 سبتمبر المقبل. وهو ما يعني أن أي فلسطيني قادم لزيارة أهله لفترة قصيرة خلال الصيف، لن يستطيع أن يغادر القطاع قبل حلول الخريف في شهر أكتوبر.
في تفسير الموقف المصري من المعبر قال لي مصدر وثيق الصلة بالموضوع: إن هناك عوامل ثلاثة حاكمة لذلك الموقف، هي: إن مصر لا تزال لديها بعض المخاوف من الوضع في سيناء، وتخشى أن يؤدي إطلاق العبور من رفح إلى تعزيز تلك المخاوف ـ إن القاهرة ليست مطمئنة تماما لنجاح المصالحة بين حركتي فتح وحماس، ويبدو أن "أبومازن" رئيس السلطة الفلسطينية نقل رسالة إلى القاهرة تقول: إن فتح المعبر من شأنه أن يؤدي إلى استرخاء الوضع في غزة مما قد يشجع حركة حماس على عدم التعامل بجدية مع مسألة المصالحة ـ إن مصر تواجه ضغوطا قوية ومستمرة من الولايات المتحدة وإسرائيل للإبقاء على الوضع الراهن في رفح كما هو دون تغيير في إجراءات وضوابط المرور.
ضاقت صدور البعض في غزة بالضغوط التي يعاني منها القطاع، فذكر خليل أبوشمالة مدير مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان أن أوضاع الفلسطينيين المسافرين على معبر رفح تعد من أشكال امتهان الكرامة الإنسانية التي تتنافى مع أبسط مفاهيم احترام حقوق الإنسان. وتساءل: كيف يمكن للأردن أن يفتح حدوده أمام آلاف المسافرين الفلسطينيين يوميا، في حين لا تسمح مصر لأكثر من 300 فقط بالمرور؟ وكتب يوسف رزقة المستشار السياسي لرئيس حكومة غزة مقالة في صحيفة «فلسطين» قال فيها: «إن الشعب الفلسطيني لم يعد يتحمل الإذلال الذي يمارس ضده في معبر رفح دون مبرر» (الحياة اللندنية 19/6).
يوم الثلاثاء قبل الماضي 21/6 وصل إلى القاهرة في طريق العودة إلى غزة وفد رسمي كان قادما من الجزائر، التي استقبل فيها بحفاوة بالغة، وضم الوفد وزيرين واثنين من وكلاء الوزارة واثنين من نواب المجلس التشريعي، في المطار لم يستقبلهم أحد وتم استبقاء الوزيرين ووكيلي الوزارة لمدة ساعة قبل السماح لهم بالخروج، أما الباقيان فقد احتجزا مدة 4 ساعات قبل أن يسمح لهما ضباط أمن الدولة بالانصراف!
إزاء ذلك ينبغي أن نعذرهم إذا استبد الانفعال ببعضهم وتساءلوا عما إذا كان نظام مبارك قد سقط حقا أم لا؟ أو إذا قال قائلهم: إن الثورة إذا كانت خبرا صحيحا في بر مصر، فإنها في رفح شائعة سمعوا بها ولم تثبت صحتها.
فهمي هويدي      الشرق القطرية      29/6/2011

الشاعرة الامريكية الكبيرة، أليس وولكر: إسرائيل أعظم دولة إرهابية


وصفت الشاعرة الامريكية، أليس وولكر، إسرائيل، بأنها أعظم دولة ارهابية في العالم، وقالت الكاتبة الحائزة جائزة بوليترز الامريكية الرفيعة، في مقابلة مع مجلة "فورين بوليسي"، إنها كانت في غزة عام 2009، وقضت وقتا طويلا بين ركام مدرسة امريكية دمرها القصف الاسرائيلي، وشعرت بالحزن لأن أمريكا تدفع مالا كثيرا من ضرائب المواطنين للأسلحة التي استخدمتها إسرائيل لصناعة هذا الدمار على الأرض.
وتحضر الكاتبة للمشاركة في القافلة البحرية الثانية لغزة، والتي ستنطلق الأسبوع القادم، وذلك لحمل المساعدات الانسانية للمواطنين، ولكسر الحصار عن غزة.
تذهب إلى غزة مدفوعة بحس أمومي.. ولتكون شاهدا على الاضطهاد
وعندما سئلت عن السبب الذي دفعها إلى المشاركة في الحملة، قالت إنها كانت في غزة بعد عملية الرصاص المسكوب بفترة قصيرة و"شاهدت الدمار والضرر اللذين لا يصدقان"، وإنها تفهم ما يحدث على الأرض هناك، وكيف تم تدمير نظام المجاري الصحية، وشاهدت كيف تم تدمير الوزارات والمستشفيات والمدارس.. وتضيف أنها مدفوعة للمشاركة بحس أمومي، وامرأة ناضجة وكبيرة في العمر، فالأمر يعود إليها ولغيرها ممن هم في سنها للتعامل مع الوضع والمشاركة فيه، من خلال تقديم الحكمة والفهم الذي تعلموه خلال أيام حياتهم الطويلة، إضافة لأن يكونوا شهودا وجزءا من النضال ضد الاضطهاد كما تقول.. وعن علاقتها مع القضية الفلسطينية، تقول إنها بدأت نشاطها بعد حرب عام 1967، وحدث هذا بعد أن تزوجت شابا يهوديا.
 وتقول: "كنا سعداء لأننا شعرنا أن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها من خلال عملية وقائية وضرب مصر.. لم نكن نعرف أي شيء حقيقي عن تاريخ المنطقة"، وتضيف أن هذه البداية أدت بها للدراسة، والتعرف، ومواصلة الاستماع، وملاحقة الأخبار، وتقول إنها حتى في تلك الفترة، قالت لزوجها إنه لم يكن من حقهم الاستيلاء على الأرض، لأنها ليست أرضهم، فقد بدا الأمر ظلما، وبدا غير صحيح، وغير عادل لأمريكا، "لأننا نفكر في إسرائيل من خلال نظرة أسطورية، ومعظمنا نشأ على تعاليم الإنجيل، ولهذا فإننا نعتقد أننا مرتبطون بهؤلاء الناس، ومهما قالوا فهو صحيح، من أن ربهم أعطاهم الأرض، وهذا عدل وواقع."
الفلسطينيون يحاولون استعادة ما انتزع منهم
ولكن الواقع أن "الأرض كان فيها ناس يعيشون عليها، والناس كانوا يعيشون في بيوتهم وبلداتهم ومدنهم"، وعليه تقول إن المعركة كانت "عنهم هم، وهم يحاولون استعادة ما انتزع منهم"، وتؤكد على أهمية أن يفهم الكبار والناضجون، وعليهم أن يقوموا بأفعال من أجل أن يكون لدى الجيل الشاب فهم أحسن وأفضل لما يحدث أمامهم.
وعما إن كانت الرحلة لتوعية الناس، الامريكيين، أم لجلب المساعدات لسكان القطاع، أجابت أن القوارب تحمل رسائل، وهي لفت الانتباه إلى أن الحصار لا يزال قائما، إضافة لتوزيع المواد الإغاثية..
وعن الموقف المصري الذي خفف من القيود على حركة العبور من وإلى غزة، مما يعني أن قوافل كهذه لم تعد ضرورية، أجابت وولكر أن الوضع ليس كما هو، لأن العابرين إلى غزة لا يسمح لهم إلا بإدخال حقيبتين.. وأضافت أن المصريين فتحوا معبر رفح وأغلقوه، وعليه لم يتم حل المشكلة، مضيفة أن الناس يحبون عادة الحديث عن الأمور الايجابية، لكنه ليس إيجابيا بعد، فقد "أغلقوه، ويقولون حقيبتين فقط، لا يمكنك إصلاح نظام المجاري بحقيبتين."
إسرائيل أعظم دولة إرهابية.. وإرهاب أمريكا معروف في كل أنحاء العالم
وعندما أشارت صحافية "فورين بوليسي" إلى ما قاله سفير إسرائيل في الأمم المتحدة، والذي قال إن "المساعدات الانسانية" هي مبرر خطأ، وإنها مصممة لخدمة المتطرفين، وكلها ينظمها أشخاص لهم صلات مع حماس وغيرها، قالت وولكر: " أعتقد أن إسرائيل هي أعظم دولة إرهابية في هذا الجزء من العالم، وأعتقد بشكل عام أن إسرائيل وأمريكا، من أعظم المنظمات الارهابية هما نفسيهما، ولو ذهبت لغزة وشاهدت القنابل، ما بقي من التي أسقطت، والدمار العام، فلا تملكين إلا أن تقولي <هذا إرهاب>، فعندما ترهبين الأطفال وتجعلينهم يخافون منك، وتسببين الضرر النفسي والعقلي لهم طوال حياتهم، فهذه الدولة إرهابية".
ولأن الصحافية احتجت أو اندهشت من وصف الكاتبة لأمريكا بالدولة الارهابية، أجابت وولكر: "قطعا"، لأن إرهاب أمريكا معروف في كل أنحاء العالم، وقالت إن أمريكا قاتلت ضد دول حاولت تغيير حكوماتها، وحاولت بناء أخرى ديمقراطية، وما فعلته أمريكا إلا التدخل كما فعلت في غواتيمالا أو التشيلي.
وتقول إن ما هو "غير منطقي، ولا أفهمه، عندما يزعمون في أمريكا إن كل شخص ارهابي، فيما يشعر الناس بالرعب من الطائرات من دون طيار في حرب أفغانستان، إنهم يسقطون قنابل على الأطفال، اليس هذا إرهابًا؟".
المعركة ليست متساوية.. هي معركة بين داوود وجالوت
وعندما قالت الصحافية إن أمريكا وإسرائيل إنهما ليستا وحدها من يضرب بالقنابل، ولكن حماس تطلق الصواريخ على إسرائيل، أجابت الكاتبة أنها لا تدعو أي شخص، وفي أي مكان، أن يطلق الصواريخ، لكن الحرب ليست متساوية، إنها معركة بين داوود وجالوت.. وفي هذه المعركة الفلسطينيون ليسوا جالوت، ولكن داوود، فهم من لا يملكون سوى الحجارة وصواريخ لا قوة لها، وبالمقابل فإسرائيل لديها صواريخ مدمرة..
وتنفي أن تكون زياراتها لغزة دعايات لحماس، وتقول إنها لا تقوم ولا ترى هؤلاء الناس "لماذا نريد مقابلتهم؟".. وتضيف أنها لن تصادفهم، لأنها لو استطاعت المرور فستحمل معها رسائل ومساعدات، وتقابل مسؤولين في المنظمات غير الحكومية، وأطفالا ونساء وأطباء: "هذا إن بقي أحد منهم."
ليس كل من يزور واشنطن يرى الرئيس.. ونحن لن نرى حماس
وترد على سؤال أن حماس تدير القطاع قائلة: صحيح، ولكنهم لن يروهم، مشيرة إلى أن كل شخص يزور واشنطن دي سي لا يشاهد الرئيس.. وتقول في نهاية المقابلة، إنها تشعر أحيانا بالخوف، خاصة بعدما حدث في القافلة البحرية العام الماضي، وتضيف أنها إيجابية، وما يهم هو جذب انتباه العالم لهؤلاء الأطفال، وأمهاتهم، وجداتهم، وأجدادهم، وآبائهم، ممن يعانون الظروف اليومية نفسها.. وتقول إنها تعرف شعورهم لأنها نشأت في الجنوب الامريكي، ولهذا تعرف ما هو الإرهاب، فعندما يتم أخذ والدك من البيت في منتصف الليل، وسحله في الشارع لأنه ليس مطيعا لأبيض، فهذا إرهاب، وهذا هو نفسه ما يعيشه الفلسطينيون في غزة اليوم.
وتقول إن أي شخص عانى من إرهاب أمريكا، الجنوب يفهمه، ويفهم أن الناس لا يحبونه، ويجب أن لا يعانوا منه في أي مكان على ظهر هذه البسيطة.
عــ48ــرب ووكالاتتاريخ النشر: 28/06/2011

Monday, June 27, 2011

انحسار التأييد للأسد بين أصحاب الأعمال



بيروت: أنتوني شديد*


تبدو الفنادق التي اعتادت استقبال السائحين إلى مدينة حلب السورية خاوية، في  الوقت الذي بدأ  تدفق الأموال القادمة من
الدول الخليجية، والذي عزز الطموحات السورية بالتحديث في الانحسار. وانهارت الليرة السورية، وتراجعت الصادرات، بينما وعدت الحكومة بتوفير أموال لن تتوافر لديها لفترة طويلة.
خلال أول خطاب يلقيه أمام السوريين منذ شهرين، حذر الرئيس السوري بشار الأسد هذا الأسبوع من «انهيار الاقتصاد السوري». ربما انطوت هذه الكلمات على مبالغة بغية حشد تأييد السوريين وراء قيادة تترنح تحت وطأة انتفاضة مستمرة منذ ثلاثة شهور، لكن المشاعر التي بدت في الخطاب تسلط الضوء على الخطر الذي يشكله تدهور الوضع الاقتصادي على حكومة وعدت منذ وقت بعيد شعبها بحياة أفضل، حتى في الوقت الذي رفضت فيه التخلي عن أي سلطة سياسية حقيقية، ومع تعمق الأزمة التي تعصف بالبلاد، يواجه السوريون إمكانية عدم تحقيق أي من الأمرين.
عن ذلك، قال محمد زيون، تاجر ملابس في حلب: "نحن كأصحاب أعمال نرغب في إيجاد حل، ولن ننتظر إلى الأبد. ينبغي أن يجد الرئيس سبيلا للخروج من هذه الأزمة، أو يترك الأمر لآخرين. نحن بحاجة لحل، أيا ما كان".
في الكثير من أرجاء العالم، جرى النظر إلى الانتفاضة السورية باعتبارها رد فعل تجاه الحملات الوحشية التي تشنها واحدة من أكثر حكومات المنطقة استبدادا. إلا أن الاقتصاد الذي حصد لفترة طويلة الإشادة والثناء لما يحمله من إمكانات – رغم انتقاد المسؤولين عنه بسبب سوء إدارتهم له – لعب دورا لا يقل أهمية في تأجيج المظاهرات الحالية. كان من شأن الإصلاحات السوقية التي قلصت الدعم الموجه للطعام والوقود على مدار السنوات السبع الماضية أن أثارت حالة من الإحباط تفاقمت جراء القحط الذي بدأ عام 2006 ودفع بـ1.5 مليون نسمة من الريف إلى المدن جراء عدم وجود وظائف كافية. ومع توقع خبراء اقتصاديين تردي الأوضاع خلال الصيف، فإن مستوى صحة الاقتصاد قد يحدد المسار الذي ستتخذه الانتفاضة الراهنة.
ومن هذا المنظور، تبدو المظاهرات السورية دراسة حالة للاضطرابات التي يعج بها العالم العربي، حيث تداخل القمع السياسي مع الإحباط الاقتصادي، علاوة على شعور مبهم بالمذلة ليطلقوا جميعا بعض أكبر التغييرات التي تشهدها المنطقة منذ جيل. وحتى المحللون المتعاطفون مع الأسد يعترفون بأنه أخفق حتى الآن في طرح خطة حقيقية لتناول هذه المظالم، بخلاف تحذيره من البديل لوجوده في السلطة. وأوضح محلل يعيش في سوريا طلب، مثل الكثيرين ممن التقيناهم، عدم الكشف عن هويته خوفا من تعرضه للانتقام، عجز النظام عن التحرك على أي جبهة, حتى الإقتصاد, خلال الشهور الثلاثة منذ اندلاع الأزمة, يظهر أنه  أن لا يملك أي سياسة أو استراتيجية في الوقت الراهن".
ومنذ اندلاع الانتفاضة في منتصف مارس (آذار)، جاء التأثير الأكبر لها اقتصاديا على قطاع السياحة، وهو أحد القطاعات التي كانت تحقق نموا وتدر 8 مليارات دولار سنويا، حسبما ذكر اقتصاديون. وتشير تقارير شفهية إلى أن عائدات السياحة تراجعت بصورة حادة، فيما عدا الحجاج الإيرانيين الذين يزورون أماكن مقدسة في دمشق. أما السياح الأوروبيون فحولوا وجهتهم، وانحسر تدفق الأتراك على حلب بصورة كبيرة.
من جهته، اشتكى مالك أحد الفنادق أشار إلى نفسه باسم أبو جورج، من أنه «بحلول يوليو (تموز)، سأضطر لغلق الفندق». وبدلا من تسريح عامليه، فضل أبو جورج تقليص ساعات العمل للعاملين البالغ عددهم 50 فردا إلى النصف.
وخلال خطابه، لمح الأسد لوجود أزمة ثقة، وهي كلمات تحمل الحقيقة. وأشار خبراء اقتصاديون إلى تراجع قيمة العملة السورية بنسبة وصلت إلى 17 في المائة، وتواجه الحكومة التي توقعت اجتذاب استثمارات أجنبية بقيمة 55 مليار دولار خلال السنوات القليلة المقبلة إمكانية فقدان الكثير من تلك الأموال. يذكر أن شركة قطرية، والتي تمتعت في وقت من الأوقات بعلاقات جيدة مع سوريا لكنها تدهورت مؤخرا، ألغت خططا لبناء منشأتين لتوليد الكهرباء في سوريا. وتحدث مستثمرون أتراك بنبرة متوترة حول استثماراتهم في دولة بدت من قبل كواحدة من أنجح شركاء تركيا بمجال التعاون الاقتصادي. من ناحيتها، فرضت دول أوروبية والتي جرى النظر إليها منذ فترة طويلة كمصدر آخر للاستثمارات في سوريا، عقوبات واسعة النطاق قد تمتد في النهاية إلى قطاع النفط السوري، أحد المصادر الحيوية للعملة الصعبة، والذي يعاني ترديا الآن.
في أبريل (نيسان)، راجع صندوق النقد الدولي تقديره لمعدل النمو السوري هذا العام، ليخفضه إلى 3 في المائة عن 5.5 في المائة. ومع دخول الانتفاضة شهرها الرابع، يرى محللون أن الاقتصاد، الذي يقدر إجمالي الناتج الداخلي به بقرابة 60 مليار دولار، قد ينكمش بما يصل إلى 3 في المائة عام 2011. الملاحظ أن هذه المشكلات تسببت في تفاقم الأوضاع المتردية بالفعل في الريف السوري، حيث دفع القحط مئات الآلاف للانتقال إلى المدن. وقد خلت بعض القرى من سكانها. منذ عام 2004، سارعت الحكومة من وتيرة رفع الدعم الخاص بالطعام والوقود، مما زاد من صعوبة المعيشة بالنسبة لموظفي الدولة الذين فشلت رواتبهم في اللحاق بوتيرة التضخم.
من ناحيته، قال بسام حداد، مدير برنامج دراسات الشرق الأوسط بجامعة جورج ميسون: «تسبب ذلك في تسارع السخط الذي نراه في الشارع اليوم. وهذا هو ما لا يدركه الكثيرون، الأمر لا يتعلق بالقمع السياسي فحسب. وربما لا يقتصر على القمع الاقتصادي أيضا، وإنما هو مزيج من كليهما، علاوة على غياب سبيل لعلاج المشكلات، الأمر الذي يسيء لكرامة المواطنين".
وفي أعقاب اندلاع المظاهرات بفترة قصيرة، لمحت الحكومة لتفهمها للتأثير الذي خلفته إجراءات سابقة لها، حيث أعادت بعض صور الدعم للوقود وعرضت أكبر زيادة في رواتب الموظفين الحكوميين خلال أربعة عقود. وذكر أحد الخبراء الاقتصاديين أن الحكومة قدمت زيادة سخية أيضا لأعضاء قوات الأمن التي تمثل أهمية محورية لبقاء الحكومة. ولا يبدو أحدا واثقا من كيفية توفير الحكومة لتلك الأموال.
وعلق نبيل سمان، الخبير الاقتصادي ومدير مركز الأبحاث والتسويق في دمشق، بقوله: «هذا استنزاف هائل للموارد الحكومية». وأضاف: «لن يتمكن الاقتصاد السوري من الصمود لأكثر من ثلاثة أو أربعة شهور على هذا الحال. إنهم لا ينظرون للمستقبل، وإنما ينصب جل اهتمامهم على إرضاء الرأي العام ومنحه مالا كافيا لوقف المظاهرات". وتوقع سمان انهيار العملة السورية.
وفي سوريا التي لا تزال بمعزل إلى حد ما عن الاقتصاد العالمي، لم تكن الإصلاحات السوقية قط بالضخامة التي كانت عليها في مصر وتونس. يذكر أن سوق الأسهم السورية أنشئت عام 2009 فقط، ولا تزال الحكومة تتمتع باحتياطيات تقدر بـ17 مليار دولار – وهو رقم يرى أحد الخبراء أنه كاف لتغطية واردات سبعة شهور. إلا أنه مثلما أشار الأسد نفسه، فإن المشكلة في حقيقتها قد تكون سيكولوجية أكثر، مع سعي قيادته للتشبث أكثر بدعم مجموعات الأقلية والطبقة الوسطى ونخبة أصحاب الأعمال لها والذي لا يزال كبيرا.
ومنذ بداية الانتفاضة، كانت هذه المجموعات – وليست المعارضة – هي الجمهور المختار للحجج الحكومية القائمة حول فكرة أن بشار وحده هو القادر على تحقيق الإصلاح والاستقرار. وأشار مسؤولون أميركيون إلى اعتقادهم بأن التأييد الذي يحظى به بشار في انحسار بين نخبة أصحاب الأعمال، في الوقت الذي يزداد القلق بين المسيحيين بل وبين العلويين أنفسهم الذين تنتمي إليهم عائلة الأسد. وقال زيون، التاجر: «أول الغيث قطرة".
وفي دمشق، قال وكيل سفريات يبلغ من العمر 28 عاما وأشار إلى نفسه باسم أنور، إن راتبه البالغ 600 دولار شهريا انخفض بالفعل بمقدار الربع. وأضاف أن جميع الوفود السياحية ألغت حجوزاتها. وأوضح أنه وزوجته لا ينفقان المال الآن سوى على الطعام فحسب، رغم أنه لا يزال يقدم أموالا لوالديه. وقال: «إذا خسرت وظيفتي، سأذهب للمسجد وأعتكف به، وإذا فشلت في ذلك سأنضم للمظاهرات. إن من مسؤولية الحكومة توفير وظائف لجميع المواطنين".
* خدمة «نيويورك تايمز»

ملخص احداث يوم الجمعة الماضي في سورية

Round-up-day
بالإنجليزية والعربية 


http://www.syrianemergencytaskforce.org/2011/06/27/syrian-revolution-round-up-day-102-friday-of-delegitimization-24-june-2011-%D9%85%D9%84%D8%AE%D8%B5-%D8%A3%D8%AD%D8%AF%D8%A7%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1/

بلادي سوريا, تستيقظ مرة أخرى بعد 40 عاما

My Syria, Awake Again After 40 Years
Free Syria
IN 2009, National Geographic published an article on Syria by a special correspondent, Don Belt, who had interviewed President Bashar al-Assad. In 2000, shortly after the funeral of his father, President Hafez al-Assad, the son entered his father’s office for only the second time in his life. His first visit had been at age 7, “running excitedly to tell his father about his first French lesson.” The president “remembers seeing a big bottle of cologne on a cabinet next to his father’s desk,” Mr. Belt wrote. “He was amazed to find it still there 27 years later, practically untouched.”
The bottle can be seen as an allegory for Syria itself — the Syria that has been out of sight for the 40 years of the Assads’ rule, a country and its aspirations placed on a shelf and forgotten for decades in the name of stability.
Now this other Syria is appearing before our eyes to remind us that it cannot be forever set aside, that its people did not spend the decades of the Assads’ rule asleep, and that they aspire, like all people, to live with freedom and dignity.
I remember my father, Nureddin al-Atassi, who himself had been president of Syria before he was imprisoned in 1970 as a result of Gen. Hafez al-Assad’s coup against his comrades in the Baath Party. I was 3 years old then, and it took me a while to understand that prison was not only for criminals, but also for prisoners of conscience. My father would spend 22 years in a small cell in Al Mazza prison, without any charge or trial. We counted the days by the rhythm of our visits to him: one hour every two weeks. At the end of a struggle with cancer, for which he had been denied medical treatment, he was finally released. He died in Paris in December 1992, a week after arriving there on a stretcher.
For the great majority of Syrians, the forgotten Syria meant a police state, a country governed with an iron fist. It meant a concerted international effort to keep a dictatorial regime in power in the name of regional stability — preserving the security of Israel and maintaining a cold peace on the Golan Heights, like the snow that covers Mount Hermon.
The forgotten Syria meant thousands of political prisoners packed for decades inside the darkness of prisons and detention centers. It meant disappearances that left families without even a death certificate. It meant the tears of mothers and wives waiting since the 1980s for their sons and husbands to return, even if wrapped in a shroud. It meant daily humiliation, absolute silence and the ubiquity of fear. It meant networks of corruption and nepotism, a decaying bureaucracy and a security apparatus operating without control or accountability. It meant the marginalization of politics, the taming of the judiciary, the suffocation of civil society and the crushing of any opposition.
A terrifying slogan, “Our Leader Forever Is President Hafez al-Assad,” emblazoned at the entrance to every city, and on public buildings, told Syrians that history ended at their country’s frontiers.
History did not end, of course, and occasionally it peeked in on Syrian life. But the regime buried its head in the sand, living the delusion that it could keep history out — if only it abused its people enough. This happened in the 1980s, with the bloody massacres in Hama. It happened in the early 1990s, after the Soviet bloc collapsed while the Syrian regime kept its one-party state. It happened in 2000, with the death of Hafez al-Assad and the transfer of power through inheritance — as if the regime could defeat even the certainty of death. And it happened in the year that followed, when the Damascus Spring was buried alive, its most prominent activists arrested after they called for Syria and its new president to turn the page and proceed toward democracy.
All through the past four decades, the regime refused to introduce any serious political reform. But meanwhile Syria witnessed great demographic, economic and social transformation. The population became larger and younger; today, more than half of all Syrians are not yet 20 years old. Enormous rural migration to the cities fueled a population explosion at the outskirts of Damascus and Aleppo. With unemployment widespread, wealth became concentrated more tightly in the hands of a small class of regime members and their cronies.
Many Western diplomats and commentators expressed doubts that the Syrian people might one day rise up to demand their rights and freedoms. But those skeptics consistently understated the depth of resistance and dissent. It was no surprise that at the moment of truth, Syrians opened their hearts and minds to the winds of the Arab Spring — winds that blew down the wall that had stood between the Arabs and democracy, and had imposed false choices between stability and chaos or dictatorship and Islamic extremism.
History did not leave behind that other, real Syria. Syria returns today to demand its stolen rights, to collect on its overdue bills. Compared to the other Arab uprisings, Syria’s has been perhaps the most arduous, considering the regime’s cruelty and the threat of civil war. At the same time, the people’s unity and their determination to remain peaceful will ultimately enable them to win their freedom and build their own democratic experience. Our exceptionally courageous people, their bare chests exposed to snipers’ bullets, understand the meaning of this freedom; it has already cost them dearly, in the lives of their sons and daughters.
In his interview with National Geographic, Bashar al-Assad did not say what he had done with the big bottle of cologne. It’s a moot point. The regime’s response, and President Assad’s last three speeches, indicate that no one in the presidential palace, not even the president, can move the glass bottle of despotism that has held Syria’s future captive.
My own father governed Syria for four years, but I inherited from him neither power nor fortune. What I inherited was a small suitcase, sent to us from the prison after he died. It held literally all of his belongings after 22 years in confinement. All I remember from this suitcase today is the smell of the prison’s humidity that his clothes exuded when I opened it.
The next time I visit my father’s grave, I will tell him that freedom is reviving again in Syria. I will reassure him that the Syrian people have finally succeeded in breaking this big bottle of cologne, that the scent of freedom has finally been dispersed, that it cannot be drowned by the smell of blood.
From the following link

Among The Costs Of War: $20B In Air Conditioning


By NPR Staff
June 25, 2011

The amount the U.S. military spends annually on air conditioning in Iraq and Afghanistan: $20.2 billion.
That's more than NASA's budget. It's more than BP has paid so far for damage during the Gulf oil spill. It's what the G-8 has pledged to help foster new democracies in Egypt and Tunisia.
"When you consider the cost to deliver the fuel to some of the most isolated places in the world — escorting, command and control, medevac support — when you throw all that infrastructure in, we're talking over $20 billion," Steven Anderson tells weekends on All Things Considered guest host Rachel Martin. Anderson is a retired brigadier general who served as Gen. David Patreaus' chief logistician in Iraq.
Why does it cost so much?
To power an air conditioner at a remote outpost in land-locked Afghanistan, a gallon of fuel has to be shipped into Karachi, Pakistan, then driven 800 miles over 18 days to Afghanistan on roads that are sometimes little more than "improved goat trails," Anderson says. "And you've got risks that are associated with moving the fuel almost every mile of the way."
Anderson calculates more than 1,000 troops have died in fuel convoys, which remain prime targets for attack. Free-standing tents equipped with air conditioners in 125 degree heat require a lot of fuel. Anderson says by making those structures more efficient, the military could save lives and dollars.
Still, his $20.2 billion figure raises stark questions about the ongoing war in Afghanistan. In the wake of President Obama's announcement this week that about 30,000 American troops will soon return home, how much money does the U.S. stand to save?

Dollars And Cents
The 30,000 troops who will return home by the end of next year were sent to Afghanistan in 2009, at a cost of about $30 billion. That comes out to about $1 million a solider.
But the savings of withdrawing those troops won't equal out, experts say.
"What history has told us is that you don't see a proportional decrease in spending based on the number of troops when you draw them down," Chris Hellman, a senior research analyst at the National Priorities Project, tells Martin.
"In Afghanistan that's going to be particularly true because it's a very difficult and austere environment in which to operate," he says.
That means most war expenditures lie not in the troops themselves but in the infrastructure that supports them — infrastructure that in some cases will remain in place long after troops are gone.
"We're building big bases," American University professor Gordon Adams tells Martin. The costs of those bases are, in economic terms, "sunk" costs, he says.
"We're seeing this in Iraq. We're turning over to the Iraqis — mostly either for a small penny or for free — the infrastructure that we built in Iraq. But we won't see back any money from that infrastructure."
Then there's the costly task of training Afghan security forces. The Obama administration has requested almost $13 billion to train and equip Afghan security forces in the next fiscal year.
And more importantly, Hellman says, "[Afghan President Hamid] Karzai indicated a couple years back that [Afghanistan] wasn't going to be a position to support their own military forces 15, 20 years out. I suspect we're going to be called on to pay a substantial part of that bill going forward."

Criticism From The President's Own Party
For critics of the president, the idea that the troop drawdown won't save much money is reason enough to suggest it should be bigger.
One outspoken critic is Sen. Joe Manchin (D-WV). He notes the wars in Afghanistan and Iraq have cost hundreds of billions of dollars so far, and he argues a larger troop drawdown isn't a national security risk.
"We have the greatest special ops in the world. We have more technology than any other country on earth," Manchin tells Martin. "Do we actually need to have 70,000 troops on the ground?"
"When you have this many people in a country that doesn't want you there — that has no economy, no infrastructure and a corrupt government — and you're trying to stabilize it and build them into a viable nation? I'm not sure we have enough time, and I definitely know we don't have enough money," Manchin says.
But others argue war should be waged independent of cost.
"The realm of war and peace exists separately apart — and justifiably so — from the economic realm," says Lawrence Kaplan, a visiting professor at the U.S. Army War College, who says critics like Manchin are looking for "economic answers to a non-economic question.
"And anyway, it's not the war that's broken Washington's piggy bank," he adds, noting that Medicare, Medicaid and Social Security account for far more spending than the $107 billion the Pentagon says it will spend in Afghanistan next year.
"Remember, we're talking about 30,000 troops," he says "I don't think that hundred-billion-dollar price tag should be the determining one."
Can Greener Mean Safer?
But for Anderson, the retired brigadier general, economics does have a role to play in modern warfare.
Anderson advocates for increased energy efficiency for military structures in order to cut down on the need for long, dangerous fuel-transport missions. A few months ago, Anderson heard from a company commander in Afghanistan.
"He literally has to stop his combat operations for two days every two weeks so he can go back and get his fuel. And when he's gone, the enemy knows he's gone, and they go right back to where they were before. He has to start his counter-insurgency operations right back at square one."
Anderson says experiments with polyurethane foam insulation for tents in Iraq cut energy use by 92 percent and took 11,000 fuel trucks off the road. But he adds there's a lack of enthusiasm for a greener military among top commanders.
"People look at it and say 'It's not my lane. We don't need to tie the operational commanders' hands' — things like this," he says.
"A simple policy signed by the secretary of defense — a one- or two-page memo, saying we will no longer build anything other than energy-efficient structures in Iraq and Afghanistan — would have a profound impact."


حياة الفلسطينيين تنك

http://www.youtube.com/watch?v=ApipCZJxXLY&NR=1

Sunday, June 26, 2011

من مقالات اليوم: اعتداءات أمريكا على الثورات العربية


المشاركون في أسطول الحرية الثاني يستعدون لمواجهات الجيش الإسرائيلي
عــ48ـربتاريخ النشر: 26/06/2011
نشرت صحيفة "هآرتس" تقريرا كتبته عميرة هس يتناول الاستعدادات لانطلاق أسطول الحرية الثاني لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة، وذلك في نهاية الشهر الجاري.
وتناول التقرير استعدادات المشاركين في الحملة على متن السفينة الكندية المسماة "تحرير" لمواجهة قوات البحرية الإسرائيلية.
وأشارت معدة التقرير إلى تدريب استغرق عدة ساعات، شارك فيه نحو 50 شخصا، من جيل 20 إلى 60 عاما، يحاكي مواجهات مع السفن الحربية للبحرية الإسرائيلية ومروحيات قتالية وبنادق "أم 16" وغاز مسيل للدموع ومسدسات صوتية كهربائية وشتائم وكلاب وجنود ملثمين.
كما أشار التقرير إلى تقسيم المشاركين إلى مجموعات، ودمجهم في أزواج يكونوا مسؤولين عن بضعهم البعض لضمان عدم اختفاء أحد من السفينة، وهو ما يعني مواجهة الاحتمال الأسوأ وهو سيطرة البحرية الإسرائيلية على السفن واقتيادها إلى ميناء أسدود واعتقال المشاركين في الحملة وطردهم إلى خارج البلاد.
كما لفت التقرير إلى التوجيهات التي قدمت للمشاركين، بضمنها عدم وجود أي ضرورة لأخذ المزيد من الأغراض الشخصية، خاصة وأنه لن يكون بالإمكان الاستحمام على متن السفينة أو تبديل الثياب باعتبار أنه لن يكون هناك مكان لذلك.
وأشار إلى أن نحو 50 شخصا سيكونون على السفينة الكندية "تحرير"، وسينضمون إلى المئات من المشاركين في الحملة من عشرين دولة، بينهم عشرات الصحافيين، مع الإشارة إلى أن سفر المشاركين ونومهم في الفنادق قبل الإقلاع هو على نفقتهم الشخصية.
وبحسب التقرير فإن منظمي الحملة يرفضون الكشف عن عدد السفن المشاركة في الحملة، حتى لا يحصل أي مس بالحملة في حال لم تتمكن إحدى السفن من الإبحار. ويأتي ذلك ضمن الاستعدادات لمواجهة احتمالات عرقلة إبحار السفن، علما أن سلطة الموانئ في اليونان كانت قد أعلنت الخميس الماضي أنها تلقت شكوى مفادها أن السفينة الأمريكية ليست مؤهلة للإبحار، وبالتالي جرى منعها من الإبحار إلى حين فحص الشكوى التي لا يعرف مصدرها.
وعلم أنه كان من المفروض أن يحبر مواطنون أمريكيون على متن السفينة الأمريكية وإسرائيليون أيضا، في حين أن السفن الأخرى تحمل مشاركين من إيرلندا والنرويج والسويد وإسبانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا وإيطاليا واليونان وكندا وتركيا وأستراليا وألمانيا والدانمارك، وغيرها.
هليفي: لا سلام في المنطقة بدون "حماس"
 الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام    25/6/2011
أكد الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الصهيوني الخارجي "الموساد" أفرايم هليفي أنه لا يمكن أن يتحقق السلام الشامل في منطقة الشرق الأوسط "بدون إشراك حركة "حماس" في العملية السياسية، وفتح قنوات اتصال مباشر معها حول مختلف القضايا".
ورأى هليفي، خلال حديث مع إذاعة جيش الاحتلال، أن المطالب الدولية من "حماس" بالاعتراف بالكيان الصهيوني "يُعد طلبًا غير واقعي، لأنه مرتبط بموضوع أيدلوجي ويضع عراقيل أمام فتح قنوات اتصال معها"، حسب قوله.
وأوضح "أن الاعتراف بوجود "إسرائيل" لا يجب أن يكون شرطًا لبدء هذه المفاوضات، إذ يمكن التعامل مع حماس دون أن يعترفوا بوجود "إسرائيل"، وعند التوقيع على اتفاق نهائي فقط حينها يكون هناك اعتراف متبادل".
ولفتت الإذاعة العبرية إلى أن هليفي يحاول منذ خمس سنوات إقناع الجميع بأن الحديث مع حماس هو إستراتيجية ذكية، لأنها تمتلك تأثيرًا كبيرًا في الشارع الفلسطيني، مشيرة إلى أنه سبق أن اتهم قادة حماس بأنهم "شياطين لكنهم جديرون بالثقة"، على حد تعبيره.
وأضاف هليفي "إذا أردنا التوصل إلى اتفاق ملموس مع الفلسطينيين، فيجب أن تقوم الجهات القوية بتنفيذ الاتفاق، وفتح نفسها بدأت بالتعاون مع حماس، لأن لديهم قناعة بأنهم لن يستطيعوا المجابهة وحدهم بدون حماس".
حماس خسرانة خسرانة.. إلا إذا
د. إبراهيم حمّامي      المركز الفلسطيني للاعلام       25/6/2011
ليس سراً أنني لم أتفاءل يوماً بما سمي اتفاق مصالحة بين حماس وفتح والذي تم توقيعه في 04/05/2011، وليس سراً أنني ضد أي محاولة لانقاذ فريق التفريط في رام الله من ورطته ورمي طوق النجاة له، وليس سراً أيضاً أنني قلت أن حماس تُجرم إن هي قبلت بذلك دون عودة هؤلاء إلى رشدهم وتركهم لغيهم واعتذارهم للشعب الفلسطيني عما اقترفوه من جرائم بحقه.
لكني وفي أكثر السيناريوهات تشاؤماً لم أتوقع أن ينقلب عبّاس ومن معه بهذه السرعة على الاتفاق الذي وقعوه، لم أتوقع أن "يفرط" الاتفاق عند أول منعطف، وبأن يعلن عبّاس وبشكل لا لبس فيه شروطه لتطبيق الاتفاق، والتي لا يقبل فيها نقاش، لأنه وحده صاحب الكلمة، الآمر الناهي، وعلى الجميع أن يرضخ.
لقد شكّلت تصريحات عبّاس ومعاونيه، خاصة لقاءه الأخيرمع قناة LBC اللبنانية يوم 20/06/2011 تراجعاً ونقضاً وخرقاً واضحاً لكل النقاط والبنود التي وقعوها – رغم اعتراضنا عليها مبدأياً – وشكّلت تلك التصريحات والممارسات الميدانية على الأرض موقفاً حاداً وأكثر تشدداً من ذي قبل، سلاحه اتفاق المصالحة، وتوريط الطرف الآخر، برعاية اسرائيلية-أمريكية معتادة.
وحتى لا نطيل ونسهب في الشرح، هذه هي مواقف حركة فتح التي يختطفها عبّاس ورهطه، السياسية والميدانية، بعد توقيع اتفاق المصالحة:
· لم تتوقف الاستدعاءات والاعتقالات وحالات الاختطاف، بل زادت وتيرتها
· لم يتم اطلاق سراح أي من المختطفين
· اصرار الأجهزة القمعية في الضفة أنه لا يوجد لديها معتقلين سياسيين، وهو ما أكده عزام الأحمد متحدياً أن يكون هناك معتقلاً واحداً على خلفية سياسية
· مُنعت كل مظاهر التضامن مع المعتقلين بدون استثناء، ولوحق المنادون بها
· باستثناء مظاهرتين في الخليل ونابلس – تم تصوير المشاركين فيهما ومن ثم استدعاؤهم – رفضت كل طلبات التظاهر تأييداً لاتفاق المصالحة المفترضة
· الغريب أن من التزم بيته ولم يتظاهر فرحاً تم استدعاؤه وسؤاله عن عدم مشاركته
· تلخص الكاتبة لمى خاطر الموقف الرسمي من ملف الاعتقال السياسي في ضوء تصريحات عباس الأخيرة بقولها: ملف الاعتقال السياسي الذي ظلت التطمينات السياسية التي أطلقت منذ توقيع المصالحة تؤكد أنه في طريقه للحل نكتشف اليوم أنه خارج حسابات البحث وغير قابل للمساس، لأن المعتقلين الموجودين حاليا (وفق تصنيف عباس لهم) إما أن يكونوا مهربي أموال أو مهربي سلاح! وهذه الفئة أعلن أنه سيستمر في اعتقالها وملاحقتها! مع ضرورة التذكير هنا بأن تهمة (تبييض الأموال) تطلق على مخصصات الأسرى وذوي الشهداء والمشاريع الخيرية التي لا تمر من قناة حكومة فياض، فيما تنسحب تهمة (تهريب السلاح) على السلاح المقاوم للاحتلال، بدليل أن عدداً من المعتقلين الحاليين هم مقاومون مطلوبون للاحتلال على الخلفيات ذاتها التي تعتقلهم أجهزة السلطة عليها.
·وتضيف الكاتبة بشأن فياض: أما ما يتعلق بفياض؛ فارس أحلام فتح نحو الدولة (المستقلة) فهو كذلك واضح بما فيه الكفاية، لكن فتح وقادتها الذين نراهم اليوم يدافعون باستماتة عن فياض لن يقولوا إن الرجل خيار أمريكا والغرب وشرطهم للموافقة على الحكومة الوحدوية أو التكنوقراط أو سمّها ما شئت، بل نراهم يجدون ضالتهم في تقارير مكذوبة منسوبة لجهات أوروبية، تؤكد أن الرجل لا يشق له غبار في الإنجازات الاقتصادية والتنموية في الضفة، رغم أن كل إنجازاته الموهومة لا تصبّ إلا في خانة تكبيل القرار الفلسطيني ورهن لقمة عيش المواطنين وشريان حياة السلطة كلّها في يد الاحتلال والممولين الغربيين، وتكفي فياض شهادة نتنياهو له بالنزاهة والنجاح·
أما الحكومة المرتقبة والتي تأجل تشكيلها بفرمان عبّاسي فهي بحسب ذات الفرمان "الحكومة مسؤوليتي وأنا أشكلها كما أشاء وهي تمثلني وتمثل سياستي , وأنا من سأتحمل فشلها لا خالد مشعل
أما ما يتعلق بنهج المفاوضات العبثي ورغم الصفعات المتتالية يصر عبّاس ويقول "وبالنسبة للمفاوضات مع الاحتلال قال: أنا مع المفاوضات أولاً وثانياً وثالثاً، وأنا مستمر بالمفاوضات مع التوجه للأمم المتحدة
وأخيراً وفي موقفه من المقاومة يقول عبّاس "الكفاح المسلح "خرب بيتنا" ودمر البلد ولهذا أرفض الإنتفاضة"ويبقى السؤال: على ماذا تم الاتفاق؟ وأين موقف حماس الرسمي من كل ذلك؟لا يمكن لعاقل أن يقف في وجه وحدة الشعب الفلسطيني، لكن مع من؟ ولصالح من؟ وعلى أي أساس وثوابت؟عبّاس ورهطه حددوا مواقفهم و"ثوابتهم"، وهم يعلنونها لاءاتهم: لا مقاومة، لا حكومة بغير بفياض، لا وقف للمفاوضات، لا وقف للاعتقال السياسي، لا نهاية لسياسة الاستئصال، لا شراكة في السلطة.حماس تجد نفسها اليوم وبسبب توقيع اتفاق المصالحة بشكله الذي تم قبوله بين أمرين كلاهما مر:الأول: القبول والانصياع لأوامر عبّاس ونواهيه، ولشروطه ومحدداته، وبالتالي أن تتحول لفرع من حركة فتح المختطفة، تطلب رضى العالم وقبوله، وبالتالي تكمل المشوار مع عبّاس في تشكيل حكومة يرأسها فيّاض وتتخلى عن أبنائها في الضفة ليعمل فيهم عبّاس سيف الاستئصال.الثاني: أن تقلب الطاولة على عبّاس وتعلن أن اتفاق المصالحة لم يعد له وجود إلا باعتذار عبّاس عن ما تفوه به، وبالتالي تتحمل وزر افشال اتفاق رفع آمال الكثيرين إلى السماء، وليطنطن عبّاس ورهطه بأن حماس من أفشل الاتفاق لأنها تصارع على المناصب!عنوان الموضوع هو خسرانة خسرانة ... إلا إذا – ما هي الإذا إذن؟على الجميع – وليس حماس فقط – أن يدركوا تمام الادراك أن الطبع يغلب التطبع، وأن عبّاس ومن معه ليسوا سوى أدوات لا تملك من أمرها شيئا، وبأنهم موظفون وخدم لمن يدفع لهم راتب آخر الشهر، وبأنهم لا علاقة لهم بهموم الشعب الفلسطيني ومعاناته، والأهم أنه لا يمكن تحقيق مصالحة معهم على أسس وطنية وأخلاقية صحيحة.
وعلى الجميع أيضاً أن يقتنع أن العالم لا يحترم إلا القوي الثابت على مبادئه، وبأن الغرب تحديداً تزداد شهيته أمام كل تنازل، وبأنه دون الإذعان التام والتسليم المطلق لن يرضوا عن حماس أو غيرها مهما أبدت من مرونة ودبلوماسية.
حاولت حماس ومعها القوى الوطنية الأخرى إعطاء فرصة لهؤلاء أملاً في تحقيق مكاسب آنية منها فتح معبر رفح وتخفيف الضغوط على عناصرها في الضفة – لم يتحقق شيء من تلك المكاسب: المعبر لا زال يعمل بذات الآلية أيام مبارك وربما أسوأ، والضفة تئن وتصرخ.أما المكاسب بعيدة الأمد والمدى والتي هي في صالح الشعب وقضيته، فلن ترى النور مع عبّاس ومن معه.عبّاس لا ينفخ ريشه من فراغ، فتحت مظلة المصالحة استعاد شرعيته المزعومة بعد أن أصبح رئيسا للسلطة – غير منتهي الصلاحية – وبعد أن ثبت نفسه في منظمة التحرير الفلسطينية التي قبلها الجميع ممثلاً له ينتظر الاصلاح، وبعد أن أفرغ فتح من قادتها الصالح منهم والطالح وأصبح الحاكم بأمره.عبّاس كان ينتظر طوق النجاة قبل اتفاق المصالحة بعد أن فشل داخلياً وخارجياً، وسقط نهجه العبثي، لكنه وبعد التوقيع عاد ليطوف أمصار الأرض متحدياً متعنتراً مختالاً، يرفض وبوقاحة لقاء قيادات الطرف الآخر، ويعلن إملاءاته عبر وسائل الاعلام دون مراعاة لأي أخلاقيات أو أصول – ولا عجب ففاقد الشيء لا يعطيه.مرة أخرى ما هي الإذا؟إلا إذا أعلنوا وبوضوح أنهم لن ينخدعوا مرة أخرى، وبأنهم لدغوا من ذات الجحر أكثر من مرتين، وبأن يضعوا شروطهم – نعم شروطهم – لمصالحة حقيقية وعلى أسس واضحة، وبعيداً عن السياسات المرنة والكلمات الفضفاضة واللجان التي لا ترى النور.
المصالحة لا تكون بأي ثمن، والوحدة الوطنية لها مواصفاتها، وأطراف الحوار والمصالحة يجب أن تكون لهم مرجعية واضحة.نقولها بوضوح وصدق، أن حماس اليوم في موقف لا تحسد عليه، إن لم نقل ورطة، من ناحية وقعت اتفاق مع من لا يحترم توقيعه، ومن ناحية أخرى لديها ما يكفي من مشاكل بحكم وجود قيادتها في دمشق، وما أدراك اليوم ما دمشق!الإذا الحقيقة هي العودة للأصول والثوابت، إلى النهج الذي أوصلها للفوز في انتخابات التشريعي، وجعل شعوب الأرض تتضامن معها وتتسابق لنصرتها، ليس لأنها فصيل أو حزب، لكن لأنها كانت ترفع هموم وقضايا ومبادئ وثوابت شعبها.
صورة حماس لا شك أنها اهتزت، والمعارضة لرميها طوق النجاة لعبّاس، وانتهاجها سياسات مرنة مطاطة تأتي اليوم من داخلها لا من خارجها فقط، وعليها أن تستعيد موقعها الذي بدأت تفقده بتورطها مع عبّاس، وتماشيها مع ما يسمى الشرعية الدولية.لم يفت الأوان بعد، لكن الوقت يمضي
الاعتداءات الأميركية على الثورات العربية  
عبد الستار قاسم      الجزيرة نت      26/6/2011
يستفز الغرب عموما المشاعر العربية بتعليقاته على الحركات الشعبية العربية، وبتهديده للحكام الذين هم من مخلفات القرون المظلمة، وبالعقوبات التي يفرضها أحيانا على هذا الشخص أو ذاك، أو هذه الدولة أو تلك.
تتحدث الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة بغطرسة واستكبار واضحين وكأن العرب عبارة عن قاصرين عجزة لا يستطيعون الوقوف مع أنفسهم، أو كأنهم عبارة عن عبيد يمدون يد الاستغاثة للسيد القاطن في واشنطن أو باريس.
ما أن تنطلق مظاهرة هنا أو هناك في الوطن العربي حتى يطل علينا الأميركيون ومن لف حولهم من الدول الغربية بتصريحات تتعلق بحقوق الإنسان وتحذر من العنف والتصعيد، إلخ.
لقد انتهك أهل الغرب شرف الحركات أو الثورات الشعبية العربية، وعملوا بتأييدهم الممجوج والخبيث على المس بطهارة جماهير الأمة العربية. حكامنا بغيضون وساموا الشعوب سوء العذاب، وإسقاطهم عبارة عن واجب مقدس، لكن الغرب ليس أقل بغضا، بل هم يزيدون.
إنها لسخرية كبيرة أن تقف "أشتون" تعطينا مواعظ في السياسة والأخلاق، أو أن ينصب "جوبيه" نفسه وصيا على مصالح الشعوب العربية، أو أن يستمر أوباما في التهديد باتخاذ إجراءات وعقوبات لكي تستقيم العلاقات الداخلية العربية. طبعا نحن لسنا أبرياء من هذه السخرية لأننا صبرنا طويلا على الظلم والاستعباد، وفتحنا الباب واسعا أمام التدخل الخارجي.
حقائق السياسة الأميركية
قبل الدخول بسياسة العبث الأميركية، من المناسب وضع الإصبع على أساسيات السياسة الأميركية في المنطقة العربية على مدى العقود السابقة، وذلك من أجل إقامة الربط الجدلي بين الماضي والحاضر الذي تحاول فيه أميركا الظهور بمظهر الحريص على حقوق الإنسان العربي. ويمكن تلخيص هذه الحقائق بالعناوين الكبيرة التالية:
أولا: عملت أميركا على دعم الهجرة الصهيونية إلى فلسطين في القرن التاسع عشر، واستمر هذا الدعم إبان الانتداب البريطاني. ومن تكرار الحقيقة أن نتحدث عن الدعم الأميركي المستمر للكيان الصهيوني في كافة المجالات وعلى كافة المستويات.
ثانيا: ورثت أميركا الهيمنة على أنظمة سياسية عربية كان الاستعمار البريطاني قد صنعها ونصب عليها قبائل تدين له بالولاء والطاعة. وقد حافظت أميركا على هذه الأنظمة على الرغم من أنها استبدادية وقمعية وشهوانية، وتهدر الثروات العربية، وتمنع عن الشعوب المال والعلم والحرية، وتشيع في الصفوف الجهل والرعب والإذعان والخضوع.
أميركا تحرس بعض أنظمة الخليج وتمكنها من رقاب الشعوب، وتحرس النظامين الأردني والمغربي، واستطاعت أن تسيطر على أنظمة جمهورية عدة بفعل قدراتها المختلفة وبسبب نذالة الحكام.
هي التي أتت بزين العابدين بن علي، وهي التي نصبت علي عبد الله صالح، وهي التي ضغطت من أجل أن يكون حسني مبارك نائبا لرئيس الجمهورية في عهد السادات، وهي التي ارتاحت لصمت جبهة الجولان، وارتاحت للنظام الجزائري الذي وجد نفسه متحالفا مع أميركا في حربها ضد ما يسمى بالإرهاب، وهي التي حرضت العراق على إيران وأشغلت الدولتين في حرب طويلة استنزفت طاقاتهما، وهي التي ما زالت تعبث بالساحة اللبنانية، وهي التي تدعم السلطة الفلسطينية الحارسة على بوابات إسرائيل.
ثالثا: حرصت أميركا على بقاء الوطن العربي مجزءا، وعملت على تفتيت الدولة القطرية لكي يزداد العرب ضعفا على ضعف.
رابعا: أميركا لا تتمسك بالمبادئ على حساب المصالح. كل حديثها عن حقوق الإنسان والديمقراطية يتهاوى أمام مصالحها، وقد خبرنا هذا عام 1992 عندما أيدت رفض نتائج الانتخابات المحلية الجزائرية، وفي فلسطين عندما فازت حماس بانتخابات المجلس التشريعي عام 2006.
ونحن نخبره دائما في دعم إسرائيل في قتل الفلسطينيين والإمعان في رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين، وفي تدميرها للعراق، وقتل الناس جماعات وفرادى، وفي قتلها للأفغانيين والباكستانيين. المبدأ جيد فقط عندما يتمشى مع المصلحة، ويتم التخلص منه تحت ذرائع قبيحة عندما يتناقض مع المصلحة.
خامسا: أميركا مستمرة في نهب الثروات العربية بخاصة في منطقة الخليج، وترخي السبيل للحكام بتبديد ما يتبقى من ثروة. الحكام العرب يهدرون الأموال العربية بصورة فاحشة، وأميركا لم تنبس ببنت شفة لصالح المواطن العربي المظلوم. وهي تسرق الأموال العربية من مناطق عربية ثرية لتتحكم من خلالها بدول عربية أخرى.
أميركا تيسر سرقة الأموال العربية من قبل الحكام العرب، ولم تحاول يوما وقف اعتداءات هؤلاء الحكام على المال العام على الرغم من أنهم يأتمرون بأمرها. وطبعا هذا متوقع لأن مصلحة أميركا مع الفاسدين واللصوص وليس مع المحترمين.
ركوب الموجة
لقد جربت أميركا مقاومة الحركة الشعبية في إيران عام 1979، ومن الواضح أنها تعلمت أن ركوب موجة الثورات الشعبية أفضل من معاندتها وذلك من أجل الحفاظ على المصالح. ولهذا تتبع أميركا السياسات التالية تجاه الثورات العربية مذ أن بدأت:
تبجيل الثورات إعلاميا: أيدت أميركا إعلاميا ثورة شباب تونس، وكذلك ثورة شباب مصر، ودعت الرئيسين المخلوعين إلى ضرورة احترام إرادة الشعوب في الحرية وإقامة الديمقراطية. وقد كان في هذا ما يسيء للحركة الشعبية في الدولتين لأن من تمتدحه أميركا، وفق قناعات الشارع العربي، لا يمكن أن يكون سويا أو محترما.
وأظن أن هذه قناعة شعبية منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر الذي قال إن مصر على خطأ عندما تقول أميركا إن مصر على حق، ومصر تسير بالطريق الصحيح عندما تقول أميركا إن مصر على خطأ. عندما تقول أميركا ومعها إسرائيل إن فلانا معتدل فذلك يعني أنه خائن، وعندما تقولان إنه متطرف فذلك يعني أنه وطني.
هناك قناعة لدى نسبة عالية من المواطنين العرب بأن أميركا لا تملك معيارا موضوعيا للخطأ والصواب، وإنما مصالحها هي التي تحكم سياساتها، وبالتالي الخطأ هو ما يضر بمصالحها أو يهددها، والصواب هو ما يخدم مصالحها.
فعندما تقول إن الثورة العربية على حق فإن الإنسان العربي يبدأ بالتشكك فيما إذا كانت الثورة حقيقية أم مفتعلة من قبل الولايات المتحدة. ولهذا وجدنا العديد من الناس يشيحون بوجوههم عن هذه الثورات على اعتبار أن أميركا ملّت من عملائها الحكام وهي تريد استبدالهم لأن المرحلة القادمة تتطلب عملاء وخونة من نوع جديد.
الوعيد للحكام: صعدت أميركا لهجتها الإعلامية إلى تهديد بعض الحكام العرب الذين شهدت إقطاعياتهم حركة شعبية داعية إلى التغيير، وذلك بدعوتهم أحيانا إلى الاستجابة لمطالب الشعب، وأحيانا أخرى بتهديدهم بعقوبات أو الذهاب إلى محافل دولية مثل المحكمة الجنائية الدولية.
وقد كانت أميركا انتقائية في هذا الأمر بحيث إنها لم تهدد حكام الإقطاعيات المصنعين غربيا والتابعين بالأصالة للاستعمار الغربي مثل أنظمة البحرين والأردن والمغرب، في حين عمدت إلى تهديد أنظمة الجهالة التي ظنت أنها ثورية وأثبتت أنها قمعية طغيانية.
لقد كانت لينة جدا وكاذبة فيما يتعلق بالمظاهرات ضد أنظمة التبعية، وكانت قاسية بالنسبة لأنظمة الجهالة إلى درجة أنها شنت وحلفاؤها الغربيون حربا على القذافي. تؤكد هذه الازدواجية كذب الولايات المتحدة، وأنها حقيقة تريد اعتلاء الحركات الثورية الشعبية لكي توجهها في النهاية نحو التبعية التامة لإرادتها.
استعمال الأمم المتحدة: لم يتوقف التصعيد عند التهديد، بل عمدت أميركا وحلفاؤها الغربيون إلى استعمال الأمم المتحدة لاتخاذ قرارات بالإدانة أو التدخل أو فرض عقوبات.
قررت المنظمة الدولية التدخل العسكري في ليبيا، وهي تعمل على فرض عقوبات على سوريا على نمط العقوبات التي فرضتها الدول الأوروبية. وقد فرضت أميركا عقوبات من طرفها، لكنها تسعى إلى تعميم ذلك دوليا. في حين أن أميركا لم تحاول استعمال الأمم المتحدة بخصوص اليمن أو البحرين.
التدخل المباشر: التدخل الأميركي في شؤون الدول التي تشهد حراكا شعبيا هو الأخطر على الإطلاق لأنه ينطوي على سياسات مباشرة لنخر الحركات الشعبية من الداخل وحرفها عن مساراتها الوطنية الطامحة إلى الحرية والاستقلال. ويمكن تصنيف هذا التدخل بالتالي:
أ‌- قام مسؤولون أميركيون وعلى رأسهم وزيرة الخارجية بزيارة تونس ومصر عقب انتصار الثورتين حاملين معهم عبارات الإعجاب بالعربي الجديد الذي وجد في النهاية سبيله نحو التحرر من الاستبداد. وقد حاولوا الاجتماع مع شباب الثورة في الدولتين، لكن الشباب المصري والتونسي كانوا على درجة عالية من الوعي، ورفضوا مقابلة أي مسؤول أميركي.
وقد تدخل مسؤولون أيضا في اليمن حيث أقحم السفير الأميركي نفسه في الصراع الداخلي، وكذلك في الأردن من تحت ستار، وفي البحرين، وبالتأكيد في ليبيا الذي بلغ التدخل فيها المستوى العسكري.
ب‌- تقوم أميركا بإثارة الفتن الداخلية بخاصة في تونس ومصر، وستقوم بذلك في سوريا واليمن كما قامت في ليبيا وذلك من خلال عملائها وعملاء الكيان الصهيوني.
زرعت أميركا عملاء لها بأعداد ضخمة في البلدان العربية، وهم يتغلغلون في أجهزة الدولة ومؤسساتها المختلفة سواء كانت الرسمية أو غير الرسمية، وهم موجودون في الأجهزة الأمنية والشرطة وقوى الدرك والجمعيات غير الحكومية، وموجودون بين المثقفين وفي الجامعات والمعاهد والمستشفيات، وفي الجيش، وأيضا في قمة الهرم السياسي.
هناك قادة عرب منصبون، كما قلت سابقا، أصلا من الاستعمار، ومنهم من يتقاضى رواتب من الخزانة الأميركية، ومنهم من يتنعم ببعض الهدايا الشهوانية التي تعوض له سهره على راحة أميركا والصهاينة.
وكذلك فعلت إسرائيل التي تتغلغل في الصفوف العربية من المحيط إلى الخليج، والزمن يكشف لنا تدريجيا حجم هذا الاختراق الأمني والفكري والثقافي. إسرائيل لها جواسيس في كل أنحاء الوطن العربي، وهي قادرة على التجنيد بسهولة في أنظمة الحكم التابعة للغرب بسبب صداقتها معها، وقادرة على زرع العملاء في دول الجهالة بسبب رعونة الحكام وغبائهم واهتمامهم بالزعرنة (البلطجة) على حساب البناء والحرص الأمني.
ولهذا فإن أميركا وإسرائيل قادرتان بسهولة على إحداث فتنة بين الأقباط والمسلمين، بين العرب والكرد، بين العرب والأمازيغ، بين شمال وجنوب، وبين سنة وشيعة، بين سني وعلوي، إلخ. وقادرتان أيضا على اختراق صفوف الشباب الثائرين وإحداث بلبلة داخل القيادات الجديدة التي ستأتي بها الانتخابات.
أميركا والكيان الصهيوني يملكان مهارة وخبرة استخبارية وتخريبية وتغلغلية واسعة، وهما لا يترددان في استعمال مختلف الأساليب لبث الفرقة والفساد وصنع الاقتتال.
ج- تستعمل أميركا الأموال للإغراء والاستقطاب وللتدخل في الشؤون الداخلية. وقد وعدت بتقديم مساعدة مالية لمصر لتمكين المجلس العسكري المؤقت من مواجهة النفقات، وحثت دول الخليج على تقديم المعونات الاقتصادية لكي يرتقي اقتصاد مصر. أما تونس، فتحدث الأوروبيون عن معونات من أجل التعويض ولو جزئيا عن الضرر الذي أصاب الاقتصاد التونسي.
هذه اللعبة الاقتصادية والمالية ليست جديدة، وهي لعبة استخدمتها أميركا من أجل التغلغل ومن أجل توريط دول بديون وقروض لا تتمكن من سدادها فتضطر للرضوخ والإذعان. فإذا كانت مصر وتونس قد فلتتا، أو ترفضان التدخل الخارجي، فإن أميركا لا تنفك تحاول تحت ستار الشعارات الإنسانية والمحبة بين الشعوب.
أميركا تستعمل الأموال أيضا لتمكين العملاء والجواسيس من التخريب والهدم وبث الفتن. وهي تقدم مئات الملايين من الدولارات سنويا لمثقفين عرب في مختلف الإقطاعيات العربية لكي يتصدروا المشهد الإعلامي، ولكي يكونوا دائما في مراكز التخطيط والتوجيه واتخاذ القرار. أميركا وإسرائيل ستعملان على إحداث البلبلة في البلدان العربية الثائرة من أجل أن يترحم العربي على أيام الرؤساء والملوك المخلوعين.
الأهداف الأميركية
استعملت أميركا عبر الزمن أساليب ووسائل متعددة ومتنوعة من أجل السيطرة واستغلال الثروات وتحقيق تبعية الدول العربية، وذلك من أجل تحقيق الأهداف الرئيسية التالية:
1- المحافظة على تدفق النفط العربي إلى الأسواق الغربية ووفق ما يرى الغرب أنها أسعار مناسبة. لدى أميركا استعداد لخوض حروب من أجل استمرار هيمنتها على النفط العربي، وهي لا تتوانى في حشد الجيوش نحو هذا الهدف.
2- المحافظة على وجود إسرائيل وأمنها، وعلى هيمنتها العسكرية، والتأكد من أنها قادرة على هزيمة العرب فرادى ومجتمعين.
3- الإمعان في تفتيت الوطن العربي لأن في ذلك ضعفه، وقوته في وحدته.
4- ملاحقة الروح الإسلامية ومحاربة مختلف الحركات الإسلامية حتى لا يتطور فكر منافس للفكر الرأسمالي، ولا تتطور قوة عربية تجعل للعرب مكانة عالمية.
5- استمرار هيمنتها العسكرية على المنطقة، ولبقاء أجواء العرب وبحارهم وأراضيهم مسرحا للعمل العسكري الأميركي والصهيوني.
الاستمرار في الثورة
لقد تأخر العرب كثيرا في الثورة على الظلم والاستعباد والطغيان على الرغم من تمادي حكامهم في الاستهتار بشعوبهم ومستقبل الأجيال القادمة، ومن المفروض أن لا يتوقف مسلسل الثورات العربية حتى تتم الإطاحة بكل هؤلاء الطغاة، وليكونوا عبرة لحكام قادمين قد تسول لهم نفوسهم إذلال شعوبهم.
وإذا كانت أميركا تتدخل فإن ذلك يجب أن لا يثنينا عن الاستمرار، وإنما يعني أن علينا رفض كل محاولات التدخل الأميركي المباشر وغير المباشر، ورفض كل تدخل خارجي مهما كان نوعه.
لقد أجرم الأوروبيون والأميركيون بحق العرب جميعا، ولم تتوقف يوما اعتداءاتهم المتنوعة على الأمة، ولا أرى أن قلوبهم قد اتسعت فجأة لتحتضن الأحزان العربية.
لبنان.. مخاطر ارتدادات الزلزال السوري
مركز الجزيرة للدراسات    25/6/2011
بالرغم من أن لبنان انتظر طويلاً تشكيل حكومة نجيب ميقاتي، إلا أن الولادة المتأخرة والعسيرة للحكومة لم تنجح في تعزيز الشعور بالاستقرار؛ فارتباط الوضع السياسي في لبنان بتوازنات ومتغيرات المحيط العربي، والتأثير السوري الكبير على الشأن اللبناني، يضع لبنان الآن في مهب عواصف الثورات العربية عموما، والثورة السورية على وجه الخصوص. ولعل انفجار اشتباكات الأسبوع الماضي في مدينة طرابلس بين لبنانيين سُنة وعلويين مجرد شرارة أولية لما يمكن أن يشهده هذا البلد من ارتدادات الزلزال السياسي الذي يضرب بنية النظام السوري والتوازنات العربية.
فيما يلي قراءة أولية لتطورات الوضع السياسي اللبناني واحتمالاته في ظل تشكيل حكومة ميقاتي التي تسيطر عليها القوى الموالية لدمشق، وفي ظل الـتأزم السوري الداخلي.
1- يوم الجمعة 17يونيو/حزيران الماضي كانت مدينة طرابلس في شمال لبنان مسرحًا لاشتباكات مسلحة بين منطقتين تتميّز إحداهما بأنها ذات غالبية سنية (باب التبانة) أما الثانية (جبل محسن) فتقطنها غالبية من العلويين. سقط سبعة قتلى وعدد من الجرحى بينهم جندي لبناني (لم يكن مشاركًا في الاشتباك) وأحد المسؤولين في الحزب العربي الديمقراطي (ذي الطابع العلوي). وكانت تظاهرة متضامنة مع الاحتجاجات في سوريا خرجت بعد صلاة الجمعة وضمّت العديد من الطلبة السوريين الذين يدرسون في فرع الجامعة اللبنانية في طرابلس، وردد المتظاهرون هتافات مطالبة بإسقاط النظام السوري؛ مما استفز أهالي جبل محسن. وقد تدخل الجيش اللبناني لوقف الاشتباكات، وأُعطي أوامر بإسكات مصادر النار أيًا كان مصدرها.
2- لم يكن هذا الحادث الأول من نوعه بين المنطقتين؛ إذ تكرر في الماضي مرّات كثيرة، لكنه كان يُعزى دائمًا لاحتقانات محلية؛ فالمدينة (طرابلس) ومحيطها المتوسع تشهد مدًّا سياسيًا إسلاميا متناميًا وزادت أهميته تحديدًا في العام 2008؛ فباتت قبلة سنّة لبنان بعدما أصبحت العاصمة بيروت تعتبر من وجهة نظرهم "ساقطة عسكريًا" منذ دخلتها قوات "حزب الله" وحلفائه في تيار ما يعرف بـ"8 آذار" (حركة "أمل"، وحزب البعث، والحزب القومي السوري الاجتماعي...)، وحسمت أزمة سياسية داخلية بإنزال هزيمة بالتيار الآخر المعروف بـ "14 آذار". وكما عُدّت هذه المواجهة (7 مايو/أيار 2008)، في بعض التحليلات، ذروة المواجهة "الشيعية-السنية"، كذلك يُنظر إلى حادث طرابلس على أنه أول اشتباك "سني-علوي" على خلفية الأحداث المتفاعلة في سوريا حاليًا. والواقع أن هذا الاشتباك كان متوقعًا، وغير مستبعد تكراره لأسباب ودوافع شتى طالما استمرت الأزمة في سوريا.
3- ذاك أن مسرح الاشتباكات، أي طرابلس، يتميّز باستقطابه لوجهي الأزمة المتشعبة التي يعيشها لبنان داخليًا وإقليميًا، فهو:
أولاً: بات محور الصراع على الزعامة السنية في لبنان؛ فالحكومة الجديدة التي تُعتبر سوريا عرّابها تضمّ، إلى جانب رئيسها نجيب ميقاتي، ثلاثة وزراء سنّة آخرين من المدينة. وهي خطوة غير مسبوقة في تشكيل الحكومات. وقد ذهب أحد التفسيرات إلى حد القول: إن المعارضة (المؤيدة لـ "تيار المستقبل" بزعامة سعد الحريري) افتعلت الاشتباك في ذلك اليوم تحديدًا لتوتير الأجواء، ومنع الوزراء الأربعة من إقامة احتفال مشترك بولادة الحكومة.
ثانيًا: كان تفاعل طرابلس مع الانتفاضة الشعبية في سوريا هو الأقوى في عموم لبنان، بسبب:
القرب الجغرافي من مناطق سورية –منها تلكلخ وبانياس وجوارها- شهدت قمعًا شديدًا.
نزوح بضعة آلاف من السوريين إلى مناطق في شمال لبنان.
وجود أحزاب ومجموعات إسلامية دعت مرارًا، وفي وقت مبكر، إلى تظاهرات تضامنا مع الشعب السوري، إلا أن السلطات لم ترخص لها بذلك واتخذت تدابير مسبقة لاحتوائها.
ثالثًا: كانت معركة السيطرة العسكرية لـ "حزب الله" وحلفائه على بيروت عام 2008 قد استدرجت ردود فعل دموية في الشمال، وأدت فيما بعد إلى سباق بين مختلف القوى لاستقطاب الشارع الشمالي، خصوصًا السني، والعمل على تسليحه. وهذا السباق لا يزال جاريًا، لأن الصراع الذي صُوّر سنيًا-شيعيًا (وهو كذلك جزئيًا) كان ولا يزال في بعض أوجهه معركة لاستعادة سوريا نفوذها على السنة بعدما فقدته بسبب "الاتهام السياسي" الذي وُجّه إليها بتدبير اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في فبراير/شباط 2005. وبعد انسحاب قواتها من لبنان انتقل نفوذها "بالوكالة" إلى حلفائها بقيادة "حزب الله".
4- لا بد من تذكير، ولو في عجالة، بمراحل الأزمة المركّبة والمتدرجة التي يعيشها لبنان، وقد بدأت عناصرها الحالية في العام 2005 مع مسلسل الاغتيالات السياسية بدءًا من رفيق الحريري وإحالة الجريمة إلى تحقيق دولي تنظر فيه محكمة دولية خاصة أُنشئت بقرار من مجلس الأمن الدولي. ومع انسحاب السوريين انتقلت العلاقة بين البلدين من "الوصاية" إلى التأزم. وغداة حرب صيف 2006 بين "إسرائيل" و"حزب الله"، الذي ساندته سوريا، استشعر هذا الحزب إرهاصات لمحاصرته، عبر تفعيل القرارات الدولية التي أنهت الحرب، ولنزع شرعية المقاومة وسلاحها بجعلهما محور خلاف داخلي من خلال قراءة نتائج تلك الحرب وأسبابها؛ فانفجرت أزمة سياسية استمرت ثمانية عشر شهرًا إلى أن توصل الأطراف إلى حلّ لها من خلال "اتفاق الدوحة" (مايو/أيار 2008)، لكنها تركت رواسب سياسية واجتماعية لا تزال تتفاعل حتى الآن، ولا يزال "سلاح المقاومة" محور جدل. ومنذ يونيو/حزيران 2010 عصفت أزمة جديدة بالحكومة الوفاقية بعدما شارفت لجنة التحقيق الدولية على إنهاء عملها، وشاعت تسريبات بأن المحكمة ستسمّي بموجب القرار الاتهامي مجموعة أشخاص ينتمون إلى "حزب الله"، الذي رفض هذا الاتهام واعتبره مسيّسًا ويهدف إلى توريطه. وبعد شهور من المساجلات، وبعد فشل مساع بذلتها سوريا والسعودية لإيجاد تسوية لتجنب تداعيات أي اتهام كهذا أُسقطت الحكومة التي كان يرأسها سعد الحريري، بعدما انقلبت الأكثرية التي كانت تؤيدها، بضغوط مارستها سوريا وحلفاؤها المحليّون. واليوم تواجه حكومة نجيب ميقاتي احتمال تجدد هذه الأزمة، لكن الطرف الآخر المؤيد للمحكمة لا يشارك في هذه الحكومة وإنما انتقل إلى المعارضة التي اتخذت من "السلاح غير الشرعي" محورًا لمعركتها السياسية.
5- على هذه الخلفية بدأت الانتفاضة الشعبية في سوريا، منتصف مارس/آذار؛ مما أدى إلى تراجع إدارة الأزمة اللبنانية في سلم أولويات دمشق، وبدا واضحًا أن سوريا "فرملت" عملية تأليف الحكومة لتتفرغ لأزمتها على أمل الانتهاء منها سريعًا. قبل ذلك كانت دمشق تتوخى إيجاد "شركاء"، عدا إيران أو بالإضافة إليها، لرعاية هذه الحكومة، كالسعودية مثلا، أو ربما تركيا. ولعلها توقعت أن تهتم الولايات المتحدة أو فرنسا بالتغيير السياسي الذي قادته في لبنان، وفقًا لتقاليد سابقة، لكن مناورتها لم تُجدِ نفعا؛ لذلك جمّدت سوريا عملية تأليف الحكومة، وراحت تحاول ربط أزمتها بالأزمة اللبنانية من خلال تفعيل "نظرية المؤامرة" التي جهر بها الرئيس بشار الأسد في خطابه الأول أمام مجلس الشعب السوري نهاية مارس/آذار الماضي.
6- نظر سنّة لبنان إلى أحداث سوريا في بداياتها على أنها انتفاضة شعبية لا هوية طائفية لها، وبسبب مناخ الانقسام السياسي الحاد في لبنان فقد أحجموا عن أي تدخل أو حتى إبداء التعاطف رغم أن هذه الانتفاضة والقمع الشديد الذي مورس ضدّها راحا يُبرزان استهدافًا مبرمجًا لفئة محددة تتمثل بالسنّة. ورغم السلبية التي أشهرها اللبنانيون فإنهم فوجئوا بأن السلطات السورية توجّه لهم اتهامات بتمرير أسلحة عبر الحدود، بل عرض التلفزيون السوري الحكومي "اعترافات" لأشخاص قيل إنهم اعتُقلوا وأقرّوا بأن النائب جمال جراح (من "تيار المستقبل") وفَّر لهم أموالا وأسلحة لتسليمها إلى بعض المتظاهرين. وطالب السفير السوري في بيروت بملاحقة هذا النائب إلا أن الجهات الأمنية والقضائية المختصة انتظرت أن تمدّها دمشق بالملف لتتمكن من التحرك، وهو ما لم يحدث. لكن مواقع إلكترونية وسياسيين لبنانيين موالين لسوريا أكثروا من الإشارة إلى "تورط" جهات سعودية في التحريض على الاحتجاج في سوريا من دون أن يتمكنوا من إثبات ادعاءاتهم. وفجأة غادر سعد الحريري بيروت، رغم أنه رئيس حكومة تصريف الأعمال، ويبدو أنه تلقى نصائح وتحذيرات استخبارية عربية وغربية بوجوب الابتعاد قبل أن يصبح هدفًا سائغًا للاغتيال، خصوصًا مع تصاعد احتمالات إشعال فتنة تترافق والأزمة السورية بل يمكن أن تحرف الأنظار عنها. ويعتقد خبراء سياسيون أنه مع مضي ثلاثة شهور على استمرار الانتفاضة ربما تكون سوريا فقدت خيار "حرف الأنظار" هذا، باعتبار أنه حتى المسيرات التي نُظمت إلى الحدود مع إسرائيل في ذكرى النكبة (15 مايو/أيار) ثم في ذكرى النكسة (5 يونيو/حزيران)، لم تتطور على النحو الذي أُريد لها، رغم سقوط أكثر من ثلاثين قتيلا ومئات الجرحى في الجولان وجنوب لبنان.
7- عندما وُلدت الحكومة اللبنانية أخيرًا بدا النظام السوري كأنه في لحظة حسْم أزمته؛ فمن جهة أبدى حلفاؤه اللبنانيون مخاوف من أن تأخير الحكومة يمكن أن يُفهم كمؤشر ضعف، ثم إنهم لفتوا أنظار السوريين إلى أن القرار الاتهامي للمحكمة الدولية في قضية الاغتيالات السياسية يوشك أن يصدر، وبالتالي يُفترض أن تقرر دمشق ما إذا كانت تفضل صدوره في ظل حكومة تصريف أعمال لا يزال الحريري يرأسها أم تفضل مواجهته بحكومة يسيطر عليها حلفاؤها؟ ومن جهة أخرى كان الحل الأمني المتنقل داخل سوريا قد بلغ الذروة في جسر الشغور؛ حيث حدث أكبر انشقاق من نوعه في صفوف القوات الأمنية، وأُرسلت تعزيزات لإعادة إخضاع البلدة وكسر هذا التمرد. لكن نزوح آلاف الشغوريين إلى الجوار التركي خلق أزمة محرجة قد تُستخدم لفتح ثغرة تدويل للأزمة.
8- تتنازع الحكومة اللبنانية الوليدة مخاوف من ثلاثة مصادر:
أن يتأجج الصراع الداخلي فيؤدي إلى تكبيلها وعرقلة عملها، خصوصاً إذا صدر القرار الاتهامي في الأيام المقبلة، وإذا جُوبه بردود فعل واسعة ونوعية من جانب "حزب الله".
أن تتعامل الولايات المتحدة والدول الأوروبية بسلبية معها، كما هو متوقع، ما يعني لجم اندفاعها لتحسين الوضع الاقتصادي، وربما ممارسة ضغوط عليها من خلال العقوبات التي ستفرض على سوريا.
أن لا تكون سوريا تخلت كلياً عن استخدام الساحة اللبنانية لخوض مجابهة مع الدول الغربية خصوصاً أن البيئة المسلحة والمتوترة في طرابلس تبدو مؤاتية لمختلف الاحتمالات، علمًا بأن المساومات السابقة التي كانت سوريا تجريها عبر لبنان ربما فات أوانها.
ولا تبدو فكرة "طرابلس منزوعة السلاح" واقعية أو قابلة للتحقيق، لكنها اختبار لمدى استعداد سوريا لتحصين موقف حليفها ميقاتي. وقد سبقتها قبل عامين فكرة "بيروت منزوعة السلاح" التي اصطدمت بعدم موافقة سوريا عليها، لأن السلاح "غير الشرعي" موجود بمعظمه في أيدي حلفائها.
بالإضافة إلى البيئة المتوترة في طرابلس، تتخوف أوساط لبنانية عدة من احتمالين خطيرين:
الأول: وقوع عمليات اغتيال لشخصيات سياسية.
الثاني: افتعال صدامات بين فصائل فلسطينية ومجموعات لبنانية، إذ أن السلاح الفلسطيني خارج المخيمات هو من الأوراق التي احتفظت بها سوريا ولم تعط موافقتها على سحبه، حتى بعد "توافق" اللبنانيين عليه كإجراء يعزز سلطة الدولة.
9- أدى تحليل الأحداث السورية إلى حسابات سياسية مفتوحة في لبنان. ففيما يعتبر حلفاء سوريا أن النظام لم يفقد قوته وأنه سيتجاوز الأزمة ولو ببطء، يعتقد الخصوم أن النظام قد يكون دخل نفقاً طويلاً سيشغله ويلزمه بالتعامل مع الأزمة التي وضعته في مواجهة طالما اعتبرها غير واردة. لكن هؤلاء وأولئك التقوا، من دون تنسيق، على أن الأفضل لبنانياً عدم التدخل بأي شكل من الأشكال، وعدم تشجيع النقاش الداخلي على تداول الأزمة السورية، انطلاقاً من الرغبة في تجنب إضافة انقسام جديد إلى الانقسامات الموجودة. ويدرك خصوم سوريا أن تراجع النظام أو انهياره قد يدفع "حزب الله"، في الفترة الأولى على الأقل، إلى تنفيذ خطط عسكرية لتأكيد سيطرته والحفاظ على وضعه القتالي ومنع خصومه من الإستقواء عليه.
10- هذه الحسابات تشغل أيضًا الأطراف الإقليمية المهتمة أو المعنية بالوضع اللبناني، كإيران وتركيا والعرب، فالأُولى خصوصًا قلقة على مستقبل حليفها السوري قلقها على مستقبلها في سوريا؛ فهي تريد أن تتأكد من أنها تستطيع مواصلة الاعتماد عليه، وأنه سيبقى على مساندته المعروفة لـ "حزب الله". ورغم تأييدها الواضح والمعلن للنظام فإنها تدرك الآن أن منظومتها الإستراتيجية تمر بمرحلة صعبة. أما تركيا فباتت ترهن مستقبل علاقتها مع سوريا ومستقبل استدارتها نحو الشرق بالتغيير وفقًا لمطالب الشعب، سواء تم ذلك مع بقاء النظام أو بزواله. ولا شك أن غياب أي موقف أو رأي عربي ينذر بمصير علاقاتهم مع سوريا مشابه لذاك الذي نشأ مع العراق غداة الغزو والاحتلال وسقوط النظام السابق، غير أن العرب يعتقدون عمومًا أن التغيير في سوريا لابدّ أن يعني أيضًا تغييرًا لموازين القوى السياسية في لبنان. أما الدول الغربية فتعتقد أن وجود نظام جديد في سوريا يعني بالضرورة فك التحالف مع إيران، ومن شأن ذلك أن يغيّر الواقع السياسي الراهن في "الشرق الأوسط". 
الأردن: الإصلاح التائه بين تضارُب الرسائل وتناقُـض الرِّهانات!
محمد أبو رمان - عمّـان- swissinfo.ch    26/6/2011
بالرغم من محاولة "مطبخ القرار" في عمَّـان تقديم رسائل وإشارات متعدِّدة، داخلياً وخارجياً، باختلاف الحالة الأردنية عن الدول العربية الأخرى، وبقُـدرته على الوصول إلى إصلاحات سِـلمية، من دون المرور بالسيناريوهات الثورية، إلاّ أنّ هذه الرسائل تُـواجَـه برسائل أخرى متضارِبة في الاتجاه المُـختلف تماماً.
استقالة طاهر العدوان، وزير الإعلام الأردني مؤخراً، وهو صحفي وكاتب مُـخضرم في الأصل، وتسبيبه الاستقالة برفْـضه لمشاريع قوانين وُصِـفَـت بالعُـرفية مرَّرها رئيس الحكومة معروف البخيت إلى مجلس النواب، برغم رفض مجلس الوزراء لها، يعزِّز من صوت المعارضة السياسية والأصوات المشكِّـكة بمِـصداقية الحكومة ونيَّـتها الحقيقية بالسَّيْـر في الإصلاح المطلوب.
التعديلات على مشاريع القوانين، تتضمَّـن عقوبات شديدة ضدَّ مَـن ينشر في أي وسيلة، ما يؤدِّي إلى اغتيال الشخصية أو ترويج الإشاعات، وهي عقوبات يرى الإعلاميون بأنّ الهدف منها "تكبيل الحرية الإعلامية" والحدّ من دوْر الإعلام، الذي برز مؤخراً بصورة واضحة في كشْـف المستور من الفساد، كما حصل في موضوع خروج خالد شاهين، أحد المتَّـهمين بالفساد، للسفر بداعي العلاج في الولايات المتحدة، لكن تبيَّـن أنه في لندن، ما خلق ردود فِـعل شعبية وارتباك رسمي في تبرير ما حدث، وجعل من قضيته عنواناً رئيسياً للتشكيك في نزاهة الدولة عموماً، وهو ما أزعَـج السلطات ودفع بمسؤولين كبار إلى تحميل الإعلام مسؤولية إثارة هذه القضايا.
روح الإنتِـقام من الإعلام، التي تعشْـعـش في عقل المسؤولين الكبار ومحاولة تكميمه مع بقاء منطِـق الصِّـدام التقليدي مع المعارضة والعمل على تعزيز التيار المؤيِّـد على حساب المعارض، ما خلق ظواهر مثل "البلطجية"، كل ذلك عزّز من التساؤلات وعلامات الاستفهام على نوايا "مطبخ القرار" الفِـعلية، وفيما إذا كان ينوي فِـعلاً القيام بإصلاحات حقيقية جوهرية، كما يعلن، أم أنّ الرِّهان الحقيقي لديه، هو حصرياً على "شراء الوقت" والقيام بإصلاحات شكلية سطحية لا تغيِّـر من ميزان القوى ولا بنية المعادلة على الأرض؟
يوم 13 يونيو 2011، كان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في زيارة إلى مدينة الطفيلة التي تبعد 130 كيلومترا جنوب العاصمة عمّان (Keystone)
ماذا يريد "مطبخ القرار"؟
إحدى الأسئلة المفتاحية المهمَّـة فيما يجري في الأردن هي: ماذا يريد مطبخ القرار؟ أو ما هي رِهاناته الحقيقية؟  مسؤول كبير سابق، أكَّـد في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch أن الملك شخصياً يريد إصلاحاً حقيقياً فِـعلياً، يبدأ من الإصلاح الدستوري وصولاً إلى قانون انتخاب وحكومات برلمانية، وأخيراً مَـلَـكية دستورية.
هذا الجواب أعلنه الملك مؤخراً في أكثر من مناسبة، ولم يعُـد خافياً. يعزِّزه، وِفقاً لمسؤولين، تشكيل الملك للجنة الحِـوار الوطني، التي أنهت عملها مؤخراً وقدَّمت قوانين انتخاب وأحزاب ووثيقة مرجعية للإصلاح السياسي، لتكون هذه المُـسودّات مقدِّمة لتحوُّلات سياسية مهمَّـة، تفتح الطريق أمام انتخابات نيابية مبكّـرة ونمُـو الحياة الحزبية، وصولاً إلى تشكل أحزاب قوية في البرلمان.
وفي سياق "رسائل حُـسن النوايا"، أعلن الملك عن تشكيل لجنة للتعديلات الدستورية، بعد ارتفاع سقف المَـطالِـب الشعبية بذلك، وعهد إليها القيام بأي تعديلات تُـساهم في تطوير الحياة السياسية والنيابية، وهي المرة الأولى التي تتِـم فيها الموافقة على "فتح الدستور" مُـطلقاً للتغييرات والتعديلات وردِّ الإعتبار للسلطة التشريعية - البرلمانية، بعدما تغوَّلت السلطة التنفيذية على سلطاته وصلاحياته واستقلاليته، بفعل تعديلات كثيرة أجْـرِيت على الدستور خلال العقود الماضية.
بالرغم من هذه الخطوات، إلاّ أنّ المعارضة السياسية ما تزال تشكِّـك في وجود إرادة حقيقية بالإصلاح السياسي، وترى أنّ كل ما في الأمر محاولة "مطبخ القرار"، شراء الوقت والتحايُـل على الظروف الإقليمية الجديدة (الربيع العربي والحراك الشعبي الجديد) بمستوىً محدود من الإصلاحات الشكلية، مع الإبقاء على قواعد اللُّـعبة السياسية كما هي، وفي مقدِّمتها الصلاحيات والسلطات الواسعة للملك واليَـد المتنفّـذة المُـطلَـقة للدوائر الأمنية في الحياة العامة.
ترى المعارضة الأردنية أنّ الرهان الحقيقي لـ "مطبخ القرار"، يكمُـن على أنّ الربيع الديمقراطي العربي سيكون فقط "موْسِـماً مُـؤقتاً" وأنّ الموجة الثانية من التحوُّلات تبوء حالياً بالفشل في سوريا وليبيا واليمن، وهو ما سيوقف "دومينو الثورة"، فضلاً عن الرِّهان على تعثُّـر "التحول الديمقراطي" في كلٍّ من مصر وتونس، مع بروز الصِّـدام والصراع بين القِـوى السياسية، تحديداً الإسلامية والعِـلمانية.
ما يُـعزِّز هاجس المعارضة من "النوايا الحقيقية" للنظام، هي الجهود المبذولة لإعلان انضمام الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي وتفسير ذلك بأنه محاولة خليجية لمقايَـضة مطالب الإصلاح السياسي بدعمٍ اقتصادي ومالي، وتوفير فُـرص عمل وحلِّ المشكلات الاقتصادية، ما يحصِّـن الأردن من "محرِّكات التغيير" ويُـؤمّن الجبهة الشمالية لدول الخليج، حتى لا تَـطال رياح التغيير "الممالك العربية"، ويبدأ موسِـم جديد من دومينو الديمقراطية أكثر خطورة وتأثيراً.
رهانات المعارضة.. البقاء في الشارع
على الطَّـرف الآخر إذن، ترى المعارضة أن الرهان الحقيقي، ليس على مدى "جدية" مطبخ القرار وحُـسن نواياه، بل في النزول إلى الشارع ورفْـع سقْـف الضغوط والمَـطالِـب، لتحقيق أكبَـر قدر من الإصلاحات البنيوية.
الحِـراك السياسي الشعبي، لم يتوقَّـف منذ بداية العام، إلا في فترة محدودة أعقبت أحداث ما سُـمي بـ 24 مارس، عندما قرَّرت حركة شبابية متعدِّدة المشارب الأيديولوجية، رُكنها الرئيسي الشباب الإسلامي، إقامة اعتصام مفتوح في أحد الميادين المتحكمة بالشوارع الرئيسية في عمّـان، ما أثار سُـخْـط وقلق السلطات، وأدّى إلى مواجهة بين الدَّرك و"البلطجية" (وكلاء مدنيين للدولة لقمع الإحتجاجات) مع آلاف المعتصِـمين، وأدّى إلى مَـقتل شخص وإصابة المئات، بعد عملية فضِّ همجية للإعتصام.
أعقب ذلك مواجهات في شهر أبريل التالي فوراً بين أنصار السلفية الجهادية والأمن والبلطجية في مدينة الزرقاء، وقد استغلَّـت الحكومة ذلك، بتعميم صورة المواجهات واستخدام الجِـهاديين للسلاح الأبيض ضدّ الشرطة، ما خلق حالة من القلق والتوتُّـر في البلاد، فقرَّرت قوى المعارضة تأجيل الإحتجاجات والمسيرات إلى حين تتلاشى آثار المواجهات.
المفاجأة الكبرى، كانت بانفجار الاحتجاجات مرّة أخرى من مدن ومحافظات الجنوب، وتحديداً الطفيلة، وهي