Pages

Saturday, April 30, 2011

سر الصندوق الملصوق بظهر وزير المالية المصري


حكايات حنكشتيكا الساخرة

حلقة رقم 28
سعيد الغزالي- القدس المحتلة

من لم يعلم لماذا ثار الشعب في مصر، وقدم الشهداء وأسقط حسني مبارك؟
هناك مليون سبب وسبب، بعضها معروف لكثير من المصريين والعرب، وحتى لصديقي حنكشتيكا، الذي حفظها عن ظهر قلب من كثرة تردادها من قبل وكالات الأنباء وشبكات التلفزة والمحلليين والخبراء الاستراتيجيين. فقد كثر الحديث عن الإستبداد، البلطجة، القمع، الفساد، الفقر، البطالة، والتبعية السياسية.
الجميع يعرف لماذا ثار الشعب في مصر على حاكمه، باستثناء الحكومة المؤقتة، المؤتمرة بأمر المجلس العسكري الأعلى. نعم الحكومة بوزرائها المؤقتين لا يعرفون لماذا هتف  الشعب المصري بإسقاط النظام وتردد صدى هتافه "الشعب يريد إسقاط النظام" في جهات الأرض الأربعة.
هذا ما قلته ذات يوم لصديقي حنكشتيكا. ووافقني على ذلك أبو معروف، بل إن الصحفي ناصر نصر نصري أبدى اهتماما غير عادي بالموضوع، واستعد أن يتحدث عنه بإسهاب ممل، كيف أن العدوى الثورية انتقلت من تونس ومصر إلى ... وإلى ... وإلى...
قلت لثلاثتهم: دعوني أتحدث باختصار ووضوح شديدين، وأفترض أن نوايا الحكومة المصرية المؤقتة حسنة، فالكمال لله وحده، إن أخطأ البشر، فيجب أن نعذرهم خصوصا إن كانوا لا يعلمون. نعم الوزراء في الحكومة المؤقتة،أصحاب الكفاءات والخبرات والمؤهلات والمعلومات لا يعلمون، إنهم يجهلون ولا يتجاهلون، لا يعرفون ولا يزعمون عدم المعرفة. لذلك دعوتكم أيها الأصدقاء لأخبركم أنني عينت صديقي ورفيق دربي حنكشتيكا تعيينا افتراضيا في منصب مدير مكتب وزير المالية المصري في الحكومة المؤقتة.
قد تسألون لماذا فعلت ذلك؟ أريد حنكشتيكا أن يجيب على سؤال مهم: لماذا عاد وزير المالية المصري من واشنطن وهو يحمل صندوقا ثقيلا على ظهره، وقيل إن الصندوق التصق بظهره ولم يقدر أحد على فصله عنه؟ قيل إن الوزير بحاجة إلى عملية استئصالية، تفصل الصندوق عن الظهر. إن في الأمر طرافة، لذلك...
ثم وجهت كلامي إلى حنكشتيكا: جهز نفسك، سأرسلك إلى مكتب الوزير لتكشف لنا سر الصندوق. تبادل الرفاق الثلاثة النظرات ذات المغزى، ولمحت أبو معروف يشير بإصبعه إلى رأسه، بإشارة دالة على أن عقلي طار.
تجاهلت غمزهم ولمزهم. وتابعت حديثي: اريد  أن أحصل على إجابة واضحة على هذا السؤال فقط. لا أريد أن أسمع منك حديث سياسة وسياسيين، لا اريد أن اسمع كلمة واحدة عن عداء الحكومة المؤقته لإسرائيل، ولا عن رغبتها ببناء جيش مصري قوي للدفاع عن حدودها ومصالحها القومية، ولا عن استقلالها السياسي، ولا عن اتفاقية كامب ديفيد، وضرورة إلغائها أو تعديلها، ولا عن مسؤولية مصر التاريخية تجاه القضية الفلسطينية.
قال أبو معروف مصعوقا: هذه هي الموضوعات المهمة التي تتداولها وكالات الأنباء ومعظم الدبلوماسيين والسياسيين: ككامب ديفيد، إتفاق المصالحة الأخير بين حركتي فتح وحماس الموقع في القاهرة في السابع والعشرين من الشهر الجاري، علاقة إيران بمصر، ومستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية، بصراحه إنها موضوعات الساعة. نحن مهتمون بها. ومسألة الصندوق هذه ....
تأهبت لإسكات أبي معروف، لكن الصحفي ناصر نصري نصر  فعل ذلك، نيابة عني، وقال: أنا لم أفهم ماذا تقصد بقولك أن وزير المالية المصري عاد من واشنطن وقد ناء ظهره بحمل صندوق ثقيل.
أجبت: هذا ما سيكشفه لنا حنكشتيكا بعد أن يذهب ويعود من مصر. فقد جعلته يتسلم مهام منصبه اعتبارا من يوم غد. وسيطير إلى القاهرة مساء اليوم، وبعد ذلك يبلغنا الخبر اليقين برسالة إيملية مفصلة.
أخبرت نصري وأبا معروف بأنني زودت حنكشتيكا بالمعلومات الاقتصادية المهمة. ومن تلك المعلومات أن نحو 160 ألف رجل أعمال في مصر يملكون أربعين بالمائة من ثروة البلد. إقتبست ذلك من تقرير التنمية البشرية لعام 2007. ولا أخفيكم أنني ذُهلت عندما علمت أن ستة وثلاثين مليون مصري يعيشون بأقل من 360 جنيها بالشهر وان أصحاب رؤوس الأموال يملكون أكثر من ثلثي الناتج المحلي الإجمالي، وأن ديون مصر وصلت إلى 34.7 مليار دولار العام الماضي. أشفقت على الثورة المصرية عندما علمت أنها تواجه مشكلة إيجاد فرص عمل لنحو ثمانية مليون عاطل عن العمل.
قلت لحنكشتيكا: إذهب يا حنكشتيكا واكشف لنا سر الصندوق الذي يحمله وزير المالية المصري على ظهره، ولا يستطيع أن يفك نفسه منه، ظن الرفاق الثلاثة أنني أتناول حبوب الهلوسة، لكنهم لا يستطيعون أن يعصوا لي أمرا، فأنا حسني مباركهم، وبشارهم الأسدي، وملكهم، أحد العبدلين المبجلين، ومحمد سادسهم، وأنا بوتوفليقيتهم، وأنا بقية الربع من حمير الأمة العربية الرؤساء العظماء.
طار حنكشتيكا إلى القاهرة، وهو يلعن اليوم الذي التقى فيه بشخص مثلي يتصور أن وزيرا يلصق بظهره، ويرسله في مهمة فاشلة.
ولما دخل حنكشتيكا مكتب وزير المالية دكتور سمير رضوان في مبنى وزارة المالية في منطقة لاظوغلى بوسط القاهرة، وجده كما ذكرت له يحمل الصندوق، وقد ناء ظهره بحمله وزخ وتقوس من الثقل، وكاد أن ينكسر.
قال في سره: صدق سيدي، ولم يكن من القوم المهلوسين. وكما لم يصدق حنكشتيكا قولي في بداية الأمر، لم يصدق ما رأته عيناه. كان الوزير يئن ويتلوى تحت ثقل حمله، وكأنه يحمل حجر طاحونة.
 أشفق حنكشتيكا عليه، وهب إلى نجدته يريد أن ينزل الحمل عن ظهره، ويُريحه منه، لكنه وجد الصندوق ملتصقا بالظهر، ولا يمكن فصله عنه، فكأن الصندوق صار جزءا من جسم الوزير، فقال مندهشا: ما الذي دعاك، سيدي الوزير إلى أن تحمل هذا الصندوق الثقيل على ظهرك، وتلصقه به لصقا متينا؟ لماذا فعلت بنفسك هكذا؟ لم أر في حياتي وزيرا يلصق بظهره صندوقا ثقيلا أو خفيفا. فهل أصابك مس من الجنون؟
هز الوزير رأسه، وناء بحمله أكثر، وكاد أن يسقط على الأرض، وقال بأسى: مضطر. ولم يزد على ما قال، فالثقل الشديد على ظهره جعله يئن ويتوجع ويشكو من حدوث كسر مؤكد في العمود الفقري، فسارع حنكشتيكا إلى استدعاء سيارة إسعاف، فنقلته إلى  مستشفى القصر العيني في جزيرة المنيل في القاهرة.  
لما سأل مدير المستشفى الوزير: يا رضوان، لماذا فعلت ذلك بنفسك، وحملت صندوقا ثقيلا وألصقته بظهرك؟ لماذا أهلكت نفسك؟
 أجاب الدكتور رضوان: مضطر ولم يزد على ما قال.  لم يفهم مدير المستشفى، الذي لا يعلم ماذا يوجد في داخل الصندوق، لماذا اضطر الدكتور رضوان أن يمشي بصندوق محمول على الظهر. وقال في سره: كيف يسمح شخص فهمان، كالدكتور رضوان، لنفسه أن يرتكب هذه الحماقة. وشك بسلامة عقله.  
استدار المدير إلى حنكشتيكا، وسأله نفس السؤال. أجاب حنكشتيكا: لا أعتقد أنه مضطر، ومن المؤكد أنه ليس مضطرا، ولا يجوز له أن يُحمل نفسه ما لا طاقة له على حمله، ويبدو أن الصندوق  مصيبة أصابته، أو جني أجبره على حمله، أو لعله تضخم من مرض سابق، أو ... أو.... والله العظيم يا دكتور لا أدري، ولو كنت أدري لأعلمتك. وقد جئت خصيصا من القدس وطرت إلى هنا لأكشف هذا السر.
تفاقمت حيرة مدير المستشفى، والتبس الأمر عليه، فظن أن مدير مكتب الوزير أجن من الوزير، يتحدث عن عفريت ويزعم أنه جاء من القدس لكشف سر الصندوق الغامض، لكنه كطبيب يتوجب عليه أن يقوم بعمله الإنساني، ويفصل الصندوق عن الظهر، بغض النظر عن السبب الذي أدى إلى بروز صندوق من ظهر وزير المالية.
 استدعى مدير المستشفى جميع الأطباء الأخصائيين في الجراحة الباطنية والعظام المهشمة والنوازل الصدرية، واستعان بطبيب مختص في استئصال السرطان التي تصيب العقول.  تأكد بعد الفحوصات أن السرطان استفحل في الرأس وامتد إلى البطن وظهر كورم على شكل صندوق ملتصق بالظهر. وتبين له أن المرض المجهول للطب والأطباء مستفحل يصيب كل وزير مالية مصري. وقد أصاب وزراء سابقين، وآخرهم الوزير السابق يوسف بطرس غالي.
قال مدير المستشفىى: دلت الفحوصات على وجود سرطان برأس الوزير، لو استئصلناه، سينزاح عن ظهره الصندوق ويشفى. ولم يكن بوسع فريق الأطباء أن يفعلوا ذلك. والأمر المستهجن أن الوزير، برغم معاناته الشديدة، أصر على أنه يستطيع أن يعيش ويتعايش مع الورم السرطاني المنتفخ.
ثارت تساؤلات كثيرة في ذهن حنكشتيكا: هل الأطباء المصريين لا يتمتعون بالكفاءة للقيام بجراحة استئصالية للورم الذي انتفخ على ظهر الوزير؟ هل الجني الذي دخل رأس الوزير تمكن من السيطرة على تفكيره، فشله وسيّره على هواه، وجعله يرفض أن يتعاون مع الأطباء؟
كان لا بد من دراسة الملفات القديمة، وجد المدير أن عشرة وزراء مالية سابقين قد اصيبوا بهذا المرض العضال، وحملوا على ظهورهم صناديق ثقيلة. وكان العلاج المذكور في الوثائق القديمة هو التخلص من الصندوق بإزالة الأعراض، والإمتناع عن الممارسات الخاطئة.
كان الوزراء السابقون يمارسون سياسة "إنهب ما في الجيب، يأتيك ما في الغيب". ولما نهبوا كل شيء في الجيب، استدانوا من البنك وصندوق النقد الدوليين. وأفلسوا واستدانوا، واستمروا في النهب والصرف، واستزادوا في الاستلاف وتراكمت الديون  على مصر.
استفحل المرض، فراحوا يسألون حكماء البنك وصندوق النقد عن الحل، فجاء الحل على شكل أوامر عسكرية صارمة وملزمة. خفضوا النفقات. قال ناهبوا النظام السابق: لا نستطيع إلى ذلك سبيلا. لا يمكننا أن نتخلى عن امتيازاتنا، وحياتنا المترفة، وخدمنا وحشمنا وعبيدنا وقصورنا ونساءنا وحياة الفخفخة والبطر، ولا نقبل أن نعيش حياة التقشف والطفر. فهل من حل آخر؟
  قال حكماء البنك وصندوق النقد: نفهم ذلك، ونفهم أهمية الإبقاء على هذا النوع من حياة الرخاء والنعيم، فأنتم وزراء مهمون وقادة جيش لكم مناصبكم، ورتبكم الرفيعة، ومنكم رجال أعمال  كبار تديرون شركات واحتكارات، وأنتم بأمس الحاجة إلى الطائرات والسيارات والخادمات في القصور ولا يمكنكم أن تقتصدوا في النفقات.
ونحن بدورنا لا نمانع أن نقرضكم المزيد. ولكن لا بد لنا أن نضمن حقوقنا، ونسترجع مالنا، فعليكم أن تستجيبوا لنصائحنا. إن لم تقتصدوا في نفقاتكم الشخصية، فاقتصدوا في نفقاتكم على الشعب.
سأل نهابوا مصر حكماء البنك وصندوق النقد: وماذا تقترحون علينا وما هي المجالات التي يمكن أن نقتصد ونقتر النفقات على الشعب؟
فجاء الجواب على النحو التالي: دعو أسعار السلع والخدمات تحلق وتطير. هذا شيء مريح لكم، وتكسبون مالا أكثر، من كان مريضا وبحاجة إلى علاج من أفراد الشعب، فليتحمل وحده نفقات علاجه. ومن لا مال لديه، لا حاجة لأن يتابع دراساته العليا، ومن يسكن في المقابر، فليبق حبيسها إلى آخر يوم في حياته، لأن ذلك أيسر عليه وعلى الناس عند الموت. فالبيت في القبر والقبر في البيت.
لا توفروا فرص عمل جديدة لخريجي الجامعات وعددهم يزيد عن عدد شعر الرأس، فليبحثوا عن عمل خارج مصر. لا تحاولوا أن تقلصوا البطالة، بتوفير فرص العمل، بفتح مشاريع ضخمة تستوعب أعدادا كبيرة من العمال لأن ذلك يوهن قدرة القطاع الخاص من التحكم في الإجور. دعوا القطاع الخاص ينمو ويكبر. سهلوا عليه، قدموا له ما يريده من تسهيلات وإعفاءات.
لا تضعوا شروطا قاسية على مشروعاته، دعوه يربح، ويكنز المال والذهب ويضخم الأرصدة، دعوه يستثمر، ارحموه، سلموه القطاع العام بأثمان بخسة، لا تقيدوه بقانون ولا بإجراء.  لا تفرضوا الضرائب عليه، لا تقيدوا رواتب مدرائه التنفيذيين بحد أعلى للإجور أو اجور العمال الفقراء بحد أدنى يوفر لهم حياة كريمة.  هذا ليس شأنكم، دعوا الغني يغنى والفقير يفقر. اسمحوا لرجال الأعمال أن يطردوا العمال بلا قيود ولا تجبروهم على دفع مستحقاتهم. لتكن عملتكم خفيفة وزنها كوزن ريشة، وقيمتها كقيمة ورقة في سلة مهملات، تخفض قيمتها وترفع وفق أسعار السوق.
لا تفرضوا الجمارك على السلع المستوردة، لحماية منتجات البلد. كونوا جزءا من السوق العالمي. لا تحددوا أسعار السلع، لا تُرَشدوا الاستيراد، لا تخططوا، لا تغلقوا الباب أمام الاستثمار الأجنبي. انقلوا أموالكم إلى خارج البلاد واستثمروا واقترضوا انهبوا ولا تتأخروا في السداد.  
كان كل ذلك مكتوبا في تقارير الأطباء عن أمراض السرطان التي أصابت الوزراء السابقين. سأل حنكشتيكا مدير المستشفى: علمنا أن هذا تشخيصكم للوزراء السابقين، فما هو تشخيصكم لحالة الوزير رضوان وصندوقه العجيب.
قال الطبيب: بسيطة، نفتح الصندوق. أزال المدير الغطاء عن الصندوق، فوجده مكدسا بالدولارات. خرج حنكشتيكا من المستشفى وتوجه فورا إلى مبنى وزارة المالية، وبحث في وثائق الوزارة وعلم أن الحكومة الموقتة قد أوفدت وزيرها إلى واشنطن، ليقترض ما يزيد عن 6 مليار دولار من البنك وصندوق النقد الدوليين.

0 comments:

Post a Comment