Pages

Thursday, April 28, 2011

الديك السوري يرفع الستار عن مسرحية آل الأسد


حكايات حنكشتيكا الساخرة
الحلقة رقم 26
سعيد الغزالي_ القدس المحتلة
S_ghazali2000@hotmail.com

الفصل الأول: صناعة الجثة

ولدت الجثة وعاشت وترعرت في بلد مستعبد من قبل أبيه، الديناصور الغرانيتي الكبير، والأكثر قسوة وجبروتا، ولدت من صلب نظام العبودية، وتكرس إيمانها بها، ونهلت من أساليبها، وتتلمذت في مدرسة القمع والقتل الجماعي والإغتيالات والمؤامرات الداخلية بين أركان النظام.

درست الجثة في مدارس دمشق وجامعتها وتخرجت وعملت طبيبا في مشفى تشرين العسكري، وسافرت إلى بريطانيا وتخصصت في طب العيون وعادت إلى سوريا عام 1994. انتسبت إلى القوات المسلحة فور وفاة شقيقه الأكبر.

 ترقى الطبيب العائد من لندن بسرعة في السلك العسكري، فمن رتبة ملازم أول التي حصل عليها في يناير 1994، ترقى إلى رتبة نقيب في يوليو من العام نفسه ثم أصبح رائدا في الجيش في يوليو 1995، وبعدها بعامين، رقي إلى رتبة مقدم، حتى وصل إلى رتبة عقيد، وبعد وفاة والده بعشرة أشهر فقط، رقي إلى رتبة الفريق متجاوزا رتبتي العميد واللواء معا، ليصبح قائدا للقوات المسلحة، بعد ترقيته بيوم واحد، ثم رئيسا للجمهورية.

كانت الجثة محظوظة منذ ولادتها، لها ما أرادت من نعم الحياة الدنيا، لها ما ارادت من القوة والسلطة والنفوذ، لها ما أرادت في كل شيء، لكنها فقدت شيئا مهما للحياة، ما جعلها جثة، فقدت حريتها، هي مستعبدة لكل وهم من أوهام السلطة والقوة، وأفقدت الشعب حريته، وكرامته، وإنسانيته.

حولت الشعب إلى جثة، لأن الشعب الذي يقبل أن يستعبد هو جثة، لكن الشعب السوري انتفض على الجثة المدججة بالسلاح وعادت الحياة إلى جسد شعب سوريا. وحتى كتابة هذه السطور، لم تتحدد نهاية الجثة الحاكمة، ومصير سلطتها ونفوذها وقوتها، رغم أن نهايتها المعنوية قد تحددت منذ ولادتها.

من المؤكد أنها ستكون نهاية مأساوية غير مشرفة لصاحبها، موت مشين، وسمعة مهينة، وتاريخ سواد، وستكون نهاية مأساوية لا تمت بصلة إلى البطل الإغريقي في المأساة الإغريقية الذي يعاني من صراع داخلي حاد، لارتكابه أو قيام أحد من أفراد اسرته بارتكاب حماقة كبرى لا ترضى عنها آلهة الإغريق، ولا بد من معاقبة المجرم الذي تجرأ على تحديها.

لذلك، فالمأساة السورية ليست صورة طبق الأصل للمأساة الإغريقية، بل هي شكل من أشكال المأساة الإجرامية، وبطلها متحلل من كل القيود والأعراف والأخلاق وأية نوازع قيمية. بطلها مجرم مستبد ابن مجرم مستبد، والشعب بالنسبة له، لا يشكل مرجعية قيمية، وحريته وإنسانيته وكرامته ليست مرجعيات قيمية، لأن الشعب في قانون الجثة الحاكمة عبد لا قيمة له، يستطيع الحاكم أن يستعبده ويسفك دماءه

الصورة في سوريا مختلفة في بعض الأجزاء في المأساة الإغريقية، ومتطابقة في أجزاء أخرى، فالمأساة ستكون من نصيب عائلة الأسد، لارتكابها عددا لا يحصى من الموبقات والجرائم ضد الشعب السوري، ومخالفتها لناموس الحرية الإنسانية، الذي يكدح الإنسان ويشقى ويبذل من أجلها روحه لكي ينالها ويحيا في أفيائها.

كان للجثة ثلاثة أشقاء وشقيقة، مات شقيقان، أحدهما بحادث سير مروع، والآخر بمرض عضال، كذلك، مات الأب بمرض عضال، فأين يكمن الحظ في جثة، مكونة من عائلة جثث، ولدت وعاشت جثثا في حياتها أو  بعد الممات؟

لا حظَّ لعائلة الأسد على الإطلاق. المال والقوة والسطوة والاستبداد ليس نعمةً بل نقمةً، والوجود الإنساني يكمن في الحرية، والذي يحرم الإنسان من الحرية، هو مجرم بحق الإنسانية، وسيدفع الثمن، سواء كان الثمن جسديا أم معنويا، فالحر لا يكون حرا إن كانت عبدا للمال والمنصب والنفوذ. ومن لا يتمتع بالحرية، من المؤكد أنه جثة.  

 صحيح أن جثة الأب الكبير كانت مميزة، بكونها منحوتة  من الجرانيت الصلب، وكانت جثة رئيس حكم سوريا لثلاثة عقود، حكمها بالقسوة الشرسة، واليد القاتلة، والمؤامرة الخبيثة، ومطرقة الحديد ومحرقة النار، لكنه جثة، لكونه كان حاكما مستبدا، والمستبد، كائنا من كان، يبقى عبدا لمنصبه وجثة بين ملايين الجثث المستبدة المذكورة في التاريخ والمحفوظة في ذاكرة الشعوب.


 ولدت جثة الرئيس الشاب في دمشق في الحادي عشر من أيلول عام 1965.  أصبح رئيسا عام 2000 بعد وفاة والده، جرى تجهيزه لخلافة والده منذ عام 1994، بعد مقتل شقيقه الأكبر في حادث سير مروع على طريق دمشق الدولي.

قيل أن مقتله كان مدبرا من قبل رجل من رجالات أبيه الذي كان على علاقة غرامية بشقيقته بشرى الأسد. كان الأخ الأكبر باسل المرشح لخلافة أبيه في الرئاسة على علم بهذه العلاقة، وقد وقف ضدها وقام بسجن الرجل أربع مرات، ثم أبعده عن القصر، ليمنع لقائه بشقيقته، فدبر الأخير وهو آصف شوكت، الضليع باغتيالات المناوئين للنظام مقتل خليفة الرئيس حافظ الأسد. هكذا زعم الزاعمون، لكن الحقيقة المطموسة لم يعلم بها أحد، وربما لا يعلم بها أطرافها.

 ولدت جثة الرئيس الحالي في قصر الرئيس الراحل الملطخ بالدماء في مدينة دمشق، وتلطخت أيدي ووجوه ساكنيه بالدماء، وعلى راسهم الرجل الغرانيتي الراحل، الجثة الديناصور الكبير المخيف. ويعتمد الرئيس الحالي على ذراع أمنية هي زوج شقيقته، آصف شوكت، وذراع عسكرية تدعى ماهر الأسد، أي شقيقه، وذراع اقتصادية اخطبوطية النفوذ، وهائلة القدرات، هي ابن خاله المدعو  رامي مخلوف.

على خشبة مسرح في مكان ما، في إحدى المدن السورية المنتفضة، ينزاح الستار، وتظهر جثة بشار الأسد بصورة ديناصور يجلس على مقعد مريح ويرتدي بذلة فاتحة الألوان وقد تخلى عن ربطة العنق، لكن قميصه الأبيض كان ملطخا بالدماء، وكان ممسكا بفرشاة خشنة يحاول عبثا قشط الدماء الجافة عن قميصه. كلما ظن أنه تمكن من قشطها، نزت دماء جديده لتلطخ القميص.

كان يقف إلى يمين الرئيس شخص شبح، وهو ديناصور آخر، لكن ملامحه غير واضحة، والرجل تخطى منتصف العمر، ومسلح، بعدة مسدسات معلقة في حزامه، لا يشك أحد بأنه اللواء آصف شوكت، وقف إلى شماله شقيقه الأصغر ماهر الأسد. وفي المشهد، كانت جثة رامي مخلوف، وملامح وجهه تشبه حيوانا غريب الشكل. كان مشغولا بالتهام سبائك الذهب.  وفي المشهد أيضا، وقفت بشرى الأسد، وتشبه ملامحها ملامح شقيقها، وكانت ديناصورة أيضا، وعينها مركزة على الرجل الواقف إلى جانبها وهو اللواء المخيف.

كان الديناصور الرئيس في حجم بشار الأسد، يحمل نفس ملامح وجهه، ويقلده في طريقة مشيته، ويتحدث بنبرة صوت هادىء قريبة من التوسل، بكلام غامض بعيد عن مناخ المجازر الذي يرتكبها جلاوزة نظامه في المدن السورية، وفي جو مخدر "بالمؤامرات الظلامية" في القصر.

تكلم الديناصور الرئيس بود وطيبة لا تخفي وحشية ناعمة.  كان في ظل هذه الأجواء المخيفة أميلَ إلى العصبية بتململة المتكرر على مقعده المريح، حاول أن يقلد جلسة والده "الرجل الغرانيتي"، ففشل مضمونا وشكلا. كانت جمله غامضة وكلامه سريعا متلاحقا، ضاعت فيه البدايات والنهايات، وشاب كلماته لهاث، وغاص في لجة الغموض، الذي لم يستطع الكشف عنه، برغم حركات يديه التي بالغ في استعمالها.

لم يخدع مظهره العصري أحدا، رحل الرئيس الجثة كان ينظر إلى البعيد ويشرد في تفكيره، محاولا أن يبحث في الذاكرة عن شيء له معنى.

إذا كانت "المأساة"، هي شكل من أشكال المسرحيات العالمية، وهي الأكثر شرفا والأسمى مكانة والأعمق نبالة بين أشكال وصور المسرحيات لأنها عالجت نضال الإنسان المتمدن، ومحاولاته الدائبة لفهم نفسه وفهم الحياة والعالم الذي يعيش فيه، إذا كانت هذه المأساة، كما يُعرفها أرسطو في القرن الرابع قبل الميلاد، بأنها محاكاة لفعل جدي وكامل وذي طول معين.

وإذا كانت لغتها، كما يقول أرسطو، موشاة بكل زخرفة فنية، ومحتواها فعل درامي يثير الشفقة والخوف والتطهير، ونهايتها تعيسة تنتهي بموت البطل، فإن المأساة التي تجري فصولها في الوطن العربي تجسيد مفصل ومتعدد الأشكال للمأساة الإغريقية، فهناك المأساة التونسية، والمصرية والبحرانية والليبية والسورية والجزائرية، وهلم جرا...

 هناك نحو 22 مأساة عربية، وكل مأساة لها مضمونها الخاص بها، وأهم مأساة على الإطلاق هي المأساة الفلسطينية، لأنها تكثيف لكل المآسي العربية، وتتقاطع في حبكتها معها جميعا. 

نتناول اليوم المأساة السورية الدموية. بطلها نظام ديناصوري، يرأسه بشار الأسد، الذي يتكلم لغة العصر، ويحمل شهادة في الطب، وعاش في الغرب، لكنه ابن نظام أبيه الأكثر استبدادا وإجراما منه، وهو منذ 11 عاما يجلس على عرش سوريا، يتشدق بالشعارات الوطنية، ويظلم الشعب السوري، ويفقره ويستعبده. وقد ورث الحكم عن أبيه بلا حق ولا قانون ولا دستور  يسنده.

وجرى تغيير الدستور وخفض الحد الأدنى لعمر الرئيس من أربعين عاما إلى 34 عاما، لتمكين الجثة الأبن أن يخلف الجثة الأب. أثار ذلك غضب الشعب، الذي تحمل دكتاتورية أبيه منذ السبعينات، ثم دكتاتوريته، إلى أن تهيأت الظروف واختمرت الثورة وانطلقت من درعا واتسعت لتشمل معظم المدن السورية.

خرج الشعب إلى الشوارع يطالب بالإصلاحات والتغيير.
إنها مسرحية دموية.  
مؤلفها ومخرجها: آل الأسد
عنوانها: انهب استعبد اقتل الشعب.  
أبطالها الرئيس السوري بشار الأسد وشقيقه ماهر الأسد، وآصف شوكت ورامي مخلوف وجلاوزة نظامه، وقواه الأمنية.

يتبع الفصل الثاني..

0 comments:

Post a Comment