Pages

Wednesday, April 6, 2011

الحمار الفصيح


مقالات حنكشتيكا الساخرة
حلقة رقم:7
سعيد الغزالي
القدس

في قديم الزمان، كانت أمة الحمير، كمعشر البشر، يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق. يرتاحون عندما يصيبهم تعب ويشربون الماء الصافي إن عطشوا، وتميزوا عن غيرهم من الحيوانات والبشر بالشجاعة والبأس، وكانت عقولهم نيرة ونظموا امور حياتهم على أكمل ما يرام، باختصار كانوا يعيشون حياة آمنة مطمئة، لا ينغص حياتهم شيء.

والأهم من كل هذا وذاك، أنهم كانوا يتحدثون بلغة واضحة وكانت أوتارهم الصوتية قوية ومرنة، فتخرج الكلمات من أفواههم واضحة، فحاكوا أصوات الطبيعة، وتمكنوا من صياغة أفكارهم والتعبير عن حاجاتهم وعواطفهم بلغة له جرس موسيقي، فكتبوا الشعر الملحمي، وكانت لهم ما لهم من الاسهامات في الحضارة والتقدم.

فكيف تبدل حالهم وأصبحوا عبيدا للإنسان، بلهاء، ضعيفى القوة العقلية، عاجزين عن التعلم، لا يحسون بأنفسهم ولا بآلامهم ولا بآلام غيرهم، أصابتهم بلادة قاسية، واختل توازنهم وفهمهم وإدراكهم للإمور وفقدوا إرادتهم وأصبحوا  غير قادرين على معرفة الصحيح من الخطأ بل يفعلون أفعالا منافية للعقل، والإحساس مثل السير عراة في الشوارع، والتبول على قارعة الطريق، وصار كل همهم البقاء على الحياة واستمرار النسل، وفقدوا الرغبة بالمجازفة وحب المعرفة والمغامرة ونقلوا صفاتهم الوراثية إلى أبنائهم، ونسوا أنهم كانوا أكثر رقيا من البشر، صاروا بكما لا ينطقون إلا بالهاق الهاق.

وهذا كل ما تبقى لهم من سلفهم الصالح. والهاق المكونة من مقطعين صوتيين، أحدهما غليظ وثخين، والآخر رفيع، يصدران الواحد إثر الآخر صارت كل ما يستطيعون قوله للتعبير عن جميع حاجاتهم ورغباتهم وعواطفهم وأفكارهم بالنهيق.

بيد أن حمار حنكشتيكا كان مختلفا، كان يتدفق أفكارا ورغبات وعواطف؟ كان هذا هو السؤال الذي أقلق أبا معروف الصديق الحميم لـ حنكشتيكا. وهو السؤال الذي قد لا يعبأ به كثيرون، وحتى أنا الذي أقف وراء هذه المدونة، أنا الذي اخترعت شخصية حنكشتيكا وحماره، لم يخطر ببالي أن أسأل حماري: من أين لك هذا اللسان الفصيح. ويبدو أن أبا معروف، صديق حنكشتيكا، الشديد الملاحظة، قد انتبه إلى فصاحة لسان الحمار ورزانة عقله، فأثار في نفسه فضولا هائلا لكشف السر. وبدأ يقرأ أسفار القدماء لعله يظفر بشيء من المعرفة عن أمة الحمير الذين كانوا شعبا حضاريا بل أكثر حضارة منا نحن البشر.
(ننتظر أبا معروف ليزودنا بمزيد من المعرفة في حلقة قادمة... أعدكم بأنني لن أتأخر.. أبو معروف شخص مثقف وسيكشف السر لنا، فإن لم يستطع، سيذهب إلى وادي عبقر، لعل يلتقي بجني من العصر الطباشيري ليخبره بما لا يعلم ولا نعلم)


0 comments:

Post a Comment