Pages

Friday, April 29, 2011

صيحة الديك المقدسي


القدس ماتت، عليها العوض، ومنها العوض
حكايات حنكشتيكا الساخرة
الحلقة 28
سعيد الغزالي- القدس المحتلة
لم  يذق المواطن المقدسي حنكشتيكا طعم الكرى طوال الليل، كان يتقلب في فراشه مهموما، لما آلت إليه أوضاع مدينة القدس، وكان يفكر بما يجري في سلوان القرية المحاذية لسور المدينة، هناك إخطارات بهدم نحو 88 منزلا في حي البستان، وهناك عشرات الأسر المهددة بالتشرد في أي لحظة.
السلطة نايمة على ودانها، ولم يقدم معظم العرب في بلاد العرب أوطاني سوى الشعارات الطنانة لمدينة القدس، وخصصت بعض الميزانيات، ولكنها نهبت من قبل عصابة الذئاب الفاسدة في رام الله، ولم يشعر المواطن المقدسي الذي يسمع طنين الخطابات من الإذاعات ويقرأ الكلام المنمق عن القدس مدينة أولى القبلتين وثالث الحرمين، ولا يرى شيئا ينقذه مما هو فيه من ألم وبلاء.
كل شيء في القدس كارثي. الاستيطان يتوسع كل يوم فيها كالسرطان، في حي الشيخ جراح، وراس العامود وحي الطور، والبلدة القديمة، وسلوان، يتوسع في الشمال والجنوب والشرق، المدينة محاصرة بالجدار العنصري، والحواجز العسكرية والبوابات الأمنية، يتدهور التعليم في مدارسها، شبابها فقدوا البوصلة الوطنية، وانغمسوا في المخدرات،  لم يعد هناك أي وجود وطني في المدينة. مدينة محاصرة اقتصاديا، معزولة تماما عن عمقها الاستراتيجي في الضفة الغربية.
كانت الأفكار تدور وتتصارع في رأسه، وكأنها جنودا تقاتل جنودا في ميدان معركة، فكرة تكر واخرى تفر. ثالثة تراوغ، ورابعة تجذف. خامسة تهتف، وسادسة تخلط الأوراق. سابعة تبعث في قلبه الأمل، فتطيح بها الفكرة المسلحة بسلاح إحباط من نوع ثقيل. لا تكاد تنتصر فكرة على أخرى، حتى تنبري ثالثة وتسفه الفكرتين معا، فيحتار حنكشتيكا، أي فكرة يصدق؟ وأي أخرى يكذب؟
أحس بأن رأسه يكاد ينفجر، ولم يعد عقله يستوعب هذه التناقضات، فركب حماره في الصباح وتوجه إلى منزل أبي معروف في الطابق العاشر، في بناية التلهوني، في بلدة الرام شمال مدينة القدس.
رن جرس الهاتف، فنهض أبو معروف من فراشه، وفتح الباب، واندهش من قدوم حنكشتيكا لزيارته في الساعة السابعة صباحا، وكان لا يزال يرتدي منامته، بيد أنه رحب به، وأكرم وفادته، وقدم له كوبا من الشاي. 
حنكشتيكا: أنا مش فاهم. ليش السلطة مهملة مدينة القدس؟
تفاجأ أبو معروف بهذا السؤال، وكان واقفا أمام حنكشتيكا، فجلس منهارا على الكنباية، تحت وطأة السؤال.  وقال: شو صار بعقلك يا حنكشتيكا، قلقان. هلا تذكرت أن السلطة مهملة القدس، ريح راسك وسيب الامور تمشي واللي بيصير يصير. بيفرجها ربك.
رد حنكشتيكا بإصرار: فهمني يا زلمه، هل السلطة بتقبض باليورو ولا الدولار؟
أبو معروف: على شو؟
حنكشتيكا: ثمن الإهمال. إهمال متعمد. أي اللي بيصير في القدس كل يوم بجنن، بطلت فاهم راسي من أساسي.
أبو معروف: يعني إنت فاكر، إنو أنا فاهم شو اللي بيصير. بس بدك نخبص بالسياسة عا هالصبح. ليش لا. بنخبص، يمكن تزبط معانا.
حنكشتيكا: حيرتني، يا زلمه، أنا ما بدي أسمع تخبيص. بدي أعرف إذا كانت السلطة بتقبض منشان تسكت عا اللي بيصير.
أبو معروف: يعني بدك تقول أنها تقبض من أمريكا ولا من إسرائيل؟
حنكشتيكا: مش بعيدة.. وليش ما تكونش تقبض!
أبو معروف: عندك دليل؟
 حنكشتيكا: أي كل إشي انا بحكيه، لازم أجيب دليل، أي ما هي باينة زي الشمس. شوف شو اللي بيصر في سلوان. كل يوم جمعة بتصير مظاهرة، بتجي قوات حرس الحدود، بطخ وتضرب غاز مسيل للدموع، وفي الليل الجيش يقتحم البيوت ويعتقل الشباب. والسلطة ساكته. شو الجرافات بتجي على البيوت غير المرخصة وبتهدمها. شوف كم بيت انهدم في العيسوية. الناس مخنوقة. وين تروح تسكن. والشباب ما في إلهم بيوت. إذا كان واحد بدو يشتري أرض ولا بيت، يمكن ميزانية الصين ما بتكفهوش.



0 comments:

Post a Comment