Pages

Saturday, July 23, 2011

صيحة الحقيقة المرة: الملوثات في فلسطين



معظمنا يكتب ألفاظا لا معنى لها, إن لم تسهم الكلمات في تغيير

الوعي, فلا ضرورة لها.  

بقلم: سعيد الغزالي- القدس المحتلة
-1-
أنا مواطن فلسطيني عربي ولدت وعشت في مدينة القدس منذ 56 عاما, أنا بلا وطن, تقول وثيقة سفري الأردنية أنني فلسطيني مقيم في القدس, وتقول وثيقة سفري الإسرائيلية أنني اردني ولدت في إسرائيل. لا أملك جواز سفر فلسطيني ولا عراقي ولا سعودي. أشعر أحيانا أنني مصري، ولكن الهوية لا تحدد بالوثيقة, بل بمشاعر الانتماء, برغم هذا الارتباك الظاهري, إلأ أنني أحس بأنني حجر من حجارة سور القدس. أشعر في هذه اللحظة  مثل الملايين من المواطنين الفلسطينيين بالضيق والغثيان, ويتنامى هذا الشعور لديّ كل يوم. تعودت كغيري أن ألقي باللائمة, في تشخيص الأزمات التي تعصف بالشعب الفلسطيني, على الإحتلال.
أسهل شيء أن أقول أن الاحتلال هو المسؤول, رغم أنه حقا المسؤول, لكنه ليس وحده, أنا المسؤول أيضا. وما أصاب الشعب الفلسطيني من نكبات وهزائم لا يعفيني من توجيه اللوم إلى نفسي, فأنا لم أتجرأ حتى هذه اللحظة, كبقية المواطنين الفلسطينيين من أن أقوم بعمل واضح, كالمرابطة في ساحة إحدى المدن الفلسطينية, وبدء عملية احتجاج لإسقاط السلطة وإنهاء الاحتلال.
لا زلت أهادن, ولا زال شعبنا يهادن. السلطة والإحتلال وجهان لعملة واحدة. يجب أن نقول ذلك بصراحة ووضوح, ونتوقف عن خداع أنفسنا.
بهذا الإدراك,  ظننت أنني اهتديت إلى تشخيص حالتي, والإجابة على السؤال: لماذا أشعر بالضيق والغثيان؟
 ربما لإدراكي أنني ذرة أو ذريرة  في مهب الريح, لا تستطيع أن تصمد أمامها, ربما لتوقعاتي للنتائج القليلة التي ستحرزها الثورات العربية, ربما للألم الذي يعتصرني, لأن الثورات لم تحقق بعد أهدافها, ربما, لأنني أتوقع أن تطول الثورات سنوات وسنوات, وتطول معها المعاناة, قبل أن تحقق بعض أهدافها, ربما, لأن النظام الذي يحكمني أخرجني إلى خارج التاريخ, أو على الأقل أبقاني اعيش على هامشه.
ربما لأنني أعاني من نكسة مالية.  
ماذا أفعل لكي أتخلص من هامشيتي وأدخل التاريخ, وأصنع ثورة؟ بقي السؤال يؤرقني, دون أن أظفر بإجابة ترضيني, وتضع اصبعي على الجرح. قمت بكتابة عدة صفحات, أعدت قراءتها عدة مرات, لكني, بقيت غير راض: هل كان اعتراضي على اسلوب الكتابة أم على محتواها, أم على الشكل والمضمون معا؟ 
كدت أن أتخلى عن مشروع الاستمرار في تغذية المدونة بالأفكار. وقلت لنفسي: لماذا لا أتصرف كالبهائم, فلا أفكر ولا أكتب ولا أغضب بل أدس رأسي بين الرؤوس, وأستمر في تأدية نشاطاتي الروتينية إلى أن يتوفاني الله مصابا بأمراض السكري والضغط والقلب.  

-2-
بعد عدة أيام من كتابة هذه السطور, لا يزال الشعور بالغثيان يغزوني, أحيانا, يثير في نفسي رغبة التمرد, والخروج للمرابطة في ساحة المنارة في رام الله, وأحيانا أشعر بالرعب, وأهرب من تمردي إلى كهف استكانتي, وصقيع خضوعي. لا زال تشخيصي لحالتي ناقصا. لست متأكدا من مشاعري تجاه السلطة, أعطيتها فرصة سبعة عشر عاما لتتخلص من الاحتلال, فلم تستطع, ولم يبق أمامي إلا أن أنضم إلى الجوقة: أرفع ذراعاي مستسلما للإحتلال, وأشيد بالسلطة الفلسطينية وألعن الاحتلال وأستسلم.
-3-
أيتها النفس المتمردة, أخرجي للناس واشهري سيفك دون حساب للربح والخسارة. فقدت الاشياء معانيها الأصلية, فلا ربح مع العبودية, فحياة العبد ليست ربحا، وموت الحر ليس خسارة.

-4-
كم أكره هذا النظام الذي يضعني في قمقم, اسمه قبول الأمر الواقع.

-5-
كل يوم أسمع الصيحات المجلجلة: الشعب يريد اسقاط النظام, صيحات تكررها الشعوب العربية في مصر وتونس واليمن وسورية وليبيا والبحرين, وتدفع الثمن قتلى وجرحى. شعوب تطالب بالخبزر والحرية والعدالة والكرامة. 

-6-
أيتها الشعوب, لا يحق لك أن تسألي الحاكم عما يفعل, العبيد لا يسألون, ولا يطلبون الحرية, فإن سألوا, فإنهم يتطاولون على الحاكم, المؤيد بالقبيلة والعسكر, الذي يحق له قتلهم. والعبيد لا يثورون, فقط هم الأحرار الذين يثورون, لذلك فمن حق الحاكم العربي أن يقمع عبيده, الذين كتب عليهم البقاء عبيدا. 
-7-
الحقيقة, أيها السادة والسيدات, أن القيادة الفلسطينية في هذا الوطن تعمل كجامع للقمامة, هل يعتبر ذلك عيبا؟ بالطبع لا, ولكنها, برغم هذا الشرف, ليس لديها خطة واضحة,ومفصلة, توضح طريقة تعاملها مع القمامة.
القمامة هي مخلفات, وهنا نقصد بها مخلفات الهزيمة أو الاحتلال أو مخلفات أي فشل سياسي أو إداري أو تنموي. لكل عمل مخلفات, ومخلفات الاحتلال والسلطة: بطالة وعبودية ومستوطنات تتكاثر كالفطر, وضياع للأرض والإنسان, صنع الشعب انتفاضته  الأولى, التي جلبت لنا سلطة تتعايش مع الاحتلال. هذه عجيبة, من المفروض أن تزيل الانتفاضة الإحتلال, وما حدث حتى هذه اللحظة شيء لا يصدق.
السلطة جاءت لتنقذ الاحتلال وتحميه من "إرهاب" الانتفاضة, وتريحه من تحمل نفقات إدارة شؤون شعب تحت الإحتلال, فحملت على عاتقها تكاليف إدارة شؤون المواطنين الصحية والتعليمية والخدماتية, بأموال الضرائب والجمارك والدول المانحة. تفعل ذلك دون أن تفقد "وطنيتها", وهذا أمر لا نصدقه أيضا.
السلطة جاءت لتجمع قمامة الاحتلال. كيف حدث ذلك؟
-8-
لم تتمكن السلطة من التخلص من نفايات الإحتلال, ومياهه العادمة، ومخلفاته الكيماوية, وأتربته وغباره المنتشر في كل مكان.
هناك إفراط في استخدام "مخصبات الاحتلال السياسية", التي ينجم عنها آفات التلوث, ونظرا للزيادة الكبيرة في عدد السكان, وضيق رقعة الوطن, تلوثت التربة والهواء والماء, أصيبت الطبقة السطحية من التربة بتشققات, وساعدت عوامل التعرية من رياح وعواصف وأمطار على جرف وإزالة التربة.   
منعنا الاحتلال, أو الإدارة المتنفذة في السلطة من بناء أنظمة ري حديثة لصرف المياه الزائدة, والتقليل من تفتيت التربة وتشققاتها وعمليات الجرف.
الغبار والرمال السياسية الزاحفة من مؤتمرات الدول المانحة, ومن المصانع والكسارات والدخان الكثيف الناتج عن أماكن انتاج الفحم والفلاحة المستمرة في المناطق الجافة, أدى إلى زيادة الملوحة في التربة. البحر يجرف كميات هائلة من الرمال الذهبية الصفراء في شواطئنا, ولا زلنا نقوم بإلقاء مخلفات عمليات التطبيع والتركيع في أماكن  متفرقة من الشواطىء. المياه العادمة تتسرب إلى البحر. هناك كميات هائلة من النفايات المنزلية والكيماوية المتكدسة على الشواطىء. فقدنا أكثر من 25 مليون متر مكعب من الرمال. اقيمت مقالع الاستيطان على مقربة من التجمعات السكانية, والاراضي الزراعية. انفجارات مستمرة وغيوم من الغبار وضجيج وإزعاج على مدار الساعة, اراض تضيع, تغييرات في مكونات مجاري الينابيع, لم تعد المياه الوطنية العذبة صالحة للشرب أو للزراعة.

-9-
وصلت الأمور إلى مفترق طرق: إما أن يتوقف هذا العبث, أو  تنفجر الثورة. السلطة ليست مؤهلة لحل مشاكل التلوث, لكنها في الواجهة وتزعم أنها ستقود الشعب إلى الحرية والاستقلال.  كيف ستنجز الحرية وتحقق الاستقلال؟

-10-
نفذ صبر الناس يا سلطة, بعد 17 عاما من الكلام والوعود والمفاوضات العبثية, وملوا سماع نفس العبارات المخدرة من قيادة منافقة وانتهازية وفاسدة.

-11-
عام 1994 قالت السلطة التي تحب أن تسمي نفسها السلطة الوطنية, بأنها  وضعت خطة استراتيجية للتعامل مع "النفايات التركيعية", وهي خطة خماسية مؤقتة, استخدمتها كمرجعية وإطار استراتيجي لكافة القرارات والبرامج والأنشطة. مرت السنوات الخمس, ومرت بعدها 12 سنة, ولا زلنا نعيش في الفترة المؤقتة لإنجاز الخضوع والاستسلام.

-12-
زعمت السلطة أن الخطة التي وضعها "دهاقنة خبراء السياسة والاقتصاد" تعتمد المنهج العلمي, كأساس ودستور, ولو اقتصر التطبيق على الجانب الأمني فقط, لأن السلطة لا تتمتع بأي سيادة, سوى سيادة قمع شعبها, والمنتفضين على الإحتلال, ولكن قبل أن أشرح بنود الخطة بالتفصيل, لا بد أن اورد مقدمة تاريخية مقتضبة لشرح منهج القيادة في إعداد خطة الاستسلام, وقبل أن أتحدث عن المقدمة, يجب أن أفسر مفهوم "القمامة الوطنية".  
-13-
 القمامة هي المخلفات الصلبة والسائلة والغازية, وكلنا نرى ونشم تلك المخلفات في شوارعنا، وحاراتنا وحول منازلنا, وفي سمائنا؟ إن فيروساتها تغزو أجهزتنا التنفسية والهضمية والعصبية، فنمرض ونموت.
ولكن ماذا نقصد بمصطلح "القمامة الوطنية"؟.

-14-
الوطنية إحساس جميل نحسه تجاه الوطن والناس, ولكن عندما يتحول هذا الوطن إلى مكب قمامة, مخلفات أفكار, شراذم أرض، إحباطات لا متناهية, هزائم متكررة, استيطان مستمر, نهب ولصوصية وبغاء، رزمة أكاذيب, إتفاقات أضاليل, فساد سياسي, انتهاك للمبادىء, زلزلة للإقتصاد, مصائب, ضياع للأمل, تسيب وفوضى, أضف ما شئت من القاذورات, التي تخفي كل الآفات التي أصابتنا بأقنعة الزيف والتضليل الواضحة في خطاباتنا في المحافل والمؤتمرات والاجتماعات, عندما يتكرر ذلك كل يوم منذ عام 1994, تخفي السلطة مخلفات الاحتلال بكلمة وطنية.

-15-
بعد نضال دام سنوات طويلة قبل عام 1967, فشلت الانظمة العربية في تحرير فلسطين, وفشلت أيضا بعد عشرين عاما من ذلك التاريخ في تحرير أجزاء منها, باستثناء المرحوم الرئيس المصري أنور السادات, الذي قال لنا أنه حرر صحراء سيناء, بالمفاوضات, ولكنه نسي فلسطين، أو بعبارة أدق, كما قال بعضنا، قمنا نحن بركله, ولم نمشي خلفه, واتهمناه بالخيانة.
-16-
أدرك بعضنا, والمقصود هنا, القادة المتنفذون في منظمة التحرير الفلسطينية, بعد فوات الأوان, أن طريق السادات كان في الاتجاه الصحيح, وأعربوا عن ندمهم, لأنهم لم يتعاونوا معه، في ذلك الوقت, ولما أدركت القيادة"خطأها الإستراتيجي", بعد تصفية ضباطها وقياديها "المتشددين" سارت بقايا قيادتنا في نفس الطريق الذي مشاه السادات, محاولة حرق المراحل.قالت القيادة بسذاجة خبيثة: نفعل كما فعل أنور السادات ونحرر جزءا من فلسطين, بالمفاوضات.  
كان تقليدا سمجا, ومخيبا للآمال, ومخزيا, لمن كان مهزوما أن يتفاوض مع المنتصر. فاجأت هذه القيادة العالم باتفاق أوسلو السري, فكان أوسلو ثمرة لجهود محلية وإقليمية وعالمية رعت هذا الاتفاق, وكان تتويجا لجهود وحوارات سرية انطلقت منذ سنوات السبعينات, بين نخب وأفراد من جانب قيادتنا ومن جانبهم, أي الجانب الإسرائيلي. واستمرت المفاوضات السرية بين المنتصر والمهزوم إلى أن تبلورت خطة السنوات الخمس التكتيكية, وأصبحت جزءا من استراتيجيتنا, ورؤيتنا لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة.  وعيش يا كديش.

-17-
كان هناك آثارا سلبية ملموسة لهذه القمامة السياسية المتراكمة في عقل قيادتنا, النابعة من فشل التفكير الاستراتيجي. وقالت قيادتنا: لا بديل لنا, غير الاستسلام، وتذاكى البعض، فبرر لها ما فعلته وزعم أن الجزء الذي ستحرره بالمفاوضات وتقيم الدولة الفلسطينية عليه سيكون مرحلة أولى من مراحل تحرير كل فلسطين.

-18-
بناءً على كل ما سبق, ومن أجل إنجاز هدف التحرير, اعترفت قيادتنا بأن نضالها كان إرهابا، وتأسيسا على ذلك, خلعت قيادتنا ملابسها الوطنية قطعة بعد أخرى، إلى أن بانت سوءتها, وتغذى الكثيرون منا من هذه القمامة التي اطلقوا عليها المشروع الوطني.

-19-
الارض أرضنا, والقمح قمحنا, والماء ماؤنا, والهواء هواؤنا, بيد أن قيادتنا قبلت أن تدفع الإيجار للعدو, واشترينا قمحنا وماءنا وهواءنا, بعملة الدولار الأمريكي, وضمانة اليورو الأوروبي, وكان للريال السعودي دورا لا يمكن تجاهله, وتغذينا على القمامة: افكار ونظريات وقروض ومنح وتحولنا إلى رجال أعمال وقوات أمن تحمي اسرائيل.

-20-
يسمون ذلك مشروعا وطنيا, وأسميه قمامة.

-21-
كان المطلوب منا أن نضع خطة متوسطة الأمد وصولا لتحقيق خطة استراتيجية لإدامة الاحتلال, تحت سقف وهم دولة لا هي في العير ولا في النفير.
وتحدثت سلطتنا عن جودة الحياة تحت نير الاحتلال وأسهبت في التنظير عن النفايات التشريعية والتنظيمية والفنية والبيئية والمالية, وجاءت أحاديثها وتنظيراتها من مكب نفايات الاحتلال.

-22-

إننا نعيش في مجتمع "القمامة الوطنية", وهي المخلفات الصلبة والسائلة والغازية, التي تهدد سلامة البيئة والصحة العامة، ولها أثر سلبي على الاستقلال والحرية والكرامة.
هناك منظومة كاملة لإدارة "القمامة الوطنية", أفرزها اتفاق اوسلو في التسعينات, وقبل ذلك اتفاق كامب ديفيد الشهير بين إسرائيل ومصر السادات في أواخر السبعينات.
الأضرار الناجمة عن هذه القمامة, بطبيعتها الصلبة والسائلة والغازية, تتمثل بأنها حثت الكثيرين للتفكير بطرق التعامل معها, وتعميم هذا الفكر ليشمل كل البلدان العربية, لا يزال أنصار هذا التفكير يؤمنون بسلامة أفكارهم, متجاهلين أن الثورات العربية ستطيح بكل شيء.
فمنهم من اعتبر أن المخلفات الصلبة لاتفاق أوسلو ترياق للاستقلال. وسمعنا البعض يقول إن القمامة السائلة، مثل التطبيع الثقافي هي الدواء الشافي من أمراض الفقر والبطالة, وقيل إن القمامة الغازية الملوثة لمشاعرنا الوطنية تقضي على عواطف الإرهاب المسممة في دواخلنا.
-23-
رصدت الأموال الطائلة لإنجاح المشروع الوطني, نظمت المؤتمرات الكثيرة, لتدوير أفكارها ومبادئها, ومخلفاتها, وتكييفها لتعمل وفق ظروفنا, وطبيعتنا, ومعتقداتنا, لتحقيق التقدم والتنمية المتوازنة ورفع مستوى المعيشة للمواطن, وحماية "البيئة الوطنية" من التلوث بأفكار الارهاب وكان ذلك يتطلب اسقاط الحقوق الوطنية والتخلي عن حق عودة اللاجئين الفلسطينين إلى ديارهم, وبناء اقتصاد مستقل, وإنجاز التحرر وإقامة الدولة بدون نضال, أي بالمفاوضات فقط.
-24-
من سخريات القدر, أن الكفاح المسلح وحتى النضال السلمي الجماهيري أصبحا من المعوقات التي يجب إزالتها, ليتسنى "للمشروع الوطني" أن يعمل وفق انسيابات مجاري الصرف الصحي, لتحسين ظروف حياة المواطنين الشرفاء.

-25-
 الامناء العامون لفصائل منظمة التحرير يسارها ويمينها ووسطها, وليبراليها, ومتشدديها انخرطوا في "المشروع الوطني" وصدقوا الكذبة الكبيرة, وهي الحصول على اعتراف نظري بالدولة الفلسطينية في أيلول.
-26-
تطلب منا السلطة, أيها السادة والسيدات,  أن نتكاتف معا, لحماية "المشروع الوطني", الذي أصبح مهددا, بعد اندلاع الثورات العربية. وتطلب منا أن نبتكر طرقا حديثة للتعامل مع المخلفات الصلبة, لدينا مخلفات بمعدل كيلوا واحد لكل مواطن, ومثلها من السوائل, وفضاء واسع من الهواء الملوث.
ولا حل إلا بالشركات الأجنبية, المكونة من شريك إسرائيلي وشريك فلسطيني وبضائع توردها إسرائيل, لا يمكن الاستغناء عن الإقتراض من البنك الدولي, ولا حل إلا بما يقرره لنا دهاقنة خبراء السوق الحر الذين ابتدعوا صيغا جديدة لتكييف أجسامنا, وبرمجة عقولنا, وخاصة جهازنا التنفسي والهضمي, والعصبي لتقبل القمامة بأشكالها الثلاثة. 
لا حل للأزمات المعضلة التي تواجهنا إلا بالجيش الأمني, نحن بحاجة إلى إنفاق مئات الملايين من الدولارات على حماية إسرائيل و "المشروع الوطني", وتحقيق الأمن والاستقرار للسلطة وليس للمواطن, الذي يتنفس ويشرب ويأكل القمامة بأمن واستقرار, لنقيم دولة فلسطينية محاطة بالسياجات والاتفاقات, ومحاصرة بالتعليمات وأنفاق المؤامرات, ومجزأة بالاسوار والتبريرات الأمنية.
-27-
لا بد من وضع الخطط بإسلوب علمي وشراء المعدات, واعتماد الاعتمادات المالية, للتنفيذ ليرضى  الباشوات في تل أبيب وواشنطن وأوروبا وبقية النظام العربي عن السلطة. والمطلوب أيضا تحويل القمامة إلى طاقة, فإن داهمتنا أمراض السكري والضغط والسرطان, فنحن مستعدون لها. هذه هي قمامتنا, شاء من شاء وأبى من أبى, نعيشها هواءً وماءً وغذاءً, فسادا وخيانة وضياعا, والدولة الفلسطينية, هي حصاد القمامة, هواء الفساد, وماء الخيانة, وخبز الضياع.

-28-
يقولون إنها سلطة وطنية, نقول: عيب أن نسميها سلطة وطنية، بل مجموعة من اللصوص. يقولون إنه مجتمع مدني، نقول:عيب أن نسميه مجتمعا مدنيا, بل دكاكين متناحرة على الغنائم, تتاجر بالمبادىء, يقولون إنه اقتصاد وطني, ونقول: عيب أن نسميه اقتصادا وطنيا, بل اقتصاد التسول, يقولون إنه مشروع وطني, ونقول: عيب أن نسميه مشروعا وطنيا, بل ملوثات صلبة وسائلة وغازية يتغذى عليها الشعب الفلسطيني ويشربها ويتنفسها.

إلى لقاء آخر مع صيحة من صيحات الحقيقة المرة.

Thursday, July 21, 2011

فيديو يندى له جبين الإنسانية


نشاهد في هذا الفيديو, صورا تكاد تقترب من المشاهد التي رأيناها للسجناء في سجن أبي غريب في العراق. ولم يحدد أي تاريخ يشير إلى الوقت الذي التقط به الفيديو الذي بثته "أوغاريت نيوز" على أنه من مدينة درعا.
لم تظهر وجوه الجنود, ويمكن مشاهدة رجال متجردين من ملابسهم, وقد أخرجوا من سيارة عسكرية, وهناك صوت آمر يقول: ممنوع حدا يمد إيدوا عليهم.
يعتقد من اللهجة أن الجنود سوريون.
مهما كانت هوية الفاعلين, لكن الصور في الفيديو هي بالتأكيد صور يندى لها جبين الإنسانية.

الفخ الصيني للعم سام.. ونحن المساكين







بلغة أخرى, لشرح مضمون هذا المقال, أزعم أن من يقود العالم هو ذئب شرس.
 عقله عقل حمار ، اسمه العم سام, وهناك قطيع من النعاج الغبية التابعة له, اسمها دول الخليج والسعودية, وأتباعهم, وشركاتهم, الذين ربطوا مصيرهم الاقتصادي والسياسي بمصيره, وهناك نمر صيني ماكر يتربص بالجميع.

ببلوغ الدين الصيني على أميركا حوالي ثلاثة تريليونات دولار واعلان الصين أخيرا انها ستدعم اقتصاد الاتحاد الأوروبي وتشتري سنداته، تكون الصين قد نصبت فخها لأميركا باعطائها الجزرة بالدين الذي عليها بيد، واشهار العصا بالدين الذي سيتصاعد والتبادل التجاري الذي أخذ ينمو بين الصين والاتحاد الأوروبي باليد الأخرى، والذي سيحرر الاتحاد الأوروبي من الارتهان لأميركا ونزواتها ويعوضه عنها وتتقوى العلاقة الصينية الأوروبية على حساب العلاقة الأميركية الأوروبية وتعزلها ماليا واقتصاديا وسياسيا.

ان الظروف الدولية مؤاتية لتوافر الجزرة والعصا بيد الصين، بالإضافة الى ما تقدم، هناك التبادل التجاري والاستثماري بين الصين وأفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية. هناك اكثر من سبعة ملايين صيني منتشرون في هذه الدول يساهمون في بناء مشاريع التنمية وتبادل المصالح التجارية والاقتصادية التي تزيد بدورها الصين قوة اقتصادية ومن ثم سياسية، بينما تتواجد أميركا في كثير من هذه الدول بجيوش احتلال أو حماية أو قواعد عسكرية وسفارات، شغلها الشاغل التدخل في امور دول صديقة وحليفة وزعزعة استقرارها عن طريق 16 جهاز استخبارات تكلفها 70 مليار دولار سنويا.

كنا نرصد الاقتصاد والسياسة الأميركية منذ زمن، فقد كتبت مقالا في هذه الجريدة بتاريخ 2002/5/7 بعنوان «الملاذ الآمن لم يعد آمنا»، وقلت في مقدمة المقال «عندما كانت أميركا تحترم قوانينها وتحترم أيضا قوانين غيرها من الدول، كانت هي الملاذ الآمن للأموال والأنفس. أما عندما أريد ان تصبح لقوانينها المحلية هيمنة دولية، فقد أصبح أمن واقتصادات كل دولة على حدة، بل أمن العالم وحرية انتقال الأموال وضمان الاستثمار وحرية التجارة، في خطر".

بيئة الاستثمار

تبذل جميع الدول اقصى جهدها لتحسين بيئة الاستثمار في بلدانها, بينما كلما اختلف العم سام مع دولة او حتى مؤسسة او فرد جمدت ارصدة واستثمارات هذه الدولة او تلك وضغطت على حلفائها ليحذو حذوها، ومن الغريب العجيب ان يطالب وفد لاعضاء الكونغرس زار بغداد اخيرا بتعويض حكومة العم سام عن نفقاتها لــ «تحرير» العراق، الامر الذي اثار غضب العراقيين واستخفاف العالم.

ان الكوارث وسوء الطالع لا تأتي فرادى بل زرافات، فانظر الى التهديد الذي اطلقه العم سام لجميع اعضاء الامم المتحدة، اي العالم بأسره، وهو ان صوتت الامم المتحدة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية فانها ستلغي مساهمتها المالية لهيئة الامم المتحدة، واضعة كل دول العالم في سلة واحدة واسرائيل التي اصبحت طلباتها ذات سيادة على اميركا في سلة اخرى، اي ان مصالحها وعلاقاتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية مع العالم في كفة وتبعيتها السياسية لاسرائيل في كفة اخرى.

ان مقولة «العالم اما معنا او ضدنا» لم يبتدعها الرئيس الاميركي بوش الابن، بل كانت تمارس قبله وجاء الرئيس بوش ليصوغها ويضعها في اطارها اللغوي، وكأنه يقول.. افهمونا.

اين الدول العربية، وخاصة الخليجية، من هذه التحولات التاريخية في السياسة والاقتصاد؟ ان النظم الخليجية «سكرت ابصارها» فلا ترى غير «حامي حماها» العم سام وما زالت تعتقد انه سينقذها من شعوبها التي «تريد اسقاط انظمتها»، بالرغم من ان اميركا تخلت عن اقرب حلفائها، مبارك، ولم تنفع زين العابدين، ولن تنفع علي عبدالله صالح ولا غيره، ولكن لا حيلة لها فإنها كالغريق الذي يتعلق بالقشة مع علمه بأنها لن تحمله، اي لن تنقذه، من اجل هذا الوهم تضع انظمة الدول الخليجية كل مقدرات شعوبها الاقتصادية والمالية في حقيبة العم سام بالرغم مما اصبح معروفا ومعلنا من خطورة الدولار وتدهور الاقتصاد الاميركي لتوسعه في السنين الماضية بأكثر مما يتحمله اقتصادها في سنين المستقبل، فتكاليف الحرب على الارهاب، مثلا، ستتجاوز تكاليف الحرب العالمية الثانية اذ بلغت كما تقول الاندبندنت 4 تريليونات دولار اي أكثر من 3 أضعاف الميزانية التي أقرها الكونغرس الأميركي بعد هجمات 11 سبتمبر، كما ان البنك الفدرالي يطبع مليارات الدولارات الأميركية من دون تغطية، والكونغرس متردد في إقرار رفع سقف الدين البالغ حاليا 14.3 تريليون دولار، وهو ان فعل فلن يعني هذا شيئا الا ان يصبح قانونيا. ولكن لا تدعمه أصول ما، وسيزداد بازدياد الدين العام وتدهور الاقتصاد الذي يسير في انحدار تاريخي محتوم.

الأصول الدولارية
وعلى الرغم من هذه المعضلات المشهودة والمحققة, يصر الخليجيون على وضع احتياطيات عملاتهم واستثماراتهم بالدولار، ما عدا الكويت التي انتهجت قاعدة سلة عملات، ومع ذلك فالدولار يكون عنصرا أساسيا فيها، ولكن لا تزال معظم استثمارات الكويت العامة والخاصة في أصول دولارية.

يقول أحد رؤساء البنوك الخليجية ان حكومته لن تتخلي عن الدولار «تحت أي ظرف كان»، ويقول رئيس آخر «اذا انهار اقتصاد الولايات المتحدة فان اقتصادات العالم كلها ستنهار». عجيب! هل معنى ذلك انه لا يجب على الانسان ان يعمل شيئا ويستسلم؟

لو كانت أي سفينة مشرفة على الغرق، والمستثمرون يتصرفون بدافع الغريزة كما يتصرف فئران السفينة، لقفزوا خوفا من الغرق حفاظا على الذات أنظمتنا التي حباها الله سبحانه بالعقل تمييزا للإنسان حتى يستعمل العقل أو الغريزة أو كليهما ويحافظ على نوعه ومقتنياته، لا تريد، بل ربما ليست مؤهلة لأن تعمل شيئا، ولكن ماذا تتوقع من نظم «سكرت أبصارها» ولا ترى الا ما يراه العم سام، والعم سام غارق في ذاته وأهوائه.

والغريب ان البنوك وشركات القطاع الخاص مؤمنة بقناعات اقتصادية بالية تغيرت مع صعود اقتصادات الأمم وهبوطها، وهذه سنة الكون.. «وتلك الأيام نداولها بين الناس»، ولم يغيروا قناعاتهم، ويعجبني ان استشهد في هذا المجال بمقولة د. محمد الرميحي «ان الأفكار عندما ترسخ في عقل إنسان تصبح صلبة كالحديد أو أشد صلابة ويتصرف على أساسها من دون استخدام العقل".

نقول لأنظمة دول الخليج والبنوك والشركات الخليجية اقفزوا من السفينة المشرفة على الغرق، واسلموا على مدخراتكم العامة والخاصة ومعاشات تقاعد العجزة والمقعدين، لا تتعذروا بعدم وجود بدائل.. ابتدعوها! البدائل موجودة.. ولكن يبدو ان الارادة معطلة.

دع الأيام تفعل ما تشاء فالفخ الصيني سيطيح بالعم سام وأنظمتنا ستسقطها شعوبها، وقل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا. ودعونا نأمل أن تحافظ الصين على علاقاتها الدولية القائمة على تبادل المصالح، فلا تستغني فتطغى، فلن يكون مصيرها أفضل ممن سبقها من الطغاة.

عبدالحميد منصور المزيدي- جريدة القبس


هل هو تغيير في الاسم فقط؟





هذا هو السؤال الذي يسأله الكثيرون. والإجابة بالطبع بالنفي.
يوم أمس, قام العشرات من اللاجئين الفلسطينيين بإغلاق أبواب المقر الرئيس لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في مدينة غزة, احتجاجا على تقليص خدماتها, وتغيير اسمها.
وجاءت عملية إغلاق بوابات الوكالة في إطار سلسلة من الإجراءات التصعيدية التي تنظمها اللجان الشعبية للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة للضغط على أونروا للعدول عن قرارها تغيير اسمها من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى إلى وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، وإخراج الإغاثة والتشغيل من مضمونها.
وأكد مسؤول اللجان الشعبية للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة معين أبو عوكل، في حديثه للجزيرة نت أن إغلاق بوابات أونروا لساعتين جاءت ضمن الخطوات التحذيرية التي رافقت خيمة الاعتصام المقامة منذ خمسة أيام عند المدخل الرئيسي لمقر الوكالة في مدنية غزة، وسيتبعها إغلاق كافة مداخل الوكالة إذا لم تستجب الوكالة لمطالبهم.
وأضاف أن تصاعد الاحتجاجات ضد أونروا يأتي في إطار الرد على انتهاج الأخيرة أسلوب التحايل في تعاملها مع القضية، حيث عمدت إلى إعادة الاسم القديم ولكن بخط صغير، وهو ما دفع اللاجئين للمطالبة بإبقاء اسم الوكالة كما كان عليه في السابق.
وتابع قائلاً، "لم تكتف أونروا بتغيير اسمها بل قامت بتقليص المساعدات التي كان من المفترض زيادة تقديمها للاجئين الفلسطينيين في ظل استمرار الحصار الشديد على القطاع منذ سنوات".
تكثيف الاحتجاجات
 وأكد أن اللاجئين الفلسطينيين سيكثفون من تحركاتهم واحتجاجاتهم أمام كافة مقرات الوكالة في قطاع غزة ما لم تتراجع عن قراراتها الأخيرة وتستجيب لمطالب المحتجين.
من جانبه أوضح وليد العايدي -أحد اللاجئين المشاركين في الاعتصام والمتضررين من تقليص أونروا لخدماتها- أن خطوة إغلاق بوابات الوكالة جاءت رداً على تقليصها فرص العمل والمساعدات، معتبراً ذلك أمرا خطيراً سيلحق ضرراً كبيراً باللاجئين في ظل استمرار الحصار وانعدام دخل معظم الأسرة الفلسطينية اللاجئة.
وطالب العايدي في حديثة للجزيرة نت كافة الدول العربية والإسلامية بالضغط على أونروا من أجل مواصلة تقديم خدماتها وتنفيذ ما عليها من استحقاقات من أجل التخفيف من معاناة اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة.
واتهم لطفي الصواف في صحيفة فلسطين الأمم المتحدة بأنها تتلاعب بقضية اللاجئين بهدف تصفيتها.
وقال إن هذا التلاعب هو خطوة سياسية بامتياز وتعطي مؤشرات سلبية تجاه قضية اللاجئين، وأن الوكالة آخذة بلعب دور خطير وخطير جداً في تصفية القضية الفلسطينية والتي جوهرها هو قضية اللاجئين، وأن العمل جارٍ من قبل دهاقنة السياسة في الوكالة لشطب قضية اللاجئين من عمل الوكالة", مشيرا إلى أنه "ليس من مهام العمل السياسي، وأن وجودها منذ لحظة التكوين كان لمعالجة قضية اللاجئين، وأهم عنصر في قضية اللاجئين هو إغاثة وتشغيل الذين هجروا من أرضهم وديارهم بفعل الاغتصاب الصهيوني لفلسطين، والذي - مع الأسف - شاركت الأمم المتحدة في هذا الاغتصاب للأرض، وهذا الطرد للإنسان، فهذا الدور ليس منَة من الوكالة على الشعب الفلسطيني، بل هو جزء من معالجة الخطيئة التي ارتكبت من قبلها، والتي لن تحل إلا بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي أجبروا على تركها بفعل الجريمة الصهيونية". 

ويؤكد المحتجون على أن الوكالة تريد أن ترسل رسالة إلى العالم بأن اللاجئ الفلسطيني أصبح في غنى عن إغاثة الأمم المتحدة، وعن التشغيل الذي تقدمه للاجئين الفلسطينيين.

 قامت الوكالة سابقا بإدخال برامج ترفيهية ثانوية لا حاجة للاجئ إليها بشكل كبير، وكأنها تريد أن تحول نفسها إلى هيئة ترفيهية من خلال ألعاب الصيف، أو من خلال الرحلات التي تقدمها لبعض الفتية إلى الخارج، والتي "تحمل أهدافا خبيثة أقلها أنها ذات طابع تطبيع ثقافي مع المغتصب الصهيوني، أو محاولة القيام بعملية غسيل للعقول الفلسطينية من خلال تقبل جريمة الاغتصاب، وتزيين التعايش مع المغتصب والإقرار له بحق في الأرض المغتصبة، والعمل على تشجيع الناشئة على نسيان الحقوق الفلسطينية وتغيير الثوابت التي لايزال الشعب الفلسطيني متمسكاً بها", كما يقول الصواف. 

وفرضت إدارة الوكالة على طلاب المرحلة الإعدادية دراسة الهولوكست (المحرقة) التي تعرض لها يهود على يد النازي الألماني بكل ما تحمل من مبالغة وأكاذيب وتضليل؟!

تساءل الصواف: بماذا يمكن تفسير إجبار طلاب الإعدادية على زيارة متحف الهولوكست في نيويورك، وشرح المحرقة وفق الرؤية الصهيونية للطلاب، دون التطرق إلى هولوكست فلسطين في العدوان الصهيوني على غزة وجريمة اغتصاب فلسطين، والاكتفاء بسرد معاناة اليهود التي لا علاقة لنا بها كشعب فلسطيني، بل دفعنا ثمناً لها من حقوقنا وأرضنا والذي على إثره بتنا مشردين ولاجئين، وما تفسير رفض الوكالة الاعتراف بالقضاء الفلسطيني في قطاع غزة؟!" 

ودعا ناشطون إلى القيام بفعاليات الاحتجاج المناسبة في مقرات الوكالة, لإجبارها على العودة عن قرارهاو وذلك من أجل تثبيت حق العودة الذي تحاول الولايات المتحدة والعديد من الدوائر الغربية شطبه من قاموس الأمم المتحدة.

وقالوا إن خطوات الوكالة نحو شطب القضية سينجم عنها نتائج عكسية, وستزيد من تمسك الشعب الفلسطيني بحق العودة.



أمن البحرين يلاحق المحتجين






لا يزال النظام البحريني يطارد المحتجين, رغم إلغاء حالة الطوارىء, كما يظهر في هذا الشريط الذي بثه تلفزيون برس.

/www.youtube.com/watch?v=Ypv-8wWKYXY&feature=related

حدود التغيير في اليمن وعقدة الدولة بين المدنية والدينية



نشرت دويتشه فيله, صوت ألمانيا باللغة العربية, تقريرا مفصلا عن مواقف اليمنيين تجاه الدولة
 المدنية والدينية, ويشير التقرير أن غالبية القوى الفاعلة في اليمن باستثناء بعض القوى الدينية, ومنهم عبد المجيد الزيداني, والسلفيين يؤيدون قيام دولة مدنية في اليمن.




فجر رجل الدين اليمني عبد المجيد الزنداني بموقفه الممانع من الدولة المدنية، جدلا واسعا في أوساط اليمنيين، وللتوقف عند حدود هذا الجدل استطلعت دويتشة فيله آراء عدد من الشخصيات اليمنية ذات المواقف والاتجاهات المختلفة.


فيما يبدو أنه رد غير مباشر على الدعوة التي أطلقها رجل الدين اليمني عبد المجيد الزنداني، لممانعة قيام دولة مدنية ديمقراطية، أحيت اللجنة التنظيمية للثورة السلمية صلاة يوم الجمعة الماضية في أكثر من 17 محافظة يمنية تحت شعار "من أجل الدولة المدنية الديمقراطية" وخطب بالمصلين في ساحة الستين الغربي بالعاصمة اليمنية (صنعاء) المهندس عبد الله صعتر، أحد أبرز القيادات الدينية في حزب التجمع اليمني للإصلاح وهو نفس الحزب الذي ينتمي إليه الزندانيون، مؤكدا استمرار نهج الشعب اليمني من أجل بناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تقبل أن يعيش في ظلها كل اليمنيين مهما كانت ثقافاتهم وطوائفهم الدينية والسياسية. الأمر الذي يعني أن موقف الممانعة هو موقف شخصي للزنداني، ولا يلزم التجمع اليمني للإصلاح الملتزم برؤية تكتل أحزاب اللقاء المشترك للدولة المدنية، كما ذكر ذلك للدويتشة فيله د.عبد الكريم جسار أحد شباب الإصلاح الناشطين في ساحة التغيير بصنعاء .

ماضي يرفض أن يرحل



المحتجون في اليمن يحيون "جمعة الدولة المدنية"

استهجن غالبية اليمنيين الذين تحدثوا لدويتشة فيله موقف الزنداني من الدولة المدنية باعتباره موقفا مناقضا للإرادة الشعبية الرافضة للوصاية حتى ولو كانت باسم الدين، إذ يرى الأستاذ الجامعي د.محمد عثمان، "أن الحديث عن مرجعية لعلماء الدين مناقض لمرجعية الاستفتاء الشعبي التي هي أساس الدستور اليمني"، ويضيف متعجبا "إذا قبلنا بما يقوله الزنداني فأي علماء سيكونون المرجعية هل هم أعضاء هيئة علماء اليمن التي ينتمي لها الزنداني أم هم أعضاء جمعية العلماء التي تؤيد الرئيس صالح؟"

الناشط في ساحة التغير محمد القباطي يقول:"الدولة المدنية أحد أهداف الثورة السلمية ولسنا مستعدين للمساومة عليها" ويستطرد بالقول :"الزنداني بحديثه عن الحاكمية إنما يقصد أنه هو خليفة الله على الأرض، ومشروعه هو مشروع الدولة الوهابية التي فشلت في اليمن منذ 1962". وفي نفس الاتجاه يذهب عضو تكتل المستقبل لشباب التغيير علي الشرعبي الذي يفضل " دولة مدنية حديثة تبنى على قاعدة الديمقراطية المحققة للمساواة والشراكة التي تعكس التنوع الثقافي للشعب اليمني".

ويستغرب المواطن عفيف شطيرة أن يصدر هذا الموقف من الزنداني الذي اعترف بريادة الشباب وتفوقهم على جيله ودعا إلى منحهم براءة اختراع، ويقول :" كان من المفروض على الزنداني أن يسكت فالشعب اليمني ... ليس بحاجة لمن يتوسط له عند الله".

ويستعير عبد الهادي العز عزي،عضو اللجنة التنظيمية للثورة السلمية، وصف للكاتب المصري محمد حسنين هيكل ليصف به الزنداني " الزنداني ماضي يرفض أن يرحل وحاضر تأخر كثيرا ومستقبل لا يبدو أنه يلوح في الأفق".


الموقف السلفي:  يؤيد الزنداني


وللوقوف على ردود الفعل المؤيدة لموقف الزنداني، زارت دويتشة فيله خيمة التيار السلفي بساحة التغيير بصنعاء وسألت بعضهم عن رؤيتهم للدولة فتحدث مبارك النشم قائلا :"دولة تحكم بالشريعة الإسلامية وتطبق أحكامها على كل أبناء اليمن". ويشاطره الرأي الناشط محمد الصبيحي الذي قال للدويتشة فيله،"نعمل نحو بناء دولة إسلامية حضارية شورية معاصرة، توافق الشرع والدين الإسلامي".


الحراك: يقبل بدولة اتحادية

بفعل الثورة السلمية التي انطلقت في مطلع فبراير/ شباط الماضي، تراجع الحراك الجنوبي عن دعوته للانفصال وذلك لصالح دولة اتحادية مكونة من إقليمين شمالي وجنوبي لفترة محددة يتم خلالها إجراء استفتاء شعبي في الجنوب، هذا ما أكده لدويتشة فيله العميد ناصر الطويل، الأمين العام للحراك السلمي الجنوبي بمحافظة عدن، الذي قال إن الحراك يدعو إلى "بناء دولة اتحادية مكونة من إقليمين يكون فيه الجنوب إقليم فيدرالي مستقل" مضيفا أن هذا التوجه مستمد من الرؤية التي تمخض عنها لقاء القاهرة بين قيادات الحراك والقيادات الجنوبية في الخارج والتي تنص على ضرورة استفتاء الشعب في الجنوب بعد فترة من قيام الدولة الاتحادية ليقرر ما إذا كان يرغب في البقاء ضمن الدولة الاتحادية أو أن يكون له دولته المستقلة.


الحوثيون :القبول بالأخر


شباب الصمود وهو تيار قريب من جماعة الحوثي التي تنتمي إلى المذهب الزيدي الشيعي المتواجد بصورة كبيرة في محافظات صعده وحجة والجوف، ينشدون، بحسب ما صرح به لدويتشة فيله علي السقاف، المشرف التنفيذي لشباب الصمود بساحة التغيير بصنعاء، بـ"الدولة المدنية الحديثة العصرية التي تكفل الحقوق والحريات والمساواة بين جميع أفراد الشعب.دولة يحكمها نظام المؤسسات" وهذه الرؤية تتناقض تماما مع الرؤية التي يحملها رجل الدين السني عبد المجيد الزنداني، ويذهب السقاف إلى أبعد من ذلك في الحديث عن العلاقة بالأخر المختلف "نريد من الأخر أن يقبلنا كما نحن ونقبله كما هو، فلا إقصاء ولا تهميش لأحد ".

سعيد الصوفي/ اليمن
مراجعة: يوسف بوفيجلين


ميدان التحرير في منتصف الليل



Wednesday, July 20, 2011

الشبح الجديد: التمرد على الظلم الإقتصادي والديمقراطية الشكلية



بقلم داود تلحمي القيادي في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

يستحضر العنوان، طبعاً، تلك الكلمات الأولى الشهيرة التي افتتح بها كارل ماركس وفريدريش إنغلز كراسهما الشهير "بيان الحزب الشيوعي"، والمعروف عادةً باسم "البيان الشيوعي"، الذي صدر قبل أكثر من قرن ونصف القرن في أوروبا. 
في العام 1848، الذي صدر في مطلعه هذا الكراس- النداء، وكانت نسخته الأولى باللغة الألمانية لكنها طُبعت في العاصمة البريطانية لندن، كانت القارة الأوروبية على أبواب انفجارات واسعة، ستمتد من الشهر الثاني للعام الى مطلع العام التالي لتشمل العشرات من بلدان القارة الأوروبية، وحتى بعض بلدان أميركا اللاتينية. وهي كانت انفجارات شعبية ضد الأنظمة الإستبدادية، الملكية والإمبراطورية، ومن أجل حق تقرير المصير للشعوب غير المستقلة منها، والواقعة آنذاك تحت هيمنة هذه الإمبراطوريات القارية الكبرى. 
ومعروف أن ماركس وإنغلز تحدثا في بداية كراسهما عن الشبح الذي يقصدانه، شبح "الشيوعية"، الذي، كما قالا، كان يقض مضاجع الحكام وأقطاب السياسة والنفوذ الرجعيين في القارة. وهما كانا يستخدمان بذلك على الأغلب لغة تعبوية للقطاعات المتسعة من العمال والأجراء في القارة، الى جانب اللغة التحليلية المقتضبة التي تناولا فيها تناقضات العالم الرأسمالي في تلك الحقبة، حقبة "الثورة الصناعية".

الشبح الجديد: التمرد على الظلم الإقتصادي و"الديمقراطية الشكلية" السائدة 
أما الشبح الجديد الذي نتحدث عنه الآن في القارة الأوروبية فهو شبح يأتي في زمن آخر غير زمن أواسط القرن التاسع عشر، وبعد تطورات هائلة شهدها العالم في مختلف المجالات خلال هذه الحقبة الزمنية الطويلة. ولكنه، بدوره، شبح يثير انزعاج ومخاوف أصحاب القرار والنفوذ الحاليين في أوروبا وحلفائهم في قارات أخرى. وإن كانت الأمور ما زالت في بداياتها، وتكاد تكون محصورة في عدد محدود من البلدان الأوروبية، على الأقل حتى الآن. 
إنه شبح التمرد على البنى وآليات العمل التقليدية لـ"الديمقراطيات" الأوروبية، على الصعد الإقتصادية والإجتماعية والسياسية، والتي غالباً ما يتناوب على حكمها حزبان، أحدهما يميل الى اليمين والآخر الى يسار الوسط. علماً بأن العقود الثلاثة أو الأربعة الأخيرة، عقود ازدهار "الليبرالية الجديدة"، شهدت تضاؤلاً كبيراً للفروقات في السياسات العامة بين هذين التيارين، خاصة في الجانب الإقتصادي. 
فسواء أكان النظام الحاكم من الصنف الأول، أي من اليمين أو يمين الوسط، كما هو الحال الآن في فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا، والبرتغال بعد الإنتخابات النيابية الأخيرة التي جرت في حزيران/يونيو الماضي، أو من الصنف الثاني، يسار الوسط، كما هو الحال في اليونان وإسبانيا، والبرتغال قبل الإنتخابات النيابية الأخيرة، فقد دفعت تفاعلات الأزمة الإقتصادية الرأسمالية العالمية كلا الصنفين من الحكومات، مع بعض الفروقات المحدودة، الى إجراءات تقشف وتقليص نفقات عامة مسّت بشكل رئيسي القطاعات الشعبية الأوسع، العمال والموظفين وأصحاب المشاريع والملكيات الصغيرة، والعاطلين عن العمل طبعاً، وأعدادهم في مجمل البلدان الأوروبية غير قليلة.
وإذا كانت الأزمة الإقتصادية التي انطلقت من الولايات المتحدة في العامين 2007- 2008 قد انعكست على مجمل البلدان الأوروبية، وغير الأوروبية، بما فيها بلداننا العربية، فإنها ضربت بشكل خاص تلك البلدان ذات الإقتصادات الهشة، والتي كانت تعتمد على القروض الخارجية وتراكم الديون، بحيث كادت تصل الى حافة الإفلاس، أي عدم القدرة على سداد أقساط الديون وفوائدها. وهو ما اقترب منه بلد مثل اليونان، العضو في الإتحاد الأوروبي وفي منطقة عملة اليورو، كما يقترب منه عدد من البلدان الأخرى، مثل البرتغال وإيرلندا. في حين تفاقم وضع بلد أكبر حجماً مثل إسبانيا، فاتخذت حكومته، المنتمية الى يسار الوسط، سلسلة من إجراءات التقشف وضغط النفقات الإجتماعية، فاقمت من البطالة، العالية جداً أصلاً في البلد، والأعلى في منطقة اليورو - أكثر من 21 بالمئة من اليد العاملة، والضعف تقريباً بالنسبة للقطاعات الشابة -، وهددت بمزيد من التراجعات في الوضع المعيشي للقطاعات الأضعف من المجتمع، العاطلين عن العمل والمتقاعدين والشبان الباحثين عن العمل في بدايات حياتهم المهنية وقطاعات إجتماعية أخرى. وشهدت بلدان أخرى إجراءات تقشف شبيهة، ربما أقل حدةً، من بينها بلدان كبيران مثل بريطانيا وإيطاليا. 
فيما عمدت العديد من البلدان الأوروبية عامةً الى إجراءات تسرّع من تطبيق وصفات "الليبرالية الجديدة"، من نمط توسيع نطاق خصخصة القطاع العام، وتخفيض خدمات الصحة والتعليم وضمانات الشيخوخة، وتأخير سن التقاعد، وحتى المس بمخصصات التقاعد والبطالة وتعويضات المرض والعلاجات الطبية. وهو ما يعني التراجع عن العديد من المكاسب الإجتماعية التي كانت قد حققتها هذه القطاعات الشعبية منذ الثلاثينيات الماضية، ومنذ ما بعد الحرب العالمية الثانية بشكل أوسع. هذا، في وقت يدرك فيه كل مطّلع ومتابع أن الأزمة الإقتصادية الحالية تسببت بها ممارسات نابعة من نهج "الليبرالية الجديدة" وتنامي دور القطاع المالي- المصرفي والمضاربات المتجاوزة للحدود، وغالباً حتى للقوانين السائدة في كل بلد معني. أي ان الذين تسببوا بالأزمة لا يدفعون الثمن، بل يلقونه على القطاعات الأكثر تضرراً منها ومن مجمل سياسات "الليبرالية الجديدة"، وينتهزون الفرصة للتسريع في تطبيق "علاجات الصدمة" التي توصي بها هذه السياسات. وهو ما يجعل رد فعل "الغاضبين" و"الحانقين" أمراً مفهوماً.
***
لكن ما سنتحدث عنه هنا ليس هذه الجوانب الإقتصادية، التي سبق وتناولنا بعض مظاهرها في مقال سابق، وإنما ظواهر التمرد الجديدة، التي أخذت حجماً واسعاً في بلد مثل إسبانيا، حيث عمد الشبان، ومن ثم قطاعات أخرى من السكان، منذ أواسط شهر أيار/مايو الماضي، الى احتلال عدد من الساحات العامة في العاصمة مدريد وفي عشرات من المدن الأخرى من البلد، ونصب الخيام للإقامة فيها. 
وهو ما أوحى بالتأثر بما جرى في مدن تونس ومصر منذ أواخر العام المنصرم وأوائل العام الحالي، وخاصة نموذج ميدان التحرير الشهير في القاهرة، الذي كانت أجهزة التلفزيون تنقل صور شبانه وجماهيره المحتشدة على نطاق واسع في أنحاء العالم، مما جعل هذا الميدان حالياً من بين أشهر الميادين في العالم. فعلى سبيل المثال،عَنْون موقع مجلة "در شبيغل" الألمانية على شبكة الإنترنت مقالته عن إنتفاضة إسبانيا، في 19/5 الماضي، كالتالي: "ميدان التحرير في مدريد: الجيل الضائع لإسبانيا يجد صوته". وكلمة "التحرير" منقولة كما هي، أي بلفظها العربي، وليس بترجمة معنى الكلمة.

"بوابة الشمس"... ميدان التحرير في أوروبا!

والميدان الذي بدأت منه الحركة في عاصمة إسبانيا في 15/5 الماضي يحمل اسم "بويرتا دِل سول"، أي "بوابة الشمس". وهو أصبح عنواناً أيضاً لسلسلة من التحركات في مدن إسبانية أخرى، ومن ثمّ في بلدان أوروبية أخرى. 
مع العلم بأن اليونان، الذي يشهد أزمة طاحنة من المديونية، جعلته عملياً رهينة بأيدي صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، وكلها هيئات غير منتخبة، وبالتالي غير خاضعة لرقابة المواطنين اليونانيين وغير اليونانيين، كان قد شهد منذ زهاء العامين سلسلة متواصلة من التحركات الشعبية، العمالية والشبابية خاصة، المعبرة عن الإستياء من تدهور الوضع المعيشي، وخاصة للقطاعات الشابة. ووضع اليونان الجديد، المكبّل بقيود مفروضة عليه من الهيئات الثلاث الخارجية المذكورة، جعل بعض المحللين يتحدثون عن رهن استقلال هذا البلد وتفريغ الممارسات الديمقراطية فيه بالتالي من مضمونها، بما في ذلك العمليات الإنتخابية. والنموذج اليوناني مطروحٌ للتمدد والتطبيق على بلدان أخرى غارقة في الديون، مثل البرتغال وإيرلندا، وربما بلدان أخرى. 
فاضطرار اليونان وبلدان أخرى للإقتراض من المؤسسات التمويلية المشار اليها، ومن المصارف الكبرى التي تتعامل معها هذه المؤسسات، وفي حالة اليونان هي في معظمها مصارف ألمانية وفرنسية، يجعل هذه المؤسسات التمويلية هي التي تحدد وتوجه السياسات الإقتصادية والإجتماعية في هذه البلدان، وبالتالي مجمل سياساتها، حتى الخارجية، الى حد كبير. والبديل الذي يجري التلويح به لهذا الإرتهان هو الإفلاس والإنهيار، وربما حتى الإخراج من "نعيم" اليورو. وهذا الإحتمال الأخير ليس مطروحاً الآن، ولكن يجري التداول به، حتى في وسائل الإعلام في بلد مثل ألمانيا. 
الشبح الجديد هو، إذاً، شبح التمرد على هذه "الديمقراطية" الشكلية، التي باتت مفرغة بشكل شبه تام من مضمونها. ولذلك أطلق المتمردون الإسبان على أنفسهم تعبير "لوس إنديغنادوس"، أي "الغاضبين" أو "الحانقين". وبعض شعاراتهم بات يدعو الى "ديمقراطية حقيقية اليوم"، ديمقراطية تشاركية يكونون جزءً منها، غير تلك التي يعيشون في ظلها، وعلى هامشها وهامش الحياة في بلدانهم، ويعتبرونها تعمل ضدهم ولصالح أصحاب الثروات والمؤسسات المالية الكبرى في البلد، وخارجه. 
ولذلك باتت هناك في بعض هذه البلدان نسبٌ متزايدة من الذين لم يعودوا يقتنعون بجدوى العمليات الإنتخابية، ويعمدون بالتالي، بأعداد متزايدة، الى مقاطعتها. 
ففي البرتغال، مثلاً، شهدت إنتخابات الجمعية التأسيسية في العام 1975، بعد عام على الإطاحة بالنظام الفاشي الإستبدادي، الذي سيطر على البلد منذ عشرينيات القرن الماضي، نسبة مشاركة عالية تجاوزت الـ 90 بالمئة ممن يحق لهم التصويت. وبلغت النسبة في العام التالي 1976 في انتخاب أول برلمان منبثق عن الدستور الجديد المقرّ شعبياً حوالي 84 بالمئة. وكذلك الأمر في العام 1980. 
لكن نسب المشاركة لم تنفك بعد ذلك عن التراجع. فنزلت تحت الـ 70 بالمئة منذ مطلع التسعينيات، وتحت الـ 60 بالمئة منذ العام 2009، أي مع بدء الأزمة الإقتصادية العالمية. وفي الإنتخابات الأخيرة، التي جرت في شهر حزيران/يونيو الماضي، والتي خسر فيها يسار الوسط لصالح اليمين، بلغت نسبة المشاركة 58 بالمئة. والنسب في الإنتخابات الرئاسية وانتخابات البرلمان الأوروبي هي أقل من هذه النسب، أحياناً بقدر كبير. حيث بلغت نسبة المشاركين في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة في الشهر الأول من العام الحالي 2011 أقل من 50 بالمئة. وكانت نسبة المشاركين من البرتغاليين في انتخابات البرلمان الأوروبي في العام 2009 أقل من 40 بالمئة. 
فبين حماسة السنة الأولى بعد "ثورة القرنفل" الشهيرة في العام 1974 التي فتحت الآفاق مبدئياً أمام بناء مجتمع حر وعادل ومتطور، كما حررت البلد من عبء الحروب الإستعمارية التي كانت مستمرة في عدد من بلدان إفريقيا التي كانت ما زالت مستعمرة قبل هذه الثورة، كما من مجمل المستعمرات الأخرى... وبين فتور الناخبين في الأعوام الأخيرة، نلمس كيف تغيرت النظرة في هذا البلد، الجار لإسبانيا، تجاه هذه "الديمقراطية" المأمولة، بالصورة التي انتهت إليها.
ويمكن تلمس مثل هذه الظاهرة في أكثر من بلد أوروبي. وكما سبق وذكرنا، فإن اليونان تشهد اضطرابات داخلية، اجتماعية واقتصادية، بشكل شبه متواصل، على الأقل منذ عامين. وهو يشهد منذ العام 2009 نمواً سلبياً (أي إنخفاضاَ) في ناتجه المحلي الإجمالي، علماً بان الشروط القاسية المفروضة عليه من المؤسسات التمويلية لإنقاذه من الإفلاس تفتح الباب أمام مرحلة طويلة من التراجع الإقتصادي، ومن الأزمات الإجتماعية، التي لا أفق لحلها على أيدي الأحزاب التقليدية المتناوبة على الحكم منذ ثلاثة عقود ونيف، برأي "الغاضبين". فالحركة الإشتراكية لعموم اليونان (باسوك) التي جاءت الى السلطة لتحل محل حزب "الديمقراطية الجديدة" اليميني بعد انتخابات العام 2009 لم تتمكن من تفادي الرضوخ لوصفات "الليبرالية الجديدة" التقشفية التي فرضتها المؤسسات التمويلية الدولية التي أشرنا إليها. لا بل هي التي تدفع بقوة اليوم لتنفيذها بدون تأخير.
ومهما كانت مآلات هذه الأزمات، غير المرشّحة للتجاوز في زمن قريب، فإن أوروبا، أو على الأقل بعض بلدانها، تشهد تفاعلات غير مألوفة خلال العقود الأخيرة، ويمكن أن نرى احتمال حدوث تطورات مهمة، من الصعب التنبؤ بها منذ الآن. 
وحتى وإن كان "الحانقون" في إسبانيا قد غادروا الساحات الكبيرة، وتوزعوا على عدد من الأحياء والمناطق الأفقر والأكثر حيوية، فإن شيئاً ما جديداً سيخرج من كل هذا، خاصة مع استمرار نشاطاتهم الجماعية والتشاورية بشكل منتظم. وربما سيحتاج الأمر الى سنوات حتى تتبلور الصورة، ويتحقق تغيير حقيقي في هذه البلدان ومجمل بلدان القارة، خاصةً وان صيغة "الإتحاد الأوروبي" وقيود منطقة اليورو، التي تتحكم بها الدول الأقوى إقتصادياً، وخاصة ألمانيا والى حد أقل فرنسا، كما وارتباط مجمل صيغة الإتحاد بالمراكز الكبرى الأخرى في عالم رأسمالية اليوم، وخاصة المركز الأميركي الشمالي، كلها عوامل تجعل عملية التغيير أصعب مما كانت عليه في مراحل تاريخية سابقة. 
ولكن، منذ الآن، بدأ بعض أوروبيي الأطراف يشعرون بأن هناك قواسم مشتركة بينهم وبين مناطق أخرى في العالم، مناطق "الجنوب"، التي يشهد بعضها تحولات مهمة، ومنها أميركا اللاتينية، وبشكل أولي هذه المنطقة العربية التي لا زالت التحولات فيها في بداياتها.
وفي كل الأحوال، لا بد من متابعة مستمرة لما يجري، ويمكن أن يجري، في هذه القارة التي انطلق منها الفكر الثوري الإجتماعي الأكثر تأثيراً على العالم بمجمله في القرنين الماضيين، والتي، وإن استفادت قطاعاتها الشعبية لفترة من الزمن من فتات نهب مستعمرات "الجنوب"، ومن أشكال الإستغلال الجديدة التي تم ابتداعها في مراحل "الإستعمار الجديد" منذ أواسط القرن العشرين، إلا ان نهم شرائحها الثرية وطغمها المالية بات يهدد حتى تلك القطاعات الشعبية في بلدان "المركز" الرأسمالي نفسه.