Pages

Tuesday, May 31, 2011

مجزرة الأربعاء السوداء

المجزرة تتحدث عن مواطنين عرب في الأحواز, وقليلون هم من سمعوا عنها في هذا العالم, إنها تكشف لنا واقعا بشعا, لا يمكن تجميله بالشعارات الرنانة. لا غاية لدينا في إعادة نشرها, سوى رغبتنا في معرفة الحقيقة, فلا عقيدة أسمى من الحقيقة
قصة مجزرة الأربعاء السوداء
التي قام بها مجرم الحرب ((أحمد مدني)) في الأحواز

الاسم : أحمد مدني .
مواليد :  1929 م. 
 مكان الولادة : كرمان الإيرانية.
    مما لا شك فيه أَنَّ عماد أي نظام سياسي في أية دولة، هو القوات المسلحة بما فيها المؤسسات الأمنية ، وشكل الجيش الشاهنشاهي الذي هو خامس جيش عالمي، كما قيل آنذاك، عماد القوة العسكرية الإيرانية ، كان يتباهى الشاه الإيراني المقبور أمام ضيوفه ويتغطرس بها أمام أبناء شعبنا من كل القوميات ، ويقمع كل المعترضين على العنصرية الفارسية من خلالها، أو التهديد بها من خلال رفع عصى بوجه كل القوميات عبر الاِجتياح الشامل والهجوم الشرس، هذا من ناحية ، كما شكلت مؤسسة السافاك القمعية ، التي هي جهاز الأمني القمعي الأكبر في البلاد ، يتصرف على ضوء ما ممنوح لها من صلاحيات ومخصصة لها من أموال . كانت في حقيقتها العملية دولة داخل دولة ، من ناحية ثانية، لقد شكل هذان الجناحان القوة السيارة للدولة الإيرانية على المستويات الداخلية والخارجية .
    وكان الجيش الإيراني ، كما بينته التجربة اللاحقة، يخضع في قراراته الإستراتيجية الأساسية لسلطة الدولة المستعمرة الكبرى التي كانت تحتل كل المواقع الأساسية في الدولة الإيرانية، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، فقد تمنع كل الجنرالات المسيطرة على الجيش من تنفيذ الأوامر التي أصدرها شاه إيران، وأضطُر لمغادرة إيران جراء هذا العصيان، لينفرط الضبط والربط في مؤسسات الجيش الشاهنشاهي، على أمل تجميع قواه الأساسية من أجل التغيير لصالح نظام ليبرالي ذي توجه أمريكي، فتلى ذلك حكومتي مهدي بزركان وابو الحسن بني صدر ، قبل أنْ يسفر التيار الديني المتشدد عن وجهه ، ويمسك بقبضته الشمولية الكبرى كل المفاصل الأساسية للدولة والنظام، ويطبق برامجه السياسية على مختلف الصُعد، مستغلاً ظروف الحرب لتهميش الجيش الذي قد يحتل موقعاً متميزاً في دائرة تلك الحرب التي اِستمرت ثمانية أعوام 1980 ـ 1988 لتترك بصماتها الأساسية على الجيش الإيراني، لجهة تحجيم دوره في رسم المعالم الأساسية للمستقبل الإيراني .                      
    كان الجنرال مدني أحد تلك الجنرالات العميلة في ذلك الجيش، والذي تبوأ مركزاً مهما في إطار ذلك التغيير، الذي نجم عن الثورة الشعبية الكبيرة في إيران . كان بعيداً عن المكان الذي يستطيع من خلاله التحكم بالأحداث المفصلية لإيران، على المستوى السياسي وفق المنظور الأمريكي، ولكنه تمكن من خلال موقعه العسكري الجديد، توجيه نشاطه القمعي الفاشي الغادر ضد أبناء شعبنا العربي الأحوازي، مما سنتعرض له تفصيلياً في الصفحات التالية. إنها الترجمة الأمينة للعنصرية الفارسية التي نشأَ في أجوائها وتشرب معانيها في زمن الشاه الفارسي العنصري السابق . ونقوم عبر هذا الملف تقديم صورة عملية وأمينة وموثقة عن هذا الجنرال وسلوكه القومي العنصري ضد الأبرياء من أبناء شعبنا ممن طالبوا بحقهم القومية متصورين أنَّ الجديد القادم اِحتوى تغييراً جذرياً سيصب لصالح كل القوميات التي تكون المجتمع الإيراني . كانت المجازر التي اُرتكبت ضد أبناء شعنا قد تزامنت مع المجازر المرتكبة بحق أبناء الشعب الكردي، ولكن الأضواء الإعلامية تركزت على الأكراد، جرّاء ظروف عديدة ، من دون أنْ تشمل بوهجها الإعلامي ـ   وليس الدعائي ـ قضية شعبنا الأحوازي البطل المجاهد .

 نُبْذة عن حياة مدني
ومن ثم إطلالة على المجزرة وموعدها

    ـ درس أحمد مدني في المدرسة الاِبتدائية والمدرسة المتوسطة في كرمان ، وفي عام 1947م حصل على شهادة الثانوية العامـة ، ومن ثم اِنتقل إلى طهران : العاصمة الإيرانية ، للدراسة بالجامعة منضمَّاً إلى كلية الحقوق ، حيث درس لمدة سنـتين فقط ، إذ وجد في نفسه ميلاً للعنف فاِبتعد عن العدالة واِنخرط في سلك العسكرية ، فترك دراسته ليلتحق بالمجال العسكري البحري [1] . 
    ـ في عام 1949م أنتهي إيفاده إلى المملكة المتحدة ، عندما أنهى تخصصه في كلية علوم البحرية البريطانية ، فعاد إلى إيران ، فعُيَنَ ضابطاً في المجال البحري بالأحـواز (محافظة عربستان) . وكانَ له أدوار سياسية مهمة في فترة حكم الشاه المقبور ، محمد رضا بهلوي ، واِتضحت بدايات أدواره المخاتلة ، المزدوجة إبّان ثورة الشهيد محمد مصدَّق عام 1952 ، إذ لعبَ ((دوراً مزدوجاً)) في تعاملـه مع ثورة الدكتور محمد مصدَّق، في الوقت الذي حرِصَ على تعميق اِتصالاته السرية بمندوبي المخابرات الأمريكية، السي آي أيه، ((C  I A)) [2].
    ـ في عام 1979 عندما نجحت الثورة الإيرانية الجديدة، بزعامـة الإمام الراحل روح الله الموسوي الخميني ، الذي عَيَّن المرحوم مهدي بزركان، بمنصب رئيس الدولة الإيرانية المؤقتة ، اِختار الأخير أحمد مدني قائداً للقوات البحرية الإيرانية برتبة أدميرال بحري، في نفس تلك الفترة، وأقدم السيد بزركان على تعيينه وزيراً للدفاع ، في أعقاب تعيينه الأول . ولكن الوزير الجديد تخلى عن منصبه بعد شهرين فقط من توليه من مصبه الجديد ، ربما كان الاِبتعاد عن أضواء الوزارة أحد الأسباب، بذريعة أَنَّـه لا يستطيع تحمل مسؤولية العملين أو الوظيفتين[3]، لذا اِكتفى بمنصب الأدميرال البحري لأنه يتلاءم مع الخشـونة التي تأتلف وهواية القتل التي تشكل هواه، وتتناسب مع الأدوار المُقبلة التي يروم تنفيذها الجنرال أحمد مدني .
ـ بتاريخ 10/4/1979 المشؤوم عُيَنَ المدني رئيساً لمحافظة عربستان (الأحواز)، ومن الجدير ذكره، أَنَّ أحمد مدني كان محسـوباً على القوميين الفُرس، الذين لا يؤمنون بحقوق القوميات الأخرى، وحق الشــعوب المختلفة في إدارة شؤونها الحياتية الخاصة، التي تعيش ضمن الخريطة الإيرانية، ولذلك  كان يحِّسُ بخطر مطالبة القوميات الإيرانية (الأتراك ، الأكراد ، العرب ، وغيرهم)  بحقوقهم المشروعة، الأمـر الذي يكشف عن محتوى الإيمان الإسلامي لتلك الثورة الإيرانية ، ولذلك اِختار مدني محافظة (عربستان) ـ الأحواز ـ لما كان للعرب من دورٍ بارز وحسّاس في الثورة الإيرانية ، وأيضاً بسبب موقع أرضهم الإستراتيجية في إيران، وبعد ذلك حاول لعب دوره في (الأحواز) أن يسيطر على رئاسة محافظة كردستان أيضاً ، كي يهيمن على أوضاع هاتين القوميتين (العرب والأكراد) ، ولكن كان هنالك مانع لم يحسب له حساب ، فقد أَثَّـرَ الدكتور بهشتي بالأوضاع الإيرانية، الأمـر الذي حدَّ من الطموحات الذاتية لأحمد المدني ، كون بهشتي محسوب على ((الجناح الثوري)) وأقرب أصدقاء الخميني، الذي منع وصول مدني إلى كردستان والسيطرة عليها ، لذلك اِستقر وضع أحمد مدني فقط في محافظة عربستان (الأحواز) [4] .
المجزرة التي قام بها مدني في عبَّادان والمُحمـرَّة
    لقد وقعت المجزرة في يوم الأربعاء 30/5/1979م في المحمرة وعبادان وسميَّ هذا اليوم، أو المجزرة، باِسم (الأربعاء السوداء) ، وقد تمت بدايات هذه المجزرة بالعدوان الاِقتحامي على المركز الثقافي العربي، والمنظمة السياسية للشعب العربي في محافظة عربستان (الأحواز) ، واِستمَّرت متواصلة لمدة ثلاثة أيام على التوالي ، الأربعاء والخميس والجمعة بتاريخ  30 ـ 31 من الشـهر الخامس (أيار) ، والأَول من شهر حزيران من عام 1979، وقد قُتِلَ في هذه المجزرة، وبأمر الأدميرال، والمحافظ، أحمد مدني، أكثر من 300 شخصاً، وأُصيب المئات من الجرحى الذين تصادف وجودهم بين، أو بالقرب، من المُحتجِّين، وشملت الإِعتقالات العشوائية أكثر من 500 مواطن ، ناهيك عن المفقودين ، كما أُعدِمَ في مدينة المحمرة عشرات المواطنين العرب رمياً بالرصاص فوراً، أو بعد إصدار أحكام شكلية عاجلة ، وفي أعقاب محاكمات سـرِّية لم تتوفر بها أي شروط للمحاكم ، وأي فُرص للمواطنين للدفاع عن أنفسهم .
    لقد دفع أبناء الشعب العربي الذين يقطنون الأحواز، ثمنا باهظاً جرّاء السياسة القومية الفارسية بشخص الحاكم أحمد مدني  وأعوانه ، إذ كان للشــعب العربي الأحوازي دورٌ كبيرٌ، وأساسي كذلك، في الإطاحة بحكم الدكتاتور الفارسي : شاه إيران ، جنباً إلى جنب الشعوب الإيرانية المختلفة، من فرس وترك وكرد وبلوش و . . . إلخ . ومعلوم ، أنَّ القوميات قد عانت صنوف العذاب والتهميش والتهجير القسري، وتلقى عشرات الطلائع منها أحكام الإعدام .
    كانت تلك القوميات تطمح بحياة حرة قائمة على التمتع بالكرامة البشرية، في ظل رايات الثورة الإيرانية الجديدة ، وكان العرب كقومية، يتمتعون بخصوصية كون أرضهم مليئة بالخيرات الزراعـية والثروات المائية ، وتضم أجواف تلك الأرض الذهب الأسود، بالإضافة إلى الغاز الطبيعي ، والتربة الصالحة للإنتاج . . . إلخ . ولكن الصدمة فاجأت الشعب العربي الأحوازي ، إذ بدأت بوادر سياسة النظام الجديدة تتضح سريعاً ، وخطواته الظالمة تلوح في الأفق ، التي لم يكن يتوقعها أبداً ، وكان أول مَـنْ كشف الحقائق المريرة لنزعات حكام إيران الجُدد ، ما نتج عن اللقاء الذي جرى خلال الأيام الأول لاِنتصار الثورة، بين المتنفذ في شؤونها السياسية الخميني ، من جهة ، وبين الوفد السياسي للشعب الأحوازي الذي توجه إلى طهران لطرح مطالب المنطقة ، من جهة أخرى ، إذ لم ترق للقيادة الإيرانية ما كانت تطالب به قوميات الشــعوب الإيرانية الأخرى (كالأكراد ، الأتراك ، البلوش) الذين كانوا يطرحون مطالبهم السياسية آنذاك، والتي تتلخص بالحكم الذاتي ، ويشترطون بكونه حكماً ذاتياً كاملاً غير منقوص . 
    تجدر الإشارة أيضاً ، إلى أنَّ الشعب العربي في الأحواز رشَّحَ ثلاثين شخصاً، أي كونَ وفداً ، للذهاب إلى العاصمة الإيرانية ـ طهران ـ بغية التحدث إلى الخميني هناك ، وتقديم مطالبهم المشروعة، وكان يقود الوفد الزعيم الروحي للعرب ، الذي يتخذ من مدينة المحمرة مقراً سكنياً له ، الشيخ آية الله الشبير الخاقاني، والذي يُعَّـدُّ من كبار المراجع الفكرية الدينية ، وله مؤلَفات متعددة وأبحاث متعددة ، في المسائل الفقهية وميدان الفلسفة ، ولعل من أشهر كتبه: ((نقد المذهب التجريبي))، وكان في الوقت نفسه زعيماً سياسياً وروحياً للعرب والفرس على حـدٍّ سواء ، وكان يشغل المركز التمثيلي للخميني في مدينة المحمرة، في الأيام الأولى للثورة، فبعث توجـه الوفد العربي برئاسة آية الله الخاقاني نوعاً من الأمـل لدي نفوس أبناء الشعب، وأشاع الأماني الذي راود آمال الشعب العربي المحروم من أبسط حقوقه المدنية خلال عهد الشاه، الذي أسقطته الجماهير الإيرانية بمختلف قومياته وتكويناته[5] .
    خصوصاً ، أنَّ الشعب العربي ، وطلائعه الواعية ، والمتعددة ، قد تمكنت من إقامة المؤسسات السياسية ، والمركز الثقافية ، خلال أيام الثورة ، وفي هذا الإقليم ، مثلما شهدت هذه المؤسسات والمراكز نمواً ملحوظاً وسَّعَ من قاعدتها الاِجتماعية ، تبلورت عند كافة قطاعات الشعب ، وفي كلِّ أنحاء المحافظة ، وفي ضوء ذلك، جرى تنظيم المسيرات السياسية، وتـمَّ عقد الندوات الجماهيرية الواسعة ، وإلتأَمَت الاِجتماعات الشعبية التي تتناول المسائل الفكرية والمطالب السياسية ، بهدف رفع مستوى الوعي السياسي والثقافي للعرب ، وأدرك المجموع القومي العربي ، ولأول مرّة في تاريخه العربي الحديث ، أهمية الصحوة القومية العربية الشعبية الواسعة في المنطقة ، لا سيما بعد تحررها من قمع قبضة الحكم الشانشاهي القوية ، وأجهزته الأمنية الإرهابية[6] .
عندما أحسَّ النظام الإيراني ، مثلما شعرت كذلك ، القوى العنصرية الفارسية ، بنمو النهضة القومية العربية في المنطقة ، والنهوض القومي في سائر إيران بشكلٍ عام ، أخذ يعِدُّ العُدة لاِحتواء هذه الحركة الجماهيرية الواسعة ، والعمل على تقييد الحريات السياسية ، تمهيداً لضربها عسكرياً وتكميم أفواه الجماهير بمنع المظاهرات وتحريم عقد الاِجتماعات وإغلاق المؤسسات الثقافية النشيطة .   
    وأدت هذه الإجراءات الغاشمة إلى ردود فعل واسعة ، حتى شملت المراكز الدينية المتقدمة ، فضَمَّ آية الله العُظمى الشيخ محمد طاهر آل شبَّير الخاقاني، وهو من أكبر الزعماء الروحيين لعموم أبناء الشعب العربي الأحوازي ، صوتـَه إلى الجماهير العربية، في مطالبهم الوطنية والقومية العادلة، ضمن الحقوق التي أقرتها الشرائع البشرية الإنسانية، وقدَسَّـتها الشرائع الإلهية السماوية، بعد تيقنه من التنكر المسبق للنظام الإيراني الجديد ، والإجحاف الشنيع الذي لحق بأبناء الشعب العربي، وشعوره المؤكد على عزم النظام الإيراني على اِحتواء حركتهم السياسية وقمع تحركهم الجماهيري، فراح يشدد على ضرورة الاِعتراف بالحقوق القومية والثقافية لكافة الشعوب الإيرانية ، من عرب وأكراد وأتراك وآذاريين وبلوش، وغيرهم، لاسيما أنها توافق تعاليم الإسلام وتنسجم مع القيم الدينية التي تحِّض على التعاون والتعارف بين الشعوب.
    من جهته، قام الأدميرال أحمد مدني، الذي عينه مهدي بزركان في مركز الحاكمية المطلقة لمحافظة عربستان (الأحواز)، بتهيئة قوته النيرانية فور توليه المسؤولية الإدارية والسياسية، فنظم صفوفه، وإستقدم قوات ((كوماندوز)) من خارج المنطقة، وأقدم على اِتخاذ خطوات عملية واسعة بغية تركيز خطواته المرتقبة، شملت التعاون المشترك، والعمل المتكامل بين القوات المُستَجلَبة وقوات البحرية، من أجل تنفيذ مهمته التي تستهدف مدينة المحمرة بشكل خاص، التي وضعتها السلطة الإيرانية في دائرة اِهتماماتها للقضاء على حركة أبنائها ، على اِعتبار أنَّ مدينة المحمرة تعَّد المركز الرئيس للنشاط السياسي والثقافي للحركة القومية العربية، ورمزاً لعروبة المحافظة آنذاك، إلى جانب مكانتها المعنوية الدينية الروحية، حيث أنَّ المرجع الخاقاني وحوزته الدينية، فضلاً عن أهميتها التاريخية المتمثلة في كونها العاصمة للأحواز، والمقر لإقامة آخـر أُمراء الأحواز  . . . عاصمة الشيخ خزعل الكعبي ، الحاكم العربي الأحوازي[7] . 
أقدم المجرم أحمد المدني وزمرته، باديء ذي بدء، على اِقتحام المحمرة، وكذلك بمهاجمة المواطنين الآمنين ، مستخدماً بهجومه الشرس القوات المسلحة الإيرانية ، ضد المراكز العربية، وفق خطة عسكرية مبرمجة ومدروسة ، أعَـدَّ لها مُسبقاً ، فقامت قوات الكوماندوز ، والحرس ، والقوات الهجومية للبحرية ، بمهاجمة المراكز العربية في مدينة المحمرة ، كما اِقتحمت تلك المجموعات المركز الثقافي العربي ، الذي لم يكن سوى عبارة عن تجمع ثقافي غير مسلّح ، وأقدموا على استخدام العنف الهمجي خلال اعتقالهم مئات المواطنين الذين اعتصموا بمقر التجمع في محاولة للدفاع عنه ، باِستخدام أجسادهم والاِستعانة بإرادتهم الوطنية والقومية ، مثلما هاجمت بعض المجموعات العسكرية مبنى ((المنظمة السياسية للشعب العربي)) باِستعمال الأسلحة الرشاشة، والقنابل المتفجرة، وتمكنوا بالتالي من قتل كل مَـنْ كان في داخل المبنى، في محاولة إبادة المواطنين السياسيين العرب .كان القتل و الهجوم عشوائيا و بدون رحمة . كان واضحا بان ما يقوم به مدني وقوّاته تستهدف إبادة كل من يسير في الشارع و بدون تمييز , شيخا كان أو طفلا أو امرأة. كان من بين المجروحين الذين نقل معظمهم إلى المستشفى بسبب جروحه الخطيرة , طفلا في الثامنة من عمره.
 وأثناء تلك الحملة العسكرية الهمجية كان يتواجد مراسل صحفي لمجلة (طهران مصوّر) وكان يغطّي الأحداث حينها وقد كتب يقول عن هذا الطفل وهو يرافقه في الإسعاف حتى وصوله للمستشفى، وقد روى ما حدث هذا المراسل عن ما كان قد حدث للطفل وأمه التي كانت قد أرهقها البكاء ولطمها على وجهها جرّاء ما حصل لابنها حيث قالت: عزيزي يا بني , من أين أتاك هذا المصاب؟ وهي تبكي وترى ابنها والدم يغطّى وجهه وجسمه، وأبو الطفل يحاول أن يرفع من معنويات الطفل و- من خلاله للأم – فيقول له:سوف تشفى غدا إِنشاء الله يا بني، كي ترجع وتلعب مع الأطفال، ولكن الطفل البريء تمر عليه لحظات صعبه وكأنه يقول لهما : إلى اللقاء يا أمي ويا أبتي، وعلى غير موعد يفارق الحياة، وتذرف دموع المراسل ويخرج من المستشفى. [8]
وهناك قصص محـزنة و مأساوية ترويه هذه المجلة مرفقه مع صور حية التقطت في حينها،علما أن هذه المجلة طبع منها عدد واحد فقط و منعت بعد ذلك من الصدور حتى هذه اللحظة، ونمتلك ذلك العدد.
    كانت اِستجابة المواطنين للأحداث واسعة وغاضبة، فخرج المتظاهرون العرب إلى الشوارع، معبرين عن سخطهم العارم من أعمال حاكم المحافظة المعين، الموسومة بالاِنفلات من أية معايير إنسانية، أولاً ، وتضامناً مع ما ترمز إليه هذه المراكز الثقافية والمقرات السياسية العربية ، ثانياً ، ودفاعاً عن قناعاتهم السياسية ، الوطنية والقومية ، وضرورة نيل الحقوق الوطنية المشروعة ، ثالثاً ، وتنفيذ الوعود السياسية التي تعهدت الثورة الإيرانية بإسدائها إلى جميع المواطنين الإيرانيين ، رابعاً وأخيراً .
لقد اِندلعت اِشـتباكات دامية بين المواطنين الأبرياء العُزَّل إلاّ من إيمانهم بقضيتهم العادلة، من جهة، وبين القوات الحكومية المهاجمة والمسلحة، وقد اِستمرت ثلاثة أيام متتالية، سقط خلالها مئات القتلى والجرحى من المواطنين العرب الأبرياء ، كما تمَّ اِعتقال وإعدام أعداد كبيرة منهم ، وفي الوقت ذاته شهدت مناطق أُخرى في المحافظة، كالأحواز، وعبادان والفلاحية، ردود فعل واسعة، وأحداثاً دامية، مشابهة لما وقع في المحمرة . 
    لقد كان رد فعل النظام الإيراني عنيفاً للغاية، وزجَّ بأعداد كبيرة من العرب في السجون / وشنَّ مداهمات عشوائية، ومارس أَزلام النظام شتّى أنواع التعذيب بحق السجناء، وجرَّب صنوف الاِضطهاد بحق المعتقلين، وشكل محاكم عسكرية صورية أصدرت أحكام إعدام فورية، ضد المئات من الشباب بذرائع مختلفة، في حين يدرك الجميع أنَّ لمعظمهم لم تكن صلة بأعمال الاِحتجاج، مثلما لم يكن لهم أي شأن بردود الفعل الطبيعية التي شهدتها المنطقة، جراء الاِستخدام المفرط للعنف الحكومي الهمجي.

ملَّخص ومعلومات عن ((أحمد مدني))
    1 ـ الاِسم : أحمد .
       اللقب : مدني .
    2 ـ مكان الميلاد : كرمان .
    3 ـ تاريخ الميلاد : 1929 م .
    4 ـ مركزه الوظيفي ورتبته العسـكرية : كان محافظاً للأحواز(عربستان)، وأدميرال بحري في عام 1979 .
    5 ـ المتهم الرئيس في التســبب بالمجزرة التي وقعت في المحمرة يوم الأربعاء الموافق 30/5/1979م، والتي اِستمرت لمدة ثلاثة أيام ، قُتلَ وأُعدم وسُجنَ واِعتقل خلالها الكثيرون .
    6 ـ مكان إقامته الحالية: الولايات المتحدة الأمريكية.
    الجدير بالإشارة، أنَّ بعض الذين اُعتقلوا آنذاك، وسجُنوا في تلك الفترة، قد تمكنوا من الهرب، ووصلوا إلى بعض البلدان الأوروبية، وهم يمثلون أيضاً أدلَّة دامغة على توثيق ما جاء بهذا التقرير، ويمكن لكل مَـنْ يريد الإطلاع، بغية التأكد والتيقن، مقابلتهم.

عادل السويدي
عربستاني يقيم في هولندا
6 – 5 – 2003
-- 

0 comments:

Post a Comment