Pages

Friday, June 17, 2011

قراءة أخرى في أحداث مخيم اليرموك

 
مخيم اليرموك... الفتنة مرت من هنا!

بقلم:محمد العبد الله
مخيم اليرموك ... الفتنة مرت من هنا!
محمد العبد الله
عشرة أيام، انقضت على أحداث مخيم اليرموك التي رافقت تشييع عدد من شهداء مسيرة الخامس من حزيران " النكسة " الذين سقطوا على بوابات الجولان المحتل . مرت الأيام، متثاقلة، تحمل في ثناياها، حزناً، وتساؤلات عديدة، لا يختلف القسم الأعظم من الفلسطينيين، داخل المخيم وخارجه، على معرفة الإجابة عليها، من خلال تحديد تلك الأدوات التي عبثت بالمخيم، محاولة ً إدخاله في أتون صراعات/ خلافات، تخدم في خطواتها الاستفزازية/الدموية، الحلف المعادي لقضية شعبنا.

خلال تلك الأيام التي أعقبت حادثتي "مقبرة المخيم، والهجوم ضد مبنى الخالصة"، تداول جميع المهتمين بتلك الأحداث، على صفحات الجرائد، ومواقع التواصل الاجتماعي، مئات المقالات التي انبرى كتابها، بحثاً وتحليلاً لما جرى . وهنا لابد من الإشارة إلى موقف عدد من الكتاب الوطنيين، قرأوا الحادثتين بعيون الحرص على شعبهم وقضيتهم، من حيث كشفهم للحقائق الواضحة، وكتبوا، دفاعاً عن المشروع الوطني المقاوم، وقواه المقاتلة. على الجانب الآخر، تابعنا، حملة سوداء لبعض " الكتبة "، انطلقت من دوافع "ثأرية" مبيتة، ضد قوى فلسطينية مناضلة، صاحبة تاريخ كفاحي، تشهد بثوريته وإبداعاته، أجندة النضال الوطني، التي تعمدت_ ومازالت _ بدماء آلاف الشهداء.

 استخدم أولئك "الكتبة" لغة حاقدة، بعيدة عن الموضوعية، تفيض كراهية، وحقداً، على قيادات بارزة، ساهمت عبر عدة عقود، تأسيساً وتطويراً، بالكفاح الوطني الفلسطيني. قرأنا على أحد المواقع، التي يرأس تحريرها، أحد الوزراء السابقين في حكومة سلطة المقاطعة في رام الله المحتلة، عشرات المقالات، التي لم يكن مقال الوزير السابق، ومفاوض أوسلو "المحنك"، سوى إشارة البدء لانطلاق الهجوم الموتور. كانت تلك السموم، تنضح بمنسوب عال من العدوانية، عبّرت عنه، فقرات عديدة، عكست درجة الانحطاط الأخلاقي لأصحابها، لكونها بعيدة عن أي بحث/نقد موضوعي لما حصل.

قبل المساهمة بتوضيح ما جرى، لابد من التأكيد على أن الفصائل الفلسطينية، والقوى المجتمعية، تحديداً، التي لعبت دوراً بارزاً في التحضير والإعداد لمسيرة الخامس من حزيران، داخل ما شهدته "الخيمة" المنصوبة قبالة جامع الوسيم بالمخيم، كانت قد اتخذت قراراً _ متناغماً ومتوافقاً مع قرار اتخذته القوى والفعاليات في لبنان _ بتأجيل المسيرة، نتيجة توفر قناعات محددة، استناداً على تصريحات قادة كيان العدو، من أن "أي تحرك باتجاه الأراضي المحتلة سيجابه بالنيران"، والذي دعمته إجراءات تحويل منطقة الجولان المحتل لـ"منطقة عسكرية مغلقة"، تتحرك داخلها قوات العدو وآلياته، وتنتشر على تخومها وحدات القناصة.

انفض الناشطون والناشطات من الخيمة بعد توفر تلك القناعات، وتم تفكيك الخيمة. لكن الذي حصل مساء يوم السبت "الرابع من حزيران" كان لافتاً لنظر الجميع . تحرك "البعض" في حملة تهييج وتجييش، من وراء ظهر القوى، للإعداد للتوجه للجولان. وصباح الأحد، أحضر للمكان باصات لنقل الشباب المتحمس.

 تتالى بعد ذلك وحتى عصر ذلك اليوم، توجه عدة باصات وسيارات للمنطقة، تحمل شباباً وكوادر وقيادات، كان هدفها الرئيسي _ كما تابعت شخصياً _ كبح الاندفاع نحو الأسلاك الشائكة، والاكتفاء بالبقاء على التل، بجوار المنصة، خوفاً من وقوع المجزرة . عاش الشعب الفلسطيني يوماً استثنائياً، لم يعرفه منذ سنين !. كانت الأخبار تنقل عدد الشهداء والجرحى الذي يتزايد في دقيقة. أربعمائة جريح وشهيد (23 شهيداً و380 جريحاً بعضهم بوضع حرج للغاية) ناهيك عن الإصابات بالاختناقات، وصعوبة التنفس، جراء استنشاق الغاز المستخدم. في هذا التواتر من المعلومات عن الخسائر، كانت الآلاف داخل المخيم وخارجه، تتساءل: لماذا لم يستطيعوا منع المجزرة؟ من المسؤول عن أخذ أبنائنا وبناتنا لمذبحة، كان يستعد لها القتلة الغزاة في جيش العدو؟. وهنا بالتحديد، توفرت حالة الغضب _ من كل شيء وعلى كل شيء _. هذه الحالة التي استندت عليها القوى المُنظَمَة، التي كانت تستعد لإدارة لعبة التخريب والتدمير والقتل بالمخيم. خاصة وأن مقاربة النتائج السياسية والكفاحية، بين ما حصل يوم النكبة، وما تمخض عنه يوم النكسة، وفرت لتلك "الحالة" أسبابها. كانت نتائج مسيرات العودة باتجاه الأرض المحتلة في يوم النكبة، مؤشراً على انعطافة جديدة بالنضال الوطني والقومي، مضمونها المباشر: أن جيل الشباب، مصمم على العودة لفلسطين، لأرض الآباء والأجداد. لفلسطين المنكوبة باحتلالها الأول عام 1948، والذي يشكل جذر القضية الوطنية.

لقد قرأ أصحاب نظرية "الحياة مفاوضات" و"المفاوضات أولاً وثانياً وثالثاً" مايعنيه هذا التحرك، في حال تم تأطيره والبناء السياسي/التنظيمي/الكفاحي عليه. لم يكن كيان العدو هو المسكون بالرعب من هذا التوجه الذي يحمله الجيل المتوثب للعودة لوطنه، بل إن قوىً محلية وإقليمية ودولية، بدأت تعيد حساباتها، ونظرتها، لتلك الجماهير التي يتأصل لديها في كل يوم، الانتماء لوطنها، وعملها المستمر من أجل العودة إلى مدن وبلدات وقرى العائلات التي شردت منها، بالقتل الفردي والمذابح الجماعية عام 1948.  

إن تلك القوى المنظمة السوداء، رغم قلة عددها، استطاعت إدارة حملتها بشكل واضح لكل من يدقق بما حصل، بدءاً من الشائعات، والهتافات، والتحرك، ومن ثم محاولة الاعتداء على بعض القيادات داخل المقبرة، ومبنى الخالصة. في المقبرة، كان انطلاقة الشرارة، عندما استهدف الرفيق والصديق "ماهر الطاهر" الذي كنت أسير معه من جامع الوسيم، مع بضعة رفاق من الجبهة الشعبية. لم يصعد أحد للمنصة، ولم تكن هناك خطابات، ولم يكن الرفيقان "أحمد جبريل و طلال ناجي" داخل سور المقبرة.

بعد مراسم الدفن، اندفع بضعة شبان، بصراخ هستيري بوجه جميع الواقفين، بهتافات لاتليق بالحدث. مما دفع بالجميع للخروج من الباب الجانب للمقبرة. وبعد فشل دعاة الفتنة والاقتتال من الوصول لماهر الطاهر، جاء تنفيذ الجزء الثاني من الخطة: الهجوم على مبنى الخالصة وحرقه وقتل كل من فيه! . وهو ما كشفته تطورات الساعات اللاحقة
لقد كشف بعض الزملاء من الكتاب الوطنيين تفاصيل ما جرى، كما أن الفصائل شرحت كل الحقائق المتعلقة بالجريمة. وهو ما فضح الحملة المسعورة لتلك الأقلام الصفراء التي كذبت في إحصاء عدد الذين سقطوا أمام مبنى الخالصة، وكذبت في وصف تتابع الأحداث. إن التطورات المتلاحقة حول المبنى، بكل بدائيتها وعنفها، أكدت بأن عناصر التخريب والقتل كانت تستعد لجرائمها مسبقاً، من حيث اقتنائها لأدوات الجريمة "السلاح الناري، زجاجات البنزين والمولوتوف، والأسلحة البيضاء".

إن هستيريا الرقص على الدم، وصبغ اليدين والجسد به، في طقوس دخيلة على شعبنا وتراثه، تفضح هيجاناً للغرائز، تمت برمجته مسبقاً. إن القتل بعشرات الطعنات، وحرق أحد المدافعين عن المبنى بوحشية لا توصف، يثبت بأن الهدف كان إعدام "معلن" لقيادات وطنية مناضلة، وتصفية حسابات متعددة الاتجاهات والأهداف مع قوى المقاومة. 

أن دلالات ما حدث تتطلب من القوى الوطنية، ومن الكفاءات والقيادات المجتمعية "شبابية، أكاديمية" والشخصيات البارزة في النشاط العام، العمل من خلال لقاء وطني موسع، يتداعى لمناقشة الوضع الفلسطيني، السياسي والمجتمعي، ويتوقف بموضوعية لدراسة أسباب ونتائج الأحداث المأساوية المفجعة يوم السادس من حزيران في مخيم اليرموك.

 إن واحدة من أبرز الظواهر المؤلمة، كانت في الكشف مجدداً عن وجود هوة سحيقة، وتباعد، بين بعض القوى وأبناء شعبها. إن ممارسة النقد الذاتي لبعض مظاهر البيروقراطية التي رافقت سلوك وممارسات بعض القيادات، يتطلب تغييراً جوهرياً في طبيعة العلاقة التي كانت قائمة بين قيادات بعض القوى والجماهير الفلسطينية.

إن نشر ثقافة وطنية، تنطلق من معالجة مشكلات الشباب الاجتماعية، على أرضية التشارك والتواضع، وليس الاستعلاء والفوقية، ستساهم بوضع حد لمشاكل الانحراف المسلكي، الذي يوفر بوابة العبور نحو السقوط الوطني.

لقد تركت أحداث ذلك اليوم الأسود ظلالاً كثيفة على المشهد الوطني الفلسطيني، مما يتطلب من جميع الوطنيين، العمل سريعاً على سحب فتيل الأزمة، وتفكيك بنية أدواتها، وصولاً لخلق حالة مجتمعية منسجمة، وموحدة حول المشروع الوطني/ الكفاحي للشعب والأمة، تعمل على تحصين المجتمع الفلسطيني، وتعزيز لحمة نسيجه الوطني، لتقطع الطريق على اختطاف المخيم من داخله، بعد ان فشلت كل المحاولات الخارجية لدفعه لمواقع بعيدة عن اهتماماته المباشرة. إن هذه الخطوات أصبحت ضرورة وطنية، ليؤكد شعبنا لذاته أولاً، وللعالم ثانياً، أن الفتنة قد مرت، ولم ولن تقيم.

0 comments:

Post a Comment