Pages

Thursday, June 23, 2011

أفكار ومقترحات للمتظاهرين


مجاهد مأمون ديرانية
ملاحظة أولية: تعتمد هذه السلسلة من التوجيهات الموجَزة على دراسة مطوَّلة سبق نشرها بعنوان “محاولة لفهم سياسات النظام: سياسة قمع المظاهرات”، فأرجو أن تكونوا قد قرأتم الدراسة نفسها لكي تكون هذه المقترحات مفهومة في سياقها وذات قيمة في التطبيق. وسوف أقسم هذه الأفكار والمقترحات إلى فقرات قصيرة (سأسميها “لقطات”) للاستيعاب وتمام الفائدة، مع الأخذ بعين الاعتبار أنها ملاحظاتُ مراقبٍ بعيد، ولا بد أن تكون للإخوة المشاركين على الأرض قدرةٌ أكبر على فهم الموقف وتقرير أفضل للأفعال الممكنة، فاعتبروا ما أكتبه هنا مقترحات (كما هو عنوانها) لا أكثر. ثبتكم الله ووفقكم وحفظكم ونصركم على عدوكم، إنه خير نصير وخير ظهير.
(1)
ليس كل المشاركين في المظاهرات سواء من حيث الاندفاع والحماسة ومن حيث قوة الأعصاب والشجاعة، وبما أن المظاهرة تتكوّن بطريقة عفوية (أو شبه عفوية) فإن كل متظاهر يأخذ مكانه من المظاهرة اعتباطياً، في أولها أو وسطها أو آخرها أو في القلب أو على الأطراف. لكن هذه المواضع ليست متساوية في الأهمية، ولا بد أنكم لاحظتم دائماً أهمية جماعة الطليعة، فهم يحددون مسار المظاهرة ويسحبون وراءهم الصفوفَ التالية، وهم يتلقون غالباً الصدمة الأولى والضغط الأكبر عندما يبدأ الهجوم على المظاهرة لتفريقها.
لذلك أنصح كل متظاهر بأن يفحص نفسه، فإذا وجد أنه من أن أصحاب القلوب القوية فليتقدم إلى الأمام أو يساند أحد الجناحين، وإذا أحس من نفسه ببعض التردد أو الخوف فليبقَ في الوسط. وليس التردد والخوف عيباً، فإن مجرد المشاركة في التظاهر يحتاج إلى شجاعة كبيرة، وأنا أفخر بكل من يمشي متراً في مظاهرة على أرض الشام، لكن الأمور نسبية والشجعان يتفاوتون في قوة قلوبهم وقدرتهم على الاحتمال.
لا يتقدم إلى الطليعة إلا من بايع على الموت، لأن احتمال الإصابة بين رجالها هو الأعلى، ولأن الدور المطلوب منهم هو الأهم. إذا ثبتت الطليعة ثبتت الصفوف الممتدة وراءها، وإذا انهارت وتفرقت فإن مآل المظاهرة غالباً إلى انهيار. وبعد الطليعة تأتي الأجنحة في الأهمية، فلينتشر على جناحَي المظاهرة جماعة من الأبطال الشجعان ليحموها من اختراق العملاء والشبيحة وليحولوا دون اختطاف أي من المشاركين فيها.
(2)
الغالبية العظمى من المظاهرات في سوريا حكر على الرجال، وقليل منها ما يضم كوكبات من الحرائر، وبعضها مظاهرات نسائية بالكامل. بالطبع نفهم لماذا يميل ثوار سوريا إلى تجنيب النساء مخاطر المظاهرات، ليس فقط بسبب القتل ولكن أيضاً، وربما هو السبب الأهم، بسبب احتمال الاختطاف والاعتقال.
لاحظت أن الحرائر يمشين أحياناً وراء الرجال في بعض المظاهرات، وهذا خطر أرجو أن تتداركوه على الفور، فلا تمشي جماعة النساء إلا في القلب، على أن تتقدمها وتتأخر عنها جماعتان من زكرتية المتظاهرين، وكذلك تحوط بها من الجانبين جماعات من الشجعان الأقوياء، وليعلم هؤلاء الرجال أن الحرائر أمانة في أعناقهم، وليبايع الواحد منهم على الموت ولا يسلم حرة لكلاب الشبيحة والمخابرات، ولو استدعى الأمر الاشتباك بالأيدي والتعرض للسلاح الأبيض وغير الأبيض، ولن تُهزَم جموع أبطالكم أمام عصاباتهم بإذن الله.
أما المظاهرة النسائية فلا يجوز أن تتحرك على الأرض شبراً ولا متراً إلا بحماية كاملة من جماعة من زكرتية الرجال تراقبها وترافقها على مسافة آمنة، فيقف الشباب صفاً عن يمين وصفاً عن شمال، وتتقدمها طليعة من الفدائيين وتحرسها ثلة منهم من خلف، والأفضل أن لا تقطع مسيرات الحرائر مسافات طويلة على الأرض حتى لا تعطي فرصة لقوات الأمن للوصول إلى الموقع، ولتصوَّر من بعيد، وأرجو أن لا تكشف حرة عن وجهها لأن المخبرين والعواينية منتشرون في كل مكان، ولا نريد أي فرصة لـ”تعليم” أي حرة وملاحقتها، فإن الأجهزة المجرمة لا تتوانى عن اعتقال الحرائر، وقد حملوا قوائم اعتقال فيها أسماء نساء في كل المناطق التي اجتاحوها في حوران وغير حوران، فيا لخسّة من يلاحق ويعتقل النساء!
(3)
حتى الآن يصرّ أكثر المتظاهرين على كشف وجوههم في المظاهرات، وهذه شجاعة خارقة ربما لا توجد في الدنيا كلها إلا في سوريا، حيث يتضاعف احتمال اعتقال المتظاهر في هذه الحالة أضعافاً كثيرة بسبب انتشار المخبرين والعواينية في كل الأحياء، ومن بعد الاعتقال ما تعرفون من معاناة وتعذيب ينتهي بالموت أحياناً. لذلك أقول لكم: بارك الله في شجاعتكم، ووالله إني لفخور بكم وأرفع رأسي عالياً لمجرد أنني أنتمي إلى أمة أنتم رجالها، ولكن حريتكم وسلامتكم أهم من الشجاعة في هذه المرحلة.
لذلك أوصيكم بأن تنشروا في كل أنحاء سوريا العادةَ التي بدأتها طائفةٌ كبيرة من إخوانكم أبطال حماة، فلا تمشوا بعد اليوم في مظاهرة إلا وقد غطيتم وجوهكم، واقتدوا بالحموية فابدؤوا فوراً بتعميم “السُّلُك الأحمر” ليصبح زياً موحداً لكل جنود الثورة. وهل أنتم للثورة إلا كالجنود؟ أوَليس للجنود لباس موحد في كل جيش؟ فإن لم يكن لكم لباس موحد يغطي الأجساد فليكن اللباس الموحد على الرؤوس، وتذكروا أن أكثر ما يراه عدوكم منكم هو الرؤوس المرصوصة في كتل المظاهرات الكبرى.
وفوق الفائدة الأصلية التي نريدها من تغطية الوجه، وهي حجب هوية المتظاهر وعدم كشفه للمخبرين، فإن خروج مظاهرة فيها آلاف من الرؤوس المتراصّة الملفوفة بالسلُك الأحمر يبث الرعب في قلوب الأعداء ويزلزل كيانهم، ويضفي على المظاهرات جلالاً تنقله عدسات آلات التصوير إلى أنحاء الدنيا.
(4)
وصيتي إلى الصفوف الأولى من أي مظاهرة: تقدموا بثبات ولا تبطئوا الخطى ولو كانت أمامكم حواجز أو تجمعات أمنية وشابوحية (أي من الأمن والشبيحة)، فإن احتمال خوف كل فريق من الآخر يكاد يكون متساوياً، ولو أنكم مضيتم بثبات وهتاف مجلجل فإن ميزان الخوف سيميل لصالحكم، واحتمال أن يدب الرعب في قلوبهم ويبدؤوا بالتراجع من أمامكم سيزيد على خمسين بالمئة.
ربما كانت خطة الأمن لتفريق المظاهرة هي قتل بعض المشاركين برصاص القناصين المبثوثين على السطوح العالية، وسوف أتحدث عن تلك الحالة بالتفصيل في “لقطة” لاحقة، أما الآن فدعونا نركز على الحواجز المسلحة والتجمعات الأمنية التي سوف تعترض طريق المظاهرة على الأرض. القاعدة الأصلية أن عناصر الحواجز والتجمعات الأمنية غير ممسوح لهم بفتح النار عشوائياً على المتظاهرين (إلا في حالات استثنائية قليلة لم تتجاوز واحداً في الألف منذ بداية الثورة) فتقدموا على افتراض أن الحواجز والتكتلات الأمنية للترهيب وليس للقتل.
لكن لا بد من الاستعداد، فإذا بدأ إطلاق النار على المظاهرة بشكل مباشر فلا تتراجعوا إلى الوراء لأن ظهوركم ستكون في مرمى النار، بل انشقّوا من الوسط واقسموا المظاهرة إلى قسمين طوليين عن يمين وشمال بحيث تفرّغون وسط الطريق، وإذا كان على جانبي الطريق حارات فاحتموا فيها فوراً، أو التصقوا بالحيطان. وإذا كان في الطريق حواجز من أي نوع (كتل إسمنيتة أو حاويات قمامة كبيرة مثلاً) فاستعملوها واقيات. أهم نصيحة هي أن تخفضوا الرؤوس لأن أكثر الإصابات القاتلة تكون في الرأس، وأن يلف كل واحد جسمه ربعَ لفّة بحيث يصبح جنبه مواجهاً لمصدر النيران وليس صفحة جسمه، وهذا العمل البسيط يقلل احتمال الإصابة القاتلة إلى أقل من النصف.
(5)
في الأعم الأغلب من المظاهرات لن يلجأ الأمن إلى النيران المباشرة والكثيفة من العناصر الأمنية على الأرض، بل سيعتمد على اصطياد بعض المشاركين في المظاهرة بالقناصات البعيدة المدى والمرتكزة على بعض السطوح العالية. يؤسفني أن أقرر أن اتقاء الإصابة بالقناصات يكاد يكون مستحيلاً، ولعل الطريقة الوحيدة التي تضمن ضماناً كاملاً عدم الإصابة برصاص القنص هي عدم المشاركة في المظاهرة أصلاً (مع ملاحظة أن هذا لا يعني أن ينجو من الموت من كتب الله عليه الموت، لأن مَلَك الموت يصل إلى من حان أجله ولو اعتصم بالحصون المحصَّنة). لكن اطمئنوا، فإن احتمال إصابة أي متظاهر برصاصة قناص أقل من واحد في الألف، لأن أقل من مئة يُستشهدون في كل جمعة رغم أن المشاركين في المظاهرات يكونون بمئات الآلاف.
لو أنكم قرأتم مقالتي المطولة التي سبقت هذه السلسلة من النصائح والمقترحات (عنوانها: محاولة لفهم سياسة النظام في قمع المظاهرات) فسوف تتذكرون أن المظاهرة الواحدة أو المنطقة الواحدة لها “حصة قتل” محددة حسب الخطط الأمنية التي يعتمدها النظام. هذه النقطة مهمة جداً لأن ردة فعل المتظاهرين لن تغير -على الأغلب- من حصيلة شهداء المظاهرة، فلو هربوا أو ثبتوا في مواقعهم فإن العدد المحدد للضحايا سوف يسقط في الحالتين.
هذا الخبر مثير للدهشة لكنه غالباً صحيح، لذلك أنصحكم بأن تتجاهلوا حالات القنص وتمضوا في المظاهرة بثبات. إذا سقط مصاب أو شهيد برصاص قناص فاحملوه وأكملوا السير إلى الأمام، لأنكم لو تركتموه فسوف يخطفه الأمن، وحوّلوا مسار المظاهرة فوراً باتجاه أحد المشافي لتسليمه للعلاج أو لتجهيزه للدفن، واصنعوا ذلك لو سقط شهيدان وثلاثة وأربعة وخمسة، أما إذا تحول القنص إلى رش فمعنى ذلك أن الخطة هي تفريق المظاهرة بأي ثمن، وفي هذه الحالة لا بد من فض المظاهرة والانسحاب في جماعات لكيلا تتعرض المظاهرة إلى مجزرة لا سمح الله.
(6)
من أوجب الواجبات على المتظاهرين التكتل لحماية أنفسهم من الاعتقال والخطف. تذكروا أهم حقيقة في معركتكم مع النظام المجرم وأجهزته الأمنية: لقد فشل في إخماد ثورتكم حتى اليوم لأنه يواجه جماعة ولا يواجه أفراداً، فلا تتنازلوا عن هذه المزيّة مختارين ولا تمنحوا القوة لعدوكم بتفرقكم وبتخلي بعضكم عن بعض.
الأمن لا يستطيع التغلب على الجموع ولكنه يستطيع التغلب على الأفراد المعزولين، فاحفظوا هذه الوصية: لا تتخلوا عن متظاهر تعثر فسقط على الأرض، ولا تترددوا في نجدة متظاهر أسرته عصابة من الأمن والشبيحة. اتفقوا على شعار موحد على شكل نداء استغاثة واحفظوه وانشروه، فإذا تعرض متظاهر للخطف (سواء من عناصر أمنية وشابوحية تهاجم المظاهرة من أطرافها أو من ورائها أو من عناصر مدسوسة وسط المظاهرة، وكل هذا يحصل) إذا حصل شيء من ذلك فليبدأ الضحية فوراً بالنداء: فزعة، فزعة، الحقوني، الحقوني، شبيحة، شبيحة… وفور سماع الاستغاثة يتوجب على الجماعة القريبة من المستغيث أن تهب كلها لتدافع عنه بشراسة وتنقذه بالقوة، ولا بأس في ضرب المعتدين بأكثر ما تستطيعون من قوة لإرهابهم وإبعادهم. هذه الطريقة جربها إخوان لكم في أكثر من مرة ونجحت بحمد الله.
أما أسوأ ما يمكن أن يحصل فهو أن يتعثر متظاهر أو ينزلق في حالة انفضاض مظاهرة فيقع على الأرض ويجد نفسه فجأة وحيداً أمام عصابة من المجرمين. قد تستغربون لو قلت لكم إن أشد المشاهد التي شاهدتها إيلاماً لم تكن صور الشهداء عليهم رحمة الله، بل تلك التي رأيت فيها متظاهراً ساقطاً على الأرض وقد تكالب عليه الشبيحة والأمن وانهالوا عليه ضرباً، ثم سحلوه على أرض الشارع أو رموه في سيارة واختطفوه إلى الاعتقال. سأكرر مرة أخرى: أنتم جيش ثورة، نعم هي ثورة سليمة، ولكن حتى الثورات السلمية لها جيوش. فهل سمعتم قط بجيش ينسحب ويترك جرحاه على أرض المعركة؟ إذن لو اضطررتم إلى التفرق فلا تتركوا وراءكم أحداً، ومن يسقط أو يتعثر فليهتف فوراً بنداء الاستغاثة، وعلى أقرب جماعة منه أن تعود لرفعه وسحبه قبل أن يدركه عناصر الأمن.
 (7)
عندما تتعرض المظاهرة للنيران فسوف يسقط جرحى. قبل النيران كان الكل متساوين في حمل العبء، أما بعدها فإن الجرحى يصبحون أمانة في أعناق الباقين، فلا تتخلَّوا عن جرحاكم.
عندما تضطرون إلى التفرق أمام هجوم بالنيران المباشرة فيجب أن يكون انسحابكم تحت السيطرة، وأقترح أن تختاروا مسبقاً مجموعات من الزكرتية المستعدين للمخاطرة بأنفسهم، والذين يكلَّفون بتغطية الانسحاب بحيث لا يبقى على الأرض مصاب، أما من يسقط شهيداً فالأَولى عدم تعريض حياة شخص حي للخطر المحقَّق فقط لسحب جثته، فالحي أهم من الميت، والشهيد في معيّة الله وفي جنة الخلد حتى لو سرقت عصابات الأمن جثته ومثلت به، رحمه الله.
إذا كانت إصابات الجرحى خفيفة فلا تنقلوهم إلى المشافي لأن احتمال اعتقالهم وتصفيتهم هناك كبير. اذهبوا بهم إلى العيادات الميدانية لو وُجدت، وإذا لم توجد فحاولوا ترتيب علاجهم على يد طبيب من الشرفاء المؤيدين للثورة في موقع محايد (يفضل الابتعاد عن بيوت وعيادات الأطباء الخاصة لأنها يمكن أن تكون مراقَبة).
أما إذا كانت الإصابات بليغة فلا مناص من نقل المصاب إلى المشفى، وفي هذه الحالة يجب عليكم جميعاً التكاتف لحماية المشفى طالما بقي فيه أيّ واحد من جرحاكم لئلا يختطفه الشبيحة والأمن، فاصنعوا كما صنع إخوانكم في حمص في مشفى البر وإخوانكم في حماة في مشفى الحوراني: طوقوا المشفى بالآلاف ليلَ نهار وأقيموا على المداخل حواجزَ للتفتيش بحيث لا يتسرب أي عنصر مشبوه، ولا تسمحوا للأمن باختراق الحصار ولو اضطررتم إلى الاشتباك بالأيدي والعصي والحجارة، فهذه الأدوات قد تنجح في إبعاد المعتدين وحماية الجرحى ولن تؤثر على سلمية الثورة بإذن الله.
(8)
إذا كان مسار المظاهرة معروفاً مسبقاً فلا يُستبعَد أن يجهّز لكم الأمن كميناً ليس هدفه فقط تفريق المظاهرة بل اعتقال عدد كبير من المشاركين فيها. هذه الخطة الخبيثة نفّذتها عصاباتُ الأمن غيرَ مرة سابقاً، وبالنسبة إليهم فإن أفضل مكان لتجهيز كمين من هذا النوع هو شارع عريض على جانبيه حارات ضيقة، حيث يجهّزون حاجزاً في طريق المظاهرة لقطع الشارع الرئيسي وينشرون في الحارات مجموعات صغيرة للاشتباك والاعتقال، وعند اقتراب المظاهرة يبدأ إطلاق النار (ربما في الهواء) ليُصاب المتظاهرون بالذعر ويتفرقوا في الحارات، حيث تصطادهم هناك المجموعات الأمنية المستعدة للعمل.
القاعدة المهمة التي ذكرتها من قبل هي عدم الارتباك وعدم الإصابة بالذعر حتى لو سقط شهيد أو عدة شهداء برصاص القنّاصات، الحالة الوحيدة التي يصبح فيها تفرّق المظاهرة وانفضاضها أمراً حتمياً هو حالة إطلاق النار الحي والمباشر على المتظاهرين من الأرض (وكما قلت من قبل فإن هذه الحالة لم تتكرر حتى الآن سوى عشر مرات أو عشرين في أكثر من ألف مظاهرة سارت خلال خمسة وثمانين يوماً من عمر الثورة، وهي قطعاً ليست الحالة الافتراضية لقمع المظاهرات).
ما لم تتحول المواجهة إلى إطلاق نار مباشر وكثيف فغالباً سيكون الهدف من الإطلاق هو التخويف فقط، وهنا ستكون المسؤولية الكبرى على فدائيي الطليعة، حيث يتوجب عليهم الثبات والاستمرار في التقدم (مع احتمال انقلاب المواجهة في أي لحظة إلى نيران حية وحصد لعدد من شباب الطليعة، ولكنه احتمال ضئيل، على الأقل في ضوء الوضع الميداني حتى اليوم). ولو نجحت المظاهرة في الاقتراب كثيراً من الحاجز والالتحام به فسوف تكون في أكثر المواضع أمناً، وقد شاهدنا في المقاطع المصورة المتداوَلة حالات عديدة من هذا النوع في معرة النعمان وفي عشرات غيرها من المدن.
(9)
عندما تُواجَه المظاهرة بهجوم، سواء بالنيران الحية أو بجماعات كبيرة من الأمن والشبيحة، فإن خطر التعرض للاعتقال يصبح كبيراً جداً. تذكروا دائماً أن اعتقال عدد كبير من المشاركين هدفٌ رئيسي من أهداف عصابات الأمن التي تقوم بتفريق المظاهرة، فهل توجد تكتيكات يمكن أن تخفف من خطر الاعتقال؟ نعم.
القاعدة الأولى هي تجنب الذعر، فهو عدو كبير، فحافظوا على الهدوء وانسحبوا بطريقة منظمة. الذعر ينشأ عنه تدافعٌ قد يتسبب في سقوط بعض الأفراد على الأرض، وكثيراً ما يعجز الساقطون عن النهوض فينقلبون إلى صيد سهل لعناصر الأمن.
الذعر أيضاً يتسبب في تفرق عشوائي، مع أن أهم قاعدة للسلامة هي التفرق في مجموعات صغيرة، على أن تتكون كل مجموعة من نحو عشرين متظاهراً كحد أدنى ليشكلوا كتلة مقاومة ضد عناصر اختراق المظاهرة من الأمن والشبيحة، وليكونوا قادرين على تخليص أحدهم لو قُبض عليه.
إذا اكتشفتم أن الحارات الفرعية على جانبَي الطريق آمنة فاتجهوا إليها، وإذا كان الطريق الخلفي مفتوحاً وغير مغلق بقوات أمنية فليكن انسحابكم في اتجاهه. بمجرد الابتعاد عن موقع المعمعة يجب على جماعة المتظاهرين الصغيرة التي وصفتها قبل قليل أن تبدأ بالتفرق وصولاً إلى أفراد يمشون مشية عادية بما يوحي أنهم عابرو سبيل لا علاقة لهم بما كان يحصل من مظاهرات واشتباكات.
(10)
إذا لم يتجمع في المظاهرة عدد كبير (ألف متظاهر مثلاً) خلال عشر دقائق من انطلاقها فحولوها إلى مظاهرة طيارة وتفرقوا بعد تصويرها للاستفادة منها إعلامياً، وإذا بلغ العدد الألف أو نحوه فقد صارت مظاهرة كبيرة، فجوبوا بها الشوارع وأسمعوا الناس الهتافات. وتذكروا أن الحماسة تُعدي، وكلما استمرت المظاهرات وعلت هتافاتها سيتضخم جمهور الثورة وينضم المزيد من المحايدين والمترددين إلى المظاهرات القادمة.
على المظاهرات الصغيرة أخذ الحذر وتجنب المناطق الكبيرة المفتوحة، لأن معادلة القوة العددية لن تكون في صالحها في تلك الحالة بسبب تجمع القوات الأمنية في الساحات والشوارع الرئيسية. فلتبقَ المظاهرات الصغيرة في الحارات والشوارع الفرعية حتى يكبر حجمها، ومن الأفضل أن يتم التنسيق مسبَقاً بين مظاهرات الحارات بحيث تجتمع في مناطق متقاربة وتكوّن مظاهرات كبيرة تصلح للمشي في الشوارع الواسعة والمساحات المفتوحة.
تجنبوا فكرة الاعتصام في الساحات العامة، فقد ثبت أن هذا الأسلوب من أساليب التعبير السلمي شديد الخطورة في سوريا (بسبب الإجرام الشديد الذي تمارسه الأجهزة الأمنية القمعية السورية). بدلاً من اعتصام دائم كرروا المظاهرات الصغيرة خلال النهار والليل لإرهاق عناصر الأمن وتحطيم أعصابهم، ولكن انتبهوا: لا تجعلوا لمظاهراتكم أي تكرار نمطي في المكان أو الزمان حتى لا يتوقع الأمن المظاهرة مسبقاً، بل غيروا باستمرار أماكن المظاهرات الطيّارة وغيروا مواعيدها الليلية والنهارية.

0 comments:

Post a Comment