Pages

Wednesday, June 15, 2011

أنظمة الخيانة وأنظمة الجهالة


كل الأنظمة العربية تقمع المواطن العربي، لكنه يمكن تصنيفها إلى قسمين:
أولا: أنظمة الخيانة وهي الأنظمة التي أقامها الاستعماران البريطاني والفرنساوي قبل منح المستعمرات ما يسمى بالاستقلال، والتي ورثها الاستعمار الجديد الأمريكي عن الاستعمار القديم. هذه أنظمة قبلية أقطعها الاستعمار أجزاء من الوطن العربي لتدير الشؤون المدنية للناس، ولتأتمر بأمره وتنفذ رغباته وسياساته. أي أن هذه الأنظمة خائنة بالأصالة، ولا تستطيع أن تشذ عن تعليمات أهل الغرب بخاصة الولايات المتحدة حتى لو رغبت في ذلك. إنها مقيدة تماما بعقلية قبلية متخلفة تفضل مصالحها القبلية والشخصية على مصالح الناس، ومقيدة بالترتيبات الأمنية والعسكرية التي تقيمها الدول الاستعمارية. لا يستطيع حاكمها أن يتمرد لأن عقليته مبرمجة قبليا واستعماريا، ولأنه من الممكن استبداله بسهولة من قبل الدول الاستعمارية. هذه أنظمة لا سيطرة أمنية لها على البلاد، وحمايتها العسكرية مرتهنة بالولايات المتحدة.
ثانيا: أنظمة الجهالة وهي الأنظمة التي شهدت انقلابات عسكرية بهدف تغيير الأوضاع السياسية والاجتماعية، أو التي ادعت لنفسها التغيير والتطوير من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية وعزة العربي وكرامته وتقدمه في مختلف المجالات، ووعدت بوحدة العرب والسير بهم نحو الحرية. ربما كانت نوايا هذه الأنظمة صادقة، لكن القائمين عليها كانوا من الجهل إلى درجة أنهم أساؤوا بأفعالهم لكل ما هو ثوري ونبيل وتقدمي. لقد ادعوا الثورية وظلموا شعوبهم، وأقاموا أجهزة أمنية مرعبة لملاحقة المواطن العربي، وهزموا أمام إسرائيل، وسرقوا أموال الشعب، وعجزوا عن إحراز تقدم ملموس عن سابق وعي وتخطيط في أي مجال من مجالات الحياة.
بين الخيانة والجهالة
الخيانة تؤدي إلى ذات النتائج التي تصلها الجهالة. الخائن هو أخ الجاهل، وكلاهما يلحقان الدمار والخراب. الخائن صاحب رسالة تدميرية أملاها على نفسه طوعا أو تحت وطأة البحث عن المال والسلطان، والجاهل لا يقوى إلا على التدمير حتى لو كانت نواياه طيبة. ولهذا يصعب أن نجد فروقا هامة بين الدمار الذي ألحقته أنظمة الخيانة العربية بالأمة العربية، وذلك الذي ألحقته أنظمة الجهالة العربية، وإذا كان هناك فروق فإنها تنحصر بأمور فنية وليس بقضايا مبدأية فعلية. فمثلا، اعتمدت أنظمة الخيانة في استمرارها على القبيلة والدعم الأمني والعسكري الاستعماري، وأحيانا على الدعم المالي إذا كان النظام يسود في إقطاعية فقيرة؛ في حين استندت أنظمة الجهالة في الغالب على عناصر جهالة نسميها الزعران أو البلطجية الذين ظنوا أنهم وطنيون ويريدون قمع قوى التخلف والعمالة للاستعمار. وقد كان أداء أنظمة الخيانة الداخلي أحيانا أفضل من أداء أنظمة الجهالة لأن الاستعمار يوجهها في كثير من الأحيان وذلك من أجل البقاء، بينما أنظمة الجهالة افتقدت إلى التوجيه، ورفضت الاستفادة من العلماء والخبراء المتواجدين ضمن إقطاعياتها. أنظمة الخيانة تستمع لنصائح الاستعمار، بينما أنظمة الجهالة لا تستمع لنصائح أبناء البلاد. 
هناك من يرغب أن يميز بين أنظمة الخيانة وأنظمة الجهالة بناء على الموقف من الكيان الصهيوني والتغلغل الأمريكي في المنطقة العربية الإسلامية. أظن أن محاولة التمييز فاشلة لأن النتيجة في النهاية واحدة. أقامت دول الخيانة علاقات مع إسرائيل على مدى سنوات طويلة، لكن منظمة التحرير مثلا التي يمكن تصنيفها ضمن أنظمة الجهالة انتهت إلى القيام بحراسة أمن إسرائيل.  أنظمة الخيانة اعترفت بقرار مجلس الأمن 242، وكذلك فعلت أنظمة الجهالة. أمريكا حاربت العراق، وساعدتها في ذلك أنظمة الجهالة وأنظمة الخيانة. وعلى ذلك قس.
ولهذا يجب أن نصر على حرية الإنسان العربي وتحرره من وطأة هذه الأنظمة. الثورة على الأنظمة العربية على مختلف مسمياتها عبارة عن واجب مقدس، وهو واجب ديني وتاريخي ووطني وقومي وإنساني، ومن يريد تبرئة نظام على أخر، إنما هو يستعمل معايير مزدوجية لأسباب حزبية أو آيديولوجية أو قبلية أو شخصية. مصلحة الأمة وتقدمها تتطلبان القضاء على مختلف الأنظمة العربية القائمة، والتي إن بقيت، بقيت معها إسرائيل والهيمنة الغربية.
د.عبدالستار قاسم استاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح بنابلس

0 comments:

Post a Comment