Pages

Tuesday, June 14, 2011

مقالات اليوم

رئيس البرلمان الأوروبي يدعو في غزة إلى فتح حوار مع «حماس» ورفع الحصار
غزة - «الحياة»    14/6/2011
دعا رئيس البرلمان الأوروبي جيزي بوزك، إلى فتح حوار مع حركة «حماس»، مطالباً بإنهاء الحصار الذي تفرضه اسرائيل منذ سنوات طويلة على قطاع غزة. وشدد خلال مؤتمر صحافي في غزة مع المفوض العام لـ «وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (اونروا) فيليبو غراندي أمس، على ضرورة أن يعيش الفلسطينيون في القطاع في «أمن وسلام ورفاهية مثل بقية شعوب العالم».
وقال: «بعد مناقشات عميقة، وفي أعقاب ما رأيته في غزة، أؤكد أن إنهاء الحصار عن غزة مهم للغاية، ومن الصعب أن تقوم بتنمية حقيقية، ومن المستحيل أن يشعر الناس في غزة بأنهم أحرار في ظل الحصار المفروض». وشدد على ضرورة اتخاذ ثلاث خطوات أساسية بالنسبة الى الفلسطينيين في غزة، هي «العيش بكرامة، والأمن والاستقرار، وتأمين رفاهية وحياة جيدة»، لافتاً الى أن «الجميع يعرف أن كل هذه الأمور مرتبطة بعملية السلام في الشرق الأوسط».
وأشار الى أن «الاتحاد الاوروبي سيوقّع مع أونروا اتفاقاً خلال الاسابيع المقبلة لتحسين الوضع الانساني في قطاع غزة، وضمان عدم تقليص خدمات المنظمة الدولية» في ظل ما يشاع عن تقليص بسبب الأزمة المالية الطاحنة التي تعاني منها المنظمة الدولية.
وعن موقف 24 شخصية أوروبية وعالمية داعية الى فتح حوار مع «حماس»، قال: «من تجربتنا في أوروبا، فإنه يجب أن تحاور أطرافاً حتى عندما تشعر أنها صعبة جداً، وهذا ينطبق على حماس». وأضاف أن الهدف من زيارته للمنطقة التي تستغرق خمسة أيام هو «مناقشة مجمل عملية السلام».
وتوجه بوزك في أعقاب زيارته غزة إلى القدس الشرقية، وقال إنه سيلتقي اليوم مسؤولين في السلطة الفلسطينية، ومن ثم مسؤولين إسرائيليين. واعتبر أن «هذا الوقت مهم للمفاوضات في الشرق الأوسط وفي أوروبا لأن رياح الحرية تهب على المنطقة». وقال: «نؤيد حكومة وحدة وطنية في فلسطين، لكن من المهم جداً أن تعترف بحق إسرائيل في الوجود وبكل الاتفاقات السابقة». وأضاف: «تجب مواصلة المفاوضات، وأن تكون تلك الحكومة تحت مظلة الرئيس الفلسطيني، لأن له تأييداً كبيراً في المجتمع الدولي وبين الشعب الفلسطيني».
ورداً على مسعى منظمة التحرير الفلسطينية التوجه الى الأمم المتحدة لنيل اعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، رأى أن «إعلان دولة بطريقة أحادية الجانب من الصعب أن يقتنع بها الآخرون، وأنا أفهم موقفكم في الحصول على دولة ديموقراطية مستقلة وحرة، وأنتم عانيتم وانتظرتم طويلاً». واعتبر أن «من الأفضل مناقشة هذا المقترح، ومن خلال تجربتنا القرارات الأحادية الجانب، لا يمكن أن تؤدي إلى نهاية طبيعية... نريد دولة فلسطينية مستقلة وحرة، والمجتمع الدولي يساند ذلك بقوة، ويجب علينا أن ننتبه لأهمية المستقبل الآمن لدولة إسرائيل، ويجب أن يكون هناك توازن بين الأطراف».
من جهته، نفى غراندي أن يكون في نية «أونروا» تقليص خدماتها أو برامجها في القطاع، واصفاً ما يدور من أحاديث بأنه «مجرد اشاعات غير حقيقية». وأقر بأن «هناك أزمة مالية حقيقية، ونحن نتحاور مع المانحين لزيادة دعمهم لبرامجنا وتجاوز الازمة». يذكر ان بوزك جال خلال زيارته لغزة والتي استغرقت ساعات معدودة، مقر «جمعية أطفالنا للصم»، ومركز توزيع المؤن التابع لـ «اونروا» في مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، والمدارس قيد الإنشاء التي تبنيها «أونروا» في حي تل الهوا جنوب غربي مدينة غزة، كما التقى عدداً من ممثلي المجتمع المدني ورجال الأعمال.
العلاقة الصعبة بين واشنطن ودمشق تملي طلاقاً صعباً تسبقه فرص للنظام
بشير هلال       الحياة       14/6/2011
بدَت واشنطن شديدة الحذر في مقاربة الاحتجاجات السورية ونتائجها. فقبل أسابيع كانت وزيرة خارجيتها لا تزال تعتبر الرئيس السوري إصلاحياً. واستلزم الانتقال إلى معادلة أن عليه «قيادة الإصلاحات أو التنحي» التي صاغها الرئيس باراك أوباما، أسابيع إضافية أعقبها قول وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون «إن شرعية النظام السوري توشك على النفاد «. أمّا الجديد الذي قد يشي ببدء تعديل مفصلي في الموقف الأميركي فهو قولها إنَّ «سورية في عهد الأسد أصبحت مصدراً لعدم الاستقرار في المنطقة» .
في الديبلوماسية التي تقع على الضفة المُقابِلَة للحرب والمُتكاملة معها في تنفيذ السياسة الخارجية لدولة كبرى بحجم الولايات المتحدة، لا تأتي الصياغات بالصدفة وإن لم تتبعها الأفعال. وبربطِ تصريحَيْ كلينتون نرى إيحاءً بقدرة واشنطن الافتراضية على التصرف انطلاقاً من استنتاج نهاية شرعيتيْن: الأولى الداخلية - الشعبية والثانية الخارجية.
ورغم أن الحديث عن انتهاء الأخيرة قد يكون مقصوداً منه الرد على موقف موسكو بأن ما يجرى في سورية «لا يؤثر على السلم ولا يستوجب بالتالي أي تدخل من مجلس الأمن»، إلاّ أنه يمثِّل مع ذلك قطيعة لفظية مع مفهوم قاد السياسة الخارجية الأميركية خلال عقود وقوامه أن النظام السوري هو احد أعمدة الاستقرار في المنطقة.
وأياً تكن الحدود العملية للتصريحين فإن ديبلوماسية واشنطن لا تفعل اليوم غير الاستنتاج المُستأخَر عمداً لما كانت تعرفه وتقبله لمصلحةٍ أو لمعرفةٍ بعدم تمكنها من تغييره أو على الأرجح للأمريْن معاً. لكنه استئخارٌ لا يصدر عن ضعف في الأهمية الأصلية التي أولاها الطرفان دائماً للعلاقة الثنائية بينهما، بقدر ما يصدر عن لحظة تأزم في طابعها الاستثنائي»غير العادي».
ولعَّل أبرز مفارقة على لاعاديتها، هو أن تكون سلطات دمشق على القائمة الأميركية للدول الداعمة للإرهاب في العالم والخاضعة لعقوبات اقتصادية أميركية منذ عام 2004، وأن تعتبرها واشنطن في الوقت نفسه ولأمدٍ طويل مفتاحاً رئيسياً من مفاتيح «الاستقرار» في الشرق الأوسط، حتى في عهد بوش الابن الذي اكتفى بسحب سفيره وبالضغط على النظام لتغيير»سلوكه». وأن يُقدَّم مفهوم الاستقرار هذا سبباً لتباطؤ وضعف رد الفعل في تأييد حركة الاحتجاج السورية مُقارَناً بسرعته النسبية في الانتفاضات الأخرى.
أحد معالم استثنائية العلاقة كانت على الدوام، مجافاتها لظاهر منطق الخطاب السياسي للنظام السوري وحزبه «القائد»، وبدرجة أقل ضجيجاً لخطاب الإدارات الأميركية المتعاقبة عن الحريات وحقوق الإنسان والشعوب. استثنائية استندت إلى ما يُحْرَص على تسميته بـ «الواقعية السياسية» ليس بمعناها الإيجابي كَمَيْلٍ إلى إنتاج مسارات وتسويات تُغلِّب السلام كمصلحة عليا وكمبدأ ناظم للعلاقات الدولية، بل السلبي المُتّستِّر على الأبعاد الحقيقية للخلافات والاتفاقات، القافز على المبادئ، المُزدرِي بها سراً النافخ فيها علناً.
فهي كانت تنعقد بين نظامين متعارضيْن زمناً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، أميركي، شرعيته مستقرة منذ نهاية حربه الأهلية وخطابه ضد شمولي، وسوري يساري اللفظ عصبوي الهوى، مُنازَعٌ بشرعيته كنتاج سلسلة انقلابات عسكرية ضد الحكم المدني. الأوَّل، دولته تتواجه وتتزامن في سياستها الخارجية نزعتا الهيمنة والانعزال، لكنه قائم على الاعتراف بالحريات والحقوق الأساسية والانتخاب وفصل السلطات ووجود سلطات مُضادة ومجتمع مدني ناشط حيث الحكّام عابرون والمؤسسات دائمة والعلائق بينها في حالة تطورٍ وصراعٍ دائمين مُحْتكِمَيْن إلى القانون والرأي العام، وحيث لم يمنع التطور الرأسمالي الأصفى في العالم وفق توصيف ماركس، إقرار أكثر قوانين مكافحة الاحتكار شدةً، وغلبة الميْل قبل الموجة النيوليبرالية المُنحَسِرَة إلى تطبيق سياسات إعادات توزيع للثروة مُتأثرة بالاشتراكية الديموقراطية. فيما الثاني نظامٌ سلطاني أمني حجب الحريات والحقوق الأساسية وحوَّل المواطنين إلى رعايا ومنع السياسة حتى عن الحزب «القائد» الذي غدا هيكلاً لإدارة وتظهير طقوسية الطاعة وإعانة الأمن، ورَيَّّع السلطة وحوَّل تدخلها في الاقتصاد تارة باسم الاشتراكية في زمن الأب ثم بالرأسمالية الاحتكارية المنفلتة بعده باسم تحرير الاقتصاد، أداة إثراء وتسليط مُضافتيْن للحلقات الأقوى في السلطة، وجعل السياسة الإقليمية مُكمِّلاً بنيوياً لترسيخ النظام.
كما يمكن اعتبارها ناجمة عن استثنائية لاعادية، تلك التفاهمات المديدة والمتعددة التي تخللَّت خلافاتهما المُعلَنَة منذ اتفاقية فك الاشتباك. فيما كان النظام لا يزال يزعم عداوةً تكوينية لأميركا بوصفها «رأس المعسكر الإمبريالي والحليف غير الشرطي لإسرائيل»، دون أن يتخلّى عن اعتبارها «الحَكَم» المطلوب أن يكون نزيهاً في مفاوضات يُعَوِّل على الأثر الإعلامي والديبلوماسي لسياقها الإجرائي في تغطية تواصله الأميركي وعلى فشلها في تسويغ «ممانعته»، بالتزامن مع تصاعد العدوانية الإسرائيلية ونسفها مقومات التسوية. كما لو أن سقف خلافات الفريقين بقي الحفاظ على النظام من جهة وتجنب المجابهة المباشرة من جهة أخرى، بينما تدور التوترات حول طبيعة تحالفات وأدوات وأهداف التمدد الإقليمي لكلٍ منهما.  ليس الأمر مؤامرة بل نتاج مصالح متقاطعة من منطلقات متباينة استبطنها الطرفان وتمرَّسا بإدارتها عقوداً. ما سيَّد التعبير عنها بالتناقض بين المُعلَن والخفي وتنامي الحروب بالواسطة وإن كانت قدرة نظام دمشق على لعبة «التوازن» تضاءلت بعد الانهيار السوفياتي.
سيكون مُربِكاً لواشنطن إسقاط النظام بيد قوى من خارجه كلياً. لذا فهي لم تألُ جهداً لدفع رأسه لقيادة «الإصلاح» وتجديد شرعيته بخسائر محدودة وتجميد انخراطه الإيراني. وهذا في أحد وجوهه انعكاس لمحاذرتها «مجهول» الانتفاضة على سياستها الشرق أوسطية المأزومة بمراعاة المُعوِّق «الإسرائيلي»، فيما تقدِّم «الممانعة» واحتضانها «الحروب غير المتكافئة» اللادولتية تغطية عبثية له بموازاة تعميق الحروب على الدواخل الأهلية السورية واللبنانية والفلسطينية. مشكلتها أن ضغوطها على النظام بدت محدودة ومتأخرة عن تظهيره لدمويته فيما زاد طلب الاحتجاجات على جذرية التحول الديموقراطي.
تركيا على أبواب ميلاد جديد
فهمي هويدي      الشرق القطرية      14/6/2011
الانتخابات لحظة فارقة في تاريخ تركيا الحديث
هي أكثر من مجرد انتخابات تشريعية، لأنها تفتح الباب لإعلان ميلاد جديد لتركيا يرسى أساس جمهوريتها الثانية، الذي تنتقل بها من ولاية العسكر إلى ولاية الأمن.
(1)
إن شئت فقل إننا بصدد حالة من التوافق الوطني على ضرورة طي صفحة الانقلابات العسكرية التي تعاقب ثلاثة منها كل عشر سنوات منذ سنة 1960 (الانقلاب الرابع وصف بأنه أبيض لأن العسكر أجبروا حكومة نجم الدين أربكان على الاستقالة في سنة 1997. أما الخامس فقد أجهض في سنة 2007 ولا تزال ملابساته محل تحقيق حتى الآن).
الجميع اتفقوا على ضرورة وضع دستور جديد لتركيا يزيل آثار عدوان الدستور الذي فرضه العكسر إثر انقلاب عام 1980، وكرس وصايتهم على المجتمع من خلال تشديد قبضة العسكريين على السياسة، وبسط هيمنة التطرف العلماني على مؤسستي القضاء والتعليم. وهى ذات السياسة التي فرضها كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية عشرينيات القرن الماضي، لكن المجتمع ظل يتملل منها ويحاول الفكاك من أسرها من خلال هوامش الديموقراطية المتاحة. وكانت العلامة البارزة على ذلك هي الانتخابات التي جرت في عام 1950، التي صوتت فيها الأغلبية لصالح الحزب الديموقراطي ومني حزب الشعب الذي أسسه أتاتورك بهزيمة منكرة أفقدته هيمنته على الحكم التي ظلت مستمرة طوال 17 عاما.
وهو ما لم يغفره الجيش المفوض دستوريا بالتدخل لإقرار السلام والأمن الاجتماعي والسياسي في البلاد، فقام في سنة 1960 بأول انقلاب له في ظل الجمهورية، وشكل لجنة تحقيق قضت بإعدام رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، ووزيري الخارجية والمالية. ولم ينفذ الحكم بالأول في حين أعدم الثلاثة الآخرون وفي المقدمة منهم عدنان مندريس رئيس الوزراء.
بإعداد الدستور الجديد يرد المجتمع الاعتبار لعدنان مندريس وصاحبيه، الذين كانوا في مقدمة شهداء الديموقراطية في تركيا. ويسجل الفصل الأخير في كتاب الديموقراطية، الذي سطروا بدمائهم فصله الأول في خمسينيات القرن الماضي. هكذا قال عزيز بابوتشو رئيس حزب العدالة والتنمية في مدينة استنبول.
نائب رئيس حزب الشعب المنافس أوغوز ساليتشي يؤيد بدوره الحاجة إلى وضع دستور جديد، لكن حزبه لديه قائمة طويلة من الأسئلة حول الجهة التي ستعد الدستور، وحول ما سيقرره من مبادئ للمرحلة المقبلة وأهمية عرضه على الاستفتاء العام في كل الظروف.
(2)
لأن الجميع يدركون أنها لحظة فارقة في تاريخ تركيا الحديث، فإن السباق ظل طول الوقت مفعما بالحيوية والحماسة، ذلك أن موضوعه لم يكن فقط الفوز بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان والاشتراك في تشكيل الحكومة، وإنما كان الأمر أكبر من ذلك وأبعد، لأن نسبة الفوز لها مردودها في نسبة المشاركة في صناعة المستقبل وتأسيس الجمهورية التركية الثانية التي تنعقد فيها الولاية للأمة لأول مرة منذ تأسست الجمهورية في عام 1923.
رفع من وتيرة الحماسة أن قادة الأحزاب التقليدية، وفي المقدمة منها حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه كمال أتاتورك ولا يزال يتبنى مشروعه، والحزب القومي الذي يمثل العرق والتركي والقومية الطورانية، هؤلاء أدركوا أن الزمن يكاد يتجاوزهم وأن دورهم يتراجع في المشهد السياسي، منذ فاز حزب العدالة بالأغلبية في انتخابات عام 2002 وشكل الحكومة منذ ذلك الوقت دون الحاجة إلى الائتلاف مع أي حزب آخر.
لهذه الأسباب فإن الأحزاب المنافسة ألقت بكل ثقلها لكي تكسر الأغلبية التي يتمتع بها حزب العدالة والتنمية في البرلمان (يمثله في الوقت الراهن 340 عضوا من بين 550 هم مجموع أعضاء البرلمان)، لكن طموح حزب العدالة والتنمية أكبر وأبعد هذه المرة. فهو لا يريد أن يكتفي بالأغلبية التي تمكنه من تشكيل الحكومة منفردا (النصف زائد واحد)، وإنما يطمح إلى تحقيق أغلبية الثلثين (367 عضوا) لكي يتمكن من وضع الدستور الجديد.
صحيح أن التنافس على أشده بين حزبي العدالة والتنمية من ناحية والشعب الجمهوري من ناحية ثانية، إلا أن الصورة أوسع من ذلك بكثير. فالأحزاب المسجلة رسميا عددها 60 حزبا، لكن الذين قرروا خوض المعركة الانتخابية نحو 20 حزبا فقط. والرهانات والأضواء مسلطة في وسائل الإعلام واستطلاعات الرأي العام على أربعة أحزاب فقط تحاول جذب الأنصار من بين 50 مليون ناخب. وهذه الأحزاب هي: حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي ركز في دعايته على أن الهدف هو سنة 2023، ذكرى مرور مائة سنة على تأسيس الجمهورية، شاهرا في ذلك شعار: لكي تنعم بلادنا بالاستقرار ولكي تصبح تركيا أكبر وأعظم. ولتحقيق ذلك الهدف فالحزب أعلن عن قائمة طويلة من المشروعات العملاقة والجذابة التي تدغدغ مشاعر الجماهير التركية وتداعب أحلامها.
* حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي الذي تنحى زعيمه السابق بسبب فضيحة أخلاقية، ويسعى رئيسه الجديد كمال كيليجدار أوغلو، وهو يساري علوي من أصول كردية، لتحويله إلى حزب يمثل اليسار الديموقراطي. لذلك فإنه يخاطب الأكراد والعلويين والطبقة العاملة والفقيرة. وقد ركز في دعايته على تنفيذ بعض المشروعات التي تهم الناس، وفي مقدمتها توسيع مظلة التأمين لتشمل عائلة كردية.
* حزب الحركة القومية الذي أصبح يعاني شدة الضعف بعد بث تسجيلات فضائحية لعشرة من أعضاء مكتبه السياسي الذي يضم 16 عضوا، مما أدى إلى استقالتهم وأحدث فراغا في قيادته. إضافة إلى أن زعيمه دولت باهشلى عجز عن تقديم برنامج جدي ووعود انتخابية حقيقية. الأمر الذي أصبح يرشح الحزب للخروج من البرلمان (القانون يشترط لدخول البرلمان أن يحصل الحزب على 10% من أصوات الناخبين على الأقل).
* الكتلة الرابعة المرشحة لدخول البرلمان يمثلها الأكراد المستقلون الذين يمكن أن ينضموا تحت راية حزب السلام والديمقراطية، ويوفروا بذلك نسبة الـ10% التي تمكنه من دخول البرلمان.
(3)
عشت التجربة في تركيا طوال الأسبوع الذي سبق الانتخابات. ولشدة الضجيج الذي ملأ الفضاء خيل إليَّ أن أحدا لم ينم خلال الأيام التي سبقت التصويت يوم الأحد الماضي. فسيارات المرشحين تجوب الشوارع على مدار الساعة، محملة بمكبرات الصوت التي تبث الأغاني التي أعدتها بعض الأحزاب للدعاية لنفسها وبرنامجها، كما تبث الأغاني الشعبية التي يحبها الناس ويرددونها. وفي كل ميدان مؤتمر لهذا الحزب أو ذاك. أما الإعلام ورموز الأحزاب فهي تملأ الجدران. وتظلل الشوارع، وبعضها يتدلى من البنايات الكبيرة. الأمر الذي يرشد المارة إلى خريطة أنصار الأحزاب المتنافسة في كل حي.
قيل لي إن شدة التنافس على الانتخابات بين الأحزاب استدعت وجود شركات تخصصت في تنظيم الحملات الانتخابية، بمستلزماتها من السيارات والملصقات والأغاني والمهرجانات وغير ذلك، لكن أكثر ما أثار انتباهي كان كثرة عدد الشبان المتطوعين الذين يشاركون في تلك الحملات. كنت أعرف أن ثقافة التطوع للعمل الخيري والعام شائعة في تركيا، لكنني دهشت حين علمت أن حزب العدالة والتنمية وحده شارك في حملته الانتخابية بمدينة استنبول وحدها 26 ألف متطوع نصفهم من النساء. وهؤلاء تفرغوا لمهمتهم طوال الشهرين الأخيرين وقيل لى إن أولئك المتطوعين لم يتركوا بيتا أو متجرا لناخب في المدينة إلا وطرقوا بابه وتواصلوا معه واستمعوا إليه.
إلى جانب هؤلاء صادفت في استنبول وأنقرة مجموعات من الشباب الاشتراكى الذين قدموا من أنحاء مختلفة من أوروبا للدعاية لحزب الشعب في الشوارع والأسواق، كما كانت هناك مجموعات أكبر من البلقان وبعض الدول الإسلامية جاءوا لمساندة حزب العدالة والتنمية.
إضافة إلى ما سبق، فثمة ملاحظات أخرى تستوقف المرء في المشهد الانتخابي في مقدمتها ما يلي: * إن الجدل والتراشق بين الأحزاب منصب على الشأن الداخلي بشكل عام. أما السياسة الخارجية لتركيا فلا أحد يتحدث عنها إذا استثنينا انتقادات من جانب قادة حزب الشعب لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ذكرت أنه اتبع مع إسرائيل «سياسة استفزازية». وانتقادات أخرى سمعتها وجهت إليه لوما لتحالفه مع سوريا (رغم انتقاداته لممارسات النظام السوري).
< إن المجتمع التركي يعيش حالة استقطاب مثيرة للانتباه. وهو ما رصده رئيس مركز أبحاث «كوندا» في أنقرة، تارهان أردم، الذي قال إن الاستقطاب بين الناخبين ظل في السنوات الماضية يتراوح بين 50 و60% - لكنه وصل في الانتخابات الأخيرة إلى 80%، الأمر الذي يعنى أن هذه النسبة من الناخبين ستصوت لهذا الحزب أو ذاك، دون مناقشة القضايا أو البرامج التي يطرحها.
< إن الأحزاب العلمانية لا تزال تثير خوف الناخبين من الخلفية الإسلامية لقادة حزب العدالة والتنمية، ملوحة في ذلك بفكرة «الأجندة الخفية» التي يقولون إنه يستبطنها. وسمعت رئيس حزب الشعب وهو يعلن في أحد المؤتمرات أن حزب العدالة يهدد عقائد الشعب التركي (يقصد أنه يهدد إيمانه بالعلمانية) - ثم وهو يكرر في أكثر من لقاء شعبي «أن الجمهورية في خطر».
< إنه في الوقت الذي أصبحت تركيا على أبواب وضع دستور جديد بديلا عن ذلك الذي أصدره العسكر بعد انقلاب عام 1980، فإن قائد ذلك الانقلاب الجنرال كنعان ايفرين (94 سنة) خضع للاستجواب في الأسبوع الماضي لسؤاله عن علاقته بمحاولة الانفلات التي جرى التخطيط لها في عام 2007.
(4)
فوز حزب العدالة والتنمية بالمركز الأول بين الأحزاب المتنافسة أصبح مسلما به من قبل الجميع. ولأنني أكتب هذه المقالة قبل الإعلان النهائي للنتائج إلا أن الترجيحات تشير بقوة إلى أن الحزب سيفوز بأكثر من نصف المقاعد، أما أغلبية الثلثين التي يتطلع إليها فليس مقطوعا بها. وعند الحد الأدنى فإن السيد أردوغان الذي تعرض لمحاولة الاغتيال ما بين 12 و13 مرة سيتمكن من تشكيل الوزارة للمرة الثالثة. وهو خبر سار بالنسبة إليه وللحزب بطبيعة الحال، لكنه يحمل في طياته مفاجأة لم ينتبه إليها كثيرون، خلاصتها أنها المرة الأخيرة التي يشغل فيها منصب رئيس الوزراء (الباشبكان). ذلك أن لوائح الحزب لا تسمح له ولا لغيره من القيادات بأن يشغل موقعه لأكثر من ثلاث مرات، الأمر الذي يعنى أنه في الظروف العادية ينبغي أن يغادره إلى غير رجعة بحلول عام 2015. ليس وحده، وإنما سيخرج معه في ذلك التاريخ 150 آخرين من القياديين في الحزب الذين رافقوه في رحلته. وهو ما يدركه المسؤولون في الحزب جيدا، ويتحسبون له من الآن، الأمر الذي يضيف إلى قائمة الأسئلة التي تطرحها النتائج في صورتها النهائية، أسئلة أخرى تتعلق بمصير أردوغان وربما مصير النظام السياسي التركي في الدستور الجديد. ولأن الأسئلة كثيرة، فلم يعد هناك مفر من العودة إلى الموضوع في الأسبوع المقبل بإذن الله.
أفغانستان وشروط استراتيجية الخروج
هنري كيسنجر       الاتحاد الاماراتية      14/6/2011
يقترب الدور الأميركي في أفغانستان من نهايته بطريقة تكاد تتماثل مع ما حدث في ثلاث حروب أخرى غير حاسمة وغير مكتملة، خاضتها الولايات المتحدة، خلال الفترة التي تلت انتصارها مع الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.
وتلك الحروب بدأت بإجماع على دخولها، ثم زوال الغشاوة عن العيون تدريجياً مع تواصل الحرب وزيادة السخط والاستياء بسببها، ثم الدخول في مرحلة من البحث المحموم عن استراتيجية للخروج مع التركيز على الخروج أكثر من الاستراتيجية.
فنحن على سبيل المثال دخلنا أفغانستان في البداية من أجل معاقبة "طالبان"، التي آوت تنظيم "القاعدة" بقيادة بن لادن، الذي نفذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وبعد نصر عسكري سريع، قررت الولايات المتحدة البقاء في أفغانستان للمساعدة على بناء الدولة في مرحلة ما بعد "طالبان"... ولكن مشروع بناء الأمم الذي اضطلعت به هناك، اصطدم بمفارقة مؤداها أن الأمة الأفغانية دأبت طوال تاريخها على التوحد في مواجهة قوات الاحتلال، ثم القيام بعد انسحاب تلك القوات بالارتداد مرة أخرى إلى سياسات التنافس على الأراضي والسكان من قبل المجموعات القبلية المختلفة.
وفي سجالنا الوطني، أُرجع السبب في عدم اكتمال هذا المجهود - بناء الأمم - إلى قيامنا بتحويل الموارد إلى العراق، وليس لعدم قابلية المجهود ذاته للإقناع. وعندما جاءت إدارة أوباما إلى الحكم، فإنها قرنت الانسحاب من العراق بزيادة لعدد القوات والمعدات في أفغانستان - وهو مجهود قمت أنا شخصياً بدعمه، وأقصد دعم جوهره فحسب وليس كل تفصيل من تفاصيله.
في الوقت الراهن وصلنا إلى آخر حدود هذا المجهود، فهناك اعتراف على نطاق واسع بأن الهدف المحدد الخاص بتشكيل حكومة أفغانية، وإقامة بنية أمنية داخلية تُنقل إليها مسؤولية الدفاع عن أفغانستان، هو هدف غير قابل للتحقيق في موعد نهائي أقصاه عام 2014 -كما كان مقرراً.
والبحث عن بديل قد بدأ - كما تشير تقارير عديدة - في التبلور بالفعل، في مفاوضات تتم برعاية ألمانية بين ممثلي الملا محمد عمر زعيم "طالبان" والمسؤولين الأميركيين. والتحدي المطروح في اللحظة الراهنة هو كيف يمكن استكمال هذا المجهود من غير أن يتم وضع الأساس لصراع أوسع نطاقاً في هذا البلد.
ولكي تتحول المفاوضات إلى استراتيجية خروج فعالة، ينبغي استيفاء أربعة شروط هي: وقف إطلاق النار، انسحاب معظم القوات الأميركية والحليفة، تشكيل حكومة ائتلاف، أو تقسيم المناطق بين الأحزاب المتنافسة(أومزيج من الاثنين)، وفي النهاية آلية لتنفيذ ما يتم التوصل إليه من اتفاقات.
وآلية التنفيذ هي العنصر الأكثر أهمية على الإطلاق، والأكثر صعوبة في التحقيق في ذات الوقت. فبعد عقود من الحرب الأهلية، بات يصعب الاعتقاد بأن الأحزاب المختلفة ستلتزم ببنود أي اتفاقية. فـ"طالبان" على وجه الخصوص، ستحاول الاستيلاء على حكومة الائتلاف، أو خرق اتفاق وقف إطلاق النار. وفي غيبة آلية تنفيذ مقنعة للجميع، فإن المفاوضات مع "طالبان" التي ستبقى قواتها في أفغانستان في حين تغادر قواتنا نحن ستتحول إلى وصفة للانهيار.
في الوقت الراهن، علينا ألا نتعجل في الانسحاب من أفغانستان، لأنه كلما كان الانسحاب أسرع، كلما باتت المفاوضات أكثر صعوبة.
وآلية التنفيذ يمكن أن تأخذ شكل بقاء قوة أميركية محدودة، وتقديم نوع من الحضور أو الضمان الدولي، أو مزيج من الاثنين. والانسحاب الكامل سيكون نهائياً - على الأرجح - ويجب ألا يكون لدينا أي أوهام بشأن "إعادة التدخل".
ويجب أن نضع في اعتبارنا إلى جانب ذلك أن المحصلة النهائية لما يحدث في أفغانستان هي مسؤولية سياسية دولية، وليس مسؤولية أميركا وحدها. فإذا ساد إدراك بأن أقوى قوة على ظهر الأرض قد تعرضت للهزيمة، فإن هذا الإدراك سيمنح حافزاً لحركات الجهاد الإقليمية أو الدولية، وربما يدفعها لشن هجمات في كشمير أوفي الهند ذاتها على غرار الهجمات التي استهدفت البرلمان الهندي عام 2001، أوبومباي عام 2008.
والنهاية الحتمية لكل ذلك هو نشوب حرب بالوكالة، بناء على خطوط انكسار عرقية سواء في أفغانستان أو في غيرها - وعلى وجه الخصوص بين الهند وباكستان المسلحتين نووياً.
وجيران أفغانستان الآخرون سيكونون عرضة لخطر مماثل، خصوصاً إذا هيمنت "طالبان" على الحكومة، أوعادت إلى ممارساتها السابقة في المنطقة. فكل دولة مجاورة لأفغانستان ستكون مهددة: روسيا في مناطقها الجنوبية التي يقطنها - جزئياً- سكان مسلمون، والصين في إقليم سينكيانج، وإيران الشيعية من قبل الاتجاهات السُنية المتشددة. وفي مواجهة ذلك، سيغري فراغ القوى الموجود إيران بتسليح ميليشيات طائفية، وهي استراتيجية أتقنتها تماماً في لبنان والعراق.
ومما سيفاقم من تعقيدات استراتيجية الخروج، أن العلاقات بين إيران وباكستان تتسم بالتوتر الشديد في الوقت الراهن. فهذان البلدان لا يمتلكان خيار الانسحاب من الجوار. وإذا لم تكن مصالحهما في أفغانستان مرتبطة بمصالحنا لحد ما، وإذا لم يتم التوصل إلى استراتيجية قابلة للاستمرار، تُعرّف دور أفغانستان في الأمن الإقليمي، فإن كل دولة كبيرة مجاورة لأفغانستان، ستؤيد الفصائل المتنافسة على أسس عرقية وطائفية، وستكون هذه الدول مضطرة للاستجابة للكوارث الحتمية تحت ضغط الأحداث، وهو ما يعتبر في حد ذاته وصفة لصراع أوسع نطاقاً، يمكن لأفغانستان أن تلعب فيه دوراً مشابهاً للدور الذي لعبته منطقة البلقان قبل الحرب العالمية الأولى.
وهذه المحصلة يمكن أن تهدد أمن جيران أفغانستان أكثر مما تهدد أمن أميركا. لذلك، فإن هناك حاجة في الوقت الراهن لمجهود دبلوماسي إقليمي وعالمي في ذات الوقت يكون موازياً للمفاوضات المباشرة مع "طالبان".
وطالما ظلت أميركا تتحمل العبء الأساسي، فإن جيران أفغانستان سيعملون على تجنب اتخاذ القرارات الصعبة التي قد يتطلبها الموقف. ولكن قيام الولايات المتحدة بالتأكيد على انسحابها بشكل واضح لا لبس فيه، سيجعل تلك الدول مضطرة إلى إعادة النظر في موقفها.
فموعد الانسحاب الرسمي المحدد من قبل "الناتو"، والموعد الضمني المحدد من قبل إدارة أوباما، والمزاج العام السائد، سيجعل من المستحيل الاستمرار في حرب أهلية مفتوحة النهايات.
في الظروف الحالية سوف يتعرض أي انسحاب فوري، لأسباب رمزية لحد كبير، لخطر الفشل، ولذلك يجب العمل على نحو عاجل على القيام بجهد دبلوماسي متعدد الأطراف، يُعرّف المصالح الأمنية الدولية المشتركة، ويحرم مراكز تدريب الإرهابيين، والبنية الإرهابية في أفغانستان.
وكهدف لهذه العملية، يمكن تحديد موعد نهائي لتحديد عدد القوة المتبقية - وليكن ذلك الموعد خلال فترة تتراوح ما بين 18 شهراً إلى عامين من الآن، على أن يتم إجراء التخفيضات الكبيرة في عديد القوات في نهاية هذه العملية.
وفي رأيي أن عقد مؤتمر إقليمي سيكون الطريقة الوحيدة لوضع نتائج المفاوضات مع "طالبان" موضع التنفيذ. وإذا ثبت أن هذه العملية مستعصية، فإن جيران أفغانستان سيجدون أنفسهم مضطرين في نهاية المطاف لمواجهة عواقب تخليهم عن دورهم.
بعد انسحاب أميركا من العراق وأفغانستان، والقيد الذي سيفرض على قدرتنا الاستراتيجية على التمدد بسبب الثورة التي حدثت في مصر، فإن تقديم تعريف جديد لمعنى القيادة الأميركية، والمصالح القومية الأميركية، سوف يغدو أمراً لا مفر منه. ومن هنا فإن التوصل إلى تسوية مستدامة في أفغانستان سيكون بمثابة بداية تستحق منا الشروع فيها.
إسرائيل والقلق من سلوك الجيش الباكستاني
صالح النعامي      النعامي نت      14/6/2011
تتسع دائرة التهديدات الإستراتيجية على إسرائيل، وأحد مصادر القلق، التي باتت تشغل  المستويات السياسية والعسكرية في إسرائيل هو مصير المشروع النووي الباكستاني. وتشارك إسرائيل الغرب القلق مما تعتبره تقارب بين قطاعات في الجيش الباكستاني وتنظيم القاعدة. ردة الفعل الشعبية القاسية على عملية اغتيال زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، تركت المجال أمام فتح الكثير من الأسئلة لدى الإسرائيليين، الذين يتقاسمون القلق مع حليفهم الأمريكي. لا يوجد لدى الصهاينة أي قدر من القلق تجاه سلوك النخبة السياسية الحاكمة في إسلام أباد، فالرئيس زرداري، على غرار سلفه برويز مشرف يبدي حرصاً هائلاً على استرضاء الغرب، وضمن ذلك عبر آلية مغازلة إسرائيل. حتى الآن لا يبدو زرداي قد وصل إلى ما وصل إليه مشرف، الذي التقى بوزير الدفاع الإسرائيلي إيهود براك بشكل سري في باريس قبل ثلاث سنوات لطمأنته على مصير المشروع النووي الباكستان، وأن هذا المشروع بعيد تماماً عن أيدي العناصر التي يمكن أن تسرب الرؤوس النووية الباكتسانية لجهات إسلامية، تصفها تل أبيب بـ " المتطرفة ". وترى محافل استخبارية صهيونية وأمريكية أن هناك أوساط هامة في الجيش الباكستاني تبدي تعاطفاً كبيراً مع تنظيم " القاعدة "، وهي ذات الأوساط، التي وفرت الملاذ الآمن لأسامة بن لادن . وقد زار أحد قادة الاجهزة الاستخبارية الامريكية، الذين تولوا في الماضي مناصب حساسة إسرائيل والتقى عدد من قادة الاجهزة الاستخبارية الاسرائيلية حيث حذرهم من مغبة أن تستولى " محافل اسلامية على السلطة في الباكستان وتسمح لجماعات اسلامية، وعلى رأسها القاعدة بالوصول الى القنبلة النووية التي قامت باكستان بتصنيعها.   ونقلت صحيفة " يديعوت أحرنوت " عن الجنرال بروس رايدل، الذي تولى مناصب رفيعة في عدد من الاجهزة الاستخبارية الامريكية وعمل مستشاراً لشؤون الشرق الاوسط للرئيسين كلينتون وبوش وأدى مناصب عليا في مجلس الامن القومي قوله لعدد من كبار رجال الاستخبارات الإسرائيليين " لو كنت في الادارة الامريكية اليوم، لكانت المسألة الاولى التي يتوجب على الرئيس الأمريكي أن يوليها الاهتمام هي: أين يحتفظ الرئيس الباكستاني بالمواد المشعة التي تجهز بها القنابل الذرية ". وأضاف رايدل "  نحن نعرف أين تقع مخازن السلاح وأين الصواريخ، ولكننا غير واثقين من أننا نعرف أين توجد المادة المشعة". وأضاف رايدل أنه "  من زاوية نظر منظمة القاعدة، فإن هجوماً على إسرائيل لن يكون أقل نجاعة، بل وربما أكثر من هجوم على الولايات المتحدة ". ويقدر رايدل بانه إذا كانت هناك ثورة اسلامية في الباكستان، ومنظمة اسلامية من نوع القاعدة تسيطر على سلاح نووي – فان الهدف الأول للهجوم لن يكون الولايات المتحدة بل إسرائيل.
والذي يزيد الأمور تعقيداً لدى اسرائيل هو حقيقة أن الاستخبارات الأمريكية تشك أن بعض الجهات الرسمية في الباكستان حاولت تزويد تنظيم القاعدة بالسلاح النووي. وقال داني روتشيلد الذي شغل في الماضي منصب رئيس قسم الابحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية أن اكثر ما يثير القلق هو أن يحصل تنظيم " القاعدة " أو أي تنظيم اسلامي على سلاح نووي تكتيكي، وهو سلاح قادر على الحاق ضرر مباشر بشكل محدود ويمكن حمله أو اطلاقه بدون أن يتطلب ذلك تقنية عالية. لكن هناك في إسرائيل من يخشى أن تقوم باكستان بتزويد دول عربية بالتقنيات النووية، سيما مصر والسعودية. وقد تحدث عن هذه القضية بشكل صريح وواضح وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، الذي يحذر من أن " كارثة رهيبة " ستحل بإسرائيل في حال سمح العالم للدول العربية بتطوير اسلحة نووية. ويرفض ليبرمان بشدة الحديث عن وجوب منح العرب الفرصة لتطوير برامج نووية سلمية. وقد جاء في حديث له مع التلفزيون الإسرائيلي: " يتوجب علينا ألا نقع أسرى في شباك العرب الذين يتحدثون عن برامج نووية ذات طابع سلمي، فالخطر يكمن في أن هذه البرامج تمكنهم من التحول الى برنامج نووي ذو طابع عسكري، وهذا سيؤذن بكارثة على دولة إسرائيل والشعب اليهودي ". ويرى ليبرمان أن الثورات العربية تحديداً تظهر إلى حد كبير الخطورة التي ينطوي عليها امتلاك العرب للتقنيات النووية، حيث يقول أن هناك  احتمال أن تسيطر الحركات الإسلامية على الحكم، وعندها " لن تتردد ولو للحظة واحدة عن القيام بكل خطوة من شأنها تدمير اسرائيل والقضاء على شعبها قضاءاً مبرماً "، على حد تعبيره. وواصل ليبرمان تحريضه على الحركات الإسلامية،متسائلاً " عليكم أن تتصورا فقط ماذا سيحل بنا عندما تتولى الحكم في مصر إحدى الحركات الاسلامية وهي تعي أن لديها إمكانيات عسكرية غير تقليدية مثل السلاح النووي ". وكرر ليبرمان ما قاله نائب وزير الاسرائيلي السابق افرايم سنيه، قائلاً " مصر في هذه الحالة لا تحتاج أن تعلن الحرب علينا، فمعظم اليهود سيتركون إسرائيل لمجرد أنهم عرفوا أن نظام حكم تسيطر عليه حركة اسلامية أصبح لديه سلاح نووي ".
 لكن من الواضح أن التحذير من صعود الإسلاميين هو مجرد فزاعة، حيث إن إسرائيل ترفض امتلاك العرب للتقنيات النووية، سواء تولى الحكم الإسلاميون أو العلمانيون، وبغض النظر إن كان نظام الحكم ديموقراطي أو شمولي.  لكن مما لا شك فيه إن التجربة دللت على إن إسرائيل كانت مرتاحة لتولي الطغاة مقاليد الأمور في العالم العربي، على اعتبار إن هؤلاء لا يعنيهم بالمطلق تعزيز قدرات بلدانهم، ولا ينطلقون من افتراض إن إسرائيل كان عدو.
منذ زمن بعيد تبدي تل أبيب اهتماماً كبيبراً بما يجري في باكستان، وهي تعتبر إن البرنامج النووي الباكستان الذي انتج عدد كبير من القنابل والرؤوس النووية يمثل خطراً وجودياً على مستقبلها. لكن تل أبيب تراهن على أن تلعب الإدارة الأمريكية دوراً مفصلياً في إعادة ترتيب الجبهة الداخلية الباكستانية بشكل يقلص المخاطر المستقبلية عليها.

0 comments:

Post a Comment