Pages

Thursday, June 16, 2011

الفلسطينيون التايلانديون



يتم تداول نعت "التايلانديين" في مدينة رام الله لوصف أبناء شعب فلسطين الذين يعملون في مختلف المؤسسات الحكومية وغير الحكومية في المدينة والقادمين من شمال الضفة الغربية، وبالتحديد من مناطق نابلس وطولكرم وجنين وقلقيلية. وهو نعت تحقيري يعني أن هؤلاء الغرباء يأتون إلى رام الله لنهب خيراتها، ويرسلونها فيما بعد إلى أهاليهم الأجانب الذين يعيشون في الأقطار الشمالية من قارة الضفة الغربية. وهو ونعت ينم عن نفسية مريضة وعنصرية منحطة، أو عن ثقافة وطنية خيانية، أو عن جهل مطبق بمقتضيات وحدة الشعب والأرض.
لقد سبق أن جزأنا أنفسنا إلى مدني وفلاح ومخيمجي، أو إلى غزاوي وضفاوي وما يسمى بعرب إسرائيل الذين يحلو للبعض أن يصفهم بعرب الشمينت. والآن ريماوي وتايلاندي، وننتظر اسما استهتاريا للوافدين إلى رام الله من أقطار بيت لحم والخليل والقدس.
ربما يظن أحدنا أن هذه التسميات والنعوت للتسلية ولا تحمل في طياتها أي بعد عنصري أو عقدا من النقص والأزمة النفسية، وأنا تقديري أنها تحمل في طياتها ضحالة أخلاقية، وسفاهة وطنية، وانتقاصا من الوحدة الوطنية، وجهالة فاجرة، وخدمة للعدو الصهيوني الذي لا يميز بين تايلاندي وسريلانكي وفلبيني. ولولا أن ثقافتنا الوطنية مهزوزة ومضروبة في عمقها لما تولدت مثل هذه الترهات التي تنخر في عظامنا لتحيل الجسد إلى أشلاء. لقد ولدت ثقافتنا الوطنية الخربة اقتتالا بين الفصائل، وولدت منازعات بين أطراف المتعاونين مع إسرائيل يتلهى الشعب بها على حساب القضية الوطنية، وولدت اعتمادا على الآخرين في لقمة الخبز، وولدت عاهات قيادية تظن أن الفرج قادم من الرايات والحمائم البيض المنطلقة من لندن وواشنطون.
لقد قصد الذين صاغوا أوسلو ورتبوا تنفيذه تحويل الشعب الفلسطيني إلى مجرد أفراد يبحثون عن لقمة الخبز، وكل واحد بالطريقة التي يراها مناسبة. لقد قصدوا تذويب الشعب الفلسطيني وتحليله إلى مجرد أفراد، وذلك لتذويب الحقوق الوطنية الفلسطينية. إنهم يقدمون لنا الخبز، ويتبعون سياسة اقتصادية تجعلنا مجرد أذناب مستهلكة، ويبثون عناصر الفساد والنميمة من أجل أن يتحول الفلسطيني إلى مجرد شخص له مصالح خاصة لا علاقة له بمصالح شعب أو بتحرير وطن. الذي تطاله يدك هو لك، وعليك ألا تحرم أو تحلل، فلا حرام إلا ما لا طاقة لك عليه، ولا حلال إلا ما كان لك. لقد شجعوا الفساد في البلاد، ونشروا الوساطات والمحسوبيات من خلال المتعاونين معهم، وأوهمونا بالحرية ونعيم الدولة المستقلة، وما زال المسلسل يطغى على عقولنا وظنوننا.
رام الله مدينة محترمة ككل المدن الفلسطينية، وسكانها الأصليون لا علاقة لهم بهذا السقوط الوطني، لكن الأمريكيين والأوروبيين والصهاينة أرادوا تحويل المدينة ثقافيا لتدين بالثقافة الأوروبية والغربية عموما، ولتصبح بؤرة استقطاب للشباب الفلسطيني تحفر في مزاجه الوطني، وتغلّب الأبعاد الشهوانية لديه على حساب الأبعاد العربية والإسلامية. لقد أرادوا نزع الثقافة العربية والإسلامية، وهم يسيرون بتؤدة وخطوة خطوة نحو تطوير مراكز للنزع، وهم ينجحون الآن في رام الله وأريحا. وهم يجدون العديد من الفلسطينيين المتعاونين نحو هذه الغاية سواء من الفصائل أو القيادات السياسية أو من قادة العديد من المنظمات غير الحكومية التي تتلقى أموالا من أهل الغرب، وتسهيلات من الكيان الصهيوني.

هم يخططون ويسهرون ويتعبون، ونحن في غيّنا تائهون. لديهم قيادات تعي تماما حجم المسؤوليات وثقل الأمانة، ونحن لدينا قيادات تتلهى بالقيل والقال والمنافسات على جيف منتنة تشيع الظلم والفساد والأمراض في الأوصال.
شعب فلسطين بحاجة إلى ثورة على الذات ومن أجل الذات. لا مجال أمامنا إلا تغيير ما نحن فيه، وخسر كل من ظن أن ما نحن فيه سيقودنا إلى غير الخيبة وسوء المصير                                                         

عبد الستار قاسم

0 comments:

Post a Comment