Pages

Sunday, June 26, 2011

من مقالات اليوم: اعتداءات أمريكا على الثورات العربية


المشاركون في أسطول الحرية الثاني يستعدون لمواجهات الجيش الإسرائيلي
عــ48ـربتاريخ النشر: 26/06/2011
نشرت صحيفة "هآرتس" تقريرا كتبته عميرة هس يتناول الاستعدادات لانطلاق أسطول الحرية الثاني لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة، وذلك في نهاية الشهر الجاري.
وتناول التقرير استعدادات المشاركين في الحملة على متن السفينة الكندية المسماة "تحرير" لمواجهة قوات البحرية الإسرائيلية.
وأشارت معدة التقرير إلى تدريب استغرق عدة ساعات، شارك فيه نحو 50 شخصا، من جيل 20 إلى 60 عاما، يحاكي مواجهات مع السفن الحربية للبحرية الإسرائيلية ومروحيات قتالية وبنادق "أم 16" وغاز مسيل للدموع ومسدسات صوتية كهربائية وشتائم وكلاب وجنود ملثمين.
كما أشار التقرير إلى تقسيم المشاركين إلى مجموعات، ودمجهم في أزواج يكونوا مسؤولين عن بضعهم البعض لضمان عدم اختفاء أحد من السفينة، وهو ما يعني مواجهة الاحتمال الأسوأ وهو سيطرة البحرية الإسرائيلية على السفن واقتيادها إلى ميناء أسدود واعتقال المشاركين في الحملة وطردهم إلى خارج البلاد.
كما لفت التقرير إلى التوجيهات التي قدمت للمشاركين، بضمنها عدم وجود أي ضرورة لأخذ المزيد من الأغراض الشخصية، خاصة وأنه لن يكون بالإمكان الاستحمام على متن السفينة أو تبديل الثياب باعتبار أنه لن يكون هناك مكان لذلك.
وأشار إلى أن نحو 50 شخصا سيكونون على السفينة الكندية "تحرير"، وسينضمون إلى المئات من المشاركين في الحملة من عشرين دولة، بينهم عشرات الصحافيين، مع الإشارة إلى أن سفر المشاركين ونومهم في الفنادق قبل الإقلاع هو على نفقتهم الشخصية.
وبحسب التقرير فإن منظمي الحملة يرفضون الكشف عن عدد السفن المشاركة في الحملة، حتى لا يحصل أي مس بالحملة في حال لم تتمكن إحدى السفن من الإبحار. ويأتي ذلك ضمن الاستعدادات لمواجهة احتمالات عرقلة إبحار السفن، علما أن سلطة الموانئ في اليونان كانت قد أعلنت الخميس الماضي أنها تلقت شكوى مفادها أن السفينة الأمريكية ليست مؤهلة للإبحار، وبالتالي جرى منعها من الإبحار إلى حين فحص الشكوى التي لا يعرف مصدرها.
وعلم أنه كان من المفروض أن يحبر مواطنون أمريكيون على متن السفينة الأمريكية وإسرائيليون أيضا، في حين أن السفن الأخرى تحمل مشاركين من إيرلندا والنرويج والسويد وإسبانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا وإيطاليا واليونان وكندا وتركيا وأستراليا وألمانيا والدانمارك، وغيرها.
هليفي: لا سلام في المنطقة بدون "حماس"
 الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام    25/6/2011
أكد الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الصهيوني الخارجي "الموساد" أفرايم هليفي أنه لا يمكن أن يتحقق السلام الشامل في منطقة الشرق الأوسط "بدون إشراك حركة "حماس" في العملية السياسية، وفتح قنوات اتصال مباشر معها حول مختلف القضايا".
ورأى هليفي، خلال حديث مع إذاعة جيش الاحتلال، أن المطالب الدولية من "حماس" بالاعتراف بالكيان الصهيوني "يُعد طلبًا غير واقعي، لأنه مرتبط بموضوع أيدلوجي ويضع عراقيل أمام فتح قنوات اتصال معها"، حسب قوله.
وأوضح "أن الاعتراف بوجود "إسرائيل" لا يجب أن يكون شرطًا لبدء هذه المفاوضات، إذ يمكن التعامل مع حماس دون أن يعترفوا بوجود "إسرائيل"، وعند التوقيع على اتفاق نهائي فقط حينها يكون هناك اعتراف متبادل".
ولفتت الإذاعة العبرية إلى أن هليفي يحاول منذ خمس سنوات إقناع الجميع بأن الحديث مع حماس هو إستراتيجية ذكية، لأنها تمتلك تأثيرًا كبيرًا في الشارع الفلسطيني، مشيرة إلى أنه سبق أن اتهم قادة حماس بأنهم "شياطين لكنهم جديرون بالثقة"، على حد تعبيره.
وأضاف هليفي "إذا أردنا التوصل إلى اتفاق ملموس مع الفلسطينيين، فيجب أن تقوم الجهات القوية بتنفيذ الاتفاق، وفتح نفسها بدأت بالتعاون مع حماس، لأن لديهم قناعة بأنهم لن يستطيعوا المجابهة وحدهم بدون حماس".
حماس خسرانة خسرانة.. إلا إذا
د. إبراهيم حمّامي      المركز الفلسطيني للاعلام       25/6/2011
ليس سراً أنني لم أتفاءل يوماً بما سمي اتفاق مصالحة بين حماس وفتح والذي تم توقيعه في 04/05/2011، وليس سراً أنني ضد أي محاولة لانقاذ فريق التفريط في رام الله من ورطته ورمي طوق النجاة له، وليس سراً أيضاً أنني قلت أن حماس تُجرم إن هي قبلت بذلك دون عودة هؤلاء إلى رشدهم وتركهم لغيهم واعتذارهم للشعب الفلسطيني عما اقترفوه من جرائم بحقه.
لكني وفي أكثر السيناريوهات تشاؤماً لم أتوقع أن ينقلب عبّاس ومن معه بهذه السرعة على الاتفاق الذي وقعوه، لم أتوقع أن "يفرط" الاتفاق عند أول منعطف، وبأن يعلن عبّاس وبشكل لا لبس فيه شروطه لتطبيق الاتفاق، والتي لا يقبل فيها نقاش، لأنه وحده صاحب الكلمة، الآمر الناهي، وعلى الجميع أن يرضخ.
لقد شكّلت تصريحات عبّاس ومعاونيه، خاصة لقاءه الأخيرمع قناة LBC اللبنانية يوم 20/06/2011 تراجعاً ونقضاً وخرقاً واضحاً لكل النقاط والبنود التي وقعوها – رغم اعتراضنا عليها مبدأياً – وشكّلت تلك التصريحات والممارسات الميدانية على الأرض موقفاً حاداً وأكثر تشدداً من ذي قبل، سلاحه اتفاق المصالحة، وتوريط الطرف الآخر، برعاية اسرائيلية-أمريكية معتادة.
وحتى لا نطيل ونسهب في الشرح، هذه هي مواقف حركة فتح التي يختطفها عبّاس ورهطه، السياسية والميدانية، بعد توقيع اتفاق المصالحة:
· لم تتوقف الاستدعاءات والاعتقالات وحالات الاختطاف، بل زادت وتيرتها
· لم يتم اطلاق سراح أي من المختطفين
· اصرار الأجهزة القمعية في الضفة أنه لا يوجد لديها معتقلين سياسيين، وهو ما أكده عزام الأحمد متحدياً أن يكون هناك معتقلاً واحداً على خلفية سياسية
· مُنعت كل مظاهر التضامن مع المعتقلين بدون استثناء، ولوحق المنادون بها
· باستثناء مظاهرتين في الخليل ونابلس – تم تصوير المشاركين فيهما ومن ثم استدعاؤهم – رفضت كل طلبات التظاهر تأييداً لاتفاق المصالحة المفترضة
· الغريب أن من التزم بيته ولم يتظاهر فرحاً تم استدعاؤه وسؤاله عن عدم مشاركته
· تلخص الكاتبة لمى خاطر الموقف الرسمي من ملف الاعتقال السياسي في ضوء تصريحات عباس الأخيرة بقولها: ملف الاعتقال السياسي الذي ظلت التطمينات السياسية التي أطلقت منذ توقيع المصالحة تؤكد أنه في طريقه للحل نكتشف اليوم أنه خارج حسابات البحث وغير قابل للمساس، لأن المعتقلين الموجودين حاليا (وفق تصنيف عباس لهم) إما أن يكونوا مهربي أموال أو مهربي سلاح! وهذه الفئة أعلن أنه سيستمر في اعتقالها وملاحقتها! مع ضرورة التذكير هنا بأن تهمة (تبييض الأموال) تطلق على مخصصات الأسرى وذوي الشهداء والمشاريع الخيرية التي لا تمر من قناة حكومة فياض، فيما تنسحب تهمة (تهريب السلاح) على السلاح المقاوم للاحتلال، بدليل أن عدداً من المعتقلين الحاليين هم مقاومون مطلوبون للاحتلال على الخلفيات ذاتها التي تعتقلهم أجهزة السلطة عليها.
·وتضيف الكاتبة بشأن فياض: أما ما يتعلق بفياض؛ فارس أحلام فتح نحو الدولة (المستقلة) فهو كذلك واضح بما فيه الكفاية، لكن فتح وقادتها الذين نراهم اليوم يدافعون باستماتة عن فياض لن يقولوا إن الرجل خيار أمريكا والغرب وشرطهم للموافقة على الحكومة الوحدوية أو التكنوقراط أو سمّها ما شئت، بل نراهم يجدون ضالتهم في تقارير مكذوبة منسوبة لجهات أوروبية، تؤكد أن الرجل لا يشق له غبار في الإنجازات الاقتصادية والتنموية في الضفة، رغم أن كل إنجازاته الموهومة لا تصبّ إلا في خانة تكبيل القرار الفلسطيني ورهن لقمة عيش المواطنين وشريان حياة السلطة كلّها في يد الاحتلال والممولين الغربيين، وتكفي فياض شهادة نتنياهو له بالنزاهة والنجاح·
أما الحكومة المرتقبة والتي تأجل تشكيلها بفرمان عبّاسي فهي بحسب ذات الفرمان "الحكومة مسؤوليتي وأنا أشكلها كما أشاء وهي تمثلني وتمثل سياستي , وأنا من سأتحمل فشلها لا خالد مشعل
أما ما يتعلق بنهج المفاوضات العبثي ورغم الصفعات المتتالية يصر عبّاس ويقول "وبالنسبة للمفاوضات مع الاحتلال قال: أنا مع المفاوضات أولاً وثانياً وثالثاً، وأنا مستمر بالمفاوضات مع التوجه للأمم المتحدة
وأخيراً وفي موقفه من المقاومة يقول عبّاس "الكفاح المسلح "خرب بيتنا" ودمر البلد ولهذا أرفض الإنتفاضة"ويبقى السؤال: على ماذا تم الاتفاق؟ وأين موقف حماس الرسمي من كل ذلك؟لا يمكن لعاقل أن يقف في وجه وحدة الشعب الفلسطيني، لكن مع من؟ ولصالح من؟ وعلى أي أساس وثوابت؟عبّاس ورهطه حددوا مواقفهم و"ثوابتهم"، وهم يعلنونها لاءاتهم: لا مقاومة، لا حكومة بغير بفياض، لا وقف للمفاوضات، لا وقف للاعتقال السياسي، لا نهاية لسياسة الاستئصال، لا شراكة في السلطة.حماس تجد نفسها اليوم وبسبب توقيع اتفاق المصالحة بشكله الذي تم قبوله بين أمرين كلاهما مر:الأول: القبول والانصياع لأوامر عبّاس ونواهيه، ولشروطه ومحدداته، وبالتالي أن تتحول لفرع من حركة فتح المختطفة، تطلب رضى العالم وقبوله، وبالتالي تكمل المشوار مع عبّاس في تشكيل حكومة يرأسها فيّاض وتتخلى عن أبنائها في الضفة ليعمل فيهم عبّاس سيف الاستئصال.الثاني: أن تقلب الطاولة على عبّاس وتعلن أن اتفاق المصالحة لم يعد له وجود إلا باعتذار عبّاس عن ما تفوه به، وبالتالي تتحمل وزر افشال اتفاق رفع آمال الكثيرين إلى السماء، وليطنطن عبّاس ورهطه بأن حماس من أفشل الاتفاق لأنها تصارع على المناصب!عنوان الموضوع هو خسرانة خسرانة ... إلا إذا – ما هي الإذا إذن؟على الجميع – وليس حماس فقط – أن يدركوا تمام الادراك أن الطبع يغلب التطبع، وأن عبّاس ومن معه ليسوا سوى أدوات لا تملك من أمرها شيئا، وبأنهم موظفون وخدم لمن يدفع لهم راتب آخر الشهر، وبأنهم لا علاقة لهم بهموم الشعب الفلسطيني ومعاناته، والأهم أنه لا يمكن تحقيق مصالحة معهم على أسس وطنية وأخلاقية صحيحة.
وعلى الجميع أيضاً أن يقتنع أن العالم لا يحترم إلا القوي الثابت على مبادئه، وبأن الغرب تحديداً تزداد شهيته أمام كل تنازل، وبأنه دون الإذعان التام والتسليم المطلق لن يرضوا عن حماس أو غيرها مهما أبدت من مرونة ودبلوماسية.
حاولت حماس ومعها القوى الوطنية الأخرى إعطاء فرصة لهؤلاء أملاً في تحقيق مكاسب آنية منها فتح معبر رفح وتخفيف الضغوط على عناصرها في الضفة – لم يتحقق شيء من تلك المكاسب: المعبر لا زال يعمل بذات الآلية أيام مبارك وربما أسوأ، والضفة تئن وتصرخ.أما المكاسب بعيدة الأمد والمدى والتي هي في صالح الشعب وقضيته، فلن ترى النور مع عبّاس ومن معه.عبّاس لا ينفخ ريشه من فراغ، فتحت مظلة المصالحة استعاد شرعيته المزعومة بعد أن أصبح رئيسا للسلطة – غير منتهي الصلاحية – وبعد أن ثبت نفسه في منظمة التحرير الفلسطينية التي قبلها الجميع ممثلاً له ينتظر الاصلاح، وبعد أن أفرغ فتح من قادتها الصالح منهم والطالح وأصبح الحاكم بأمره.عبّاس كان ينتظر طوق النجاة قبل اتفاق المصالحة بعد أن فشل داخلياً وخارجياً، وسقط نهجه العبثي، لكنه وبعد التوقيع عاد ليطوف أمصار الأرض متحدياً متعنتراً مختالاً، يرفض وبوقاحة لقاء قيادات الطرف الآخر، ويعلن إملاءاته عبر وسائل الاعلام دون مراعاة لأي أخلاقيات أو أصول – ولا عجب ففاقد الشيء لا يعطيه.مرة أخرى ما هي الإذا؟إلا إذا أعلنوا وبوضوح أنهم لن ينخدعوا مرة أخرى، وبأنهم لدغوا من ذات الجحر أكثر من مرتين، وبأن يضعوا شروطهم – نعم شروطهم – لمصالحة حقيقية وعلى أسس واضحة، وبعيداً عن السياسات المرنة والكلمات الفضفاضة واللجان التي لا ترى النور.
المصالحة لا تكون بأي ثمن، والوحدة الوطنية لها مواصفاتها، وأطراف الحوار والمصالحة يجب أن تكون لهم مرجعية واضحة.نقولها بوضوح وصدق، أن حماس اليوم في موقف لا تحسد عليه، إن لم نقل ورطة، من ناحية وقعت اتفاق مع من لا يحترم توقيعه، ومن ناحية أخرى لديها ما يكفي من مشاكل بحكم وجود قيادتها في دمشق، وما أدراك اليوم ما دمشق!الإذا الحقيقة هي العودة للأصول والثوابت، إلى النهج الذي أوصلها للفوز في انتخابات التشريعي، وجعل شعوب الأرض تتضامن معها وتتسابق لنصرتها، ليس لأنها فصيل أو حزب، لكن لأنها كانت ترفع هموم وقضايا ومبادئ وثوابت شعبها.
صورة حماس لا شك أنها اهتزت، والمعارضة لرميها طوق النجاة لعبّاس، وانتهاجها سياسات مرنة مطاطة تأتي اليوم من داخلها لا من خارجها فقط، وعليها أن تستعيد موقعها الذي بدأت تفقده بتورطها مع عبّاس، وتماشيها مع ما يسمى الشرعية الدولية.لم يفت الأوان بعد، لكن الوقت يمضي
الاعتداءات الأميركية على الثورات العربية  
عبد الستار قاسم      الجزيرة نت      26/6/2011
يستفز الغرب عموما المشاعر العربية بتعليقاته على الحركات الشعبية العربية، وبتهديده للحكام الذين هم من مخلفات القرون المظلمة، وبالعقوبات التي يفرضها أحيانا على هذا الشخص أو ذاك، أو هذه الدولة أو تلك.
تتحدث الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة بغطرسة واستكبار واضحين وكأن العرب عبارة عن قاصرين عجزة لا يستطيعون الوقوف مع أنفسهم، أو كأنهم عبارة عن عبيد يمدون يد الاستغاثة للسيد القاطن في واشنطن أو باريس.
ما أن تنطلق مظاهرة هنا أو هناك في الوطن العربي حتى يطل علينا الأميركيون ومن لف حولهم من الدول الغربية بتصريحات تتعلق بحقوق الإنسان وتحذر من العنف والتصعيد، إلخ.
لقد انتهك أهل الغرب شرف الحركات أو الثورات الشعبية العربية، وعملوا بتأييدهم الممجوج والخبيث على المس بطهارة جماهير الأمة العربية. حكامنا بغيضون وساموا الشعوب سوء العذاب، وإسقاطهم عبارة عن واجب مقدس، لكن الغرب ليس أقل بغضا، بل هم يزيدون.
إنها لسخرية كبيرة أن تقف "أشتون" تعطينا مواعظ في السياسة والأخلاق، أو أن ينصب "جوبيه" نفسه وصيا على مصالح الشعوب العربية، أو أن يستمر أوباما في التهديد باتخاذ إجراءات وعقوبات لكي تستقيم العلاقات الداخلية العربية. طبعا نحن لسنا أبرياء من هذه السخرية لأننا صبرنا طويلا على الظلم والاستعباد، وفتحنا الباب واسعا أمام التدخل الخارجي.
حقائق السياسة الأميركية
قبل الدخول بسياسة العبث الأميركية، من المناسب وضع الإصبع على أساسيات السياسة الأميركية في المنطقة العربية على مدى العقود السابقة، وذلك من أجل إقامة الربط الجدلي بين الماضي والحاضر الذي تحاول فيه أميركا الظهور بمظهر الحريص على حقوق الإنسان العربي. ويمكن تلخيص هذه الحقائق بالعناوين الكبيرة التالية:
أولا: عملت أميركا على دعم الهجرة الصهيونية إلى فلسطين في القرن التاسع عشر، واستمر هذا الدعم إبان الانتداب البريطاني. ومن تكرار الحقيقة أن نتحدث عن الدعم الأميركي المستمر للكيان الصهيوني في كافة المجالات وعلى كافة المستويات.
ثانيا: ورثت أميركا الهيمنة على أنظمة سياسية عربية كان الاستعمار البريطاني قد صنعها ونصب عليها قبائل تدين له بالولاء والطاعة. وقد حافظت أميركا على هذه الأنظمة على الرغم من أنها استبدادية وقمعية وشهوانية، وتهدر الثروات العربية، وتمنع عن الشعوب المال والعلم والحرية، وتشيع في الصفوف الجهل والرعب والإذعان والخضوع.
أميركا تحرس بعض أنظمة الخليج وتمكنها من رقاب الشعوب، وتحرس النظامين الأردني والمغربي، واستطاعت أن تسيطر على أنظمة جمهورية عدة بفعل قدراتها المختلفة وبسبب نذالة الحكام.
هي التي أتت بزين العابدين بن علي، وهي التي نصبت علي عبد الله صالح، وهي التي ضغطت من أجل أن يكون حسني مبارك نائبا لرئيس الجمهورية في عهد السادات، وهي التي ارتاحت لصمت جبهة الجولان، وارتاحت للنظام الجزائري الذي وجد نفسه متحالفا مع أميركا في حربها ضد ما يسمى بالإرهاب، وهي التي حرضت العراق على إيران وأشغلت الدولتين في حرب طويلة استنزفت طاقاتهما، وهي التي ما زالت تعبث بالساحة اللبنانية، وهي التي تدعم السلطة الفلسطينية الحارسة على بوابات إسرائيل.
ثالثا: حرصت أميركا على بقاء الوطن العربي مجزءا، وعملت على تفتيت الدولة القطرية لكي يزداد العرب ضعفا على ضعف.
رابعا: أميركا لا تتمسك بالمبادئ على حساب المصالح. كل حديثها عن حقوق الإنسان والديمقراطية يتهاوى أمام مصالحها، وقد خبرنا هذا عام 1992 عندما أيدت رفض نتائج الانتخابات المحلية الجزائرية، وفي فلسطين عندما فازت حماس بانتخابات المجلس التشريعي عام 2006.
ونحن نخبره دائما في دعم إسرائيل في قتل الفلسطينيين والإمعان في رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين، وفي تدميرها للعراق، وقتل الناس جماعات وفرادى، وفي قتلها للأفغانيين والباكستانيين. المبدأ جيد فقط عندما يتمشى مع المصلحة، ويتم التخلص منه تحت ذرائع قبيحة عندما يتناقض مع المصلحة.
خامسا: أميركا مستمرة في نهب الثروات العربية بخاصة في منطقة الخليج، وترخي السبيل للحكام بتبديد ما يتبقى من ثروة. الحكام العرب يهدرون الأموال العربية بصورة فاحشة، وأميركا لم تنبس ببنت شفة لصالح المواطن العربي المظلوم. وهي تسرق الأموال العربية من مناطق عربية ثرية لتتحكم من خلالها بدول عربية أخرى.
أميركا تيسر سرقة الأموال العربية من قبل الحكام العرب، ولم تحاول يوما وقف اعتداءات هؤلاء الحكام على المال العام على الرغم من أنهم يأتمرون بأمرها. وطبعا هذا متوقع لأن مصلحة أميركا مع الفاسدين واللصوص وليس مع المحترمين.
ركوب الموجة
لقد جربت أميركا مقاومة الحركة الشعبية في إيران عام 1979، ومن الواضح أنها تعلمت أن ركوب موجة الثورات الشعبية أفضل من معاندتها وذلك من أجل الحفاظ على المصالح. ولهذا تتبع أميركا السياسات التالية تجاه الثورات العربية مذ أن بدأت:
تبجيل الثورات إعلاميا: أيدت أميركا إعلاميا ثورة شباب تونس، وكذلك ثورة شباب مصر، ودعت الرئيسين المخلوعين إلى ضرورة احترام إرادة الشعوب في الحرية وإقامة الديمقراطية. وقد كان في هذا ما يسيء للحركة الشعبية في الدولتين لأن من تمتدحه أميركا، وفق قناعات الشارع العربي، لا يمكن أن يكون سويا أو محترما.
وأظن أن هذه قناعة شعبية منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر الذي قال إن مصر على خطأ عندما تقول أميركا إن مصر على حق، ومصر تسير بالطريق الصحيح عندما تقول أميركا إن مصر على خطأ. عندما تقول أميركا ومعها إسرائيل إن فلانا معتدل فذلك يعني أنه خائن، وعندما تقولان إنه متطرف فذلك يعني أنه وطني.
هناك قناعة لدى نسبة عالية من المواطنين العرب بأن أميركا لا تملك معيارا موضوعيا للخطأ والصواب، وإنما مصالحها هي التي تحكم سياساتها، وبالتالي الخطأ هو ما يضر بمصالحها أو يهددها، والصواب هو ما يخدم مصالحها.
فعندما تقول إن الثورة العربية على حق فإن الإنسان العربي يبدأ بالتشكك فيما إذا كانت الثورة حقيقية أم مفتعلة من قبل الولايات المتحدة. ولهذا وجدنا العديد من الناس يشيحون بوجوههم عن هذه الثورات على اعتبار أن أميركا ملّت من عملائها الحكام وهي تريد استبدالهم لأن المرحلة القادمة تتطلب عملاء وخونة من نوع جديد.
الوعيد للحكام: صعدت أميركا لهجتها الإعلامية إلى تهديد بعض الحكام العرب الذين شهدت إقطاعياتهم حركة شعبية داعية إلى التغيير، وذلك بدعوتهم أحيانا إلى الاستجابة لمطالب الشعب، وأحيانا أخرى بتهديدهم بعقوبات أو الذهاب إلى محافل دولية مثل المحكمة الجنائية الدولية.
وقد كانت أميركا انتقائية في هذا الأمر بحيث إنها لم تهدد حكام الإقطاعيات المصنعين غربيا والتابعين بالأصالة للاستعمار الغربي مثل أنظمة البحرين والأردن والمغرب، في حين عمدت إلى تهديد أنظمة الجهالة التي ظنت أنها ثورية وأثبتت أنها قمعية طغيانية.
لقد كانت لينة جدا وكاذبة فيما يتعلق بالمظاهرات ضد أنظمة التبعية، وكانت قاسية بالنسبة لأنظمة الجهالة إلى درجة أنها شنت وحلفاؤها الغربيون حربا على القذافي. تؤكد هذه الازدواجية كذب الولايات المتحدة، وأنها حقيقة تريد اعتلاء الحركات الثورية الشعبية لكي توجهها في النهاية نحو التبعية التامة لإرادتها.
استعمال الأمم المتحدة: لم يتوقف التصعيد عند التهديد، بل عمدت أميركا وحلفاؤها الغربيون إلى استعمال الأمم المتحدة لاتخاذ قرارات بالإدانة أو التدخل أو فرض عقوبات.
قررت المنظمة الدولية التدخل العسكري في ليبيا، وهي تعمل على فرض عقوبات على سوريا على نمط العقوبات التي فرضتها الدول الأوروبية. وقد فرضت أميركا عقوبات من طرفها، لكنها تسعى إلى تعميم ذلك دوليا. في حين أن أميركا لم تحاول استعمال الأمم المتحدة بخصوص اليمن أو البحرين.
التدخل المباشر: التدخل الأميركي في شؤون الدول التي تشهد حراكا شعبيا هو الأخطر على الإطلاق لأنه ينطوي على سياسات مباشرة لنخر الحركات الشعبية من الداخل وحرفها عن مساراتها الوطنية الطامحة إلى الحرية والاستقلال. ويمكن تصنيف هذا التدخل بالتالي:
أ‌- قام مسؤولون أميركيون وعلى رأسهم وزيرة الخارجية بزيارة تونس ومصر عقب انتصار الثورتين حاملين معهم عبارات الإعجاب بالعربي الجديد الذي وجد في النهاية سبيله نحو التحرر من الاستبداد. وقد حاولوا الاجتماع مع شباب الثورة في الدولتين، لكن الشباب المصري والتونسي كانوا على درجة عالية من الوعي، ورفضوا مقابلة أي مسؤول أميركي.
وقد تدخل مسؤولون أيضا في اليمن حيث أقحم السفير الأميركي نفسه في الصراع الداخلي، وكذلك في الأردن من تحت ستار، وفي البحرين، وبالتأكيد في ليبيا الذي بلغ التدخل فيها المستوى العسكري.
ب‌- تقوم أميركا بإثارة الفتن الداخلية بخاصة في تونس ومصر، وستقوم بذلك في سوريا واليمن كما قامت في ليبيا وذلك من خلال عملائها وعملاء الكيان الصهيوني.
زرعت أميركا عملاء لها بأعداد ضخمة في البلدان العربية، وهم يتغلغلون في أجهزة الدولة ومؤسساتها المختلفة سواء كانت الرسمية أو غير الرسمية، وهم موجودون في الأجهزة الأمنية والشرطة وقوى الدرك والجمعيات غير الحكومية، وموجودون بين المثقفين وفي الجامعات والمعاهد والمستشفيات، وفي الجيش، وأيضا في قمة الهرم السياسي.
هناك قادة عرب منصبون، كما قلت سابقا، أصلا من الاستعمار، ومنهم من يتقاضى رواتب من الخزانة الأميركية، ومنهم من يتنعم ببعض الهدايا الشهوانية التي تعوض له سهره على راحة أميركا والصهاينة.
وكذلك فعلت إسرائيل التي تتغلغل في الصفوف العربية من المحيط إلى الخليج، والزمن يكشف لنا تدريجيا حجم هذا الاختراق الأمني والفكري والثقافي. إسرائيل لها جواسيس في كل أنحاء الوطن العربي، وهي قادرة على التجنيد بسهولة في أنظمة الحكم التابعة للغرب بسبب صداقتها معها، وقادرة على زرع العملاء في دول الجهالة بسبب رعونة الحكام وغبائهم واهتمامهم بالزعرنة (البلطجة) على حساب البناء والحرص الأمني.
ولهذا فإن أميركا وإسرائيل قادرتان بسهولة على إحداث فتنة بين الأقباط والمسلمين، بين العرب والكرد، بين العرب والأمازيغ، بين شمال وجنوب، وبين سنة وشيعة، بين سني وعلوي، إلخ. وقادرتان أيضا على اختراق صفوف الشباب الثائرين وإحداث بلبلة داخل القيادات الجديدة التي ستأتي بها الانتخابات.
أميركا والكيان الصهيوني يملكان مهارة وخبرة استخبارية وتخريبية وتغلغلية واسعة، وهما لا يترددان في استعمال مختلف الأساليب لبث الفرقة والفساد وصنع الاقتتال.
ج- تستعمل أميركا الأموال للإغراء والاستقطاب وللتدخل في الشؤون الداخلية. وقد وعدت بتقديم مساعدة مالية لمصر لتمكين المجلس العسكري المؤقت من مواجهة النفقات، وحثت دول الخليج على تقديم المعونات الاقتصادية لكي يرتقي اقتصاد مصر. أما تونس، فتحدث الأوروبيون عن معونات من أجل التعويض ولو جزئيا عن الضرر الذي أصاب الاقتصاد التونسي.
هذه اللعبة الاقتصادية والمالية ليست جديدة، وهي لعبة استخدمتها أميركا من أجل التغلغل ومن أجل توريط دول بديون وقروض لا تتمكن من سدادها فتضطر للرضوخ والإذعان. فإذا كانت مصر وتونس قد فلتتا، أو ترفضان التدخل الخارجي، فإن أميركا لا تنفك تحاول تحت ستار الشعارات الإنسانية والمحبة بين الشعوب.
أميركا تستعمل الأموال أيضا لتمكين العملاء والجواسيس من التخريب والهدم وبث الفتن. وهي تقدم مئات الملايين من الدولارات سنويا لمثقفين عرب في مختلف الإقطاعيات العربية لكي يتصدروا المشهد الإعلامي، ولكي يكونوا دائما في مراكز التخطيط والتوجيه واتخاذ القرار. أميركا وإسرائيل ستعملان على إحداث البلبلة في البلدان العربية الثائرة من أجل أن يترحم العربي على أيام الرؤساء والملوك المخلوعين.
الأهداف الأميركية
استعملت أميركا عبر الزمن أساليب ووسائل متعددة ومتنوعة من أجل السيطرة واستغلال الثروات وتحقيق تبعية الدول العربية، وذلك من أجل تحقيق الأهداف الرئيسية التالية:
1- المحافظة على تدفق النفط العربي إلى الأسواق الغربية ووفق ما يرى الغرب أنها أسعار مناسبة. لدى أميركا استعداد لخوض حروب من أجل استمرار هيمنتها على النفط العربي، وهي لا تتوانى في حشد الجيوش نحو هذا الهدف.
2- المحافظة على وجود إسرائيل وأمنها، وعلى هيمنتها العسكرية، والتأكد من أنها قادرة على هزيمة العرب فرادى ومجتمعين.
3- الإمعان في تفتيت الوطن العربي لأن في ذلك ضعفه، وقوته في وحدته.
4- ملاحقة الروح الإسلامية ومحاربة مختلف الحركات الإسلامية حتى لا يتطور فكر منافس للفكر الرأسمالي، ولا تتطور قوة عربية تجعل للعرب مكانة عالمية.
5- استمرار هيمنتها العسكرية على المنطقة، ولبقاء أجواء العرب وبحارهم وأراضيهم مسرحا للعمل العسكري الأميركي والصهيوني.
الاستمرار في الثورة
لقد تأخر العرب كثيرا في الثورة على الظلم والاستعباد والطغيان على الرغم من تمادي حكامهم في الاستهتار بشعوبهم ومستقبل الأجيال القادمة، ومن المفروض أن لا يتوقف مسلسل الثورات العربية حتى تتم الإطاحة بكل هؤلاء الطغاة، وليكونوا عبرة لحكام قادمين قد تسول لهم نفوسهم إذلال شعوبهم.
وإذا كانت أميركا تتدخل فإن ذلك يجب أن لا يثنينا عن الاستمرار، وإنما يعني أن علينا رفض كل محاولات التدخل الأميركي المباشر وغير المباشر، ورفض كل تدخل خارجي مهما كان نوعه.
لقد أجرم الأوروبيون والأميركيون بحق العرب جميعا، ولم تتوقف يوما اعتداءاتهم المتنوعة على الأمة، ولا أرى أن قلوبهم قد اتسعت فجأة لتحتضن الأحزان العربية.
لبنان.. مخاطر ارتدادات الزلزال السوري
مركز الجزيرة للدراسات    25/6/2011
بالرغم من أن لبنان انتظر طويلاً تشكيل حكومة نجيب ميقاتي، إلا أن الولادة المتأخرة والعسيرة للحكومة لم تنجح في تعزيز الشعور بالاستقرار؛ فارتباط الوضع السياسي في لبنان بتوازنات ومتغيرات المحيط العربي، والتأثير السوري الكبير على الشأن اللبناني، يضع لبنان الآن في مهب عواصف الثورات العربية عموما، والثورة السورية على وجه الخصوص. ولعل انفجار اشتباكات الأسبوع الماضي في مدينة طرابلس بين لبنانيين سُنة وعلويين مجرد شرارة أولية لما يمكن أن يشهده هذا البلد من ارتدادات الزلزال السياسي الذي يضرب بنية النظام السوري والتوازنات العربية.
فيما يلي قراءة أولية لتطورات الوضع السياسي اللبناني واحتمالاته في ظل تشكيل حكومة ميقاتي التي تسيطر عليها القوى الموالية لدمشق، وفي ظل الـتأزم السوري الداخلي.
1- يوم الجمعة 17يونيو/حزيران الماضي كانت مدينة طرابلس في شمال لبنان مسرحًا لاشتباكات مسلحة بين منطقتين تتميّز إحداهما بأنها ذات غالبية سنية (باب التبانة) أما الثانية (جبل محسن) فتقطنها غالبية من العلويين. سقط سبعة قتلى وعدد من الجرحى بينهم جندي لبناني (لم يكن مشاركًا في الاشتباك) وأحد المسؤولين في الحزب العربي الديمقراطي (ذي الطابع العلوي). وكانت تظاهرة متضامنة مع الاحتجاجات في سوريا خرجت بعد صلاة الجمعة وضمّت العديد من الطلبة السوريين الذين يدرسون في فرع الجامعة اللبنانية في طرابلس، وردد المتظاهرون هتافات مطالبة بإسقاط النظام السوري؛ مما استفز أهالي جبل محسن. وقد تدخل الجيش اللبناني لوقف الاشتباكات، وأُعطي أوامر بإسكات مصادر النار أيًا كان مصدرها.
2- لم يكن هذا الحادث الأول من نوعه بين المنطقتين؛ إذ تكرر في الماضي مرّات كثيرة، لكنه كان يُعزى دائمًا لاحتقانات محلية؛ فالمدينة (طرابلس) ومحيطها المتوسع تشهد مدًّا سياسيًا إسلاميا متناميًا وزادت أهميته تحديدًا في العام 2008؛ فباتت قبلة سنّة لبنان بعدما أصبحت العاصمة بيروت تعتبر من وجهة نظرهم "ساقطة عسكريًا" منذ دخلتها قوات "حزب الله" وحلفائه في تيار ما يعرف بـ"8 آذار" (حركة "أمل"، وحزب البعث، والحزب القومي السوري الاجتماعي...)، وحسمت أزمة سياسية داخلية بإنزال هزيمة بالتيار الآخر المعروف بـ "14 آذار". وكما عُدّت هذه المواجهة (7 مايو/أيار 2008)، في بعض التحليلات، ذروة المواجهة "الشيعية-السنية"، كذلك يُنظر إلى حادث طرابلس على أنه أول اشتباك "سني-علوي" على خلفية الأحداث المتفاعلة في سوريا حاليًا. والواقع أن هذا الاشتباك كان متوقعًا، وغير مستبعد تكراره لأسباب ودوافع شتى طالما استمرت الأزمة في سوريا.
3- ذاك أن مسرح الاشتباكات، أي طرابلس، يتميّز باستقطابه لوجهي الأزمة المتشعبة التي يعيشها لبنان داخليًا وإقليميًا، فهو:
أولاً: بات محور الصراع على الزعامة السنية في لبنان؛ فالحكومة الجديدة التي تُعتبر سوريا عرّابها تضمّ، إلى جانب رئيسها نجيب ميقاتي، ثلاثة وزراء سنّة آخرين من المدينة. وهي خطوة غير مسبوقة في تشكيل الحكومات. وقد ذهب أحد التفسيرات إلى حد القول: إن المعارضة (المؤيدة لـ "تيار المستقبل" بزعامة سعد الحريري) افتعلت الاشتباك في ذلك اليوم تحديدًا لتوتير الأجواء، ومنع الوزراء الأربعة من إقامة احتفال مشترك بولادة الحكومة.
ثانيًا: كان تفاعل طرابلس مع الانتفاضة الشعبية في سوريا هو الأقوى في عموم لبنان، بسبب:
القرب الجغرافي من مناطق سورية –منها تلكلخ وبانياس وجوارها- شهدت قمعًا شديدًا.
نزوح بضعة آلاف من السوريين إلى مناطق في شمال لبنان.
وجود أحزاب ومجموعات إسلامية دعت مرارًا، وفي وقت مبكر، إلى تظاهرات تضامنا مع الشعب السوري، إلا أن السلطات لم ترخص لها بذلك واتخذت تدابير مسبقة لاحتوائها.
ثالثًا: كانت معركة السيطرة العسكرية لـ "حزب الله" وحلفائه على بيروت عام 2008 قد استدرجت ردود فعل دموية في الشمال، وأدت فيما بعد إلى سباق بين مختلف القوى لاستقطاب الشارع الشمالي، خصوصًا السني، والعمل على تسليحه. وهذا السباق لا يزال جاريًا، لأن الصراع الذي صُوّر سنيًا-شيعيًا (وهو كذلك جزئيًا) كان ولا يزال في بعض أوجهه معركة لاستعادة سوريا نفوذها على السنة بعدما فقدته بسبب "الاتهام السياسي" الذي وُجّه إليها بتدبير اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في فبراير/شباط 2005. وبعد انسحاب قواتها من لبنان انتقل نفوذها "بالوكالة" إلى حلفائها بقيادة "حزب الله".
4- لا بد من تذكير، ولو في عجالة، بمراحل الأزمة المركّبة والمتدرجة التي يعيشها لبنان، وقد بدأت عناصرها الحالية في العام 2005 مع مسلسل الاغتيالات السياسية بدءًا من رفيق الحريري وإحالة الجريمة إلى تحقيق دولي تنظر فيه محكمة دولية خاصة أُنشئت بقرار من مجلس الأمن الدولي. ومع انسحاب السوريين انتقلت العلاقة بين البلدين من "الوصاية" إلى التأزم. وغداة حرب صيف 2006 بين "إسرائيل" و"حزب الله"، الذي ساندته سوريا، استشعر هذا الحزب إرهاصات لمحاصرته، عبر تفعيل القرارات الدولية التي أنهت الحرب، ولنزع شرعية المقاومة وسلاحها بجعلهما محور خلاف داخلي من خلال قراءة نتائج تلك الحرب وأسبابها؛ فانفجرت أزمة سياسية استمرت ثمانية عشر شهرًا إلى أن توصل الأطراف إلى حلّ لها من خلال "اتفاق الدوحة" (مايو/أيار 2008)، لكنها تركت رواسب سياسية واجتماعية لا تزال تتفاعل حتى الآن، ولا يزال "سلاح المقاومة" محور جدل. ومنذ يونيو/حزيران 2010 عصفت أزمة جديدة بالحكومة الوفاقية بعدما شارفت لجنة التحقيق الدولية على إنهاء عملها، وشاعت تسريبات بأن المحكمة ستسمّي بموجب القرار الاتهامي مجموعة أشخاص ينتمون إلى "حزب الله"، الذي رفض هذا الاتهام واعتبره مسيّسًا ويهدف إلى توريطه. وبعد شهور من المساجلات، وبعد فشل مساع بذلتها سوريا والسعودية لإيجاد تسوية لتجنب تداعيات أي اتهام كهذا أُسقطت الحكومة التي كان يرأسها سعد الحريري، بعدما انقلبت الأكثرية التي كانت تؤيدها، بضغوط مارستها سوريا وحلفاؤها المحليّون. واليوم تواجه حكومة نجيب ميقاتي احتمال تجدد هذه الأزمة، لكن الطرف الآخر المؤيد للمحكمة لا يشارك في هذه الحكومة وإنما انتقل إلى المعارضة التي اتخذت من "السلاح غير الشرعي" محورًا لمعركتها السياسية.
5- على هذه الخلفية بدأت الانتفاضة الشعبية في سوريا، منتصف مارس/آذار؛ مما أدى إلى تراجع إدارة الأزمة اللبنانية في سلم أولويات دمشق، وبدا واضحًا أن سوريا "فرملت" عملية تأليف الحكومة لتتفرغ لأزمتها على أمل الانتهاء منها سريعًا. قبل ذلك كانت دمشق تتوخى إيجاد "شركاء"، عدا إيران أو بالإضافة إليها، لرعاية هذه الحكومة، كالسعودية مثلا، أو ربما تركيا. ولعلها توقعت أن تهتم الولايات المتحدة أو فرنسا بالتغيير السياسي الذي قادته في لبنان، وفقًا لتقاليد سابقة، لكن مناورتها لم تُجدِ نفعا؛ لذلك جمّدت سوريا عملية تأليف الحكومة، وراحت تحاول ربط أزمتها بالأزمة اللبنانية من خلال تفعيل "نظرية المؤامرة" التي جهر بها الرئيس بشار الأسد في خطابه الأول أمام مجلس الشعب السوري نهاية مارس/آذار الماضي.
6- نظر سنّة لبنان إلى أحداث سوريا في بداياتها على أنها انتفاضة شعبية لا هوية طائفية لها، وبسبب مناخ الانقسام السياسي الحاد في لبنان فقد أحجموا عن أي تدخل أو حتى إبداء التعاطف رغم أن هذه الانتفاضة والقمع الشديد الذي مورس ضدّها راحا يُبرزان استهدافًا مبرمجًا لفئة محددة تتمثل بالسنّة. ورغم السلبية التي أشهرها اللبنانيون فإنهم فوجئوا بأن السلطات السورية توجّه لهم اتهامات بتمرير أسلحة عبر الحدود، بل عرض التلفزيون السوري الحكومي "اعترافات" لأشخاص قيل إنهم اعتُقلوا وأقرّوا بأن النائب جمال جراح (من "تيار المستقبل") وفَّر لهم أموالا وأسلحة لتسليمها إلى بعض المتظاهرين. وطالب السفير السوري في بيروت بملاحقة هذا النائب إلا أن الجهات الأمنية والقضائية المختصة انتظرت أن تمدّها دمشق بالملف لتتمكن من التحرك، وهو ما لم يحدث. لكن مواقع إلكترونية وسياسيين لبنانيين موالين لسوريا أكثروا من الإشارة إلى "تورط" جهات سعودية في التحريض على الاحتجاج في سوريا من دون أن يتمكنوا من إثبات ادعاءاتهم. وفجأة غادر سعد الحريري بيروت، رغم أنه رئيس حكومة تصريف الأعمال، ويبدو أنه تلقى نصائح وتحذيرات استخبارية عربية وغربية بوجوب الابتعاد قبل أن يصبح هدفًا سائغًا للاغتيال، خصوصًا مع تصاعد احتمالات إشعال فتنة تترافق والأزمة السورية بل يمكن أن تحرف الأنظار عنها. ويعتقد خبراء سياسيون أنه مع مضي ثلاثة شهور على استمرار الانتفاضة ربما تكون سوريا فقدت خيار "حرف الأنظار" هذا، باعتبار أنه حتى المسيرات التي نُظمت إلى الحدود مع إسرائيل في ذكرى النكبة (15 مايو/أيار) ثم في ذكرى النكسة (5 يونيو/حزيران)، لم تتطور على النحو الذي أُريد لها، رغم سقوط أكثر من ثلاثين قتيلا ومئات الجرحى في الجولان وجنوب لبنان.
7- عندما وُلدت الحكومة اللبنانية أخيرًا بدا النظام السوري كأنه في لحظة حسْم أزمته؛ فمن جهة أبدى حلفاؤه اللبنانيون مخاوف من أن تأخير الحكومة يمكن أن يُفهم كمؤشر ضعف، ثم إنهم لفتوا أنظار السوريين إلى أن القرار الاتهامي للمحكمة الدولية في قضية الاغتيالات السياسية يوشك أن يصدر، وبالتالي يُفترض أن تقرر دمشق ما إذا كانت تفضل صدوره في ظل حكومة تصريف أعمال لا يزال الحريري يرأسها أم تفضل مواجهته بحكومة يسيطر عليها حلفاؤها؟ ومن جهة أخرى كان الحل الأمني المتنقل داخل سوريا قد بلغ الذروة في جسر الشغور؛ حيث حدث أكبر انشقاق من نوعه في صفوف القوات الأمنية، وأُرسلت تعزيزات لإعادة إخضاع البلدة وكسر هذا التمرد. لكن نزوح آلاف الشغوريين إلى الجوار التركي خلق أزمة محرجة قد تُستخدم لفتح ثغرة تدويل للأزمة.
8- تتنازع الحكومة اللبنانية الوليدة مخاوف من ثلاثة مصادر:
أن يتأجج الصراع الداخلي فيؤدي إلى تكبيلها وعرقلة عملها، خصوصاً إذا صدر القرار الاتهامي في الأيام المقبلة، وإذا جُوبه بردود فعل واسعة ونوعية من جانب "حزب الله".
أن تتعامل الولايات المتحدة والدول الأوروبية بسلبية معها، كما هو متوقع، ما يعني لجم اندفاعها لتحسين الوضع الاقتصادي، وربما ممارسة ضغوط عليها من خلال العقوبات التي ستفرض على سوريا.
أن لا تكون سوريا تخلت كلياً عن استخدام الساحة اللبنانية لخوض مجابهة مع الدول الغربية خصوصاً أن البيئة المسلحة والمتوترة في طرابلس تبدو مؤاتية لمختلف الاحتمالات، علمًا بأن المساومات السابقة التي كانت سوريا تجريها عبر لبنان ربما فات أوانها.
ولا تبدو فكرة "طرابلس منزوعة السلاح" واقعية أو قابلة للتحقيق، لكنها اختبار لمدى استعداد سوريا لتحصين موقف حليفها ميقاتي. وقد سبقتها قبل عامين فكرة "بيروت منزوعة السلاح" التي اصطدمت بعدم موافقة سوريا عليها، لأن السلاح "غير الشرعي" موجود بمعظمه في أيدي حلفائها.
بالإضافة إلى البيئة المتوترة في طرابلس، تتخوف أوساط لبنانية عدة من احتمالين خطيرين:
الأول: وقوع عمليات اغتيال لشخصيات سياسية.
الثاني: افتعال صدامات بين فصائل فلسطينية ومجموعات لبنانية، إذ أن السلاح الفلسطيني خارج المخيمات هو من الأوراق التي احتفظت بها سوريا ولم تعط موافقتها على سحبه، حتى بعد "توافق" اللبنانيين عليه كإجراء يعزز سلطة الدولة.
9- أدى تحليل الأحداث السورية إلى حسابات سياسية مفتوحة في لبنان. ففيما يعتبر حلفاء سوريا أن النظام لم يفقد قوته وأنه سيتجاوز الأزمة ولو ببطء، يعتقد الخصوم أن النظام قد يكون دخل نفقاً طويلاً سيشغله ويلزمه بالتعامل مع الأزمة التي وضعته في مواجهة طالما اعتبرها غير واردة. لكن هؤلاء وأولئك التقوا، من دون تنسيق، على أن الأفضل لبنانياً عدم التدخل بأي شكل من الأشكال، وعدم تشجيع النقاش الداخلي على تداول الأزمة السورية، انطلاقاً من الرغبة في تجنب إضافة انقسام جديد إلى الانقسامات الموجودة. ويدرك خصوم سوريا أن تراجع النظام أو انهياره قد يدفع "حزب الله"، في الفترة الأولى على الأقل، إلى تنفيذ خطط عسكرية لتأكيد سيطرته والحفاظ على وضعه القتالي ومنع خصومه من الإستقواء عليه.
10- هذه الحسابات تشغل أيضًا الأطراف الإقليمية المهتمة أو المعنية بالوضع اللبناني، كإيران وتركيا والعرب، فالأُولى خصوصًا قلقة على مستقبل حليفها السوري قلقها على مستقبلها في سوريا؛ فهي تريد أن تتأكد من أنها تستطيع مواصلة الاعتماد عليه، وأنه سيبقى على مساندته المعروفة لـ "حزب الله". ورغم تأييدها الواضح والمعلن للنظام فإنها تدرك الآن أن منظومتها الإستراتيجية تمر بمرحلة صعبة. أما تركيا فباتت ترهن مستقبل علاقتها مع سوريا ومستقبل استدارتها نحو الشرق بالتغيير وفقًا لمطالب الشعب، سواء تم ذلك مع بقاء النظام أو بزواله. ولا شك أن غياب أي موقف أو رأي عربي ينذر بمصير علاقاتهم مع سوريا مشابه لذاك الذي نشأ مع العراق غداة الغزو والاحتلال وسقوط النظام السابق، غير أن العرب يعتقدون عمومًا أن التغيير في سوريا لابدّ أن يعني أيضًا تغييرًا لموازين القوى السياسية في لبنان. أما الدول الغربية فتعتقد أن وجود نظام جديد في سوريا يعني بالضرورة فك التحالف مع إيران، ومن شأن ذلك أن يغيّر الواقع السياسي الراهن في "الشرق الأوسط". 
الأردن: الإصلاح التائه بين تضارُب الرسائل وتناقُـض الرِّهانات!
محمد أبو رمان - عمّـان- swissinfo.ch    26/6/2011
بالرغم من محاولة "مطبخ القرار" في عمَّـان تقديم رسائل وإشارات متعدِّدة، داخلياً وخارجياً، باختلاف الحالة الأردنية عن الدول العربية الأخرى، وبقُـدرته على الوصول إلى إصلاحات سِـلمية، من دون المرور بالسيناريوهات الثورية، إلاّ أنّ هذه الرسائل تُـواجَـه برسائل أخرى متضارِبة في الاتجاه المُـختلف تماماً.
استقالة طاهر العدوان، وزير الإعلام الأردني مؤخراً، وهو صحفي وكاتب مُـخضرم في الأصل، وتسبيبه الاستقالة برفْـضه لمشاريع قوانين وُصِـفَـت بالعُـرفية مرَّرها رئيس الحكومة معروف البخيت إلى مجلس النواب، برغم رفض مجلس الوزراء لها، يعزِّز من صوت المعارضة السياسية والأصوات المشكِّـكة بمِـصداقية الحكومة ونيَّـتها الحقيقية بالسَّيْـر في الإصلاح المطلوب.
التعديلات على مشاريع القوانين، تتضمَّـن عقوبات شديدة ضدَّ مَـن ينشر في أي وسيلة، ما يؤدِّي إلى اغتيال الشخصية أو ترويج الإشاعات، وهي عقوبات يرى الإعلاميون بأنّ الهدف منها "تكبيل الحرية الإعلامية" والحدّ من دوْر الإعلام، الذي برز مؤخراً بصورة واضحة في كشْـف المستور من الفساد، كما حصل في موضوع خروج خالد شاهين، أحد المتَّـهمين بالفساد، للسفر بداعي العلاج في الولايات المتحدة، لكن تبيَّـن أنه في لندن، ما خلق ردود فِـعل شعبية وارتباك رسمي في تبرير ما حدث، وجعل من قضيته عنواناً رئيسياً للتشكيك في نزاهة الدولة عموماً، وهو ما أزعَـج السلطات ودفع بمسؤولين كبار إلى تحميل الإعلام مسؤولية إثارة هذه القضايا.
روح الإنتِـقام من الإعلام، التي تعشْـعـش في عقل المسؤولين الكبار ومحاولة تكميمه مع بقاء منطِـق الصِّـدام التقليدي مع المعارضة والعمل على تعزيز التيار المؤيِّـد على حساب المعارض، ما خلق ظواهر مثل "البلطجية"، كل ذلك عزّز من التساؤلات وعلامات الاستفهام على نوايا "مطبخ القرار" الفِـعلية، وفيما إذا كان ينوي فِـعلاً القيام بإصلاحات حقيقية جوهرية، كما يعلن، أم أنّ الرِّهان الحقيقي لديه، هو حصرياً على "شراء الوقت" والقيام بإصلاحات شكلية سطحية لا تغيِّـر من ميزان القوى ولا بنية المعادلة على الأرض؟
يوم 13 يونيو 2011، كان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في زيارة إلى مدينة الطفيلة التي تبعد 130 كيلومترا جنوب العاصمة عمّان (Keystone)
ماذا يريد "مطبخ القرار"؟
إحدى الأسئلة المفتاحية المهمَّـة فيما يجري في الأردن هي: ماذا يريد مطبخ القرار؟ أو ما هي رِهاناته الحقيقية؟  مسؤول كبير سابق، أكَّـد في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch أن الملك شخصياً يريد إصلاحاً حقيقياً فِـعلياً، يبدأ من الإصلاح الدستوري وصولاً إلى قانون انتخاب وحكومات برلمانية، وأخيراً مَـلَـكية دستورية.
هذا الجواب أعلنه الملك مؤخراً في أكثر من مناسبة، ولم يعُـد خافياً. يعزِّزه، وِفقاً لمسؤولين، تشكيل الملك للجنة الحِـوار الوطني، التي أنهت عملها مؤخراً وقدَّمت قوانين انتخاب وأحزاب ووثيقة مرجعية للإصلاح السياسي، لتكون هذه المُـسودّات مقدِّمة لتحوُّلات سياسية مهمَّـة، تفتح الطريق أمام انتخابات نيابية مبكّـرة ونمُـو الحياة الحزبية، وصولاً إلى تشكل أحزاب قوية في البرلمان.
وفي سياق "رسائل حُـسن النوايا"، أعلن الملك عن تشكيل لجنة للتعديلات الدستورية، بعد ارتفاع سقف المَـطالِـب الشعبية بذلك، وعهد إليها القيام بأي تعديلات تُـساهم في تطوير الحياة السياسية والنيابية، وهي المرة الأولى التي تتِـم فيها الموافقة على "فتح الدستور" مُـطلقاً للتغييرات والتعديلات وردِّ الإعتبار للسلطة التشريعية - البرلمانية، بعدما تغوَّلت السلطة التنفيذية على سلطاته وصلاحياته واستقلاليته، بفعل تعديلات كثيرة أجْـرِيت على الدستور خلال العقود الماضية.
بالرغم من هذه الخطوات، إلاّ أنّ المعارضة السياسية ما تزال تشكِّـك في وجود إرادة حقيقية بالإصلاح السياسي، وترى أنّ كل ما في الأمر محاولة "مطبخ القرار"، شراء الوقت والتحايُـل على الظروف الإقليمية الجديدة (الربيع العربي والحراك الشعبي الجديد) بمستوىً محدود من الإصلاحات الشكلية، مع الإبقاء على قواعد اللُّـعبة السياسية كما هي، وفي مقدِّمتها الصلاحيات والسلطات الواسعة للملك واليَـد المتنفّـذة المُـطلَـقة للدوائر الأمنية في الحياة العامة.
ترى المعارضة الأردنية أنّ الرهان الحقيقي لـ "مطبخ القرار"، يكمُـن على أنّ الربيع الديمقراطي العربي سيكون فقط "موْسِـماً مُـؤقتاً" وأنّ الموجة الثانية من التحوُّلات تبوء حالياً بالفشل في سوريا وليبيا واليمن، وهو ما سيوقف "دومينو الثورة"، فضلاً عن الرِّهان على تعثُّـر "التحول الديمقراطي" في كلٍّ من مصر وتونس، مع بروز الصِّـدام والصراع بين القِـوى السياسية، تحديداً الإسلامية والعِـلمانية.
ما يُـعزِّز هاجس المعارضة من "النوايا الحقيقية" للنظام، هي الجهود المبذولة لإعلان انضمام الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي وتفسير ذلك بأنه محاولة خليجية لمقايَـضة مطالب الإصلاح السياسي بدعمٍ اقتصادي ومالي، وتوفير فُـرص عمل وحلِّ المشكلات الاقتصادية، ما يحصِّـن الأردن من "محرِّكات التغيير" ويُـؤمّن الجبهة الشمالية لدول الخليج، حتى لا تَـطال رياح التغيير "الممالك العربية"، ويبدأ موسِـم جديد من دومينو الديمقراطية أكثر خطورة وتأثيراً.
رهانات المعارضة.. البقاء في الشارع
على الطَّـرف الآخر إذن، ترى المعارضة أن الرهان الحقيقي، ليس على مدى "جدية" مطبخ القرار وحُـسن نواياه، بل في النزول إلى الشارع ورفْـع سقْـف الضغوط والمَـطالِـب، لتحقيق أكبَـر قدر من الإصلاحات البنيوية.
الحِـراك السياسي الشعبي، لم يتوقَّـف منذ بداية العام، إلا في فترة محدودة أعقبت أحداث ما سُـمي بـ 24 مارس، عندما قرَّرت حركة شبابية متعدِّدة المشارب الأيديولوجية، رُكنها الرئيسي الشباب الإسلامي، إقامة اعتصام مفتوح في أحد الميادين المتحكمة بالشوارع الرئيسية في عمّـان، ما أثار سُـخْـط وقلق السلطات، وأدّى إلى مواجهة بين الدَّرك و"البلطجية" (وكلاء مدنيين للدولة لقمع الإحتجاجات) مع آلاف المعتصِـمين، وأدّى إلى مَـقتل شخص وإصابة المئات، بعد عملية فضِّ همجية للإعتصام.
أعقب ذلك مواجهات في شهر أبريل التالي فوراً بين أنصار السلفية الجهادية والأمن والبلطجية في مدينة الزرقاء، وقد استغلَّـت الحكومة ذلك، بتعميم صورة المواجهات واستخدام الجِـهاديين للسلاح الأبيض ضدّ الشرطة، ما خلق حالة من القلق والتوتُّـر في البلاد، فقرَّرت قوى المعارضة تأجيل الإحتجاجات والمسيرات إلى حين تتلاشى آثار المواجهات.
المفاجأة الكبرى، كانت بانفجار الاحتجاجات مرّة أخرى من مدن ومحافظات الجنوب، وتحديداً الطفيلة، وهي

0 comments:

Post a Comment