Pages

Monday, June 13, 2011

كان السؤال مدهشا: هل نحن تغيرنا حقا؟


سقوط الفراعين
منذ عدة أسابيع وقف الرئيس البرازيلي المنتهية ولايته، لويس إناسيو لولا دا سيلفا يودع شعبه فى نهاية فترة ولايته بالدموع. كان المشهد مؤثراً وقد شاركه البكاء جموع الشعب البرازيلي الذين يحملون له مشاعر الود وهو الذي نشأ نشأة فقيرة وكافح حتى وصل إلى سدة الرئاسة وهو الذي عمل كماسح للأحذية في ضواحي ساوباولو، وكصبي بمحطة بنزين، وخراطاً، وميكانيكي سيارات، وبائع خضار.
وهو من أبرز الزعماء السياسيين الذين خرجوا من رحم الفقر والتهميش إلى قمة هرم السلطة. فلما انتهت ولايته لم يملك إلا البكاء وسط محبيه.. شاركوه البكاء نعم.. أحبوه من قلوبهم نعم..أخلصوا له طوال فترة ولايته.. نعم، ولما أزف موعد الرحيل ودّعوه بالدموع ..

لم يخرج من بينهم واحد يهتف بالروح بالدم ..
لم يخرج من يطالب بتعديل الدستور ليبقى الرئيس مدى الحياة ..


فهو موظف قام بآداء واجبه كما يجب، ثم عاد لصفوف المواطنين مواطناً عادياً يمارس حياته بشكل طبيعي وسط الجماهير وهو بالتأكيد كان يعلم هذه الحقائق ومستعد لتوابعها، أي أنه كان مستعداً للحساب والعقاب كأي إنسان طبيعي يتم اختياره لشغل مقعد الرئاسة لعدة سنوات.. مايحدث في بلادناالعربية لاشأن له بمايحدث في بقية أرجاء العالم من أقصاه إلى أقصاه وقد ذكرت ماحدث مع رئيس البرازيل السابق على سبيل المثال لاالحصر.. نحن في الواقع لانختار رؤساء لمقعد الرئاسة إنما نحن نستلهم تراثنا الفرعوني القديم فنختار – إن اخترنا أصلاً – فرعوناً إلهاً غير قابل للمراجعة أو المحاسبة أو حتى إظهار التبرم من سياساته أو سياسات أي عضو يختاره ضمن حاشيته..

ومادامت هذه هي طباعنا وطرائقنا فإن مايحدث في منطقتنا هذه الأيام من سقوط الفراعين أو سقوط الآلهة واحداً تلو الآخر هو أمر شديد الغرابة ينبغي التوقف عنده لتأمله واستخلاص العبر منه.. ينبغي أن نعرف أولاً ماالذي تغير ؟!..
هل نحن الذين تغيرنا.. ام أن التغير جاء خارجاً عن إرادتنا بل ومفروضاً علينا..
هل نحن الذين تخلينا عن أخلاق العبيد وكفرنا بالفرعون الإله وحطمنا تماثيله وأصنامه فجأة ودون مقدمات..
أم أن ثمة قوى غير منظورة ولامفهومة ساهمت وتساهم في هذا الحراك العجيب. الأغلب أننا لم نتغير وأن التغيير جاء من خارجنا وأن هناك بالفعل قوى خفية أو أشياء غير منظورة دفعت ببلادنا العربية إلى هذا المسار المدهش.. وهو مدهش لأننا نحبه ونريده حتى لولم يكن من اختيارنا وصنع أيدينا..
ودليل ذلك أن القاسم المشترك لكل ردود فعل الفراعين الذين سقطوا والذين مازالوا في طور السقوط كان قولهم إن ثمة مؤامرة خارجية.. وثمة أجندات يراد تطبيقها !!
هذا هو رد الفعل المشترك بين الجميع وهم على حق بشكل ما، فالشعوب التي اعتادت حياة الذل والقهر والعبودية لم يتصور فراعينها أن يهبوا فجأة ودون سابق إنذار وبلامقدمات تقريباً ليعبثوا بالآلهة ويسقطوها من فوق عروشها.. لم يكن الفراعين يتصورون ولافي أحلك كوابيسهم، أن الشعوب يمكن أن تنتفض وتخرج إلى الشارع تنادي بإسقاطهم وأن ذلك إن حدث فإن يداً خفية ومؤامرة خارجية لابد أن تكون هي المحرك وهي الدافع..
سرقوا ونهبوا وتصالحوا مع العدو وباعوا كل مافي البلاد، أرضها وماءها وسماءها وليس فقط مصانعها ومزارعها.. حدث كل ذلك والناس يصفقون ويهتفون. معلنين استعدادهم التام لفداء الفرعون بالروح والدم.. فماالذي سيجعلنا نصدق الآن أنها صحوة لن يعقبها رقاد ثم ظهور فرعون جديد له نفس المخالب وذات الأنياب ؟..
ذلك هو السؤال الهام الذي سيعقب سقوط الفراعين جميعاً كباراً وصغاراً.
وإلى أن نتبين وجه الحق في القضية فليس لنا سوى أن ندعو الله أن يخلف ظننا وأن يكون تغيرنا هذه المرة من داخلنا وليس مفروضاً علينا.
د.محمد فؤاد منصور

0 comments:

Post a Comment