Pages

Monday, June 20, 2011

الأنظمة الشمولية ليست سندا للمقاومة والثورات العربية لا تعني التخلي عنها

سعيد الغزالي – القدس المحتلة

قرأت مقالة للأخت سوسن البرغوثي تقول فيها أن "من يتابع مجريات الأحداث يجد أن الأوضاع في الوطن العربي تزداد سوءً, إذ لم تعد السيادة واستقلال الوطن عنوان الحراك الشعبي وقوى معارضة سياسية وطنية, بقدر ما يجري من تأجيج الفتن الطائفية وصراع الأيدولوجيات السياسية, بينما نجد الشعب العربي يصفق لهذا الطرف أو ذاك, وكأننا غرباء عما يُحاك, ويستهدف بيتنا العربي من المحيط إلى الخليج, والخطط الاستعمارية، التي لم تعرقل سيرها إلا المقاومة الشريفة, التي أنجزت وما زالت تعمل وتعد العدة, وهذا لعمري عظيم,فالمواجهة بالميدان, ليست بتلك السهولة. والمقاومة لم تنجو من عواصف كل مرادها, اجتثاث الوعي العربي وكيّه من خلال افتعال معارك جانبية, وأخرى داخلية, تقوّض وتسلب الإنسان العربي من شيم الصمود والرفض للمشروع الاستعماري (الكبير), وخلط الأمور وقلب الحقائق, والعبث الاعلامي الممنهج لغاية لم تعد خافية, بل أصبحت مفضوحة مكشوفة النوايا والمقاصد, فتغيب أسس ومفاهيم، ويصبح أبناء الوطن الواحد، شتامون.. ينبذ كل رؤية الآخر ويتمسّك بأيدولوجية معينة وكأنها قدر على الجميع إعلان الولاء والطاعة لها, وهي مفصّلة على فكر ومصلحة الحزب أو الحركة, والأنكى من ذلك الإصرار على فرضها على الجمع,  بكرنفال أشبه بحفلة أقنعة (الوطنية والثوابت)، وأخرى تلبس رداء الاستقلالية أو الحياد، والكل في عين العدو وطائراته ودباباته  وآلته الإعلامية الضخمة, سواء".

وقد فهمت من المقالة أن الشعب العربي يجب أن يؤيد المقاومة, ويبتعد عن معارك جانبية, واخرى داخلية, تقوض وتسلب الإنسان العربي من شيم الصمود والرفض للمشروع الإستعماري الكبير....."

وتعني أن الثوارت العربية هي معارك جانبية, تحرف الشعب العربي عن ممارسة المقاومة.
إن كان ذلك ما تقصده تلميحا وليس تصريحا, فهو مقصد يرفض الثورات العربية باعتبار أن نتائجها ستؤدي إلى تطبيق مشروع الاستعمار الكبير.

صحيح أن الأوضاع تزداد سوءا في العالم العربي, لكنها لم تكن جيدة أبدا, قبل ربيع الثورات العربية, بل لم تكن أفضل مما هي عليه الآن, كان المواطن العربي يكتوي من الطغيان والفقر والبطالة وانعدام العدالة وانتشار الفساد وتسيد الاستبداد على جميع مناحي الحياة. كان المواطن مغلولا ومراقبا ومحاصرا بأجهزة الأمن.

والثورات العربية لم تحرره بعد من هذه القيود ولا حتى من بعضها. ولكنه لم يكن أبدا متحررا من هذه القيود في ظل الأنظمة العربية الشمولية ملكية كانت ام جمهورية.  

صحيح أن الطائفية والحروب الأهلية أصبحت خطرا داهما, لكنها كانت كالجمر الملتهب, جاهزة للإشتعال في أية لحظة, وكانت هناك أقليات مظلومة وأخرى ظالمة, وأكثريات قاهرة ومقهورة, ومواطنون لا ينعمون بالحرية. والحل الديمقراطي المدني هو الضمانة الوحيدة للتعايش بين جميع الطوائف. الانتماء للوطن, للحرية وليس الإنتماء للطائفة أو القبيلة هو القاعدة الموحدة لجميع المواطنين, الذين لديهم حقوقهم وعليهم واجباتهم, بغض النظر عن معتقداتهم الفكرية والدينية.  

كانت هناك أنظمة المحاور السياسية, أنظمة متواطئة مع المستعمر, جهارا. وتسمي نفسها أنظمة الإعتدال, وتعنى بذلك الرضوخ الكامل لسياسات الاستعمار, وأبرمت اتفاقات سياسية واقتصادية مع إسرائيل, وخضعت لإملاءات الولايات المتحدة الأمريكية, ونظمة تزعم أنها أنظمة للممانعة, ولكن ممانعتها كانت لفظية صورية, والممانع المقاوم للعدو لا يكون استبداديا ودكتاتوريا وقامعا لشعبه.

صحيح أن الثورات العربية في مصر وتونس لم تصل بعد إلى نهاية المشوار, ولا حتى إلى أول خطوات منه, وأن ذيول النظام السابق لا تزال تتحكم في المسار السياسي والاقتصادي, من قمة الهرم السياسي, المجلس العسكري الأعلى إلى أخمصه, لكن الأوضاع في مصر تبقى في حراك دائم إلى أن يحدث التغيير المرتقب, بإنتخاب حكومة قوية وممثلة عن الشعب. وهذا يتطلب وقتا ووعيا ومثابرة وقدرة على التنظيم والتخطيط والمتابعة.  

صحيح أن الولايات المتحدة والدول الغربية, تتظاهر بتأييد الثورات الشعبية, وتحاول أن تحرف مساراتها, وقد نجحت في بعضها, خصوصا في ليبيا, ولكن الملوم في ذلك, إلى درجة كبيرة, هي الأنظمة الدكتاتورية والزعماء المستبدين, من أمثال معمر القذافي, وعلي عبدالله صالح, وبشار الأسد, الذين رفضوا الرضوخ للشعب ومطالبة, واستخدموا الحل الأمني, مثيرين الأحقاد والمخاوف الطائفية, والإحن القبلية.

تنفق السعودية مليارات الدولارات في مصر والبحرين والاردن واليمن دعما لحكمها المستبد واستقراره, وخشية أن يصل إليها شرار الثورات العربية. وتقود, بالتعاون أحيانا مع الولايات المتحدة, وفي أغلب الأحيان تنفرد وحدها, الثورة المضادة للحراك الشعبي, فلا تتساهل مع أي نوع من التغيير, ففي اليمن تحاول احتواء الثورة وامتصاص أهدافها, ونقل السلطة إلى نظام خاضع لسيطرتها. وفي البحرين, أرسلت عسكرها وضخت ملياراتها لإبقاء النظام الملكي هناك. وقدمت إغراءات إلى الأردن بالانضمام إلى الكتلة الخليجية الغنية وهي مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى 400 مليون دولار مساعدة للنظام, لتشجع الملك الأردني على التمسك بالحكم الشمولي, وعدم قبول مطالب الإصلاح. وفعلت المملكة مثل ذلك مع المغرب.

تستخدم امريكا والدول الغربية سياسة الاحتواء الإيجابي بضخ الأموال لتشجيع الديمقراطية, وإغراء الحكومات الانتقالية في مصر وتونس بالاقتراض من البنك الدولي, لتتحكم فيما بعد بالمسارات السياسية والاقتصادية.

ولكن التصرف الأمريكي أو السعودي, ومخاطر الانزلاق إلى حروب ونزاعات أهلية وقبلية وطائفية, لا يبرر بقاء النظام الدكتاتوري الشمولي, وحكم الحزب الواحد, والعائلة الواحدة, أو الشخص الفرد. لقد اصطلى المواطن العربي لعقود من هذه الأنظمة الملكية والجمهورية. وأما  المقاومة المتماهية مع هذه الأنظمة الدكتاتورية, فإنها تفقد بذلك شرعيتها الثورية, برغم إجلالنا وتقديرنا لإنجازاتها في جنوب لبنان وقطاع غزة.

هذه الأنظمة الدكتاتورية, ملكية أو جمهورية, باركها الاستعمار, وأيدها مباشرة أو تأييدا مبطنا, والدليل على ذلك, هوضياع فلسطين تحت سمعها وبصرها, بل بمساهمة وتآمر من بعضها,ثم احتلت العراق, وقسمت دول أخرى، وبقاء الانطمة نفسها لزمن طويل, وفشلها في تحقيق التنمية الاقتصادية, او الفكرية هو دليل أيضا من دلائل فشلها الذي باركه الاستعمار أيضا. والعرب انحدروا بأنظمتهم وإنجازاتهم إلى الحضيض في كل شيء تقريبا, رغم إمكاناتهم ومصادرهم وثرواتهم.

تحولت الوحدة العربية في عهد الأنظمة الشمولية إلى اسطورة, أو حديثا لفظيا باهتا, لكن في عهد الثورات العربية, اكتشف العرب من الخليج إلى المحيط أن آلامهم واحدة ومتشابهة. وانتقال الثورة من قطر لآخر دليل على التجانس الوجداني لدى الشعب العربي في كل قطر.

لم تستثمر الأنظمة ثرواتها الهائلة في التنمية الاقتصادية أو المجتمعية أو العلمية. ولم تتخلص من السيطرة الأجنبية. وأضاعت هذه الأنظمة, بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية التي تماهت مع المعسكرين الممانع والمعتدل, فلسطين.

فلماذا نخاف من الخوازيق المحتملة,  كالحرب الأهلية والنزاعات الطائفية والهيمنة الاستعمارية واستمرار التدهور التنموي الاقتصادي, ونحن قاعدون عليها؟ ويجب أن نخشاها, وننقذ أنفسنا منها, ولكن لا يكون ذلك برفض الثورات العربية واعتبارها "معارك جانبية".

لماذا نخاف من شرق أوسط جديد, ونحذر من مؤامرات قادمة؟
نعم يجب أن نخاف من المؤامرات القادمة, ونعمل على احباطها, ولكن ليس بإسلوب القبول بالنظام الشمولي.

وهل الشرق الأوسط القائم حاليا كامل الأوصاف؟ ألم يكن هذا الشرق الأوسط نتيجة من نتائج التآمر الاستعماري واتفاقية سايكس بيكو؟

يجب أن نتعلم كيف نتعايش مع بعضنا في إطار نظام ديمقراطي تعددي, في إطار نظام يسود فيه القانون, وتتحقق عدالة المساواة بين جميع الطبقات والفئات والطوائف في مجتمع المواطنة. يجب أن لا نسمح للأقوياء مالا ونفوذا وقوة أن يتحكموا بالشعب, يجب أن يعطى الجميع حرية التعبير عن أفكارهم واطروحاتهم ونظرياتهم في إطار النظم الديمقراطية وقبول الجميع للجميع.

0 comments:

Post a Comment