Pages

Tuesday, June 14, 2011

العاجز اليوم من لا يستبد


كان أمير المؤمنين هارون الرشيد يطرب للشعر والغناء . وذات مرة أطربه إسحاق الموصلي بأبيات من قصيدة عمر بن أبي ربيعة، وأعاد على مسمع الرشيد مراراً البيت الذي جاء فيه "واستبدت مرة واحدة إنما العاجز من لا يستبد"، واندفع الرشيد وقضى على سطوة عصبة البرامكة. وحالنا في اليمن يختلف عما كان عليه حال العراق إذ لا وجود لبرامكة ولا يحكمنا الرشيد، فالمقارنة غير واردة.
ولكن في اليمن حاكماً مستبداً يقتل شعباً ويخون العهود والمواثيق ويعيث فساداً في أرض اليمن الذي كان في زمن من الأزمان سعيداً حين كان أهله حكماء وأمناء وأوفياء وشجعان يلبسون الأخضر المشجر من الحرير والطاس. ويعتمد مستبد اليمن على بطانة السوء التي اختارها لتمرير سياسات القمع والنهب والفساد التي أدمنها على مدى 33 عاما.
لقد تولى هذا المستبد السلطة في غفلة من الزمن ولم يترك كريماً إلا وأذله أو نفاه أو قتله ليختار عوضاً عنه فاسداً أو جاهلاً أو غبياً منحرفاً سلوكاً وممارسة لتصريف شؤون العباد والبلاد. وكأنه في سلوكه المنحرف وتصرفاته الرعناء يحقق إنجازاً، كيف لا وقد أحاط نفسه بأسوأ ما خلق الله في هذا الكون من الفجرة والقتلة. فالحكمة تقول "قل لي من حولك أقول لك من أنت". وأشباه البرامكة في اليمن هم حثالة المجتمع من القبيلة والعسكر والمستوزرين وتجار السياسة والكلمة المتسلقين والنفعيين.
والسؤال الذي لم يعُد يثير حيرة في اليمن هو قل لي من هم إن وجدوا وأين هم خيرة العلماء والمفكرين وأهل الحل والعقد المحيطين بهذا الرئيس المعتق؟
والجواب لا أحد فمنذ أن غادر القاضي الأرياني، والنعمان، وعثمان والحجري، والشامي، والحمدي اليمن تولى أبطال السيرك، ياسر اليماني، وعلي الآنسي، وعبده الجندي، وعبده بورجي، وعلي الشاطر، وطارق الشامي، وأحمد الصوفي، وأحمد الحبيشي، ومجور، ومن على شاكلتهم من أكلة السحت وحملة المباخر المصطفين في موكب الجزار وزمرته.
وبدلاً عن إيداعهم السجون والحجر عليهم اختار المستبد أن يسفك بهم دماء أبناء الشعب اليمني في عدن وتعز وصنعاء وإب والحديدة ولحج وحضرموت وأبين وصعدة وعمران، واستعان إلى جانبهم بفرقة مكافحة الإرهاب التي أنشأها وتولى تدريبها والإنفاق المالي على أفرادها ومكوناتها خبراء أمريكا. هذه الفرقة المدججة بالسلاح الأمريكي المتطور تتولى اليوم مهمة القتل والقمع والتخريب والفساد والاعتداء الوحشي المبرمج ضد التجمعات والاعتصامات السلمية في تعز وصنعاء وعدن وإب والحديدة وأبين وكل مكان.
ومنذ أن فشلت الوساطة الخليجية الناعمة الهائمة في صحراء العزم والحزم والحسم يشن المستبد في صنعاء حرباً إجرامية ضد قبيلة حاشد في صنعاء وخمر وعمران. وحول العاصمة صنعاء بعد تعز وعدن وزنجبار إلى مدن أشباح وخراب ودمار ورعب وخوف.  وأطلق أيدي عساكره لتعيث في بيوت وممتلكات المواطنين سلباً ونهبا.
وبالضرورة هرولت اليمن نحو دائرة العنف بأقصى صوره واقتحم عسكر علي عبدالله صالح بيوت آل الأحمر ونهبوا محتوياتها، وفي الوقت نفسه انفجرت قذيفة صاروخية في مسجد الرئاسة وأودت بحياة عدد من جنود الحراسة ولحقت إصابات بعضها بالغة للرئيس وكبار مرافقيه. وما أعقب ذلك لا يستحق التكرار.
وأمام مسلسل جرائم ضد الإنسانية يرتكبها علي عبدالله صالح ومن معه من الأقارب والأعوان نهارا جهارا، يقف العالم أمام هذه المأساة.. الكارثة.. النكبة في اليمن متفرجاً صامتاً وعاجزاً عن تجاوز حالة التردد والتقاعس والجمود التي تتبعها دول المجلس الخليجي ودول جامعة الدول العربية والمايسترو اليورو أمريكي حتى لا يسقط الطاغية ولا ينتصر عليه شباب الساحات.. ويا حسرتاه على أمة ضحكت من جهلها الأمم.
فالعاجزون اليوم شعوباً نكبت ببعض حكامها من المدمنين على الاستبداد والفساد.
عبدالله الأصنج, وزير الخارجية اليمني الأسبق-  صحيفة الخليج الإمارتية 

0 comments:

Post a Comment