Pages

Sunday, June 12, 2011

الأصابع السعودية في مواجهة ثورة الشباب في اليمن





اليمن في "غرفة العناية" السعودية
منذ دخل الرئيس علي عبد الله صالح «غرفة العناية» السعودية والسؤال المطروح: أي يمن يوشك أن يولد من رحم «الانتفاضة» الأخيرة؟ واستطراداً: هل تشتعل نار حرب اهلية، هل يتم التحضير لحرب تقسيمية؟ هل تسقط البلاد في قبضة الاسلاميين، أم أن الوضع كله محكوم بمرحلة انتقالية رمادية تطول أو تقصر؟
بعيداً عن الدعوات الخليجية الى الحوار والمصالحة، واللقاءات التي سارع السفير الاميركي في صنعاء الى إجرائها مع القوى اليمنية المؤثرة، والمشاورات التي تطوع لها  كبير معاوني الرئيس باراك اوباما مع الرئيس اليمني الانتقالي منذ اللحظة التي تم فيها تفجير المسجد داخل القصر الجمهوري ـ وقبل أن يعرف مصير علي عبد الله صالح ـ ثمة حقيقة تفرض نفسها في المشهد اليمني خلاصتها أن السعودية هي اللاعب الأكبر في رسم ملامح المرحلة المقبلة.
وفي الوقت الذي  تتضارب الانباء حول صحة الرئيس اليمني الذي يمضي فترة نقاهة (صحية وسياسية) في الرياض، سارع «شباب الثورة» الى الاعلان عن مشاورات لتشكيل مجلس انتقالي (على الطريقة الليبية) يتولى ادارة البلاد، في الوقت الذي سارع مسلحون الى السيطرة على جزء من مدينة تعز وسط اجتهادات متناقضة هنا وهناك وهنالك حول «طي صفحة صالح»، وإعادة توحيد مؤسستي الأمن والجيش، والإعداد لمشاورات تنهي الأزمة وتتجاوز تداعياتها على كل المستويات.
انها السعودية تعود بقوة الى المشهد اليمني. كيف؟
الزعيم القبلي اليمني الشيخ سنان أبو لحوم روى في مذكّراته، أنه ومجموعة من شيوخ القبائل، ذهبوا إلى السعودية منتصف الستينيات من القرن الماضي، لإجراء محادثات في شأن الحرب التي كانت دائرة بين الجمهوريين من جهة، والملكيين من الذين كانوا يحظون بدعم النظام السعودي من جهة اخرى.
وقال ابو لحوم ان زملاءه الجمهوريين لم يكونوا يريدون خسارة ما يأخذونه من السعودية من أموال، وبعد أخذ ورد اتفقوا على أن لا مانع من أخذ هذه الأموال، ولكن شرط ألا يتنازل أحدهم عن مبدأ الرفض التام لعودة النظام الإمامي إلى اليمن. ويبدو أن ذلك كان الشرط الوحيد لأخذ الأموال من السعودية أما ماعدا ذلك من تنازلات فلا بأس به.
هذا يعني أن، مسألة القبض والدفع بين السعودية واليمن قديمة جدا وتتساوى فيها كل القوى التقليدية اليمنية، فما الغرابة في ان تكون للمملكة الكلمة الفصل في الجار «السعيد»؟ 
علي صالح «الداهية» و»الشاطر» أخطأ عندما اوصل خلافه مع آل الاحمر الذين دعموا حكمه طوال 30 سنة الى حد محاولة إلغائهم بالسلاح، فجاء ردهم عليه عنيفا وكاد يطيح رأسه في مسجد النهدين. ولأن «غلطة الشاطر بالف»، فإن اللعب هنا اشبه باللعب بالمتفجرات، الخطأ الاول هو الخطأ الاخير ذلك أن آل الاحمر ليسوا مجرد طرف في اللعبة المحلية بل هم قناة المال السعودي الى زعماء القبائل اليمنية الاخرى.
وتاريخ الرئيس صالح مع بيت الأحمر يعيد نفسه هذه المرة على نحو معكوس. فهو يدين فعلاً للشيخ الاب الراحل عبد الله بن حسين الأحمر في الوصول إلى الحكم في العام 1978، وفي البقاء في سدة الرئاسة طيلة هذه المدة. وها هي الآية تنقلب، ويصبح خروجه من الحكم على أيدي أنجال الشيخ عبد الله، الذي لو بقي على قيد الحياة لكان تصرّف عكس أولاده، ولما تزحزح عن جانب الرئيس، ولن يعدم أن يجد له المخرج المناسب الذي يشتّت من خلاله صفوف خصومه.
وحين شغر موقع الرئاسة سنة 1978 بعد مصرع الرئيس الشمالي السابق أحمد حسن الغشمي، سارع الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، لما له من تأثير كبير داخل المؤسسة العسكرية، إلى تعيين صالح في عضوية المجلس العسكري الموقت لإدارة البلاد، وطار به إلى السعودية مباشرة، وقدمه إلى المسؤولين السعوديين، وطلب دعمه كي يتولى الرئاسة.
ولم يكن السعوديون يعرفون علي عبد الله صالح، الضابط الشاب الذي كان يتولّى مهمات أمنية في البحر الأحمر ويقود لواءً في تعز وينصرف إلى التجارة والتهريب في منطقة القرن الأفريقي، خصوصاً الكحول. لكنهم قبلوه وتعاطوا معه بصفة كونه مرشح الشيخ عبد الله، صديقهم الحميم الذي تربطهم به صداقات واسعة، ويغدقون عليه مساعدات تفوق تلك التي كانوا يقدمونها إلى بعض الدول التي تدور في فلكهم، ومنها اليمن.
تصرّف الشيخ الأحمر على الدوام على أن الرئيس صالح موظف لديه برتبة رئيس. ورغم أنه حفظ له كل الشكليات وترك أمامه هامشاً خاصاً للمناورة، فإن الكلمة الأخيرة في ما يخص القرارات الكبرى والمنعطفات المهمة كانت للشيخ الأحمر. وبرز ذلك في أكثر من مناسبة، خصوصاً في النزاع الشمالي الجنوبي الذي تلى الوحدة في أيار سنة 1990. وقد تفجّر النزاع على خلفية مواقف الشيخ الأحمر نفسه، الذي لم يعترف فعلياً بالوحدة، وعارض قيامها وفق الصيغة التي تمت بها، على أساس دمج الدولتين والشراكة بين الشمال والجنوب.
واستند موقف الأحمر إلى مقولة «عودة الفرع إلى الأصل». فبالنسبة إليه، الجنوب جزء من الشمال انفصل عنه بحكم اعتبارات تاريخية معروفة، وحين حان الوقت عاد إلى الوطن الأم، وتاليا لا يستحق الجنوبيون معاملة متميزة من منطلق أنهم يمثّلون دولة مستقلة. قاد منطق الأحمر إلى أزمة سنة 1993، أخذت شكل مطالب جنوبية لتصحيح مسار الوحدة، وجرت محاولة لحلّها من خلال «وثيقة العهد والاتفاق» التي كانت تنص على تحجيم الرئيس وتبعد عائلته عن الجيش والأمن. وفي لحظة التوقيع في شباط 1994 في عمان، تحفّظ الشيخ الأحمر، وفتح بذلك باباً للرئيس لكي يعلن الحرب على الجنوب ويبسط عليه سيطرته العسكرية.
وكان للشيخ الأحمر الدور الرئيس في النصر، من خلال تجييش القبائل وحزب الإصلاح. بعد ذلك، حاز الأحمر لقب شيخ الرئيس، وكان يُلجأ إليه حين يتصلّب الرئيس حيال أي ملف من الملفات الداخلية والخارجية. ومقابل ذلك، كان الشيخ يمثّل السور الحامي لمنصب الرئاسة الذي ظل حكراً على صالح. لكن مواقع الرئيس بدأت تتهاوى بعد رحيل الأحمر سنة 2007، وكان أول تمرّد واجهه من داخل بيت الأحمر، عبر نجله الشيخ حميد الذي كان السبّاق إلى دعوة الرئيس إلى الرحيل سنة 2009.
والدعم القبلي لعلي صالح لم يكن فقط نتيجة انتمائه الى حاشد، كبرى القبائل، أو شرائه الولاءات باستخدام موازنة الدولة المنهكة، انما الدافع الرئيسي لهذا الدعم هو الإيعاز السعودي الى شيوخ القبائل بدعمه. السعودية كانت ولا تزال تدفع مخصصات شهرية للكثير من شيوخ القبائل في اليمن (يقدر البعض عددهم بسبعة آلاف) لكسب ولائهم، وللضغط عليهم لدعم أي نظام سياسي في اليمن يضمن للمملكة مصالحها. وذلك أعطى الجار الكبير سلطة كبيرة في التأثير على المشهد السياسي اليمني على مدى الأربعين سنة الماضية.
وعن طريق ما يعرف بـ»اللجنة السعودية الخاصة»، ظلّت المملكة ترعى شؤون القبائل وبعض سياسيي اليمن وتقدم لهم رواتب شهرية، وتتولى شؤون علاجهم. ورغم تنوّع علاقات السعودية في اليمن، فإن الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر بقي المفتاح الرئيسي لكل الأبواب. وفي الفترات التي شطّ فيها صالح عن السعودية خلال علاقاته مع الرئيس السابق صدام حسين، ظلّ الشيخ الأحمر مرجع السعودية في اليمن، وصمام الأمان للعلاقات اليمنية السعودية.
في الاستيداع
علي صالح يعالج الآن في مستشفى سعودي، لكنه ايضا في الاستيداع السعودي. وهذه هي اللحظة المؤاتية لانتزاع موافقته على تطبيق المبادرة الخليجية (السعودية)، ذلك ان الامر في اليمن بلغ حدًّا لم يعد معه ممكنا ان تنتظر الرياض كي تُصدم بيمن جديد يفلت من يدها غير ذلك اليمن الذي جربته واختبرته وعرفت اسراره او «اسعاره».
وبات في حكم المؤكد أن المملكة العربية السعودية، بدعم من الولايات المتحدة، ستحول دون عودة صالح إلى اليمن، ولكن من غير الواضح من الذي سيحل محله وما إذا كان سيكون هناك تغيير في الموقف تجاه الجهود الأميركية لاستهداف المتشددين الإسلاميين في البلاد. وقد عبر البيت الأبيض عن رغبته المباشرة في استغلال وجود صالح في السعودية لنقل السلطة بطريقة سلمية، وهذا يمثل أكبر دعم للمعارضة اليمنية. كما أن التوافق الأميركي - الفرنسي حول الأزمة اليمنية يؤكد على ضرورة رحيل صالح من البلاد.
وتعامل الولايات المتحدة مع نائب رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي دليلا على أن صالح فقد شرعيته على المستوى الدولي وبأن نائبه هو المتحكم فعليا في زمام الأمور في اليمن، رغم أنه من الناحية الدستورية لا يزال صالح رئيسا لليمن ويمكنه العودة ولكن سياسيا لا يمكن تحقيق ذلك إلا عبر وساطة.
ويرى خبراء في الشأن اليمني أن صالح لم يذهب إلى السعودية كي يعود، وفي حال عودته فإنه يلعب ورقته الأخيرة للنفاذ بنفسه، لأن احتمال إلقاء القبض عليه ومحاكمته كبير جدا. كما أن المملكة العربية السعودية لن تتركه يعود إلى اليمن لأنها ستخسر اليمنيين وستسهم في خلق حالة عدم استقرار في المنطقة.
واذا كانت السعودية، اللاعب الاقليمي المهم في اليمن، فهي لا تحبذ رؤية نظام ديمقراطي مدني في جوارها يوقظ مواطنيها من سباتهم، فإنها قد تنحاز بالكامل للحفاظ على النظام القائم وان تغير رأسه. وهكذا لا يضيرها وجود قيادة جديدة من شأنها أن تحفظ التوازن القبلي العسكري من دون الخوض في مغامرات التغيير السياسي والجذري التي يحبذها الشباب. لذا قد تمد يدها لمساعدة تحالف الاحمر – اللواء محسن صالح – الشيخ السلفي عبد المجيد الزنداني، او شيء من هذا القبيل. اما الولايات المتحدة فإن هاجسها الوحيد هو منع دخول اليمن في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار حتى لا تتحول الى صومال جديدة او افغانستان اخرى، ومن الممكن ان تقبل بأي تسوية تحفظ الاستقرار وتجنبها شرب الكأس المر لوجود بؤرة جديدة لتنظيم «القاعدة».
وهكذا يمكن للمملكة ان تعيد المشهد الذي كان قائما في الستينيات بعد انهاء حكم الامامة المملكة عودة التركيبة القبلية العسكرية السلفية إلى السلطة التي نجحت في تركيبها بعد الثورة اليمنية على الامامة وتمكنت من خلالها من كسر شوكة الشباب الثائر الناصري والاشتراكي الجمهوري المدعوم من الرئيس جمال عبد الناصر آنذاك. لكن هذه المرة من دون علي صالح وباسم جديد. 
ما يحدث اليوم في اليمن هو استحضار لما حدث قبل نحو اربعين سنة مع فارق مهم هو ان اليمن باتت اليوم موحدة على مضض بعد انضمام الجنوب اليها الذي يعيش هو ايضا الحالة عينها في ما يتعلق بالصراع على جوهر طبيعة الدولة الحالية وتلك التي ستتشكل فيما بعد. ومع فارق ايضا ان القوة المحركة للتغيير، اختلفت هذه المرة. فهي ليست ناصرية ولا قومية ولا اشتراكية،  بل شباب وشابات استنشقوا «رياح التغيير» الآتية من تونس ومصر، فقرروا أن يصنعوا التاريخ في وطنهم. وجاءت انتفاضتهم مفاجئة لكل القوى السياسية التقليدية اليمنية بسبب قوتها واتساع قاعدتها الشعبية، وهو ما سحب البساط من تحت أقدام القوى التقليدية. لكن اليمن الذي يوشك على الولادة لم يكشف عن وجهه الحقيقي حتى الآن.
أمين قمورية - الكفاح العربي


0 comments:

Post a Comment