Pages

Sunday, June 19, 2011

المواطن الفلسطيني القاعد على ثلاثة خوازيق


سعيد الغزالي- القدس المحتلة

"ماذا ينتظر المواطن الذي يقعد على ثلاثة خوازيق؟"
سأل حنكشتيكا حماره.
"خازوقا رابعا", أجاب الحمار.
فقال حنكشتيكا: ألا يكفيني ثلاثة خوازيق حتى توعدني برابع.
فقال الحمار: وإن استمرت حالتك على ما هي عليه الآن, أبشرك بأن تقعد على خازوق خامس وسادس, و.. و...
ولكن قبل أن نتوغل في توقع الخوازيق القادمة, لنعرف ما هي الخوازيق الثلاثة التي يقعد عليها المواطن حاليا؟

الخازوق الأول: معيشي, اقتصادي.
الثاني: سياسي
والثالث: شخصي
نفترض أن المواطن حنكشتيكا يعمل موظفا في وزارة التخطيط برام الله، وراتبه الشهري متوسط في حدود 2500 شاقلا, أي ما يعادل 750 دولارا. ويعتبر مواطنا محظوظا, مقارنة بجيش العاطلين عن العمل, او بالذين لا تتجاوز رواتبهم الـ 400 دولارا.

العاطلون عن العمل تحولوا إلى شحاذين, تُمتهن كرامتهم على أبواب المؤسسات الخيرية, بل إن بعضهم يطعم أولاده "أرجل الدجاج ومصارينها", إضافة إلى ما يحصله من عون تمويني لا يسد جوع افراد الأسرة.

وحنكشتيكا, رغم راتبه "المحترم" هو مواطن شحاذ, وقد يصبح في موقعه الوظيفي, لصا صغيرا ليزيد من دخله, فيخون الأمانة في عمله, ولا يقوم به على أحسن وجه, ويستغله من أجل منافع صغيرة، اسوة بغالبية العاملين في المؤسسات العامة, الذين يتحولون إلى لصوص صغار أوعلى الأقل لا يقومون بواجبهم المهني. أما اللصوص الكبار فقصتهم مختلفة, فكلما ارتفع كعب الموظف في المنصب, وكلما علا صاحب المنصب السياسي في مركزة, فإن الفرصة تصبح متاحة له ليمتهن أعمالا أخرى. فاللصوص الكبار لا يكتفون بسرقة الوطن ماديا, ومعنويا, بل يسرقون مستقبله, وطموحاته, عندما يرضون لأنفسهم ان يعملوا سماسرة للوطن.  

اعذروني, فأنا أحب أن أُسمي الأشخاص بأسمائهم الحقيقية, وسأشرح ذلك.  

 كمواطن, يواجه حنكشتيكا ثلاث مشاكل عامة: الأولى عدم كفاية راتبه لتغطية احتياجات اسرته, فينفقه في أيام قليلة على الفواتير والمصاريف ويستدين من البقال والجزار وبائع الخضار, ويتلوع بقية الشهر, منتظرا الراتب في بداية الشهر القادم ليسدد ديونه المتجددة. في اغلب الأحيان, لا يتمكن من السداد, فتتراكم عليه الديون, ناهيك عن الأمور الطارئة كالمرض والحوادث والمصائب الكفيلة بأن تهز أركان العائلة.

والثانية, ارتباط الراتب بالموقف السياسي, فالراتب الذي يتقاضاه يأتي من إيرادات الجمارك والضرائب التي تدفعها إسرائيل للسلطة الفلسطينية ومن الدول المانحة وفق اشتراطات اتفاق اوسلو.

إن راتب الموظف الفلسطيني يرتبط برضاه عن ذله, وخضوعه للموقف السياسي المفروض على السلطة الفلسطينية, فالراتب يتعرض للإحتجاز من قبل إسرائيل, إذا نأت السلطة بنفسها عن سياسات الإحتلال, مثل أن تعقد اتفاق مصالحة مع حركة حماس, أو تطالب بوقف الإستيطان, أو بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني, أو تغض النظر عن قيام الشعب بالاحتجاج السلمي.

والثالثة, تصرف المؤسسات الفلسطينية حكومية وخاصة تجاه المواطن, واستهتارهم بحقوقه, وتطلعاته. المواطن الفلسطيني "مطفوس" و "مهزوم", ويجب أن يبقى كذلك. وتلقي المؤسسات العاجزة عن أداء خدماتها اللوم على شماعة الإحتلال.

والسؤال الذي يجب أن يوجهه كل فلسطيني إلى نفسه, هو: أين المبادرة الخلاقة؟

ونبدأ بالمواطن الذي يشكو حاله للمحب وللمبغض, ولا يعرف غير الشكوى, ولا يستطيع أن يحول شكواه إلى احتجاج ومظاهرات, وتمرد على الأمر الواقع, هذا المواطن مسلوب الوعي, وينتظر القوى السياسية أن تنقذه مما هو فيه, وهو لا يعلم أن هذه القوى التي لم ينتخبها الشعب قوى خائرة ومتسلطة وانتهازية وفئوية وصاحبة شعارات بلونية, بعيدة عن طموحات الشعب, تبيع الشعب كلاما, وتنحاز إلى السلطة, وتتماهى مع مواقفها وسياساتها, لضمان مكاسبها المالية من كعكعة الميزانيات المخصصة للفصائل.

سألت يوما أحد الأمناء العامين لإحدى الفصائل الصغيرة, الذي يتمتع بحياة رغدة, ولدية مكاتب مكيفة في الوطن وخارجه, وسيارات وحراس : كم هي الميزانية المخصصة لكم كفصيل في منظمة التحرير الفلسطينية؟

أجاب بأن الرقم ليس للتداول. وصمت.

نحن لا نعرف الأسرار المالية للمنظمة منذ نشوئها. ولا نسمع إلا عن الفضائح بين الحين والآخر, وهناك استهتار بالمال العام، وبالشعب. كم هي الميزانيات المخصصة للمنظمة. وهل يجوز لها أن تحصل على ميزانية من السلطة، إذ أن من المفترض, لكونها قيادة سياسية للشعب الفلسطيني, أن تكون مصادرها المالية منفصلة تماما عن السلطة. ومن المفترض أن تكون مصادرها من شعبها ومن احرار العالم, وليس من القوى الاستعمارية. فمن يعطيك ماله يتحكم بقرارتك.

لكن هذا هو واقعنا المرير, الذي أدى إلى ضياع منظمة التحرير, سياسيا, وانحرافها عن ميثاقها وأهدافها,  
وتحولها اقتصاديا إلى "مؤسسة صغيرة" من مؤسسات السلطة. لقد تحول الأمناء العامون إلى شحاذين مسؤولين عن فصائل شحاذة, باعت مبادئهم وضمائرهم بأبخس الأثمان.

سألت الأمين العام المحترم ثانية: ما هو المقياس الذي يحدد هذه الميزانية المخصصة لكم؟ هل هو حجمكم التنظيمي أم قوتكم وتأثيركم على الأرض أم مدى مناهضتكم للإحتلال, أم حجم عملكم في خدمة شعبكم؟

قال: لا يأخذ الرئيس أيا من هذه العوامل بالحسبان, ولا يوجد مقياس محدد, وكل تنظيم ينال حصته, وفق رضى الرئيس عنه.

قلت: أترضى ذلك؟ فسكت.

لنعترف أن هذه الفصائل تخلت عن النضال, وتخلت عن الشعب, أيضا, وتحولت إلى مؤسسات للعجزة, بل إلى قطيع من الخرفان الذين ينتظرون العلف من الرئيس, والرئيس ينتظر أن يعلف من إسرائيل والدول المانحة. لنعترف أيضا أن الخراف لا يمكن أن تتحول إلى أسود.

هذا هو واقعنا المرير.

كان ذلك الرجل الذي يسمي نفسه أمينا عاما, يقوم بنشاطات تافهة, مثل حضور كافة المهرجانات المملة التي يحضرها الرئيس, وإصدار بيانات سياسية لا قيمة لها, وتتماهى مع  مواقف الرئيس. كنت في مكتبه, برام الله, أطلت التأمل بالشعار الكبير المكتوب على علم المنظمة الأخضر وبندقيتها.

قلت له: الاحتلال يقوم بابتزازكم سياسيا, والرئيس يبتز الفصائل سياسيا, وأنتم تخونون أمانة النضال, وانصب جل اهتمامكم على إرضاء الرئيس, وتجاهلتم المواطن.

رد الأمين العام بخطاب عن تاريخ الجبهة النضالي, وحرصها على الوحدة الوطنية ودعمها للقيادة الشرعية.

سمع الحمار حديث حنكشتيكا وصاح: الآن ادرك أنك يا صاحبي حمار مثلي. ولكني أفضل منك, فأنا لا اعتمد على راتب, فإن جعت فإنني أنطلق إلى البرية وأحصل على معيشتي من جهدي.

وحنكشيتكا لا يزال حائرا, فقلة حيلته, وعجزه عن المبادرة, واستسلامه للأمر الواقع, يبقيه قاعد على الخازوق الرابع الذي اسميه خازوق العجز, منتظرا الخوازيق القادمة.




  


0 comments:

Post a Comment