Pages

Thursday, June 9, 2011

مقالتان متضادتان


الأولى كتبها أحمد قريع "أبو العلاء" مهندس المفاوضات التنفيذي في منظمة التحرير وهي بعنوان : إعادة انتاج عملية سلام جديدة
والثانية كتبها د.فايز أبو شماله, محللا ما جاء في المقالة, وهي بعنوان:اقرعوا الطبول لأبي العلاء
في مقالة قريع نرى بوضوح أن المقدمات التي أوردها قريع تناقض النتائج التي توصل إليها.
وتكشف مقالة أبو شماله هذا التناقض, وتقترح اسلوبا آخر يتماثل مع المقدمات التي أوردها قريع. وهو بالتالي يهزأ بأفكار قريع, ويقرع لها الطبول.  

مقالة أحمد قريع
مضى نحو أسبوع على مهرجان الخطابات التي شهدتها العاصمة الأميركية، لنجد أننا اليوم أقرب من أي وقت مضى، نقف على بعد خطوة واحدة، من الطريق المغلق تماماً، وأن قليلاً من الوقت يفصلنا عن موعد الارتطام العنيف بجدار الانفجار والفوضى الناجم عن حالة الإحباط واليأس التي تزرعها السياسات الاسرائيلية.
وها نحن والإسرائيليون نصل إلى نهاية الطريق المغلق، إلى المربع الأول، وكأن سلسلة لا نهاية لها من المفاوضات، وتراثاً كبيراً من أوراق العمل والاتفاقيات والمبادرات والتفاهمات، قد ذهبت جميعها أدراج الرياح، وذلك بعد الخطاب الاستعلائي والمضمون العدمي الذي ألقاه السيد بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي. لأن ما طالعنا به السيد بنيامين نتنياهو، عبر جملة من الخطابات المنسقة، من جامعة بار إيلان والكنيست في القدس، إلى البيت الأبيض والكونغرس ومقر انعقاد "الإيباك" في واشنطن، كان أكثر من كافٍ كي نصل إلى مثل هذا التشخيص المؤلم لواقع الحال.
وفي خضم الثورة الشعبية التي أنطلقت في الأقطار العربية بشكل لا سابق له، والتي من المقدر لتفاعلاتها المستمرة أن تتمخض عن شرق أوسط جديد، أكثر ديمقراطية، وأشد فاعلية، وربما أكثر استجابة للتحديات القديمة، والتعاطي معها بروح وإرادة جديدتين، بما في ذلك تحديات السلام والحرب، فإن ثورات الربيع الديمقراطي العربي هذه قد غيرت، أو أنها في سبيلها إلى تغيير واقع الشرق الأوسط، وبدلت جدول أولويات الشعوب، التي لم تعد بعد الآن مجرد كميات سكانية مهمشة ومستلبة، كما أن المخاض العميق المصاحب لهذه الثورات المطالبة بالحرية والديمقراطية، قد حرك في الوقت ذاته كثيراً من المياه التي كانت راكدة، ودفع إلى السطح وفي المركز فيها القضية الفلسطينية التي تشكل قاسماً مشتركاً أعظم بين سائر الشعوب العربية.
وإن ما كان قائماً في زمن ما قبل الثورات الشعبية العربية، لم يعد صالحاً للتعاطي معه على هذا النحو أو ذاك، في عصر أخذت فيه الشعوب زمام مصيرها بأيديها، وتقدمت من هامش الهامش إلى صدارة خشبة المسرح، وراحت تملي بنفسها على الممثلين وطاقم العمل نصاً جديداً، معبراً عن أشواق هذه الشعوب إلى الحرية والاستقلال والديمقراطية والكرامة.
وإذا كان من المبكر حقاً الحديث عن توازن جديد لعلاقات القوة في الشرق الأوسط، واستباق النتائج النهائية لهذا المخاض الذي يواصل تفاعلاته الداخلية العميقة، فإنه يمكننا الحديث منذ الآن بثقة شديدة عن زمن عربي جديد تصنعه قوى شبابية، هو خليط من تيارات ديمقراطية ليبرالية مدنية، وأخرى وطنية وإسلامية، تجاوزت في حراكها نقطة اللاعودة، ثم شرعت جنباً إلى جنب مع وسائل إعلام حديثة لم تكن متاحة من قبل، في تغيير هياكل الأنظمة الحاكمة، والقوانين والدساتير، ومفردات الخطاب الاجتماعي الثقافي، وإيقاعات المشهد السياسي القديم كله.
ولما كانت هذه التغييرات نابعة من قلب المجتمعات العربية، ومعبرة عن صميم أمانيها المشروعة في تحقيق الديمقراطية، بما تعنيه من مشاركة ومساءلة وتداول سلمي للسلطة، فقد كانت المؤثرات الخارجية على مجرى نهر هذه المتغيرات العظيمة، تتراوح آثارُها بين ضئيلة ومعدومة، ليس فقط من جانب الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، وإنما كذلك من جانب إسرائيل التي بدت مندهشة وعديمة القدرة على التأثير في مجرى الثورة الشعبية المصرية خصوصاً، وشديدة الارتباك لا تدري ما هي أنسب الأفضليات النهائية لها إزاء الاحداث في سوريا حتى اليوم.
وهكذا، فنحن اليوم أمام واقع انتقالي على الصعيدين: العربي والفلسطيني، واقع واعد بمتغيرات إيجابية بدأت تباشيرها الأولى تتحقق شيئاً فشيئاً، بعضها يتعلق بعودة انشغال جماهير الثورات العربية وانفعالها بالقضية الفلسطينية بعد أن تراجعت مؤقتاً هذه القضية عن مركز الاهتمام العام، وذلك على نحو ما شهدته مظاهرات ذكرى يوم النكبة في جنوب لبنان وهضبة الجولان والعريش، وإعادة تشغيل معبر رفح، فيما بدت بعض تداعياتها الإيجابية الأخرى على الواقع الفلسطيني أكثر تبلوراً، من خلال التوقيع على المصالحة التي قضت بإنهاء الانقسام الفلسطيني الذي فقد حاضنته العربية موضوعياً.
وقد يكون من المفيد إعادة تقويم بعض هذه المضاعفات الإيجابية المستجدة في الواقعين: العربي والفلسطيني، بما في ذلك المصالحة الفلسطينية، في إطار مفهوم أشمل مما قد يتراءى للناظر إليها من الوهلة الأولى، حيث يمكن قراءة هذه المصالحة التي كانت إحدى قوى الشد العكسي المعيقة لكل تقدم إلى الأمام، على أنها قوة دفع موضوعية، لأي حراك دبلوماسي جاد من أجل تحقيق السلام، الذي كان يفتقر في غياب المصالحة هذه إلى نقطة ضعف بنيوية، إن لم نقل أنه كان يتعرض سلفاً لأخطار جسيمة تهدد بتقويضه سلفاً، وسد دروب انطلاقه من أول خطوة على الطريق الطويل.
وعليه، فإن هذه المصالحة التي أقامت إسرائيل القيامة ضدها، تمنح الفلسطينيين شعوراً بالجدارة أكثر مما كانوا يشعرون به من قبل، وهم يطرقون بأيديهم العارية باب السلام الموصد في وجوههم بإحكام، ويجعلهم أكثر ثقة بالنفس وأشد استعداداً من ذي قبل، بل وأكثر قدرة على الاستجابة لمتطلبات السلام العادل.
* * * *
من هنا ندخل إلى قلب ما نحن بصدده من وراء هذه المطالعة التي تتوخى لفت الانتباه إلى ضرورة التعجيل في البناء على هذه اللحظة التاريخية المواتية، وتوظيفها على نحو مثمر من جانب كل المخاطبين بها، لمراجعة المسلمات السابقة، وتدوير الزوايا الحادة، ومقاربة المشهد السياسي المتحرك بصورة مختلفة وبعيدة عن تسجيل النقاط الجزئية المتفرقة، والهواجس المبالغ بها والتحسبات المصطنعة، لعلنا نتمكن من الشروع في العودة مجدداً إلى الطريق الوحيد المفضي إلى السلام المتبادل والأمن المشترك والعيش في إطار جيرة حسنة واحترام متبادل.
لذلك فنحن لا ندعو هنا إلى إعادة سرد الروايات التاريخية المتعارضة، وتقاذف كرة التهم المتبادلة، وبيع تلك البضاعة السياسية الراكدة، وتجريب المجرب مرة ثانية وثالثة إلى ما لا نهاية، وإنما ندعو بالمقابل إلى استخلاص العبر المناسبة، والتعلم من دروس التجربة الذاتية المكتسبة، وإجراء المراجعات الموضوعية اللازمة، لنخلص من خلال منهج فكري مستقيم إلى حقيقة أساسية كبرى تؤكدها الوقائع الملموسة، ألا وهي أن النموذج التفاوضي المعمول به وأعنى بها المفاوضات الثنائية منذ نحو عقدين من الزمن، قد بلغ نهاياته، وثبت عقمه دون أدنى ريب.
وكي لا يكون هذا الحكم مجرد افتراض نظري لا قوام له، دعوني أشير إلى جملة من الحثيثيات التي لا يمكن دحضها على الإطلاق:
أولاً: أن المدة الزمنية التي استغرقتها عملية السلام تشكل في حد ذاته دليل إثبات عياني، على عدم جدوى المنهج التفاوضي المعتمد، ومحدودية فاعلية آلياته، حيث مرت الآجال المضروبة سلفاً، واحداً تلو الآخر، بما في ذلك أجل نهاية الفترة الانتقالية الوسيطة، دون أن يشكل أي منها قوة دفع لهذا المنهج التجريبي الفاشل.
ثانياً: أن الالتزامات المنصوص عليها في اتفاق إعلان المبادئ، وكل ما تبعه من اتفاقيات ونصوص وتفاهمات لاحقة، قد ظلت مفتقرة إلى قوة الالتزام الطوعي، أو الإلزام بموجبات التحكيم الدولي، وناقصة الاحترام من جانب الطرف الذي يملك القوة، ومعظم الأوراق.
ثالثاً: أن نحو ثماني حكومات إسرائيلية متعاقبة، منذ بدء عملية السلام في مدريد عام 1991، كانت كل واحدة منها تشرع في الانطلاق من نقطة الصفر، وتعمل على إعادة فتح الملفات من جديد، وتطرح ما يتوافق ورؤيتها الأيديولوجية من أفكار ومشاريع حلول لم ترق أي منها إلى مستوى المخاطر والتحديات والفرصة التاريخية التي لاحت آمالها بقوة في اتفاق أوسلو عام 1993، ثم أخذت تخبو تدريجياً مع مرور الوقت.
رابعاً: أن الحاضنة الدولية لعملية السلام التي تقف على رأسها الولايات المتحدة، لم تتمكن من إقامة الروابط الإقليمية والدولية اللازمة، بما في ذلك اللجنة الرباعية، ولم تطرح أي من الحلول العملية الناجحة لأي من القضايا الأساسية، بما في ذلك حل الدولتين وخارطة الطريق، الأمر الذي أوصلنا مراراً وتكراراً إلى نقطة استعصاء شديدة.
خامساً: إن المنهج التفاوضي الذي ظل يخالطه الشكوك المتبادلة، ويشكو من فجوة عدم الثقة دائماً، كان يتآكل على نحو تدريجي ومتواصل، مع كل انتهاك فظ في مدينة القدس المحتلة، ومع كل توسع استيطاني جديد، ومع كل "لا" إضافية من اللاءات الإسرائيلية المتراكمة، ناهيك عن التهرب من الاستحقاقات، ومحاولات الفرض والإملاء.
إزاء ذلك كله، وعلى هدي ما يجري في الواقع العربي المحيط بنا من متغيرات من شأنها التأثير بصورة مباشرة على الواقع الفلسطيني والواقع الإسرائيلي، فإنني أدعو إلى إجراء مقاربة جديدة، بل أقول إنتاج عملية سلام جديدة ذات مصداقية حقيقية ، تستند إلى دروس مستفادة من تجربة تفاوضية طويلة، وتستلهم في الوقت ذاته التطلعات والمصالح والمخاوف المتبادلة، وتستدعي كذلك لاعبين جدد في النطاقين: الإقليمي والدولي، وتعتمد أساساً المرجعيات الدولية، والاتفاقيات الثنائية السابقة، وتنهل من كل ذلك التراث التفاوضي المتراكم في الأدراج والذاكرة الجماعية، وتقوم على أساس تفاوضي أكثر تماسكاً، وفي فضاء أكثر انفتاحاً، وحضور يشكل ثقة ودعماً ضرورياً أكثر، في إطار آلية عمل تضمن ديناميكية أكثر، ومرجعية واضحة ، وحاضنة دولية مناسبة، وأجندة زمنية لمفاوضات جدية تقود إلى سلام عادل دائم وشامل، سلام قابل للحياة.
وتتشكل خطوط هذه االآلية فيما يلي:
1ـ الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي موسع على غرار مؤتمر مدريد أو "أنابوليس" يعلن إطلاق عملية السلام من جديد، وفق مرجعيات محددة تقوم على مبادرة السلام العربية، في نطاق إطار زمني محدد، على أن يعقد هذا المؤتمر لمرتين: الأولى في موعد إطلاق عملية السلام على جميع المسارات الفلسطينية والسورية واللبنانية – الإسرائيلية، والمرة الثانية بعد الاتفاق وإعلان النتائج.
2ـ ينبثق عن هذا المؤتمر: مؤتمر دولي دائم، أو لجنة توجيه إقليمية دولية تعقد مرة واحدة كل شهرين، أو كلما اقتضت الحاجة، لمتابعة المفاوضات على المسارات المختلفة ويتشكل من: 
              أ‌-   الأطراف المعنية: فلسطين، سوريا، لبنان، إسرائيل.
           ب‌- أطراف إقليمية: مصر، السعودية، الأردن، الإمارات، قطر، تركيا، وإيران (إن قبلت).
ج‌-                     أطراف اللجنة الرباعية ، الأمم المتحدة، الولايات المتحدة، روسيا، الاتحاد الأوروبي.
د‌-                      تشارك في المؤتمر الأطراف الدولية الراعية للمفاوضات متعددة الأطراف: (كندا "اللاجئون"، أوروبا "التنمية الاقتصادية الإقليمية"، اليابان "البيئة"، روسيا والولايات المتحدة "ضبط التسلح والأمن الإقليمي") والصين.  
3ـ حتى يكون السلام شاملاً تنطلق ثلاثة مسارات تفاوضية ثنائية، تسير بشكل متواز:
              أ‌-   المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
           ب‌- المسار السوري ـ الإسرائيلي.
ج‌-                     المسار اللبناني ـ الإسرائيلي.

4ـ إذا نجحت المفاوضات وتحقق الاتفاق، ينعقد المؤتمر الدولي الموسع للمصادقة على ما تم التوصل إليه على المسارات التي نجحت، والاحتفال بتوقيع الاتفاقات.
إن من المقدر لمثل هذه الآلية أن تتجاوز حالة الاستعصاء القائمة على أساس متقابل من الشروط والاشتراطات المتبادلة، كما أن من المقدر لها أن تتقاطع مع اقتراح الرئيس الأميركي باراك أوباما المتعلق باعتماد حدود العام 1967 كقاعدة لرسم الحدود بين الدولتين، ولا تلزم أي من الطرفين، بإسقاط مطالبه من الطرف الآخر سلفاً وقبل البدء بأي خطوة.
وليس لدي شك في أنه لا توجد غير قلة قليلة عمياء من الإسرائيليين تعتقد بأنها تستطيع العيش إلى ما لا نهاية تحت ظلال حرابها الطويلة، إلا أن هذه القلة هي الأعلى صوتاً كما يتراءى لنا، والأكثر تأثيراً في صنع الموقف الرسمي وتوجيه السياسات العامة كما يتجلى أمام أنظارنا، لا سيما مع ما نراه في مدينة القدس العربية المحتلة، فيما تبدو لنا الأكثرية الإسرائيلية التي تؤمن بخيار السلام وكأنها قد فوضت أمرها ووضعته بين يدي هذه القلة المتعصبة.
ما أود قوله مرة أخرى، أن هذا السعار الاستيطاني المتسارع على الأرض الفلسطينية وفي القدس خاصة، المترافق مع انسداد سياسي شديد، تقود الإسرائيليين جميعاً، وتأخذ في جريرتها الفلسطينيين بالإكراه أيضاً، إلى اللامكان، إلى الدائرة الجهنمية المقفلة، إلى اللاشراكة حقاً مع أي فلسطيني كان، لا اليوم ولا غداً.
إننا نريد سلاماً عادلاً وشاملاً يعيد الحقوق لأصحابها، ويفتح صفحة جديدة من التسامح والتعاون في المنطقة، وينهي حالة العداء والكراهية، فهل من مجيب.


مقالة أبو شماله
" إعادة إنتاج عملية السلام" هذا هو عنوان المقال الذي كتبه السيد "أبو علاء قريع"، وفي العنوان ما يفضح مكنون فكرة الرجل الذي صار ملكاً للتفاوض مع إسرائيل، إذ تكفي كلمة "إعادة" لنعاود الحزن على الزمن الذي أضاعه "قريع" وإخوانه في الدهاليز التفاوضية، فإذا أضيفت كلمه "إنتاج" نصل إلى النتيجة المؤلمة التي يسعى "قريع" إلى إعادة إنتاجها من جديد! فكيف يا سيد قريع تعاود إنتاج ما ظهرت سوءته أمام القاصي والداني؟

مقال السيد "قريع" يكشف طريقة تفكير القيادة الفلسطينية، ولاسيما أن الرجل قد تطرق إلى حقائق مركزية في المنطقة، ولكنه يتجاهلها حين يقترب من إسرائيل، يقول قريع:

1ـ وها نحن والإسرائيليون نصل إلى نهاية الطريق المغلق، وكأن سلسلة لا نهاية لها من المفاوضات، وتراثاً كبيراً من أوراق العمل والاتفاقيات والمبادرات والتفاهمات، قد ذهبت جميعها أدراج الرياح.

2ـ ثورات الربيع الديمقراطي العربي في سبيلها إلى تغيير واقع الشرق الأوسط، وبدلت جدول أولويات الشعوب، ودفعت إلى السطح، وفي المركز القضية الفلسطينية التي تشكل قاسماً مشتركاً أعظم بين سائر الشعوب العربية.

3ـ يمكننا الحديث منذ الآن عن زمن عربي جديد تصنعه قوى شبابية، هو خليط من تيارات ديمقراطية ليبرالية مدنية، وأخرى وطنية وإسلامية.

4ـ فنحن اليوم أمام واقع انتقالي على الصعيدين: العربي والفلسطيني، واقع واعد بمتغيرات إيجابية بدأت بشائرها الأولى تتحقق شيئاً فشيئاً.

لقد وضع السيد "قريع" أصبعه على حقائق مهمة، لا نخالفه فيها الرأي، ولكن ما يؤسف له، أن الرجل لم يغير نهجه السياسي، وهو يعاود إنتاج ما ثبت فشله؛ بدعوته إلى عقد مؤتمر للسلام، يشبه مؤتمر مدريد، ومؤتمر أنابولس، وما يتفرع عنها من لجان!.

يدعو السيد "قريع" إلى مؤتمر للسلام رغم اعترافه الصريح بالحقائق التالية:

1ـ المدة الزمنية التي استغرقتها عملية السلام دليل على عدم جدوى المنهج التفاوض المعتمد، ومحدودية فعاليته، إنه المنهج التجريبي الفاشل.

2ـ الالتزامات المنصوص عليها في إعلان المبادئ، والاتفاقيات، والتفاهمات غير ملزمة، وناقصة الاحترام من جانب الطرف الذي يملك القوة، ومعظم الأوراق.

3ـ منذ مدريد 1991، تفاوضنا مع ثماني حكومات إسرائيلية متعاقبة، شرعت للانطلاق من نقطة الصفر، وتعمل على إعادة فتح الملفات من جديد.

4ـ الحاضنة الدولية لعملية السلام وعلى رأسها أمريكا، لم تطرح أي حلول ناجحة للقضايا الأساسية، الأمر الذي أوصلنا إلى نقطة استعصاء شديدة.

5ـ النهج التفاوضي كان يتآكل مع كل انتهاك فظ في مدينة القدس المحتلة، وفي كل توسع استيطاني جديد، والتهرب من الاستحقاقات، ومحاولة الفرض، والإملاء.

انتهت اعترافات "قريع" التي تدمي القلب، وتطرح السؤال التالي: ما الذي تغير يا سيد "قريع"، ويجعلك تدعو إلى: "إنتاج عملية سلام جديدة ذات مصداقية حقيقية"؟

لم يتغير أي شيء، ولم تتغير أنت، ولم يتغير زملاؤك في منظمة التحرير الذين ما زالوا يقودون المفاوضات بلا مصداقية، وبلا مرجعية! بمعنى آخر؛ أنت وزملاؤك من يتحمل مسئولية ضياع الزمن الفلسطيني الذي ذكرت، والذي مكّن إسرائيل من مضاعفة عدد المستوطنين، وعدد المستوطنات، ومع ذلك ما زلت تفكر في آلية العودة إلى المفاوضات ذاتها من جديد، دون أن تكلف نفسك جهد الالتفات إلى طريق المقاومة الذي جربه قطاع غزة ونجح، وجربه جنوب لبنان ونجح.

يا قيادة فلسطينية، بعد فشلكم في تحرير فلسطين بالكفاح المسلح، وبعد فشلكم في إقامة الدولة عن طريق المفاوضات، اتركوا الأجيال الشابة ترسم مستقبلها بنفسها بعيداً عنكم.

0 comments:

Post a Comment