Pages

Sunday, June 12, 2011

تقرير استراتيجي: الانشقاقات ومخاطر الحرب الطائفية



أفادت وكالة الأنباء السوريّة الرسميّة، في 8 حزيران الجاري، أنّ مسلّحين، يرتدون زيّا عسكريّا ويستقلّون سيّارات حكوميّة, مسؤولون عن مقتل 120 عنصرا من قوى الأمن، خلال أحداث وقعت في مدينة جسر الشغور الأسبوع الماضي.

في الواقع، لا يمكن التحقّق من هذه المقولة في شكل حيادي، فعَمِل مكتب "ستراتفور" للشؤون الاستخباراتية, وبهدف إضفاء مصداقيّة على التقارير، على الاتصال بمصادر معارضة ومصادر موالية للنظام على حدّ سواء،
 بغية الحصول على معلومات عن عدد الانشقاقات المتزايدة بين عناصر الجيش السوري وقوى الأمن، الذين رفضوا المشاركة في الحملات الكثّيفة التي شنّها النظام السوري ضدّ المحتجّين. 

وأضافت "ستراتفور"أنّ هذه الانشقاقات تتعلق بنظام الرئيس السوري بشّار الأسد، الذي ينتابه القلق من احتمال تدفق الأسلحة والمعدّات على المعارضة. إلّا أنّ الجيش، الذي تسيطر عليه الطائفة العلويّة حتى الآن، لم يأخذ في عين الاعتبار نوع ومستوى الانشقاقات التي من شأنها أن تشكّل تهديدا وشيكا لبقاء النظام. 

التركيبة البشريّة لقوّات الأمن السوريّة 

في الواقع، إنّ معظم الانشقاقات التي حصلت حتى الآن وقعت بين عشرات الجنود، إذ انشقّ على سبيل المثال، 21 جنديّا من اللواء 76 في شعبة الجيش السوري الأولى، في 26 نيسان الماضي، وفق مصادر "ستراتفور". ومنذ بداية شهر أيّار، تسارعت وتيرة الانشقاقات والفرار.

في الحقيقة، من الصعب إعطاء صورة دقيقة عن عدد الانشقاقات الإجمالي حتى الآن، وإلى أيّ مدى تعتبرهذه "الانشقاقات" المزعومة انشقاقات فعلا. 

وفي هذا السياق، عندما ندقّق في التقارير الخاصة بهذه الانشقاقات، لا بدّ من النظر إلى المُعطى الديمغرافي للقوات السوريّة. فالنظام، الذي حكم سوريا على مدى أكثر من أربعة عقود، ينتمي إلى الأقلّية العلويّة، وعمل جاهدا على ضمّ المناصرين العلويّين إلى القوّات المسلحة من جهة، وانتقاء العناصر من الأغلبيّة السنّية من جهة أخرى. كما يبدو أنّ معظم المنشقّين أو الفارّين هم من المجنّدين السنّة، والكثير منهم هم على الأرجح جنود احتياط من الريف تمّ استدعاؤهم إلى الخدمة في غضون الأشهر الماضية. 

من جهة ثانية، كان الحرس الجمهوري، المكوّن في شكل كامل من العلويّين، والذي يرأسه أخو الرئيس بشّار الأصغر ماهر الأسد، يلعب دورا رائدا في عمليّات القمع، وكذلك الكتيبة الرابعة من الجيش السوري، وهي الأكثر خبرة وتجهيزا ويسيطر عليها العلويّون، وهي الكتيبة التي قادت عبء عمليات قمع التظاهرات في المناطق السورية السنّية حسب ستراتفور. وأشارت إلى أنّ عمليّات القمع قد أضعفت الكتيبة الرابعة التي كانت تستعمل الطوّافات العسكرية لإطلاق النار على الجنود المتمرّدين في مناطق عدة، من ضمنها منطقة جسر الشغور. وعلى رغم أنّ الجيش يكافح في سبيل قمع الثورة، وأنّ بعض الضبّاط يشكّكون في تكتيك النظام، فليس هناك إشارات حتى الآن إلى أنّ الجيش يعاني أيّ نوع من الانقسام الداخلي الذي يُنذر بنهاية النظام. كما أنّ العلويين يدركون جيّدا أنّهم الأقلّية في سوريا، ويعتبر الكثيرمنهم أنّ هذه التظاهرات تشكّل تهديدا وجوديّا، وأنّ الخوف من عودة سوريا إلى نظام سياسي حيث الحكم للسنّة والخضوع للعلويّين هو بالتحديد ما يدفع المجتمع العلوي إلى التماسك، ولا سيّما داخل الجيش، حيث السيطرة العلويّة. 

أمّا قوّات سلاح الجوّ السوريّة فتضمّ عددا كبيرا من الطيّارين السنّة، وبالتالي هي قطاع يخضع لرقابة النظام الدقيقة. وحسب مصدر ستراتفور داخل سوريا، فإنّ طوّافات سلاح الجوّ السوريّة التي أطلقت النار على المتظاهرين في جسر الشغور أقلعت من قاعدة جوّية في حلب، حيث هاجمها طيّارون سنّة إبّان عودتها من العمليّة. وفي ظل تصاعد التوتر الطائفي داخل سلاح الجوّ، مدّد النظام إجازات الطيّارين السنّة. وحسب مصدر عسكري سوري فإنّ مخابرات سلاح الجوّ أمرت بوقف كلّ مهامّ التدريب، وقامت بمنع المقاتلات السوريّة من الطيران. 

وبما أنّ معظم مشغّلي التحكّم الأرضي من العلويّين، فهذا يعني أنّهم بذلك يراقبون جميع الطيّارين السنّة، ولكن النظام السوري لا يريد المخاطرة في انشقاق أيّ من الطيّارين السنّة، آخذين معهم معدّات عسكرية تساوي قيمتها ملايين الدولارات. إنّ زيادة وتيرة الانشقاق السنّي المطّردة تثير احتمال انقسام الجيش السوري على أساس خطوط طائفيّة تقاتل فيها الطائفة العلويّة حتى النهاية للمحافظة على السلطة، ويثور فيها السنّة، في حين يبقى المسيحيّون والدروز على الحياد داخل صفوف الجيش. 

ويشعرالنظام السوري أيضا بأنّ الجنود المرتدين، حتى الذين هم في مرتبات عسكرية دُنيا، يمكنهم تمرير المزيد من الأسلحة إلى المعارضة. وهناك شائعات تقول إنّ إحدى الفصائل التابعة لجماعة "الإخوان المُسلمين" تستعدّ لهجوم مسلّح ضد النظام. في سياق متّصل، واستنادا إلى مصدر في "ستراتفور"، حاولت قبائل سوريّة تسكن منطقة "الجزيرة"، التي هي على تماس مع منطقة الأنبار العراقية، التهديد بشنّ ثورة ضدّ الجيش السوري. وحسب المصدر، هؤلاء القبليّون مدجّجون بالأسلحة التي حصلوا عليها من جنود النظام البعثي العراقي الذين فرّوا من بلادهم في الماضي. وكدّس قبليّو "الجزيرة" الأموال من خلال تهريب أسلحة إلى المناطق السوريّة النائية، وباتت اليوم أسلحتهم تلاقي رواجا كبيرا، في ظلّ الأحداث التي تسود سوريا، والتي دفعت ببعض الجماعات المعارضة إلى الإكثار من شراء الأسلحة. 

وسط هذه الأحداث، يحاول نظام الأسد إيجاد مبرّرات لاستخدامه العنف ضدّ المتظاهرين، وبالتالي فإنّ شراء الأسلحة من قِبل المعارضة أو هجوما متمرّدا مسلّحا قد ينظّمه معارضون متمرّدون، قد يعطي هذا النظام تبريرا لاستخدام العنف، ألا وهو محاولة الحفاظ على استقرار البلاد. وأكثر من ذلك ، فإنّ استخدام الأسلحة من قبل المدنيّين وتحوّل التظاهرات المسالمة إلى تمرّد مسلّح قد يُصعّب على لاعبين إقليميّين مثل تركيا، مهمّة دعم المعارضة السوريّة في وجه النظام. 

عندما بدأت جماعة الإخوان المُسلمين في العام 1976 تمرّدا مسلّحا ضدّ النظام العلوي الذي كان يقوده في ذلك الوقت الرئيس حافظ الأسد، فإنها سحقت تماما في العام 1982 في مجزرة حماه التي قُتل فيها نحو 30 ألف مدني. وعلى خطى عمليّة الانقضاض على حماة سقطت معاقل سنّية أخرى، ومنها "جسر الشغور"، المعقل السُنّي الذي انهار تحت وطأة الأجهزة الأمنيّة. إنّ عمليّة سحق الإخوان المسلمين بين العام 1976و1982 تمّت في وقت كان نظام الرئيس حافظ الأسد والسيطرة العلوية على الحكومة في مرحلة تأسيسيّة. 

واليوم يسيطر العلويّون على الجيش السوري. وعلى رغم أنّ هذا الجيش يواجه ضغوطا كبيرة نتيجة الأحداث التي تشهدها البلاد، ما زال يحافظ على العقليّة عينها التي قد تدفعه إلى "سيناريو مجزرة حماه جديدة"، في ظلّ استمرار التدهور في البلاد.

(عن نشرة ستراتفور للشؤون الإستراتيجية)




0 comments:

Post a Comment