حكايات البطش في سوريا
استمر حنكشتيكا في الكلام غير آبه لما سببه حديثه من تململ بين الجموع, لشعورهم بالسأم والسقام, وقال حدثني أبو زناخة: كان الأسد الشبل في منتهى الحلم، ومعدنا من معادن الكرم، وقائدا من قادة الأمم، ووليا من أولياء النعم، وحوله الرجال الأبرار الذين عملوا معه ومع أبيه، وكانوا دعائم الأخيار، قادوا البلاد إلى العلا والمجد، وساسوا العباد باللين والحسنى، فعاش الشعب حياة الرفاه والسؤدد.
ساد وجوم شديد. وهتف هاتف بين الجموع: ما جئنا إلى ساحة الإمويين لنسمع هذا الكلام السقيم. وصاح آخر: الشعب لا يريد سماع كلام مديح عن النظام. وهتف نحن في الثورة والنظام القديم مات. وصاح رابع: حنكشتيكا يروج للثورة المضادة.
لم يعر حنكشتيكا أي اهتمام بهتافات الشعب وقال: كان أبو زناخة يشتغل في أعمال الزناخة، قتل واغتيالات ومؤامرات، وقيادة عصابات وميليشيات والقيام بغزوات ضد الشعب بمختلف طوائفه، وإنشاء الشركات ومشاركة الناس بأموالهم، وهتك أعراضهم، والزج بأي شخص "يتخنفس" بالسجن. أضاف حنكشتيكا: كنت أخشاه، فرضيت الذل والمهانة وحصلت منه الفتات لكي أقتات، وعشت كاذبا مخادعا، مهزوما ومقموعا، اكذب عليه وعلى نفسي.
بدأت الجموع تهتم بقوله، فأعاروه أذانا صاغية، استأنف حنكشتيكا كلامه وقال: حدثني أبو زناخة وقال كانت عائلة الأسد من صفوة طائفة العلويين الأتقياء، رحماء على الطوائف الأخرى وطائفتهم، امناء على مصالح الوطن، خيرة أهل الأرض قاطبة، ومصابيح للوعي القومي، أناروا بنورهم الدجى العربي، هم أعلام الخير والتقى، وأولي الحجى، المدافعين عن الحق، المناوئين للباطل، أصحاب صولة وجولة في الحروب، ما دخلوا حربا إلا وانتصروا فيها، هزم الأسد الكبير إسرائيل في حرب السبعة والستين، صحيح أن خسر هضبة الجولان وأعلن عن سقوط القنيطرة قبل سقوطها، لكن خسارته كانت تكتيكية، فقد أراد الأسد الكبير، كما أخبرني ابو زناخة، أن يوحد الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، قبل أن يعصر إسرائيل عصرا، ويفتك بها فتكا، ويهدمها هدما، ويلقي باليهود في البحر. وأراد الأسد الكبير أن يتفرغ للبناء والتعمير، فبنى البلاد وعمرها، وأشاع الحريات، وسمح للأحزاب ان تعمل بحرية، وأباح حرية الصحافة، فشكره الناس وأكثروا من اللهج بشكره ولم ينكروا فضله وشاركه الشعب حياة الكرامة والعزة.
عادت الجموع تهتف منددة بأكاذيب حنكشتيكا.
استمعوا يا إخوان، صاح حنكشتيكا ليهدأ من روع الجماهير، إن كلامي هذا له مغزى، فانتظروا حتى أنهي حديثي وإن شاء الله، ستسرون عندما أكشف لكم الحقائق، لكني حرصا على أمانة القول، أنقل لكم ما رواه أبو زناخة وما كتبته في الوثائق. وكان للأسد الكبير شقيق، لا يقل عنه شهامة وضراوة. فقد حمى أهل حماة من مذبحة مؤكدة، كان سيذهب ضحيتها لولا تدخل سراياه عشرة أو عشرين ألفا من سكان المدينة الآمنين. أنقذهم، وأنقذ بيوتهم ومدينتهم من التدمير، فبقيت حماة عامرة مزدهرة لم تصلها يد الخراب والدمار. ومن مآثره الحميدة أيضا أنه أنقذ السجناء في سجن تدمر من مذبحة مؤكدة، فقد أمر حراسه وسرايا دفاعه بالمرابطة حول السجن، وصد هجوما من قبل المرتزقة المسلحين وتمكن من إلحاق هزيمة ساحقة ماحقة بهم، وأنقذ المئات من نزلاء السجن، فكانوا له من الشاكرين.
نفذ صبر الناس المحتشدين في ساحة الأمويين وهم يستمعون إلى هذه الأضاليل، فعلت صيحاتهم منددة بأقوال حنكشتيكا ومزاعمه الواضحة ، كادت الجموع المحتشدة أن تهاجم حنكشتيكا، وتمزقه مزقا على أكاذيبه، ولكن النظام الديمقراطي الجديد يسمح بحرية التعبير والخطابة، فأصر حنكشتيكا على أن يمارس هذا الحق، وسكتت الجماهير على مضض.
قال حنكشتيكا حدثني أبو زناخة وقال: وأما بعد، فهؤلاء القادة المطهرين، الظاهرين على الباطل، والمستقرين في بلاد الشام، والمخلصين للأمة، الذائدين عن حياضها، كانوا وما زالوا السادة القادة، والذادة الحماة، وأولى الأمر الهداة، ولكن واسفاه، ابتلوا بعصابات الخنازير وجماعات المندسين الذين أرادوا أن يحرفوا الشعب عن صراطه المستقيم، ويسرقوا منه عقله وبرهانه، فيقلب لهم ظهر المجن.
0 comments:
Post a Comment