جاءت عملية دار الرئاسة التي استهدفت الرئيس صالح وكبار مسؤوليه ومقربيه لتنهي فصلا أسودا بدت نذره تلوح في الأفق عندما طلب منه مساعدوه المقربون أن يفعلها في ساحة التغيير، وبالتحديد في ما عرف بجمعة الكرامة، ورتبوا له الوضع واتفقوا مع القناصة على قتل ألف أو ألفين لأجل الشرعية الدستورية وحياة 25 مليون يمني، وصوروا له أن القتل هو الطريق الوحيد للاستقرار الذي تنشده البلاد.
هذا المقترح الذي صمت إزائه وزير الدفاع وجنرالات الجيش وانبرى له كبار مساعديه الذين يظهرون معه في الصور عقب صلاة الجمعة ولم يجد ممانعة من وزير الداخلية وقيادة النجدة والأمن المركزي وقيادة الأمن القومي عمل على تعميد الثورة بالدم وكانت للرئيس فرصا كثيرة ليراجع نفسه خاصة بعد نزول النائب العام للساحة وانفضاح أمر القناصة أمام الجميع لكنه أصر على فعل المزيد إلى أن أطلق الرصاصة الخطأ صوب بيت الشيخ صادق بن عبدالله الأحمر فانكشفت له زيف الخطة التي بموجبها هاجم اكبر قبيلة يمنية من حيث عدد مقاتليها-عسكريين ومدنيين- أو ما يسمون "بالغرامة" والتفافهم حول شيخهم الذي لم يتبن سوى خيار الدفاع عن النفس ورفض توسع المعركة او الاتجاه بها نحو دار الرئاسة حفاظا على الثورة السلمية التي انتمى لها وبانتمائه انتمت حاشد للثورة وهنا رجحت ميزان القوى الثورية التي كانت بحاجة إلى سند قوي ولا أقوى في اليمن من حاشد.
هذه العلمية النوعية نستطيع القول إنها نجحت بنسبة 70% في دقتها وتوقيتها، والمكان الذي ضربته وان كان مسجدا يحرم ضربه في عرفنا لكنه المكان الذي ضم الرئيس بكبار القوم الذين يناوئون الثورة التي اكتسحت اليمن بكاملها ،لكن الفريق المحترف الذي نفذها في هذا التوقيت يعلم علم اليقين أن المسجد ليس على الله اكبر ولا أعز من إراقة دماء المسلمين في الساحات واستهداف الثوار في ساحاتهم وما ضرب ساحة الحرية بكل وحشية عنهم ببعيد.. فهدم الكعبة حجرا حجرا أهون على الله من إراقة دم أمريء مسلم ومن في الجامع لم يألوا إلا ولا ذمة في أبناء اليمن فكانت المصلحة قتلهم وإراحة الشعب منهم مقدمة على جلب المصلحة التي ترجى من أمثالهم خاصة بعد وصول الحال الى طرق مسدودة ، والكذب في التعامل مع مبادرة الخليج وإعلان الحرب الأهلية والبدء بضرب بيت الأحمر والمحاولة في جر البلاد إلى الحرب الأهلية التي هدد بها الرئيس أكثر من مرة..
ليس مهما أن نعرف من الذي نفذ فمعرفته ليست الآن بالشيء المهم لكن ما يهمنا نجاحها واختراقها كل السياجات الأمنية التقنية والعسكرية والبشرية والأحزمة الأمنية التي تحيط بالدار وسواء أكانت العملية قد تمت من داخل أو من خارج الدار فإنها كانت على اقل تقدير عن بعد لا يزيد عن خمسة كيلو من الجامع وبحسب عسكريين ربما يكون قد استخدم منفذوها مدفع هاون 160 ملم وهو مدفع حديث تم تطويره في إسرائيل في 2007م دقيق التصويب وقذيفته تحدث انفجارا كبيرا وتخترق أقوى الحواجز وهو سهل الاستخدام تجره العربات العسكرية خلفها بعجلاته التي تسهل نقله وتموضعه في أي مكان .
إعطاء الإحداثيات تعطي انطباعا أن تواطوء كبيرا من داخل المسجد وعدم إصابة الهدف في الضربة الأولى تمت الضربة الثانية والتي يعتقد أن من أعطى الإحداثيات قتل فيها وإلا لو كان حاضرا لأرسل بإشارته "أرسلوا المزيد" فالرئيس لم يمت‼ مغادرة الرئيس للمسجد والاتجاه للمستشفى أيضا كما تناقلت بعض المواقع كانت مراقبة وتعرض موكبه للضرب مرة أخرى من قبل مسلحين لكن لا تأكيدات قوية على مثل هذا الاحتمال.
لكن قيام العميد أحمد علي بتصفيات داخل الحرس واشتعال المعارك الداخلية بين الحرس يعطي إشارة قوية إلى شكوكه في تورط بعض الأجنحة في العملية لكن ما تناقلته بعض الوسائل غير المؤكدة انه قتل علي صالح الأحمر القائد الفعلي للحرس الذي خلف أحمد خلال الفترة القريبة في هذه القيادة بأمر من الرئيس مما أثار أحمد على من هذا التغيير الذي كان صفعة في وجهه من أبوه الذي لا يثق أصلا في قيادته .. وهذا ربما أعطى العميد أحمد علي الفرصة للتخلص من هذا المنافس ولو بهذه الحجة التي لم تثبت بعد انه هو من فعلها.
لكن هناك قراءة أخرى مغايرة تقول أن فريقا آخرا هو من نفذ هذه المهمة بدقة عالية لا علاقة له بال الأحمر الذين اتهمهم الرئيس في خطابه الصوتي الشاحب إنهم وراء العملية.. لكن بيان الرئاسة برأهم ضمنيا من هذا الفعل، وما تثبته الوقائع أن مقاتلي آل الأحمر ليسوا بهذه الدقة في التصويب والحنكة العسكرية لكن هناك من يرى أن بينهم مقاتلين أشداء لا يعرفون الخوف أو التراجع ولذا أذاقوا قوات صالح المختلفة من حرس خاص وحرس جمهوري ونجدة وأمن مركزي وقوة مكافحة الإرهاب الويلات واسر عدد منهم مع آلياتهم العسكرية المتطورة تؤكد أنهم مقاتلون محترفون حتى الجيش اليمني لا يحظى بمثلهم وخاصة في حرب الشوارع وما سيطرتهم على الوزارات إلا دليل على هذا القول وربما يكون هؤلاء المقاتلين هم من نفذ هذه العملية بدون علم آل الأحمر الذين آل شيخهم صادق بن عبدالله على نفسه عدم توسيع رقعة الحرب وسيطر على منطقته وبعض المناطق المطلة على منزله في الحصبة حتى لا يؤتى حين غره.
الأمريكان وبحسب تصريحات أحمد الصوفي هم من دبروا عملية دار الرئاسة لكنهم وصفوه بالسخيف وهذا لا يعني أنهم غير مطلعين على مثل هذه العملية النوعية وخاصة أن صالح لم يستطع أن يفهم أن دوره قد انتهى وأنهم قد استغنوا عنه وقد كرروا له هذه الرسالة مرارا طالبين منه التسليم الفوري للسلطة.. لكن هذا لا يعني أنهم متورطين في ما سماه الصوفي بالانقلاب المدبر لكنهم كانوا على علم بها وربما باركوها خاصة وان الرئيس مصر انه الأقدر على تنفيذ مطالبهم في المنطقة لكنهم بشكل أو بآخر مع التغيير ويقفون على نفس المسافة بل اقرب إلى الحلفاء الجدد منه.
وكان الأمريكان قد صدر عنهم تصريح يفيد انه غير مصاب ربما اعتمدوا على معلومات غير صحيحة أو أنهم من خلال تعاملهم معه يعرفون كم هو ماكر ويستطيع الكذب على اقرب المقربين لكنهم فعليا غير معنيين حتى بموته بل سيرحبون بانتقال السلطة..
تمني المشترك الشفاء العاجل للرئيس فيه دلالات واضحة أنهم عير مكترثين لما حصل له والتمني هو تذكير للرئيس الذي أعطى الأوامر بقتل أنصارهم في الساحات أن الموت قريب من الجميع حتى منه وفيه إشارة واضحة أن القتل والحرب الأهلية التي هدد بها ربما يكون احد ضحاياها هو ومقربيه..
وفي بيان المشترك رسائل واضحة ان ضرب منازل المواطنين إشارة إلى بيوت آل الأحمر وبيت اللواء على محسن ودار الرئاسة وساحات الاحتجاج هو عمل غير مجدي ولا طائل ورائه وتعامل البيان بتساوي بين بيوت المواطنين ودار الرئاسة هو دعوة الى وقف القتال وتضمن البيان دعوة العالم للتدخل لإيقاف العمليات القتالية .. وعلى نفس الشيء جاء شجب الولايات المتحدة لأعمال العنف الطائشة في اليمن ودعوتها لكف القتال وهذا يدعو للتوقف عند تشابه الغرض من هذا الشجب ومطالب المشترك بوقف القتال وسواء كان هناك تنسيق في مثل هذه الدعوات أو لا فان الغرض واحد وواضح بان على مشعل الحرب ان يتوقف والمقصود به صالح لا سواه لأنه لو أطفأها ستنطفئ بدون قيد أو شرط فهو الوحيد الذي بيده إيقاف القتال.
ربما تكون عملية الدار هي المخرج الحقيقي من هذه الأزمة فالحرس الجمهوري والحرس الخاص يتفانون بينهم بحروب من وقت العلمية والى الآن والانقسام بينهم شديد وهذا ما سيعزز القوى الثورية وسيطرتها على الوضع ..
وعلي صالح سواء هرب إلى السعودية أو رحل إلى غير رجعة أو للعلاج أو حتى ظل في صنعاء فلم يعد فعليا قادرا على إدارة الدفة انتهى عسكريا باختراق قواته التي لم يعد واثقا بأي من فصائلها وانتهت سمعته كزعيم قوي وخاصة ان القبائل اليمنية قاطبة تقف ضده ومن تبقى من القبائل تلقائيا سيكونون مع الأقوى وهذه هي طبيعة اليمن.
ما يطمئن إليه الشارع اليمني أن العملية الأخيرة خدمت الثورة السلمية التي لم تستطع سوى تحريك العرش من تحت صالح لكنها لم تستطع الإطاحة به، وعززت هذه العملية مطالب التغيير الذي بدأ سلميا وانتهى عسكريا بعملية نوعية للغاية التي وضعت حدا فعليا في استمرار صالح في السلطة.
وفي الأخير وبعيدا عن التحليل والسياسة نستطيع هنا تسجيل نصيحة للرئيس صالح وليعتبرها نصيحة من عدو عاقل.. فكيفما كانت حالة الرئيس الصحية فهو شخص قد تجاوز السبعين لم يعد قادرا على تقديم المزيد لا سلبا ولا إيجابا.. وتغييره صار مطلب محلي وعربي ودولي.. وهو اليوم بين يدي كريم ينام في احد المستشفيات السعودية على الأغلب انه مستشفى العسكري في الرياض المطلوب منه أن يرجع الى الله ..
ولا يعرف الله إلا من تألم، فمادام أن الدماء ما زالت تتحرك في الأوردة ندعوه لطلب الاعتذار والمسامحة من شعبه عسى أن رحل إلى ما قدم من عمل تكون ذنوبه قد خففت واستطاع أن يحصل على رضا أهالي الضحايا الذين قتلهم وإنهاء صفحة الاغتيالات والى الأبد
في بلد عاش في اغتيالات متتابعة ولعلها تكون الخاتمة الحسنة التي أتمناها له شخصيا والأمر بين يديه الآن.
0 comments:
Post a Comment