Pages

Friday, May 6, 2011

كيف شاركت الحمير في قرارات المجلس العسكري الأعلى


هكذا تكلم حنكشتيكا
سعيد الغزالي- القدس المحتلة

مشاركة الحمير في إصدار قرارات المجلس العسكري الأعلى لم تكن سابقة في مصر. فمن المعروف ان دور الحمير في السياسة كان دائما موجودا، ولكن استمرار هذا الدور بعد انتصار الثورة هو الأمر الذي يثير الاستهجان. وبدت المعركة بين الثوار الذين يسعون إلى تشكيل عصر جديد وبين قوى النظام السابق الساعية إلى الإبقاء على النظام، والمحافظة على استمرارية دورالحمير في أجهزة الدولة.
كان الدستور القديم يسمح لرئيس المجلس العسكري الأعلى بأن يصطحب حماره لحضور الجلسات والمشاركة في النقاشات وإصدار القرارات، اكثر من ذلك كان رئيس المجلس السابق، يصر على عقد الجلسات بحضور مجموعة من الحمير فقط. ومضى عهد الرئيس وحميره، وصار رئيس المجلس الحالي يحكم ويرسم. وتوقع أعضاء المجلس أن يحظر دخول أي حمار إلى قاعة المجلس، لكنهم لم يستطيعوا منع حمار الرئيس من دخول قاعة الاجتماعات، فالدستور يسمح له بذلك.
كان عليهم منذ البداية أن يتخذوا قرارا بتغيير الدستور الذي يمنع الحمير من المشاركة في اجتماعات المجلس العسكري الأعلى. بيد أن رئيس المجلس أصر على إبقاء الدستور، وتغيير بعض البنود، مبقيا على البند الخاص بالسماح للحمير حضور جلسات المجلس الأعلى.
أصر حنكشتيكا على ذلك دون أن يقدم تفسيرا منطقيا، إلى أن هداه الله إلى فكرة الدستور، ففتش وبعبش في الفقرات المطاطة، ووجد ضالته، وكانت حجته قاطعة كالسيف. أكد حنكشتيكا أن حماره يعتبر ذخرا للبلد ووجوده ضرورة قومية. وانتقلت عدوى الضرورة القومية إلى الأعضاء الآخرين، فاصطحب كل قائد منهم حماره وجره إلى قاعة المجلس. شجع دخول حمار حنكشتيكا قاعة المجلس رئيس مجلس الإركان على إحضار حماره أيضا إلى القاعة. استغل وجود بند في فقرة رقم كذا في الدستور تسمح له أيضا بإدخاله إليها. وفعل ثلاثة قادة كبار مثلما فعل رئيس المجلس العسكري ورئيس الأركان. واصبح عدد الحمير المسموح لهم دخول القاعة خمسة.
في أول جلسة اعترض الأعضاء على وجود حمار حنكشتيكا، ولكنهم نخو أمام إصراره على الإلتزام بالدستور. اعتقد أن من نخ كانوا كُثرا داخل المجلس وخارجه، وذلك بفضل إيمانهم كإيمان العجائز برئيسه الذي يتمتع حسب ظنهم برزانة تفكير ومنطق سليم، ويشهد على ذلك تاريخه العريق كقائد للجيش في النظام السابق.
إن سمح فقهاء اللغة الكوفيون والبصريون لي فإنني سأجتهد بالقول أن النخوخة – من كلمة نخ كأن نقول نخ نخاخ البغال- أصبحت شيمة الكثيرين من المتحولين الذين لا يزالون يتبوأون مراكز مهمة في الإعلام والجامعات والأمن والجيش والمؤسسات الكبرى في مفاصل الدولة. لم تجر عملية التطهير الثورية حفاظا على اللعب الخفيف اللطيف بين أركان النظام القديم المتثعلبين وبين المتسلقين المتساقطين من اؤلئك الذين تقنعوا بأقنعة الثوار.
كان حمار حنكشتيكا في بداية الأمر يكثر من النهيق. كلما سمع شيئا لا يحبه أو لا يوافق عليه. وتحولت الجلسات إلى مقطوعة سمفونية من أصوات بشرية تتحدث عن قرارات مصيرية وإنقاذ البلد، والمحافظة على منجزات الثورة وترسيخها على الأرض. يتخلل كل ذلك نهيق مستمر أو متقطع. أصبح الوضع لا يحتمل، ومثيرا للقرف، خصوصا بعد ارتفاع عدد الحمير المشاركة في النهيق إلى خمسة.
كان الحمار يقهقه وفي نهيقه نبرة استهزاء، يتحدث بنهقة جادة، ويشترك في التصويت على القرارات منهقا. في إحدى الجلسات، استمر نهيقه بلا انقطاع، وكأنه كان يعترض على حديث سيده وولي نعمته حنكشتيكا.
ونهق مثله  الحمير الخمسة.
قال رئيس الأركان: يا سيادة الرئيس، لا نشك بإخلاصك والتزامك بالدستور، وأنا شخصيا عبرت عن التزامي به بإحضار حماري إلى القاعة وحذا الآخرون حذونا، لكننا نعترض على نهيقهم المدوي، نريد أن يصدر عن المجلس قرار يمنع الحمير الخمسة ممارسة النهيق أثناء المداولات.
اعترض حمار حنكشتيكا وطلب أن يسمح له بالنهيق فقط تبجيلا لسيده حنكشتيكا رئيس المجلس. ساندت بقية الحمير قرار حمار رئيس المجلس ولم تَكفْ عصابةُ الحمير الخمسة عن النهيق طوال الجلسة، وهنا اقترح رئيس المجلس تعديل القرار، منعت الحمير من النهيق أثناء الجلسات وسمح لحماره فقط بالنهيق في آخر الجلسة.
اصر الحمار على إضافة فقرة إلى القرارالمعدل وتنص على أنه لن يسمح لأي عضو من أعضاء المجلس العسكري بمغادرة قاعة المجلس حتى يسمع وجة نظر الحمار نهيقا وركلا في المساءل التي تم تداولها.
واعتبرت الفكرة منطقية من وجهة نظر الجميع.  
واجه الحمار صعوبات جمة في الجلوس على الكنباية فهو لا يستطيع الجلوس بل يبرك بأربعته على الأرض، فاضطر رئيس المجلس العسكري إلى الطلب من أحد النجارين أن يصنع تربيزة خشبية يجلس عليها. لكن كيف يصعد الحمار على التربيزة المرتفعة.
تفتق ذهن رئيس المجلس عن حل، فجلب للحمار رافعة  ترفعه على التربيزة قبل افتتاح الجلسة. فيقف الحمار ويراقب الجلسة باهتمام، مستمعا إلى كل كلمة دون أن ينهق.  
كان الحمار بقامته يقف لساعات طويلة فوق التربيزة أثناء المداولات الجادة، وكان يشبه رئيس مجلس الشعب السابق الذي كان يتسلق منصة المجلس ويخطب بالأعضاء الجالسين أمامه كالنعاج المؤدبة.  ولى زمان النعاج الراضية المرضية ودخلنا إلى عصر الحمير المشاكسة.
شعر أعضاء المجلس بالإهانة والاشمئزاز من الوضع. لكنهم لا يستطيعون معارضة رئيسهم فهو القائد الأعلى، ولديه خبرات عسكرية كبيرة، ومهمته تثبيت نظام جديد مستخرج من صلب النظام القديم.
تصاعدت الهمسات داخل المجلس مروجة بأن جهة خارجية أصرت على حضور الحمير الخمسة برئاسة حمار حنكشتيكا جلسات المجلس العسكري الأعلى. وانتقلت حمى الهمس والهجس إلى الشارع والقنوات الفضائية. خفت معارضة أعضاء المجلس العسكري لـ حنكشتيكا وعصابة الخمسة لأن أعضاء المجلس عرفوا وتأكدوا من هي تلك الجهة، فهي جهة ثقيلة الوزن في السياسة الدولية وظلها ثقيل على مصر. يحسب لها حساب ولا تنطق عن هوى، بل يخشاها الجميع، رغم أنها تعرضت لضربات ساحقة في بلدين كبيرين على الأقل، وتراجعت قوتها. بيد أن رئيس المجلس لا يزال يعتقد أنها الحصن المنيع له وعصابة الحمير الخمسة.



0 comments:

Post a Comment