Pages

Wednesday, May 18, 2011

زناخات أبو زناخة جزء 4

حكايات البطش في سوريا

استمر الحمار في محاولاته الدؤوبة والمرغوبة والمطلوبه لإقناع حنكشتيكا بوجهة نظره فروى له قصصا أغرب من الخيال عن تصرفات الزعران، الذين يشتغلون لحساب الشيطان، ويقبضون المال الحرام، ويغررون بشباب الوطن وشاباته، ويزرعون الخوف والحقد بين صفوف الشعب وطوائفه. وأما حديثه عن الأفاعي الأمريكان ومن هم على شاكلتهم من صهاينة وعملاء، فقد قال وأكد، وأقسم وعزّم أنهم  يبثون سمومهم في الشبكة العنكبوتية ويصلون إلى العقول والأفئدة.
كان الحمار يزن ويزن في إذنه ضد العصابات اللي خربت البلد، وأزعلت الرئيس وأخرجته عن طوره، لكن قواته الأمنية لم تقتل ولم تجرح أحدا من المواطنين الآمنين الذين يحبون أن يمضوا إجازات آخر الاسبوع في المنتزهات العامة وعلى شواطىء البحر، لولا تلك العصابات الخنزيرية التي حرمتهم ممارسة هذه المتعة الاسبوعية. وجرتهم عنوة للمشاركة في المظاهرات والهتافات.  
قال الحمار بصوت أشبه بصوت الحمام، وقد رسم ابتسامة صبية حسناء في عز صباها على محياه الرقيق ووجهه الوسيم وهمس برقة في أذني: أحمق من يقول ان الأسد أحمق، فلا تصدق أكاذيب الخنازير على الفيسبوك والتويتر، ولا تنظر إلى الفيديوهات، ولا تقرأ شيئا مما يكتبونه، ولا تستمع إلى المحطات والإذاعات. لا تتصرف يا حنكشتيكا تصرفا أخرقا. تعقل يا رجل. وانظر حولك، فلن ترى أفضل من هذا الرئيس، الذي تميز عن غيره من الرؤساء العرب والعجم بالفهم والنبل والشرف، فلا تنحرف وتسقط في أحابيل الشيطنة وتعادي الرئيس ونظامه، فحرام أن تعادي رئيسا أفنى أباه الأسد الكبير عمره في خدمة الشعب والقضية.
وقال الحمار بصوت جهوري: يا حنكشتيكا، تبصر وانظر، وتحسب وفكر، إن ذهب الأسد الشبل، فمن يحمي حمى القضية الفلسطينية، ومن يرفع راية القومية العربية، ومن يعضد عزة سوريا ورفعتها بين الأمم، أتريدنا أن نعيش كاللمم بين الأمم، أتقبل يا صاح أن نتحول إلى غنم، لا راعي يرعانا ولا حاكما يحمينا، ولا حكيما يرشدنا. والاسد راعينا وحاكمنا وحكيمنا وولي أمرنا وصاحب الفضل علينا والنعمة.  
من أقدر منه على احتضان قضايا الأمة العربية؟ أليس هو المنافح الذي ناطح أمريكا، وكسر قرنها وأجبرها على أن تولول وتركض أمامه وأمام أبيه من قبله، هارعة دارعة مولية الأدبار، كعنزة عرجاء تتوسل إليه أن يقبل بالهدنة والحوار. فحاورها ورضخت لإرادته.
أمام هذا المنطق العنزي المسؤول، والفكر الثوري الذي لا يرقى إليه أي شك معقول أو غير معقول، والبسالة والشهامة القومية، حسب الأصول، صدّقت مزاعم حماري، الذي أكثر من الهتاف للرئيس الأسد، بمناسبة وغير مناسبة، وكأنه صار نسيبه، وحبيبه، أو ربما عينه الرئيس مستشارا لامعا، أو مخبرا مرموقا في جهاز من أجهزة أمنه ومخابراته.
حقيقة، صدقت  كل أقوال حماري، ونبع إيماني بالرئيس من شغاف قلبي وحشواته والمصارين والزائدة, وقلت للحمار: أي نعم  إن الرئيس رجل عظيم، يخدم البلد ويحرص على مصلحتها، وهو ينوء بهمومه القومية العربية، ولا يتوقف عن التفكير بالوسائل المتاحة وغير المتاحة، الظاهرة والباطنة لتحرير الجولان وفلسطين المحتلة، وتأمين عودة الملايين من اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي طردوا منها.
وزعم الحمار أن الرئيس يحب فلسطين، لذلك أتاح لهم ان يتوجهوا إلى الحدود، ويعبروها، لتحقيق حلم عودتهم، ولم تعترض قواته طريقهم. وصف الحمار هذا الموقف من الرئيس بأنه من أنبل المواقف، وذكر أن الأمل أصبح معقودا عليه. وما فعل يوم الذكرى الثالثة والستين للنكبة بالسماح للجموع بالزحف إلى فلسطين ما هو إلا قطرة من أول الغيث، فقد أعطى الضوء الأخضر للجماهير بأن تزحف إلى فلسطين، وتحررها. ولم يفعل مثل فعله أي زعيم عربي آخر.
بيد أنني لم أقتنع بسهولة، بعد نهقة أو نهقتين من حماره الجاسوس. اقتنعت بعظمة الرئيس الشبل الذي هو من طينة ذاك الأسد الأب، بعد تقرير رفعه الحمار إلى أبي زناخة  زاعما بأني شخص مشبوه ومرتبط بعلاقة وطيدة بعصابات الخنازير في الشبكة العنكبوتية . في نفس الليلة التي تسلم أبو زناخة التقرير من الحمار، اقتحم رجاله منزلي الواقع في زقة من زقاق سوق الحميدية.
اقتادوني معصوب العينين إلى مركز سري للمخابرات في دمشق، وكان عبارة عن شقة في مبنى سكني قديم، زودت بآلات التعذيب، إحداها مفرمة، وأخرى مشنقة، وخازوق معدني سميك مدبب ومثمن الأضلاع طوله متر.
أُمروني أن أجلس على كرسي خشبي، ورُبطت ذراعاي من الخلف وازيحت العصابة عن عينيّ، فرأيت رجلا ضخم الرأس والجسم، جالسا أمامي ينظر إليّ نظرة مرعبة.
كان عليّ أن أختار بين أمرين أحلاهما مر: الأول أن أتحول إلى ذيل من ذيول الرئيس، وأوافق على التعاون مع الرجل الجالس أمامي، وأصبح بوقا اردد ما أقوله، أو أجاهر بعدائي للرئيس ونظامه وأتحمل العواقب كالسجن في القبو والتعذيب بالجلد والموت مفروما أو مشنوقا.
اخترت ما يختاره معظم الناس في هذه الحالة، اخترت أن أخضع لإرادة الرئيس ونظامه، المتمثل في هذا الرجل الثخين العريض المنكبين الذي هددني بأن يسلخ جلدي عن عظمي، ويهشم رأسي، ويدفنني في القبر حيا إن لم أطأطأ رأسي وأخضع، فأنجو بجلدي وأبقى حياً أرزق.
قلت لهذا الرجل الذى سمى نفسه أبا زناخة، وبينه وبين الزناخة حسب ونسب: أنا خاتم في إصبعك، إن قلت لي إن الشمس تشرق من الغرب، أقول لك بأن الشمس لم تشرق أبدا من الشرق، وتغرب دائما في الشرق. لو أمرتني أن اذبح ولدا من أولادي وأقدمه قربانا لسيادة الرئيس، أقول لك خذ ولدين وافعل بهما ما تشاء فداءً وافتداءً وقربانا لسيادة الرئيس.
انبسط أبو زناخة، وسجل في إضبارة التحقيق أنني صرت المناضل الرفيق، فقد ثبت إلى رشدي، وهداني تفكيري إلى جادة الصواب، فأصبحت أنا وحماري  من أنصار القومية الأسدية ونعمل في جهاز المخابرات السورية على نشر مبادئها.
ومنذ ذلك اليوم، أي بعد يومين على مسيرة العودة إلى فلسطين في ذكرى نكبتها الثالثة والستين، بدأ أبو زناخه يثقفني ويعضد من وعيي عن آل الأسد ونضالهم القومي. وعينني كاتبا لتوثيق كل ما يقول ويفعل.  

0 comments:

Post a Comment