حوار في اتجاه مغلق
اندلعت الثورة السورية في الخامس عشر من مارس، وكان حنكشتيكا كما ذكرنا في حلقات "زناخات أبو زناخة" السابقة قد بدأ العمل لدى مدير المخابرات السورية أبو زناخة. قدم إلى منزله في سوق الحميدية لزيارته بعد أيام على اندلاع الثورة صديقه الصحفي نصر نصري نصر, الذي استهجن, في بداية الأمر, ارتباط حنكشتيكا بجهاز المخابرات, وفكر بمقاطعته, لكنه عدل عن رأيه, فلا فائدة من المقاطعة, ولم يرد أن يقطع شعرة معاوية معه, فهز كتفيه، وقرر أن يستمر بعلاقته معه, فلعله يتمكن من استمالته, فيعود حنكشتيكا إلى رشاده, ويلتزم بقضايا الشعب, جاء إلى بيته, ليجس نبضه, ويحصل على بعض المعلومات السرية بشأن توجهات النظام الجديدة تجاه الثورة, هل سيتعامل الرئيس معها بإيجابية, ويقود مسيرة التغيير والإصلاح الديمقراطي, أم أنه سيستخدم اليد الحديدية الثقيلة ؟ ولكن الشبل من ذاك الأسد, فلا فرق بين الأب وابنه, فقد تعود الشعب السوري على عنف النظام وقسوته, منذ بداية حكم والده حافظ الأسد, لا رطب الله تربة قبره, ولا أسكنه فسيح جناته, لما ارتكبه من مذابح يندى لها جبين الإنسانية ضد شعبه.
ألقى نصر نصري نصر التحية, ورحب به حنكشتيكا, وأدخله إلى غرفة الصالون, وتجاذبا أطراف الحديث حول الشئون الخاصة. ولما حانت الفرصة سأل نصر نصري نصر صديقه: كيف مرت الأمور ليلة أمس؟
حنكشتيكا: مرت كما كنت أتوقع. اجتمعت الحكومة والوزراء وكان الرئيس غاضبا واعتبر أن ما يجري في الساحات هو مؤامرة تحاك في الخفاء، لكنه لم ينكر حاجة البلد إلى بعض الإصلاحات. وقال الرئيس إن المتآمرين يأخذون البلد إلى مسار لا نعرف منتهاه. حضر أبو زناخة الإجتماع, وقمت بتسجيل محضر الجلسة.
نصر نصري نصر: هل كان الاجتماع بين الرئيس وأركان الحكم صاخبا؟
حنكشتيكا :عندما يجتمع الرئيس مع أعوانه، يخيم الهدوء على الإجتماع، لكن بعض الوزراء يزعمون أنهم خاضوا نقاشا صاخبا. في نهاية الأمر, تصرفوا كالأرانب, وانتصروا للرئيس ورددوا عباراته عن المؤامرة والمندسين والعصابات المسلحة والسلفيين, أبو زناخة كان الأسوأ. آخر ما يفكرون به هو الانتصار للشعب، وتكلم معظم الوزراء بلغتين. طبعا أبدى الرئيس بعض التعاطف الزائف مع مطالب الشعب.
نصر نصري نصر: أحيانا يأتي التعاطف من باب الشفقة أو لترطيب الأمور قليلا فقط.
حنكشتيكا: كانت خطة الحكومة معدة وجاهزة للتطبيق. وكان الاجتماع صوريا, إن لم يخب ظني الخطة اعدت وراء الكواليس, وأعدها شخص يتواجد دائما خلف الستار.
نصر نصري نصر: لا احب الكلام المبهم. ما هي أهم بنود الخطة.
حنكشتيكا: كان الرئيس مهتما بإعطاء تماسك أركان النظام. والخطة المعدة سابقا, تقضي بزيادة رواتب العاملين في الدولة والقطاع الحكومي. لكن هذه الزيادة قد تؤدي إلى إرباك المصالح الإقتصادية, هكذا قال, موجها حديثه إلى وزير المالية, الذي دعم كلام الرئيس بتفاصيل عن الميزانية الضخمة التي ستخسرها الدولة فيما إذا دفعت الزيادات, وجرى النقاش على ذلك, وأخيرا استقر الرأي, على إضافة الزيادات ثم سحبها بفرض رسوم واقتطاعات غير مرئية, فتعوض الدولة عن خسارتها.
نصر نصري نصر: قصدك أن الرئيس وأفراد عصابته, لا يريدون أن ينقصوا من حجم سرقاتهم.
حنكشتيكا: يمكنك أن تقول ذلك, وأعتقد أن ما تقوله صحيح, فقد سار الحديث عن توفير فرص العمل في هذا المسار الفضفاض, فالحكومة غير قادرة على توفير فرص العمل, لكنها ستغدق الوعود على الشعب, فيصدقها الواهمون.
نصر نصري نصر: هذا يعني أن الخطة المزعومة هي خطة خداع.
حنكشتيكا: طبعا إنها خطة خداع, لم أشك في ذلك, لكن كما تعلم, الدنيا أرزاق, وأخشى على حياتي إن أبديت أي معارضة على الخطة. النقطة الأهم, الرئيس اجتمع مع أبي زناخة بعد فض الاجتماع وناقش معه التضحية ببعض الوزراء الفاسدين. وقد وقع الاختيار على بعضهم. اختار الرئيس الذي تشاور مع أبي زناخة وزيري الثقافة والرياضة والشباب, للتضحية بهما وقررا اتهامهما بالفساد. يعتقد الرئيس, وخلفه الرجل الغامض الذي أعد الخطة أن ذلك سيقنع المواطنين بجدية تحرك القيادة السياسية نحو تحركات إصلاحية.
نصر نصري نصر: الأمر مثير ومقزز وهل هناك من تفاصيل أخرى؟
نصر نصري نصر: الأمر مثير ومقزز وهل هناك من تفاصيل أخرى؟
حنكشتيكا: هناك أمور أكثر تقززا, الرجل الغامض اقترح في خطته قيام رجال الدين المسلمين والمسيحيين استخدام الآيات القرانية ونصوصا من الكتاب المقدس, لذم المحتجين والمعادين للنظام. وحث الرئيس الوزراء أن يقوموا بالاتصال برموز المعارضة وإظهارها على أنها تمثل كافة طوائف الشعب, والكلام معها عن الإصلاح, ومحاولة استمالتها. ولا ضير, كما قال الرئيس إن استجبنا لبعض المطالب الكردية الخاصة بالتجنيس.
نصر نصري نصر: وهل تعتقد أن ذلك سيخمد الاحتجاجات؟
حنكشتيكا: هذا ما قاله أبو زناخة الذي شكك بأن ذلك سيضع حدا للإحتجاجات، لذلك اقترح أن يكون تجنيس الأكراد مرتبطا بتجنيد شبابهم. من يجنس يجند ويزج في المعركة ضد الطوائف الأخرى. وصدرت الأوامر إلى قادة الجيش بإرسال تعزيزات عسكرية كبيرة من القوات الموالية إلى المناطق الساخنة. وبث أبو زناخة رجاله ومخبريه في تلك المناطق.
0 comments:
Post a Comment