Pages

Thursday, July 21, 2011

الفخ الصيني للعم سام.. ونحن المساكين







بلغة أخرى, لشرح مضمون هذا المقال, أزعم أن من يقود العالم هو ذئب شرس.
 عقله عقل حمار ، اسمه العم سام, وهناك قطيع من النعاج الغبية التابعة له, اسمها دول الخليج والسعودية, وأتباعهم, وشركاتهم, الذين ربطوا مصيرهم الاقتصادي والسياسي بمصيره, وهناك نمر صيني ماكر يتربص بالجميع.

ببلوغ الدين الصيني على أميركا حوالي ثلاثة تريليونات دولار واعلان الصين أخيرا انها ستدعم اقتصاد الاتحاد الأوروبي وتشتري سنداته، تكون الصين قد نصبت فخها لأميركا باعطائها الجزرة بالدين الذي عليها بيد، واشهار العصا بالدين الذي سيتصاعد والتبادل التجاري الذي أخذ ينمو بين الصين والاتحاد الأوروبي باليد الأخرى، والذي سيحرر الاتحاد الأوروبي من الارتهان لأميركا ونزواتها ويعوضه عنها وتتقوى العلاقة الصينية الأوروبية على حساب العلاقة الأميركية الأوروبية وتعزلها ماليا واقتصاديا وسياسيا.

ان الظروف الدولية مؤاتية لتوافر الجزرة والعصا بيد الصين، بالإضافة الى ما تقدم، هناك التبادل التجاري والاستثماري بين الصين وأفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية. هناك اكثر من سبعة ملايين صيني منتشرون في هذه الدول يساهمون في بناء مشاريع التنمية وتبادل المصالح التجارية والاقتصادية التي تزيد بدورها الصين قوة اقتصادية ومن ثم سياسية، بينما تتواجد أميركا في كثير من هذه الدول بجيوش احتلال أو حماية أو قواعد عسكرية وسفارات، شغلها الشاغل التدخل في امور دول صديقة وحليفة وزعزعة استقرارها عن طريق 16 جهاز استخبارات تكلفها 70 مليار دولار سنويا.

كنا نرصد الاقتصاد والسياسة الأميركية منذ زمن، فقد كتبت مقالا في هذه الجريدة بتاريخ 2002/5/7 بعنوان «الملاذ الآمن لم يعد آمنا»، وقلت في مقدمة المقال «عندما كانت أميركا تحترم قوانينها وتحترم أيضا قوانين غيرها من الدول، كانت هي الملاذ الآمن للأموال والأنفس. أما عندما أريد ان تصبح لقوانينها المحلية هيمنة دولية، فقد أصبح أمن واقتصادات كل دولة على حدة، بل أمن العالم وحرية انتقال الأموال وضمان الاستثمار وحرية التجارة، في خطر".

بيئة الاستثمار

تبذل جميع الدول اقصى جهدها لتحسين بيئة الاستثمار في بلدانها, بينما كلما اختلف العم سام مع دولة او حتى مؤسسة او فرد جمدت ارصدة واستثمارات هذه الدولة او تلك وضغطت على حلفائها ليحذو حذوها، ومن الغريب العجيب ان يطالب وفد لاعضاء الكونغرس زار بغداد اخيرا بتعويض حكومة العم سام عن نفقاتها لــ «تحرير» العراق، الامر الذي اثار غضب العراقيين واستخفاف العالم.

ان الكوارث وسوء الطالع لا تأتي فرادى بل زرافات، فانظر الى التهديد الذي اطلقه العم سام لجميع اعضاء الامم المتحدة، اي العالم بأسره، وهو ان صوتت الامم المتحدة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية فانها ستلغي مساهمتها المالية لهيئة الامم المتحدة، واضعة كل دول العالم في سلة واحدة واسرائيل التي اصبحت طلباتها ذات سيادة على اميركا في سلة اخرى، اي ان مصالحها وعلاقاتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية مع العالم في كفة وتبعيتها السياسية لاسرائيل في كفة اخرى.

ان مقولة «العالم اما معنا او ضدنا» لم يبتدعها الرئيس الاميركي بوش الابن، بل كانت تمارس قبله وجاء الرئيس بوش ليصوغها ويضعها في اطارها اللغوي، وكأنه يقول.. افهمونا.

اين الدول العربية، وخاصة الخليجية، من هذه التحولات التاريخية في السياسة والاقتصاد؟ ان النظم الخليجية «سكرت ابصارها» فلا ترى غير «حامي حماها» العم سام وما زالت تعتقد انه سينقذها من شعوبها التي «تريد اسقاط انظمتها»، بالرغم من ان اميركا تخلت عن اقرب حلفائها، مبارك، ولم تنفع زين العابدين، ولن تنفع علي عبدالله صالح ولا غيره، ولكن لا حيلة لها فإنها كالغريق الذي يتعلق بالقشة مع علمه بأنها لن تحمله، اي لن تنقذه، من اجل هذا الوهم تضع انظمة الدول الخليجية كل مقدرات شعوبها الاقتصادية والمالية في حقيبة العم سام بالرغم مما اصبح معروفا ومعلنا من خطورة الدولار وتدهور الاقتصاد الاميركي لتوسعه في السنين الماضية بأكثر مما يتحمله اقتصادها في سنين المستقبل، فتكاليف الحرب على الارهاب، مثلا، ستتجاوز تكاليف الحرب العالمية الثانية اذ بلغت كما تقول الاندبندنت 4 تريليونات دولار اي أكثر من 3 أضعاف الميزانية التي أقرها الكونغرس الأميركي بعد هجمات 11 سبتمبر، كما ان البنك الفدرالي يطبع مليارات الدولارات الأميركية من دون تغطية، والكونغرس متردد في إقرار رفع سقف الدين البالغ حاليا 14.3 تريليون دولار، وهو ان فعل فلن يعني هذا شيئا الا ان يصبح قانونيا. ولكن لا تدعمه أصول ما، وسيزداد بازدياد الدين العام وتدهور الاقتصاد الذي يسير في انحدار تاريخي محتوم.

الأصول الدولارية
وعلى الرغم من هذه المعضلات المشهودة والمحققة, يصر الخليجيون على وضع احتياطيات عملاتهم واستثماراتهم بالدولار، ما عدا الكويت التي انتهجت قاعدة سلة عملات، ومع ذلك فالدولار يكون عنصرا أساسيا فيها، ولكن لا تزال معظم استثمارات الكويت العامة والخاصة في أصول دولارية.

يقول أحد رؤساء البنوك الخليجية ان حكومته لن تتخلي عن الدولار «تحت أي ظرف كان»، ويقول رئيس آخر «اذا انهار اقتصاد الولايات المتحدة فان اقتصادات العالم كلها ستنهار». عجيب! هل معنى ذلك انه لا يجب على الانسان ان يعمل شيئا ويستسلم؟

لو كانت أي سفينة مشرفة على الغرق، والمستثمرون يتصرفون بدافع الغريزة كما يتصرف فئران السفينة، لقفزوا خوفا من الغرق حفاظا على الذات أنظمتنا التي حباها الله سبحانه بالعقل تمييزا للإنسان حتى يستعمل العقل أو الغريزة أو كليهما ويحافظ على نوعه ومقتنياته، لا تريد، بل ربما ليست مؤهلة لأن تعمل شيئا، ولكن ماذا تتوقع من نظم «سكرت أبصارها» ولا ترى الا ما يراه العم سام، والعم سام غارق في ذاته وأهوائه.

والغريب ان البنوك وشركات القطاع الخاص مؤمنة بقناعات اقتصادية بالية تغيرت مع صعود اقتصادات الأمم وهبوطها، وهذه سنة الكون.. «وتلك الأيام نداولها بين الناس»، ولم يغيروا قناعاتهم، ويعجبني ان استشهد في هذا المجال بمقولة د. محمد الرميحي «ان الأفكار عندما ترسخ في عقل إنسان تصبح صلبة كالحديد أو أشد صلابة ويتصرف على أساسها من دون استخدام العقل".

نقول لأنظمة دول الخليج والبنوك والشركات الخليجية اقفزوا من السفينة المشرفة على الغرق، واسلموا على مدخراتكم العامة والخاصة ومعاشات تقاعد العجزة والمقعدين، لا تتعذروا بعدم وجود بدائل.. ابتدعوها! البدائل موجودة.. ولكن يبدو ان الارادة معطلة.

دع الأيام تفعل ما تشاء فالفخ الصيني سيطيح بالعم سام وأنظمتنا ستسقطها شعوبها، وقل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا. ودعونا نأمل أن تحافظ الصين على علاقاتها الدولية القائمة على تبادل المصالح، فلا تستغني فتطغى، فلن يكون مصيرها أفضل ممن سبقها من الطغاة.

عبدالحميد منصور المزيدي- جريدة القبس


0 comments:

Post a Comment