Pages

Thursday, July 7, 2011

تسليط الضوء على المظاهرة المليونية



يوم الثامن من يوليو في ميدان التحرير وميادين محافظات مصر


د. محمد السعيد إدريس

التزاماً بشعار “الشعب يحمي ثورته”، قرر المجلس الوطني المصري الذي اكتسب شرعية تمثيل قوى ثورة 25 يناير المصرية، وعدد كبير من الحركات والمنظمات والقوى السياسية والشبابية المؤسسة لهذا المجلس، النزول إلى الشارع مجدداً يوم الجمعة الثامن من يوليو/تموز الجاري، للتظاهر والاعتصام في ميدان التحرير وسط القاهرة، وغيره من ميادين الثورة في محافظات مصر، ليس فقط استجابة لدعوة سابقة للمجلس بالتظاهر في هذا اليوم من أجل فرض دعوة “الدستور أولاً”، لحسم الجدل العقيم المثار في مصر منذ ذلك الاستفتاء حول التعديلات الدستورية، الدستور أولاً أم الانتخابات أولاً، ولكن من أجل فرض مطلب “الثورة أولاً”، ما يعني أن القوى الشعبية التي وجدت أنها قد استدرجت إلى هذا الجدل والانقسام حول مسائل إجرائية، قد وصلت إلى يقين بأن الثورة في خطر، وأن أهدافها يجري تجاوزها، وأن أشباح النظام السابق تتقدم يوماً بعد يوم للانقضاض على الثورة والعودة مجدداً إلى عهد ما قبل الثورة .

العودة إلى ميدان التحرير وإلى كافة الميادين ابتداء من يوم الثامن من يوليو/تموز الجاري، يبدو أنها دعوة للاعتصام المفتوح، وعودة مجدداً إلى الثورة من أجل تحقيق أهدافها التي لم تتحقق حتى الآن بعد مرور أكثر من خمسة أشهر لم يشعر فيها الشعب بالتغيير الذي كان ومازال يطالب به، لذلك فإن هذه العودة تبدو شديدة الأهمية، لكنها تبدو أيضاً محفوفة بمخاطر كثيرة .

أهمية العودة إلى تجديد الثورة تأتي من خلال وجود مضامين ومطالب محددة تتعلق بالتغيير الجذري على خلاف المرحلة الأولى من الثورة التي جاءت مدفوعة بمشاعر كراهية النظام وممارساته والمطالبة بإسقاطه، كانت مجمل الأهداف التي جرى إعلانها من العمومية لدرجة وفرت للثورة غطاء شعبياً واسعاً، لكنّ هذه المرة تأتي الأهداف محددة، وليس هذا فقط، بل هي أهداف تدخل ضمن مطالب التغيير الجذري والعميق، ومن هنا تأتي المخاوف .

فعندما لا تتصف الأهداف بالعمومية على نحو أهداف الحرية والعدالة والكرامة التي رُفعت في المرحلة الأولى من الثورة، فإن الانقسام على هذه الأهداف بين الطبقات والفئات الشعبية يبدو شبه مؤكد، فالأهداف المرفوعة هذه المرة تكاد تقترب من مطالب الثورة الاجتماعية، أو ثورة الفقراء والمعدمين، ما قد يدفع الطبقة فوق الوسطى والأثرياء من الانصراف عن الانخراط في الثورة بدوافع مصلحية بحتة، وهذا خطر على الثورة المتجددة .

وعندما يجري التركيز هذه المرة على شعارات وأهداف محددة، فإن قطاعات شعبية بعينها قد تشارك من دون غيرها في دعوة تجديد الثورة، في حين أن قطاعات أخرى قد تنصرف عنها، بل إن هناك من يرون وجود ارتباط بين دعوة تجديد الثورة ودعوة الدستور أولاً، وهي دعوة وقفت ضدها أطراف بعينها خاصة “الأخوان المسلمون”، وأيدتها قطاعات شعبية صوتت ب”نعم” على التعديلات الدستورية التي أعطت الأولوية للانتخابات، وأجلت وضع الدستور إلى مرحلة ما بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية، والتي صوتت بدافع الخوف على الاستقرار، وبدافع الحرص على حماية البلاد من خطر الفوضى وأشباح الانقسام .

كل هذا معناه أن الدعوة إلى تجديد الثورة يمكن أن ينقسم الناس حولها، ولا تحظى بالإجماع الشعبي الذي تحقق في المرحلة الأولى من الثورة، لكن الخطر لا ينحصر في الانقسام فقط، وإنما أيضاً في إمكان حدوث مواجهة بين قوات الشرطة والمعتصمين في ظل وجود احتمال وقوع صدامات شبه مؤكدة بين فلول النظام السابق وفرق البلطجية المنظمة المدعومة من هذه الفلول والممولة منها . بعض هذه الصدامات وقع في ميدان التحرير مساء الأحد الماضي، وقبله كانت صدامات يوم الجمعة أمام مسرح البالون، ثم في ميدان التحرير يومي الجمعة والسبت (24 و25 يونيو/حزيران الماضي)، بين هؤلاء البلطجية وبين الشباب المدافعين عن أهالي الشهداء الذين تظاهروا اعتراضاً على تجاوز حقوق أبنائهم الشهداء .

خطورة وقوع مثل هذه الصدامات تأتي من وجود احتمالات لدخول الجيش طرفاً في الصدام مع الشباب المعتصمين في الميادين الرافضين لتلكؤ المجلس الأعلى للقوات المسلحة في إنجاز الأهداف والمطالب التي قامت الثورة من أجلها، والتردد في الإجهاز على النظام السابق، والاعتماد على رموزه في إدارة شؤون البلاد بعد قيام الثورة .

شعارات ثورة 25 يناير، وبالذات العلاقة بين الشعب والجيش، معرّضة لاختبار شديد الحرج والقسوة إذا تطورت المواجهات بين الشعب والبلطجية وفلول النظام وقوات الأمن، وتحولت إلى مواجهة بين الشعب والجيش، ما قد يؤدي إلى تجاوز الخطوط الحمر في هذه العلاقة شديدة الأهمية والخصوصية، هذا التجاوز لم يعد مستبعداً في ظل حالة احتقان في العلاقة بين قوى الثورة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، بسبب ما يراه الثوار من وجود خطوط علاقة ومصالح بين المجلس الأعلى والنظام السابق، يراها الثوار سبباً في تباطؤ المجلس الأعلى في الإجهاز على النظام وفلوله، والتصدي لجيش البلطجية المدعوم من أثرياء هؤلاء الفلول ورموزهم الذين ما زالوا غير ملاحقين، وما زالوا متنفذين في مؤسسات الحكم كافة، وفي ظل تدخل أطراف خارجية في أوساط بعض الحركات الشبابية وقوى الثورة من ناحية، وفي أوساط الحكم من ناحية أخرى، هناك ضغوط قوى دولية وإقليمية ومؤسسات مالية على الحكم في مصر لاستمالته باتجاه تعميق الارتباط بالخارج، والحفاظ على منظومة العلاقات والتحالفات للنظام السابق، مع تلك الأطراف الدولية والإقليمية، وهناك على الجانب الآخر اختراقات في صفوف قوى الثورة من جانب معاهد ومراكز ثقافية أوروبية وأمريكية وكندية تحت شعارات التثقيف السياسي واكتساب المهارات السياسية المطلوبة للمرحلة المقبلة، خاصة انتخابات مجلس الشعب والانتخابات الرئاسية، هناك دعوات للمشاركة في ندوات ومؤتمرات بالخارج، وهناك تمويل للأنشطة، وفي الإجمال هناك محاولات وجهود لاختراق وتجنيد للشباب من أجل احتواء الثورة والسيطرة على توجهاتها بما يخدم أهداف ومصالح كل تلك الأطراف .

في ظل هذه الظروف هناك خطر الانقسام، وهناك خطر المواجهة بين الجيش والشعب، لكن الخطر الأكبر هو أن تتحول جهود الحفاظ على الثورة وأهدافها إلى تطورات غير محسوبة وغير محكومة، قد تؤدي إلى النيل من الثورة وأهدافها، وحدوث ما لم يستطع أعداء الثورة تحقيقه في المرحلة الأولى، وبالذات سلمية الثورة وحماية الجيش لها .

0 comments:

Post a Comment